التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:08 غرينتش


حديث الاثنين_ الحسين ولد مدو

تاريخ الإضافة : 09.02.2010 10:04:43

الرهان الصعب

ما استضافت بلادنا ضيفا ولا حدثا إلا المني الحدث وأفرحتني الواقعة في الوقت ذاته، فأرضنا واسعة وساكنتها تستضيف الواردين والقاصدين بصدر رحب، ولكن بغياب البنى المواكبة لاتساع القلوب يحدث الانزعاج ويتولد القلق، يفرحني الحدث لأنه يمثل مكسبا وخطوة في سبيل تعزيز مكانة الوطن بالمجتمع الدولي، وتقلقني الواقعة لاحتمالات نقص الموارد والمقاعد والطرق والشقق وكل ما يمكن أن يؤثر علي قرى الضيف في مدن تشبه القرى الكبرى، ومع ذلك فعلي نقص البني تبقي الضيافة والاستضافة أهم معين على اكتساب المراس والتمرن في المجال، و أفضل علاج لهذه النقص يبقي مبادرة الفعل ومباشرة العمل، فعلاج تشجنات القدم السير عليها، فلنستمر في العمل علي ضيق ذات اليد ومحدودية الجهد وصولا للمزيد من التحسينات، فكثيرا ما كانت متطلبات استضافة القمم والندوات باعثا لتحسين أدوات المضيف.

ما زرت بلدا إلا واجتاحني التساؤل لما ذا لا نكون مثله أو قريبا منه، فابدأ أقلب البصر ذات اليمين وذات الشمال في مساكنه ، طرقه، وفضاءاته، أغبط أصحابه على ما هم فيه وأشفق علي ما نحن عليه.

ما زارني زميل أجنبي إلا وشعرت وكأن من واجبي تقديم الاعتذار عن وجودنا متلبسين بهذه الصفة وعلي هذا النحو، فأسهب في تدبيج الترحيب بالتذكير بأن استقلالنا تم داخل خيمة غداة الاستقلال، وبأننا بلد موارده مهدورة وطاقته إنسانه وليس بنيانه، نحن بلد في طور النمو نعتز بأشيائنا الصغيرة وطموحاتنا الكبيرة، ووراء هذه الأشياء البسيطة شعب كبير بإيمانه وقلب كبير باحتضانه، أحاول إقناع ضيفنا الكريم بأن ثمة خفايا يتعين اكتشافها، وبأن عليه أن لا ينخدع بمظاهر الرجل النحيف، وأجدني أجهد نفسي بالمبررات حتى يكون زوارنا أكثر رحمة في التقويم، وليصبح الضيف أكثر تفهما للمضيف زملاء آخرون بخلافي يعتمدون المقاربة الوقائية بدل العلاجية فيقومون ـ تعويذة للقادم ـ برسم لوحة قاتمة حتي لا يصدمه الواقع، فتنعكس الآية وتحدث لديه المفاجأة السارة، ليس في ذلك تثمين مضاف للأبعاد المادية ولكن لأن ثمة حدودا دنيا يتعين توفرها بالبلاد لضمان استضافة أي حدث بشكل مقبول وتتوجب استدامتها انتظارا لكل قادم , فالمسارح الكبرى والفضاءات المنتشرة تبعث الحياة بالمكان والمهرجانات الوطنية الكبرى تحلق بنا في عوالم المشترك تبنيه وتحييه.

سفير عربي سابق كان يحضر نشاطا ثقافيا بدار الشباب القديمة، عند جلوسه أثرت في جسده ـ ثم في نفسه ـ مقاعد دار الشباب فلم يتمالك وأسر إلى قريبين منه قائلا ما هذه بدار ثقافة، وثارت ثائرة بعض الصحف عليه لتجاوز الأعراف الدبلوماسية وما ثار أحد لندب حظنا العاثر وعجزنا الحاضر عن توفير دار واحدة صالحة للضيوف وللاستضافة وهو الشق الثاني اللازم الاستحضار.


هذا ا لشعور الغامر بالارتياح والمغامرة القلقة تملكني حين العلم باختيار نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية 2011 وهو أمر يعتز به كمكسب وكحظوة من أشقائنا في الدول الإسلامية، كما أنها فرصة وتحد في الآن ذاته، قد تكون شاهدا لنا كما قد تكون شاهدا علينا، هو حدث ثقافي كبير يفترض أن ينعكس إيجابا علي صورة البلد وينبغي أن تستفيد منه مناطق البلاد في إحياء قيمها وتراثها وإنعاش حراكها الثقافي والاقتصادي ولكن هذا الحدث الكبير قد ينقلب إلى عكسه حين يساء إعداده في ظل مناخ لا يحرض علي ذلك، أنه تحد حقيقي ولكن بالإمكان كسبه.

في سياق الإعداد لانواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية ثمة أمور مشجعة وأخري مثبطة.

فلنبدأ بالثانية وبها تذكرت الضيف وإمكانات المضيف، والبلاد بلا دار نشر ولا مسرح وطني ولا قاعة استقبال بالمواصفات وبلا طرق، استحضرت الثقافة العضو المعدم في ا لعائلة الفقيرة وتذكرت المشتغلين بالحرفة في بوار تجارتهم وقلة حيلتهم وهوانهم علي الناس، يعيشون ضنكا مشتغلين بمراقبة المرجل عن مساءلة القضايا و يموتون بارتفاع ضغط الحاجة أو بارتفاع ضغط الدم، واستحضرت تاريخ الوزارة التي لم تتصالح مع ذاتها مطلقا، وباتت ضحية عمليات الوصل والفصل بين القطاعات : التوجيه الإسلامي، الاتصال، الشباب، الرياضة، وفريسة تخريجات الفقهاء، وخرجات الفنانين وتصفيات الرياضيين وإكراهات الشباب . وحضرتني ضمن المثبطات طبيعة تعاطي الوزراء القائمين على الثقافة فلنؤجل قصتهم.

لحديث الاثنين المقبل


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!