التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:21 غرينتش


تاريخ الإضافة : 04.03.2008 12:03:54

وطني يحتضر فهل من مجيب؟؟

الشيخ الولي أحمد مسكه / سياسي وباحث موريتاني

الشيخ الولي أحمد مسكه / سياسي وباحث موريتاني

لا أحبذ الخوض في شؤون الغير فتلك ليست من عادتي، لكنني لم أجد بدا من ذلك إذ تستدعي شروط السلامة في أحايين كثيرة لجم الغير ومنعه من التصرف وفق هواه خصوصا إذا كان يجمعك وإياه المصير المشترك، وصادف أن قام بفعل من شأن عواقبه أن تكون وبالا عليكما معا. وهذا ما دعاني إلى التركيز على مشاهد آلمتني كما آلمت غيري من أبناء هذا الوطن لكنه فضل النأي بنفسه حيث آثر مبدأ السلامة، آلمتني وهي تكررــ أعني المشاهد ــ بشكل يومي وبازدياد مضطرد دون أن يأبه لها أحد أو يكترث رغم ما سببته ولا زالت تسببه من حرج بالغ تطاردنا لعناته في حلنا وترحالنا وقد باتت جزء من ثقاÙ
�تنا كشعب تميزنا عن بقية شعوب المعمورة. فقد سبق وأن جمعتني رحلة جوية مع واحد من الذين سمنتهم هذه البلاد ومنحتهم من حبها وعنايتها ما لم تعره لأحد من أبنائها الذين هم من صلبها بل وزادت على ذلك بأن وهبته جنسيتها التي لا يستحقها. كان يجلس إلى جواري وبعد الإقلاع بفترة وجيزة وتحديدا بعد أن رن الجرس إيذانا بالسماح للركاب بفتح أحزمة المقاعد والاسترخاء استلقى المذكور على ظهره وتوجه إلي بالخطاب أأنت موريتاني ؟ قلت له بكل سرور نعم وأعتز. ويبدو أن تلك الإجابة كانت شديدة الوقع على مسامعه وكافية لإطلاق الشرارة الأولى لسلسة هجمات سيوجهها فيما بعد إلى البل
د الذي من عليه بما لم تمن عليه به بلاده الأم مبتدئا كلامه ب ( يا أخي شو أقول لك العالم فين ؟ وموريتانيا فين ؟ ). نحن الآن في أجواء العالم المتحضر حيث مفهوم الدولة ماثل للعيان وحيث القوانين والأنظمة معمول بها وحيث للإنسان كرامة، الكل هنا وهناك أينما قصدت ما عدا موريتانيا يقوم بالواجبات المنوطة به على أكمل وجه من أعلى هرم للسلطة وإلى أدنى المهن! ويسترسل في حديثه عن مساوئ ذلك الوطن الذي استباحه أبناؤه لخردة البشر من أمثال هذا اللئيم فيقول: في موريتانيا طالما لديك نقود فافعل ما شئت فمهما حاولوا من تنفيذ إجراءات خجولة في حقك فإن ( الفظة ) ستكون أسرع Ù
�فعولا وأمتن جاها وستتكفل بك لتخرجك رغما عن كل من سولت له نفسه ذات يوم أن يكون وفيا لبلاده، في موريتانيا كل شيء متاح حتى الشرف لا توجد له قضايا أمام المحاكم كما في بلدي ( لبنان ) والذي يعد من أكثر البلاد تحررا. تصور معي أن العلاقات الغرامية فيها ـ موريتانيا طبعا ـ أقصر عمرا من العلاقات الساقطة إذ بإمكانك أن تنشئ علاقة شبه صادقة مع فتاة وتصيرا عشيقين في ظرف أقل من أربع وعشرين ساعة وتخرج معك إلى حيث شئت والكل يراكم وكأنه يقر ويبارك هذا النوع من العلاقات الخاطفة، في موريتانيا الكل يعمل لحساب نفسه وكأن الوطن لا يعنيهم في شيء فكلما كانت يدك مبسوطة كØ
�نت الأيادي ممدودة إليك وحاجاتك ملباة وما عليك إلا أن تأمر، في موريتانيا....قاطعته في هذه ولم أدعه يكمل لأني لم أجد مجالا للرد عليه لكثرة ثرثرته وكأنه مشغل اسطوانات، قاطعته وأنا لا أعرف من أين أبدأ ولا كيف أضحد تهكماته تلك في حق بلدي رغم أني أعرف بل وأقر بأن كل ما قاله صحيح، لكنني قررت أن أقحمه في أضيق زوايا النقاش ومن ثم أحاول صد الهجوم. قلت له مادامت جميع تلك المساوئ التي ذكرت من شمائل ذلك البلد المنسي والذي لم تبلغه رسالة الحضارة بعد ( على حد وصفك ) فلماذا تجعله وجهة لك عسى أن تجني منه رزقا وتنبت من خيراته لحما كما ينم عن ذلك محياك؟ لماذا لا تبق
ى في بلدك حيث الحضارة وحيث الرقي وحيث...وحيث...؟ مع أنني أعرف حقيقة بلدك لكني لا أريد أن أوزره بوازرة أوزرتها أنت!. في بلدي(وموطنك ) حظيت أنت بما لم يحظ به أي من أبنائه الأصللين رغم أنك لا تستحق كوب ماء على ظمإ حتى ولو كان في ذلك نجاتك أتدري لماذا؟؟ ليس لسبب من تلك الأسباب التي عددت، ولكن لأسباب لم تعهدها أنت ولا أمثالك في ثقافة التربية لديكم. إنه الإباء والكرم والسخاء وإكرام الضيف الذي لا يكمل إيمان أي منا إلا إذا كان مكرما لضيفه مع أنه كان لنا مخرج ولم نستفد منه وهو مدة الإكرام التي لا تتعدى ثلاثا من الليالي بأيامها وأنتم قد مضى على قدومكم إلى تلÙ
ƒ البلاد ما يضاهي نصف قرن من الزمن لكنه ـ يا هذا ـ الحس القومي والوازع الديني فهما اللذان دفعا بنا إلى أن نكرم ذئابا مسعورة لم نجن من وراء إيوائها إلا العواء والخذلان. في بلدي حصلت أنت وأمثالك من المحرومين على مأوى بعد أن ضاقت بكم أوطانكم الأصلية ونبذكم القريب فلم تجدوا إلا الغريب الذي آواكم وأكرم وفادتكم وها أنتم تردون على جميله بهذا السيل الجارف من المساوئ والعيوب، كان حريا بك ألا تنسى الساعة التي قدمت فيها إلى موريتانيا ومن ثم تقارنها بالساعة التي نحن فيها وستجد بالتأكيد فرقا كبيرا ومغانم كثيرة، أم أن حدقة عينك لم تتسع وترى ما رأيت إلا بعØ
�ما وصلت إلى ما أنت فيه الآن من عز وجاه ومكانة اكتسبتها من خيرات ذلك البلد الذي أنكرت له الجميل وسخرت من قوانينه وأكثرت من ذكر علاته؟.
قام ذلك النكرة دون أن ينطق ببنت شفة وتوجه إلى المراحيض فاسترخيت أنا على ظهري بعدما شفيت غليلي لكن المشهد أعاد نفسه من جديد في مخيلتي لينغص حالة الاسترخاء والراحة التي كنت واهما من أنها نزلت علي. وتتجدد همومي وأوجاعي من جديد بتعدد تلك المشاهد التي آلمتني والتي من بينها:

* آلمني منظر الفتاة الموريتانية التي كان حريا بها أن تكون خير خلف لما كانت عليه أمهاتها وجداتها من دماثة أخلاق ومحافظة حيث كن مثالا يحتذى به وهي تنزل من سيارة رفيق السوء متبرجة عارية بالكامل إذ الملحفة لم تعد ساترة لأن القماش المعدة منه أصلا من النوعية المخصصة لتضميد الجروح والحروق وليس لغرض اللباس، لتطلب من نادل المطعم أو البقال زاد تلك الرحلة الآثمة والذي يعد هو الثمن المقبوض مقدما لشرفها المسلوب إن كان بقي لها شرف؟ وفي هذا الصدد تذكرني قصة كنت أنا أحد أطرافها:
فتاة موريتانية في مقتبل العمر برفقة شابين توحي ملامحهما بأنهنا خليجيان أوقفا سيارتهما أمام أحد مطاعم الوجبات السريعة بالعاصمة نواكشوط ونزلت تلك الفتاة من السيارة وتوجهت إلى المطعم وحددت الوجبات المطلوبة ومن ثم عادت لكنها لم تركب في السيارة بل ركنت إلى جانبها بمحاذاة السائق وقاما بتبادل القبل على مرأى من الجميع وكأنهما في أحد شوارع بانكوك ! فما كان من محدثكم ـ أنا ـ إلا أن نزلت من سيارتي واتجهت إليهم ودمائي تحترق لهول ما رأيت بأم عيني وغيرة مني في الوقت نفسه على أعراضنا وهي تنتهك. نهرت السائق قائلا له أين تظن نفسك أيها اللعين؟ وما الذي دعاك
لارتكاب فعل مشين كهذا وفي مكان عام؟ أهو احتقار لمشاعرنا؟ أم أنه لا يوجد من أو ما تخشاه؟. لم يجبني إلا بالاعتذار وبصوت خافت ينم عن فزعه وخوفه فقد وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه ولم يكن ليتخيله، في تلك الأثناء تجمهر من حولنا خلق كثير لمعرفة ما يجري وتوجهوا إلي بالسؤال ما الحاصل؟ قصصت عليهم القصة بحذافيرها فرد علي أحدهم والأمر بالنسبة إليه طبيعي بل ويدخل في حرية الفرد الشخصية لم تتدخل في خصوصية البنت إذا لم تكن تربطك بها صلة قرابة ؟ نظرت إليه نظرة المزدري وهو صاغر في عيني وتلكم بالفعل هي حقيقته اخسأ فأنت وأمثالك من أشباه الرجال هم من كان السبب في
هذا الانحلال والهوان اللذان نعيشهما ثم كان من بين المتدخلين رجل شهم تبدو من محياه أنه كذلك حيث تبين لي فيما بعد أنه هو صاحب المطعم ومن بلاد الرافدين ( العراق ) فقال: أخي كثر الله من أمثالك وما أحوج هذا الوطن إلى من لديهم غيرة من أبنائه، لقد داس هؤلاء الحثالة البقية الباقية من أخلاقنا وكرامتنا وهذا هو ديدنهم، لقد أضاعوا دولا بكاملها ونشروا فيها الرذيلة والفاحشة والأمراض المترتبة عنها وتلك هي ثقافتنا للأسف كعرب. آه يا أخي لو تجلس قليلا معنا وخصوصا إذا حان وقت السمر ما أبشع ما سترى، فما رأيته قبل قليل يسير من كثير!!

* آلمني منظر ذلك الشرطي وهو بكامل زيه الرسمي والذي ينبغي أن يكون مدعاة للفخر بالنسبة إليه، يقدم التحية العسكرية لكل من هب ودب والتي كان من المفترض أن تكون حكرا على مستحقيها الناص عليهم قانون الخدمة السكرية عله يمن عليه بشيء مما آتاه الله وعادة ما يكون الممتن به مبلغا زهيدا لا يتعدى في الغالب المائتي أوقيه.

* آلمني منظر ذلك الموظف الحكومي الذي ترتبط مصالح المواطنين والمقيمين به بشكل مباشر وتراه لا يباشر عمله إلا متأخرا، باب مكتبه دائما موصد وعليه بواب لا يعصي له أمرا، ردوده جاهزة دائما وغالبا ما تكون في نفس السياق ( سيدي في اجتماع، سيدي غير موجود، ليس عندك موعد مسبق، لا أستطيع أن أبلغه عنك لأن التعليمات تقتضي ذلك)، أما إذا كنت من دائرة المقربين بالنسبة للمسؤول نفسه فإن الأبواب تفتح لك ومن ثم تقدم على جميع المراجعين بغض النظر عن ساعة قدومك لأنك حالتك لا تتحمل التأخير.

* آلمني منظر تلك الممتلكات العمومية من آليات وتجهيزات وبنايات وهي تستغل أسوأ استغلال دون رقيب ــ سيارات حكومية يقودها أطفال صغار بشكل جنوني معرضين حياتهم وأرواح وممتلكات الغير للخطر، تجهيزات وآليات تستبدل بأخرى مهترئه، بنايات تتكسر أبوابها ونوافذها نتيجة لسوء الاستخدام وعدم الصيانة ــ ولا حسيب.

* آلمني زهد أبناء هذا الوطن فيه وعدم تشبثهم به، كما آلمني هوان الوطن ومواطنيه على ساسته، فقر مدقع، ظلم بين، نهب ممنهج، رشوة مستشرية، تمييز واضح وليس بالضرورة أن يكون من ناحية العنصر فهناك أنواع أخرى من الميز كالتمييز من ناحية الجهة والتمييز من ناحية التوجه والفكر، فساد بلا مساءلة، انتهاك لجميع القوانين والأنظمة بلا حساب، توظيف من دون كفاءة، إقالة وعزل بلا سبب.

* ما أكثر الآلام المزمنة هذه الأيام وما أقل العلاجات المتوفرة، أما خطط الوقاية فلا تكترثوا إليها فتلكم لا تعنينا في شيء، تماما كما هي الآلام الآنفة الذكر بالنسبة للساسة والمساسين على حد سواء وكأن تلك الأحداث وقعت وتقع في كوكب آخر.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!