التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:15:37 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.02.2010 12:16:33

يحي ولد البراء للأخبار: ليس من الضرورة أن يكون المثقف مبتعدا عن السياسة لكي يكون مثقفا

قال الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع والتاريخ الدكتور يحي ولد البراء إنه ليس من الضرورة أن يكون المثقف مبتعدا عن السياسة أو حياديا من ما يدور لكي يكون مثقفا أو موضوعيا مؤكدا أنه يعتقد أن الواجهة الاجتماعية للإنسان أيا كان سواء كان مثقفا أو غير مثقف جزء مهم من مساهمته في النفع العام ومن إنسانيته.

وقال الباحث في حوار أجرته معه وكالة أنباء "الأخبار" المستقلة ينشر اليوم إنه يعتبر الثقافة الغربية المعاصرة أحسن ما توصل إليه العقل البشري حتى الآن.
وفي سياق آخر قال الباحث إن الموسوعة الفقهية التي يعكف على إخراجها منذ فترة احتوت على عدد كبير من الوثائق النادرة بل والمنعدمة وفق تعبيره التي قال إنها ستثري الساحة الفكرية والعلمية وتوفر مادة للكثير من المعلومات بشتى أنواعها


وهذا نص المقابلة:

الأخبار: سيادة الدكتور لديكم روح تراثية تتمثل في اهتمامكم بالفتاوى والمتون ثم في نفس الوقت يلاحظ البعض عليكم بعض الاندفاع إلى الثقافة الغربية ألا تعتبرون هذا خلطا بين متناقضين ؟
يحي ولد البراء: أشكركم أولا على المقابلة وأهنئكم ثانيا على نشاطكم الاعلامي المتميز . بالنسبة
للمفارقة التي تقولون بين الاهتمام بالثقافة المحظرية والثقافة الحديثة لكي لا أقول الغربية فهي بالنسبة لي أمر غير لا تعارض بينه. فأنا أولا تربيت في أحضان نشاط محظري وإن كنت درس في التعليم النظامي من بدايته، ثم إن اهتمامي بالتراث هو اهتمام نابع من موقف علمي . فهذا التراث في أغلب جوانبه ذو قيمة كبرى من الناحية العلمية ومن ناحية تقييم المساهمة الحضارية لأصحابه. وانطلاقا من هذا التراث يمكن للإنسان أن يفهم مجموعة من الأشياء التي يعيشها الآن ويفكر في طرق أنجع لتفسير ما يواجهه. وليس فقط من أجل البحث عن ما قد مضى بل من أجل إدراك مجموعة من الأشياء التي تعتمل الآن في الساحة الاجتماعية وفي الساحة السياسية والثقافية والاقتصادية. إذن هكذا كان اهتمامي بهذا الموضوع. أما بخصوص الفقه النوازلي الذي اهتم به منذ أكثر من عقدين من الزمن فيبدو لي أن الفتاوى تمثل مصدرا من مصادر الخبر والمعلومة عن المجتمع غير قصدي وذلك ما يبعده عن التحريف والكذب ولذا كان اهتمامي بهذا الموضوع في مجموعة من المقالات نشرت في عدة مجلات وفي أطروحتي بعد ذلك. ثم بعد ذلك تطور اهتمامي بهذا الموضوع إلى اهتمام بجمع هذه الفتاوى والنوازل باعتبارها أيضا من ناحية أخرى لها محتوى علمي لاشك في أهميته. هذا فيما يتعلق بالثقافة التقليدية أما بالنسبة للثقافة الغربية فأنا استبدلها عن قصد بالثقافة المعاصرة لكي أكون دقيقا من الناحية العلمية. واعتبر أن الأخذ بها إفراط ونبذها تفريط. وهنا لا أتكلم على جوانبها وثمراتها المادية التي يستعملها كل الناس ويعتمدونها في حياتهم ولا يختلف فيا اثنان، ولكن أخص بالذكر جانب المناهج وتطبيقاتها في الدراسات المتعلقة بالإنسان والمجتمع. فمشكل تلكأ نهضة العرب والمسلمين يرجع في جزء كبير منه إلى مناخ فكري وثقافي ينحو نحو الانحسار والنبذ. وتلك أعراض تصاحب عادة مراحل جزر الشعوب ودوال الحضارات. وبالتالي أنا أعتبر أن الثقافة الحديثة تمثل اليوم أهم شيء وصل إليه العقل البشري على طول تاريخه ، أهم تجربة متراكمة ، أهم منهج في كشف أسرار الكون اعتمد لحد الساعة. فأنا إذن لست من القائلين بالانبتات ولا الانبهار والمسخ ولكن اعتبر ؟أن هنالك منزلة بين ذلك وليست تلك التي دعا إليها الاصلاحيون كمحمد عبده وغيره بل هي نظرة أشمل من ذلك وأكثر بعدا عن الوهم.

الأخبار: كان لديكم حضور سياسي ومشاركة من خلال حزب تكتل القوى الديمقراطية بزعامة أحمد ولد داده لكنكم في الآونة الأخيرة اختفيتم عن المسرح السياسي ما السبب في ذلك؟

يحي ولد البراء : أنا شاركت في العمل السياسي نوعا ما من خلال التكتل ولم اختف عن هذا النشاط بشكل كلي بالرغم من مشاغلي التي تحول بيني وبين الممارسة اليومية لهذا المجال الحيوي وقلة بقائي بشكل طويل في البلد. فمازلت عندي قناعاتي بضرورة وجود نظام سياسي رشيد وشفاف في شكل ممارساته وتداوله و لدي مجموعة من الآراء حول تأسيس مستقبل هذا البلد وحول المشروع الذي ينبغي أن يكون عليه. طبعا السياسة بمفهومها اليومي أنا كما قلت لست من الناشطين فيها لا لموقف رافض لها ولكن لضغوط الأنشطة التي أقوم بها فأنا اعتبر الإنسان أيا كان مخلوقا سياسيا يقوم بالسياسة من موقعه وحسب طريقته وسلوكه.

الأخبار: بالمناسبة هناك سؤال قادنا إليه هذا السؤال الأخير هو من أي نوع ينبغي أن يكون موقف المثقف من التحزبات في ظل التوجهات السياسية فالبعض يرى أن على المثقف أن يحذر فقط من الدخول تحت راية السلطة ولا عليه ملام في أي انضمام إلى جهة أخرى بينما يرى البعض أن التصنيف السياسي أيا كان لا يخدم المثقف كيف تضيئون لنا هذه الإشكالية؟

يحي ولد البراء: هذا السؤال صحيح في صياغته هكذا ولكن ليس من الضرورة أن يكون المثقف مبتعدا عن السياسة أو حياديا من ما يدور لكي يكون مثقفا أو موضوعيا. أنا أعتقد أن الواجهة الاجتماعية للإنسان أيا كان سواء كان مثقفا أو غير مثقف جزء مهم من مساهمته في النفع العام ومن إنسانيته. فالمثقف بالنسبة لي له رأيه في السياسة وفيما يدور وإن كان من الضروري أن يأخذ دائما مسافة ونظرا متقاعسا عن الحدث لكي يتصوره ويعالجه بشكل محايد نوعا ما تماما كالصحفي فكما أن الصحفي ينبغي أن لا يكون جزء من الموضوع فكذلك المثقف ينبغي أن لا يكون كذلك فقط من باب دقة الوصف وموضوعية المعالجة. لذلك أعتقد أن المثقف الحق هو الذي عنده آراؤه في السياسية وإن لم يكن منضويا في حزب معين. وهو ما يسمى الواجهة العامة الفاعلة في التاريخ ويجب عليه كذلك أن يتحلى بمجموعة من الشروط التي تسمح له أن يحلل ويصف ويفسر بشكل موضوعي ما يدور.

الأخبار: سمعنا سابقا أن لديكم موقفا من الإيديولوجيات وبالتالي لم يتم تصنيفكم ضمن الإيديولوجيات المعروفة في مسار الحركات السياسية في البلد كيف جاء هذا الموقف؟
يحي ولد البراء: لقد تطور موقفي من الايديولوجيات. طبعا لم أكن مبالغا في الاندفاع الإيديولوجي وبالتالي لم أكن قط منضويا بشكل نسقي في حركة أو اتجاه معين وإن كنت في مراحل من التاريخ نمت عندي نوعا ما تحبيذات لتيارات معينة ، أنا أعتبر أن الايديولوجيات بالتعبير السياسي اليومي مسألة قد لا تكون ذات جدوائية كبرى على المجتمع وحركته نحو الأحسن. وأرى أنها في ظل التعصب وعدم التسامح تصبح وبالا على الناس كما هو مشاهد في الواقع. الفعل السياسي البناء في نظري ينبغي أن يكون نابعا من ضوابط تتعلق بهوية أصحابه وخصوصياتهم الحضارية وداخلا في مجموعة من الأطر العامة التي يتحدد من خلالها فعل الانسان وسلوكه ولكن يجب أن يجد صاحبه فسحة في التفكير والفعل السياسي أي تكون له ثقافة سياسية ديموقراطية لا إقصائية ولا اختزالية وهذا ما ما لا يمكن توفره في أصحاب القوالب الاديولوجية الموجودة. ولذلك أعتقد أن هذه الاديولوجيات مثلت جزءا من الأزمة التي يعاني منها المجتمع وزادت من أمراضه.

الأخبار: قلتم أنه كانت لديكم تحبيذات لبعض التيارات السياسية ما هي هذه التيارات التي كانت الأقرب إلى نفس الدكتور؟
يحي ولد البراء: أيام دخولي للإعدادية كان ذلك الوقت أوان أوج نهاية حركة الكادحين وكانت حماها قد عمت الوطن بأسره وانضوى فيها أغلب شبابه المتعلم فكانت عندي تحبيذات لشخصيات من ذلك التيار كما كانت لي أشكال من التقدير لزعامات معينة كعبد الناصر وصدام وبومدين ثم بعد ذلك أيام الثورة الاسلامية في إيران أيضا أصبحت عندي تحبيذات جديدة لرجالات من أصحاب هذا الاتجاه. ولم أنشط كما قلت في أي تيار من هذه التيارات، فالاديولوجيات أيا كانت مسألة تتعلق بمناخ فكري معين وتتعلق بمرحلة فكرية معينة ولذلك أعتبرها حقبة من العمر أكثر مما هي تعاطف بمفهوم الكلمة.

الأخبار:ألفتم عن تأثير بعض المتون مثل ألفية بن مالك في الثقافة الموريتانية هل مازال لهذه المتون تأثير على الثقافة الموريتانية المعاصرة في ضوء سيادة الثقافة المادية ؟
يحي ولد البراء: هذه المتون كانت تدرس للناشئة لكي يتعلموا من خلالها ثقافة معينة وهوية حضارية معينة ويبدو لي أنها تبقى مهمة ليس في ذواتها ولكن في مضمونها فشيء مهم أن يتعلم أبناء لغة معينة أساسيات ثقافتهم خاصة إذا كانت اللغة المتعلمة بالنسبة لهم هي اللغة الأم أو قريبة من اللغة الأم . فهذه المتون تساعد على تعليم الأطفال ثقافتهم الأصل ولغتهم الأصل واللغة الأصل هي الطريق الوحيد الذي يمكنهم أن يبدعوا من خلالها فالإنسان لا يبدع إلا من خلال لغته الأم وبالتالي يتأكد تعليمها لكي تكون هناك نهضة حضارية بتكوين مبدعين. أنا أعتبر أن هذه المتون من ناحية الدقة دقيقة جدا وقد تخدم أكثر تعليم الناشئة من غيرها من المتون نتيجة لطبيعتها الاستيعابية وطبيعتها التبسيطية. وأعتبر أن تأثيرها في الثقافة المعاصرة ما زال موجودا. قد لا يهتم بها البعض اليوم في بداية دراسته لأنه توجد في الساحة بدائل ولكن عندما يتقدم به البحث والدراسة ربما يجد أنه لا مناص من الرجوع إليها. وبالتالي يرجع لها ومن هنا أعتبر أنها مهمة.

الأخبار: ما السبب في ابتعادكم عن علم اللسانيات الذي هو تخصصكم في تآليفكم التي اتخذت منحى اجتماعيا وتاريخيا ؟
يحي ولد البراء: لم ابتعد أبدا عن هذا المجال فما زلت أهتم باللسانيات وقد صدر لي أخيرا كتاب عن الدلالة والمنطق والتأويل وهو يتعلق بالتوجهات والمعارف الدلالية الحديثة ومقارنتها بالدرس العربي القديم وتقييم كل ذلك. كما كتبت مقالات عن اللسانيات ولكن ليس باللغة العربية لأني أعتبر أن استهلاك هذا الموضوع مازال ضعيفا في المجتمع العربي عموما وحتى الدول العربية الناهضة وبالتالي قد يكون نوعا من الفضول المعرفي أنا اهتممت بهذه الدراسات الاجتماعية خاصة لأنني قمت بدراسة هذا الموضوع الذي شدني كثيرا بإعداد أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع الانتربولوجيا أيضا وبالتالي اهتممت بهذا الموضوع ونشرت مقالات عدة تتعلق به. وأنا عندما درست الانتربولوجيا اتجهت إلى ما يسمى الانتربولوجيا الثقافية وهي أقرب شيء إلى اللسانيات ومن أهمها دراسة النصوص المكتوبة من أجل تسليط الضوء على المسلكيات والعوامل الفاعلة في مجتمع معين عبر التاريخ. واللسانيات ما زلت أعطي منها درسا في الجامعة وبالتالي مازلت أهتم بها وإن كان ما أكتبه الآن باللغة العربية في محيطنا الثقافي بالذات يتوجه أكثر إلى الجوانب الفقهية والجوانب الاجتماعية.

الأخبار: هناك سؤال هو أن اللسانيات أكاديميا أصبحت منهجا نقديا تدرس من خلاله الأعمال الأدبية فبعض النقاد اليوم يطبقون اللسانيات على الأدب لكنكم أنتم ورغم أنكم مختصون في اللسانيات لم تحاولوا دراسة الفتاوى من خلالها ولم تطبقو اللسانيات على ما قمتم به لحد الآن من كتابات اجتماعية هل يعود السبب إلى عدم تبنيكم للسانيات كمنهج نقدي يساعد على التحليل؟

يحي ولد البراء: هذا الذي قلتم يسمى تحليل الخطاب باعتبار الفتاوى نصا مكتوبا يمكن أن تحلل تحليلا خطابيا والتحليل الخطابي شعبة من شعب الدراسات الدلالية وبالتالي فأنت كما يمكن أن تدرس خطابا سياسيا من الناحية الدلالية يمكن أيضا أن تدرس نصا فقهيا من الناحية الدلالية أو من الناحية الإشارية السيمولوجية وبالتالي فالمسألة مسألة توجه إلى هذا الصدد وتبني له فقط وأنا لم أطبق المنهج الدلالي والخطابي على ما قمت به من أعمال. فقد طبقت منهجين مختلفين الأول يسمى المنهج الموضوعاتي الذي يهتم بطرح الأسئلة بغية البحث عن الإجابة عنها من خلال تحليل طبيعة المقولات التي كان يفكر بها الفقهاء سواء كانوا ينقلون أو يبدعون، و آلياتهم التي كانوا يوظفون في الاستدلال. هذا اهتممت به كثيرا. أما المنهج الثاني فهو يتعلق بالمقاربة الاجتماعية والانتروبولوجية . أي ما هو محتوى الخطاب الاجتماعي والسياسي الذي يقدمه الفقهاء في هذا الموضوع . طبعا أنا أنظر إلى هذه المقولات التي يفكر فيها الفقهاء من منظار اجتماعي أو سيمولوجي ومعنى ذلك أني أقابل مقولات فكرية معينة بتحليل له خلفية نظرية أخرى وبالتالي قد يكون التحليل متوجها إلى منحى معين قد يكون سيمولوجيا أو ثقافيا إلى غير ذلك.

الأخبار: الوثائق النادرة التي سمعنا أنكم حصلتم عليها هل يمكن الاعتبار أنها سدت بعض الفراغ الذي كانت تعاني منه الدراسة التاريخية في موريتانيا التي تهتم بالاجتماع والآثار العلمية؟

يحي ولد البراء: أنا قمت بمشروع كتاب على غرار كتاب الونشريسي المعيار كتاب يجمع الفتاوى الموريتانية من القرن السادس عشر الذي يعتبر أول ما وجد من المكتوب إلى حد الساحة وطبعا كتابي هذا كبير ضخم جمع كثيرا من الوثائق التي قد لا تكون متوفرة وقد تكون مفردة أي لا يوجد منها إلا النسخ التي اعتمدت عليها. و قد تكون الآن منعدمة. طبعا إذا قرئت هذه الوثائق فإنها ستسد فراغات فيما يتعلق بالتاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي بمفهومه العام وهو شيء مهم لأن التاريخ الاجتماعي هو الذي يمثل توجهات مجتمع معين في مرحلة معينة فيبدو لي أن جانب التاريخ الاجتماعي ربما يكون أثرى في هذه النصوص من جانب التاريخ ألحدثي بمفهومه الساذج. إذن أعتبر أنها لا شك ستثري الساحة الفكرية والعلمية وتوفر مادة للكثير من المعلومات بشتى أنواعها.

الأخبار: كيف تقيمون مشروع جامعة نواكشوط اليوم بعد مضي ثلاثة عقود عليها في ضوء هجرة واسعة للأدمغة خصوصا من جيل الأساتذة الذي انطلقت بهم الجامعة ؟
يحي ولد البراء: أعتبر أن الجامعة كانت في بدايتها قرارا سياسيا وسياديا قبل أن تكون استجابة لمطلب علمي وجماعي وطني. وبالرغم من أن بدايتها كانت متعثرة إلى حد كبير فإنا كانت إذ ذاك أكثر نشاطا وعطاء على المستوى العلمي. فقد بدأت التدريس فيها في منتصف الثمانينيات ولاشك أنه حسب ما يبدو لي من مقارنة بوضعها في الفترات اللاحقة أنها كانت تريد أن تكون كالجامعات فكانت لها مجلة علمية رغم تباين محتوياتها في الكيف وفي الكم. والسبب يعود إلى أن البدايات كانت بدايات تحاول فيها الجامعة أن تحاكي جامعات أخرى وبالتالي تقوم بمجلة سنوية ونشاطات ثقافية تطلب من الأساتذة أن يقوموا بمحاضرات موسمية. هذا شيء لم يعد موجودا نتيجة لأن الجامعة في مرحلة التسعينات فما بعدها أصبحت جزء من المجتمع وجزءا من مؤسسات الدولة. وفي البدايات كانت كأنها مزروعة في وسط المجتمع وبالتالي كانت تحاول أن تشابه نظيراتها في العالم. و اليوم أصبحت ككل المؤسسات مهمتها إدارة تفاصيل الحياة اليومية. وبالتالي أصبحت ككل المؤسسات طبعا يبدو لي أنها قد تكون شهدت هجرات معينة لبعض الأساتذة المتميزين الذين ذهبوا عنها لما رأوها هكذا وقد يكونون من خيرة الأساتذة وطبعا هذه الوضعية لم يتغلب عليها لحد الساحة لكن الجامعة في الوقت الراهن الذي أصبح ينتخب فيه الرئيس وينتخب فيه العميد انفتحت أمامها آفاق التطوير ويبدو لي أن وضعيتها الحالية تشهد تحسنا ملحوظا خاصة على مستوى الصرامة المالية والتنظيم. أما على المستوى العلمي والتربوي فيبدو لي أن قوة اللوبيات السياسية فيها تجعل تطويرها على هذا المستوى أمرا صعبا ولو كانت هنالك إرادة من طرف الإدارة فما دام اختيار المسؤولين عن المحتويات المعرفية والتربوية تتم بطريقة الزبونية السياسية لا الكفاءة والكفاية فلن يتقدم البحث العلمي أبدا.

الأخبار: من أين جاء اهتمام أستاذ اللغة العربية يحي ولد البراء بدراسة بعض اللغات المندثرة التي كانت سائدة في البلد مثل "الصنهاجية"؟
باعتباري أني لساني فمعنى ذلك ومقتضاه أني أهتم بالظاهرة اللغوية ككل لا بلغة مفردة. وبالتالي فما أطلقه على لغة معينة من المفترض أن ينطبق على لغات أخرى إن لم ينطبق على جميع اللغات. ومن نافلة القول التذكير أن اللغة الصنهاجية هي أخت لللغة العربية أي من نفس الفصيلة اللغوية. فالحديث عن لغة معينة في إطار الرؤية اللسانية هو حديث تمثيلي فقط فالانتظامات الكبرى لجميع اللغات البشرية واللغات الطبيعية هي موضوع اللسانيات. فالمنهج الذي أدرس به اللغة العربية يمكن أن أدرس به اللغة الصنهاجية أو الولفية .. كمال أعتبر أن اللغة الصنهاجية تحتاج إلى أن تجد لفتة من أبناء هذا المجتمع لأنها كانت متكلمة في تاريخه وبين أجداده سكانه ولأن الكثير من الدلالات التاريخية والاجتماعية ما زالت مرتبطة بها تعكسها أسماء الأماكن والنباتات وبعض الحقول المعجمية الأخرى. ولهذا السبب كان اهتمامي بهذه اللغة واللغة الأمازيغية تعرف اليوم تكورا كبيرا في البلدان العربية وفي الغرب وهي ككل اللغات لا فرق بينها على المستوى البنيوي. فاللغات مختلفة إذا نظرت إليها لكنها متساوية في قدراتها الاستيعابية فيمكن أن تعبر عن كل شيء كشأن كل لغة قد تموت لغة لأنها لم تعد مستعملة لكنها فور استعمالها تكون لغة ككل اللغات.
الأخبار: متى ستصدر مجموعة الفتاوى الكبرى التي تعكفون على إعدادها؟

يحي ولد البراء: هذه الموسوعة كبيرة حوالي 14 مجلدا وكل مجلد من حوالي 700 صفحة. وقد صدرت منه لحد الآن خمسة أجزاء والأجزاء الأخرى ستصدر خلال هذا الشهر.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!