التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:02:51 غرينتش


تاريخ الإضافة : 06.02.2010 12:01:00

الخلافة الغائبة

الشيخ ولد محمدو
أنا من الذين يؤمنون بأن "الاسلام هو الحل"،ومقتنع أنا جدا بالوسطية كمنهج يتعدي الفكر ليصل الي السياسة،بل إني أعتبرذلك شكلا من أشكال العبودية لله التي هي أرقي مراتب القرب من الله"..إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" أو كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم،ولكن قناعتي هذه تملي علي بالبداهة،أن أتفحص المحمول العقلي لفكر "المجموعات"الاسلامية أو "الاسلاموية"كما يحلو للبعض أن يصفها،وأن أحاول ربط طموحي السياسي في مجتمع يكتنفني ويحقق الرخاء والرفاهية لي ولكل أفراده الآخرين،بالرؤية "السياسية"بالمعني الواسع للكلمة والواردة في هذا "المحمول"ثم علي من باب التماهي مع "نظرية المعرفة"أن أطرح سؤالا جوهريا وحاسما في تحديد وجهتي:هل يتجاوز الامر بالنسبة لهؤلاء مرحلة الشعار وصولا للتجسيد الكامل وتحقيق مغزي "عمارة الأرض"تعبدا لله؟


في قلب المشروع:


في ظل الحديث الاعلامي هذه الأيام عن حكومة جديدة ستعلن قريبا ويكون نصيب الاسد فيها"لحزب التواصل"ذي الخلفية الاسلامية،وبغض النظر عن مصداقية الخبر من عدمه،يكون من الوارد التساؤل عن :هل يستطيع "الاسلاميون"إذا ما حكموا}بأي درجة من درجات الحكم{تحقيق إنجازات مهمة وموجودة علي الارض في الشؤون التي يمكن أن يتولوا إدارتها؟؟،بمعني آخر:هل يمتلك الاسلاميون مشروعا سياسيا يستجيب لتفاعلات وحاجيات"العولمة الاقتصادية"و"ضيق هامش القرار السيادي للدول في ظل هيمنة بعض الاطراف الدولية علي مؤسسات القرار والتمويل الدوليين؟؟،هذا فضلا عن عصر السماوات المفتوحة التي تهدد في كل آن"بنسف رأي الفرد وهويته المحلية"، تحت تأثير البث الفضائي والاعلام الجديد ؟ثم ما يستتبع ذلك كله من افرازات تمثل ما يعرف بالتخلف والفقر وغياب الحرية بمعناها الشمولي ؟؟؟،

في الواقع لاأميل كثيرا لاستدعاء التاريخ كمبرر منهجي وأداة قياس "للحاضر والمستقبل"لأني مقتنع أيضا"أن الحتمية التاريخية"هي نظرية لاتفلح كثيرا في التنبؤ بمجريات الامور،ولكني سأعود قليلا الي بدايات نشأة"المشروع الاسلامي"أو بروز"الاسلام السياسي"لأتفحص في عجالة الخطوط الاسترتيجية له،وهل هي موجودة أصلا،؟؟..الملاحظ أن الحركة الاسلامية منذ عهد "الشهيد حسن البنا"إهتمت بتبرير"شعار الاسلام هو الحل"وتثبيته كإطار فكري بديل ومناقض لكل الفلسفات"الشرقية والغربية"، ويري البعض أنها لم تستطع أو لم تجد الوقت للانتقال من مرحلة"صياغة المفهوم وترسيخه"الي مرحلة "تأسيسه "كخطوات استرتيجية "عملية"تستجيب للمشاكل المطروحة"للأمة"،وتطرح البديل "للفكر الاجنبي"،..ويعزو هولاء هذا "الجمود الاسترتيجي"الي أن "الحركة الاسلامية"تم شغلها دوما بمعركة تخوضها وتحرمها من فرصة "التفكير"الا في "المواجهة"،فبداية تم "دفع الاخوان"نيابة "عن الانظمة العربية المتقاعسة آنذاك"في معركة ضد اليهود الذين كانوا يحاولون احتلال "فلسطين" آنذاك، ثم بعد عصر"الثورة"شنت "الحرب"عليهم لتصفية وجودهم كمجموعة يمكن أن تشكل علي طريقة "فول بون"وريثا أو خليفة لنظام"الثورة"الذي لا يريد أن تهتف "الجماهير"بغير حياته؟؟،وهكذ تم اعتقال وتعذيب بل وقتل جل زعماء وقيادات "الاخوان"في سجون"عبد الناصر"،الامر الذي كان بداية حسب البعض لظهور"فكر الجهاد ضد الانظمة"أو ما يعرف "بتيار"الهجرة والتكفير"الذي يعتبر "الشهيد سيد قطب"من أبرز أعلامه،ويلخص سيد قطب فكرته الداعية الي "المواجهة"في أن النظام يريد استئصال "الجماعة"تنفيذا لمشاريع وأوامر"الصهيونية العالمية"وبالتالي فيجب التدرب والاستعداد والشروع بعد ذلك في مواجهته بالمتاح من الاسلحة، وتنفيذ اغتيالات تكون مؤثرة في تركيبة النظام ورادعة لأعضاءه،هكذا ظهرت فيما بعد معركة جديدة تضاف الي معارك"الجماعة"وتشغلها باستمرار وهي "التجزئة"الي اسلاميين "وسطيين"يستخدمون"الوسائل النضالية لمقارعة الانظمة،وآخرين يعتبرون"الانظمة كافرة ومرتدة" ولايجوز السكوت عنها بل تنبغي محاربتها وقتالها بالوسائل العنيفة،وهم في ذلك يحملون"علي الوسطيين"ويعتبرونهم"مرجئة"العصر الحديث لأنهم مستعدون للولوج في العملية "الديمقراطية"التي تعتبر بالنسبة اليهم"كفرا بواحا"،ثم تطور الامر في الزمن الحاضر ليمتهن هؤلاء مقاتلة"أمريكا"ومحاولة الانتقام"للمسلمين الذين تستباح أراضيهم"من طرف الاحتلال الامريكي،وهكذا ظل الانشغال يرتهن"المشروع الاسلامي"لواقع "التأجيل"أو التفكير"السريع"الناتج عن كون بعض فروع "الجماعة"تجد نفسها فجأة في قلب"السلطة،كما حدث في السودان والعراق وتركيا وأخيرا في فلسطين.وهذا ينقلنا الي النظر في صلب هذه التجارب ومقارنتها بمقياس"سؤال النهضة المعروف"وبمقياس الملفات الاشكالية التي تحدثنا عنها في بداية هذه العجالة.


بمنطق المستخلفين


في لقاء أجريته مع الاستاذ محمد جميل منصور لحساب يومية سابقة تسمي "الصحفي"،وكان ذلك في فترة حملة "النيابيات والبلديات"التي أجريت بالتزامن"أيام حكم اعل ولد محمدفال"،قال"النائب"_وكنت أسأله عن "العلاقة السياسية"بين الاسلاميين و"أمريكا"،كيف سيتفاعلان إذا ما دخلوا "السلطة والحكم"_ما معناه إنهم ينبغي أن يتعاملوا مع هذه الامور بنوع من "البراغماتية"المفاهيمية،وهو ما جعلني أطرح علي نفسي آنذاك أسئلة تلقائية:هل سيختلف الاسلاميون عندما يتعاملون"بمنطق البراغماتية"عن أي فريق سياسي؟وهل هذا إجتهاد من "النائب"أم أنه منهج فكري وسياسي"مستحدث"هنا في موريتانيا؟أم أن الامر يتجاوز لينسحب علي كل "الجماعة"الاسلامية أثناء ممارستها "للحكم؟؟؟..لابد إذن في هذه العجالة أن نمر ولو سريعا علي بعض نماذج "الحكم"الاسلامية،لنري منطق"المستخلفين"فيها.

وفي الواقع إن الحديث عن "تجربة الحكم الاسلامية" لايمكن عند البعض أن يتخذ كدليل علي بطلان وسقوط "النظرية الاسلامية"لأن هذه الاخيرة لم "تكتمل"كما يقول هؤلاء للأسباب التي أشرنا اليها سلفا وربما هذا في نظر البعض الاخر هو الذي يجعل "تجارب الحكم أو المشاركة فيه"تنطلق من واقع مرحلي يجعلها أحيانا تقع في فخ"البراغماتية"وهو ما يجعلها بعيدة عن الاساس "النظري"للتفكير السياسي الاسلامي الذي يتمسك بالمبادئ ويظهر المرونة فقط في سياقات طرفية وبعيدة عن الاصل ولا تشوه نموه،ولعل هذا هو ما يجعل الاستاذ والباحث في الظاهرة الاسلامية "ياسر الزعاترة"يصف الحزب الاسلامي العراقي"الاخوني"بأنه خرج علي"النهج والمبدأ"حينما تحالف مع "الامريكان"الذين احتلوا العراق وقبل المشاركة في "حكومة وصاية"تنوب عن الاحتلال في تسيير شؤونه"،نفس المنطق"البراغماتي"نجده وإن بشكل مختلف هذه المرة عن "إخواننا" السودانيين الذين "تحالفوا"مع نظام "جاء بإنقلاب عسكري"ليشرعوا له وجوده علي المستوي الشعبي،وليدخلوا في "الحكم"السياسي من بابه الواسع وليفشلوا فشلا ذريعا في ذلك لأسباب معروفة عند الجميع،وربما أهمها"ذلك التخبط النظري"الذي تجلي بشكل واضح بعد ذلك في فكر "الدكتور حسن الترابي"،وجعله ينادي "بفتاوي غريبة"،وبالمقابل يتحدث آخرون عن "تجربتين"حققتا حتي الان قدرا مميزا"من تطبيق النظرية الاسلامية"رغم صعوبة الجغرافيا السياسية التي تحكم كليهما،"فحماس"هزت عروش كل مراكز "التأويل والرصد السياسي الغربية"حينما زكتها أغلبية "الشعب الفلسطيني المطحون"في انتخابات وصفت "بالشفافة"،وجعلوها"المشرع الاسلامي"الخليفة عن الله في تنظيم شؤون حياتهم ومقاومتهم للإحتلال،ورغم أن البعض يؤخذ عليها"إحتلال غزة"ويعتبره إستمرارا لنهج "البراغماتية"فإنها تبقي نموذجا يعتد به،ويتطور رغم "الحصار والقتل والدمار"الي مشروع سياسي متكامل،وهي في ذلك تتماهي تماما مع التجربة الاخري "التركية"حيث نجح "الاخوان"هناك في فرض "الكثير"من مبادئ"النظرية الاسلامية في الحكم وهزوا وخففوا بذلك من سلطة "الجنرالات"العاتية،وأحدثوا زلزالا سياسيا بسيطرتهم علي الرئاسة والبرلمان،وهو ما يؤخذه بعض"البراغماتيين"الموريتانيين وغيرهم كدليل علي "نجاعة بل علي ضرورة"سياسة"البراغماتية"التي يسمونها "المرحلية وفقه الاولويات".

ولعل الملاحظة البارزة من كل هذا هي أن "النظرية السياسية الاسلامية"مهددة بإطراد "الزمن بالوقوف "جامدة"حيث هي وببروز "نظريات"مرحلية"أخري قد لاتعجب الكثير من "الشباب"الذين بدأت تجذبهم "معسكرات الموت"التي أنشأتها"القاعدة" والتي تقدم لهم "وعدا"بالمواجهة السافرة مع عدو سلبهم كل غال ونفيس وسلط عليهم من "بني جلدتهم"من يسومهم سوء العذاب إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!