التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:00:24 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.03.2010 13:36:52

خطف السياح ثغرة أمنية أم معضلة بنيوية

بقلم أواه اليدالي
حقيقة مسلمة لا شية فيها أن الأمن لم يعد مفهوما ضيقا ينصرف إلى الناحية العسكرية والإجراءات التي تتخذ من السلطات الحاكمة لضبط الأمن وبسط النفوذ والسيطرة في بلد ما من بلدان المعمورة بل أصبح هذا المفهوم يتعدى هذا المعنى ليشمل الناحية الاقتصادية والاجتماعية وأيضا الثقافية والفكرية والسياسية، وهكذا أصبحت الدول الرائدة والمتقدمة تهتم كثيرا بنشر العدالة واحترام حقوق الإنسان لمواطنيها والعمل على حل المعضلات الاقتصادية كالبطالة وسوء توزيع الثروة الوطنية باعتبارها من مداخل شيطان الأزمات والتمرد خاصة بالنسبة للفئات العمرية الشابة النزاعة بطبيعتها إلى الخروج عن المألوف والتمرد على الأوضاع السائدة!!!!


إن بلدا مثل موريتانيا حديث النشأة عانى ويعاني خلال العقود الثلاثة الماضية من غياب مفهوم الدولة أو ما يعبر عنه عالم الاجتماع الموريتاني السيد ولد أباه بقوله: "إن صعود القبلية في المجتمع الموريتاني خلال العقود الماضية هو نتيجة طبيعية لانهيار الدولة لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ"، وشيوع الفساد والإفساد في كافة مفاصل الدولة ،وانقلاب كبير للهرم السكاني جعلت حوالي (70%) من السكان هم دون الثلاثين من العمر مع ما يطرحه ذلك من أزمة بطالة وعطالة ومعضل تشغيل، وانهيار مستمر للنظام التعليمي من أسفله إلى أعلاه ،إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والعوز لتصل إلى حوالي (80%) من السكان، ناهيك عن حاجة البلاد إلى استيراد (90%) من حاجياتها الغذائية من الخارج حسب بعض الخبراء .يواجه اليوم تحديا أمنيا وجوديا غير مسبوق، لم تكن عمليات القاعدة في دول المغرب العربي الأخيرة بخطف السياح الأسبان وربما الإيطاليين إلا مظهرا من مظاهر الثغرة الأمنية الموجودة التي يرجعها العديد من الخبراء إلى الأسباب التالية:

1)الوضع الجيوسياسي لموريتانيا: حيث إن موريتانيا بمساحتها التي تعادل مساحة جمهورية مصر العربية ولا يسكنها إلا عدد قليل من السكان يعيش ثلث السكان فقط في العاصمة نواكشوط بينما تتركز غالبية الثلثين الباقيين في شريط ضيق يمتد في جنوب البلاد جنوب خط عرض (18) شمالا أي جنوب طريق الأمل الذي يربط غرب البلاد بشرقها على امتداد (1200كم)، ما بين( العاصمة نواكشوط ومدينة النعمة )في أقصى الشرق، وهو ما جعل حوالي ثلثي مساحة البلاد خالية تماما من السكان، يضاف إلى ذلك أن موريتانيا تشترك بحدود كبيرة جدا مع جمهورية مالي والجزائر يقع أغلبها في مناطق المجابات الكبرى وهي موماة يتيه فيها القطا ويفرق فيها الذئب إذا خطا، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، لا ماء فيها ولا شجر يكاد ينعدم فيها الوجود البشري إلا من أعداد محدودة من البدو الرحل أو صيادي انمادي حسب بعض الخرييتين الذين يعرفون تلك المناطق المقفرة!!

2)ضعف الإمكانات اللوجستية: صحيح أن الحكومة أعلنت عن تكوين وحدات متخصصة في مكافحة الإرهاب وبسط السيطرة على المجال الحيوي للبلد عقب عمليات الغلاوية وتورين اللتين نسبتا إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي إلا أن نجاح التنظيم مؤخرا في خطف أربعة من الأسبان على مسافة لا تبعد سوى 170كم من العاصمة نواكشوط أوضح أن الطريق لا يزال طويلا جدا وشاقا أمام السلطات الموريتانية لضمان الأمن في مجالنا الحيوي بسبب نقص الوسائل اللوجستية فموريتانيا إلى أن يشاء الله سوف تظل تعاني من كوارث سياسة مدمرة شاعت وذاعت خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد تم إهمال مقومات الدولة برمتها فأهمل الجيش وقوات الأمن والتعليم والصحة والبنى التحتية رغم الأموال الطائلة التي نهبها غول الفساد حيث يقدر بعض الخبراء أن موريتانيا حصلت خلال العقدين الماضيين على أكثر من ستة مليارات من الدولار أي حوالي( تريليون و800 مليار) من الأوقية لم تعد على هذا الوطن بأى نتيجة تذكر أو تشكر لا في المجالات المدنية ولا حتى العسكرية والأمنية! !!!

إن أرض موريتانيا الشاسعة تحتاج إلى وسائل لوجستية حديثة تشمل غطاء جويا معتبرا يضمن مستوى عاليا من السيطرة والمراقبة وألوية مدرعات سريعة الحركة والانتشار واستحداث ألوية جمّالة جديدة بأعداد كافية إضافة إلى التدريب ومنح الحوافز المادية لأفراد جيشنا وقوات أمننا وبناءها على أسس جمهورية، الولاء فيها للوطن وخدمة العلم ،ضمن استراتيجية عسكرية بعيدة المدى تستخلص الدروس والعبر مما جرى وتسعى لمعالجة الخلل.

3)وجود النفط: لقد نشرت إحدى الصحف العربية مطلع التسعينيات استنادا إلى مصادر دبلوماسية عربية في عواصم غربية خبرا مفاده أن موريتانيا دولة غنية جدا بالنفط وأن تنافسا دوليا يجري على النفوذ في بلادنا، ناهيك عن تأكيد الخبراء الجيولوجيين أنه من المرجح أن يكون حوض تاودنى الرسوبي الذي يشغل نحو نصف مساحة البلاد منطقة نفطية واعدة. وهو ما من شأنه أن يجعل موريتانيا بلدا بتروليا ربما بمقاييس خليجية وهو ما يزيد من الأطماع والمخاطر الأمنية في آن واحد خاصة أن بعض الخبراء الموريتانيين يعتقد أن جهات إقليمية كبرى لا يسعدها كثيرا أن تستخرج موريتانيا النفط بمعدلات عالية خاصة من حوض تاودن الذي ربما يحوي أهم مكامن النفط الموريتاني!!

4)انتشار الفكر السلفي أو الغلو: فلا شك أن موريتانيا اليوم بحكم عولمة أفكار الغلو والتشدد سوف يتأثر بعض شبابها بالأفكار المتشددة ،خاصة الشباب المحبط الذي يعاني من إكراهات الواقع المعيشي الصعب بما فيه من بطالة وأحياء هامشية ومظالم كانت متفشية خلال العقود الماضية ،وغياب الفهم الصحيح للدين لدى ثلة من الشباب لم تدرس العلوم الإسلامية من معينها، عوامل كلها ربما تدفع بعض الشباب إلى أحضان الغلو والتطرف والإرهاب.

إنه من أجل تحصين الجبهة الداخلية ضد الغلو يجب أن لا نعتمد على المعالجة الأمنية لوحدها بل لا بد موازاة مع ذلك من اعتماد مقاربة الحوار وتصحيح المفاهيم لدى هؤلاء الشباب كما دعا إلى ذلك العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو حيث يقوم العلماء العاملون المخلصون بمحاورة هؤلاء الشباب حتى ينبذوا العنف والتشدد وكذلك نشر الفهم الوسطي للإسلام الذي يسود لدى غالبية المجتمع وهو الفهم الذي تدرسه المحاظر الموريتانية منذ أزيد من ألف عام!! ومواكبة مع ذلك تعمل الحكومة على حل مشكل بطالة الشباب واعتماد العدالة الاجتماعية وتقسيم الثروة الوطنية على أسس عادلة بين المواطنين.

5)الطرق الدولية: لاشك أن ربط موريتانيا بالدول المجاورة ومن ثم شبكة الطرق الإفريقية يفرض علينا تحديات جديدة لأنها سوف تستغل من طرف مافيا المخدرات وتهريب المهاجرين السريين وأيضا الإرهابيين المتطرفين، وهو ما يفرض على السلطات استحداث إجراءات جديدة منها الفرق المتنقلة لأمن الطرق المزودة بطائرات مروحية وأنظمة رادار لمراقبة السرعة والسيارات المارة ،وأهم من ذلك كله أن تعمل فرق أمن الطرق الوطنية بأسلوب يختلف كليا عن أساليب "تحصيل النقود "التي كانت سائدة في الماضى وهي التي جرت على العباد والبلاد ما جرت!!

6)فوضى دخول الأجانب: إنه طبقا لتقديرات بعض المصادر أنه يوجد في موريتانيا حاليا أكثر من مليون مهاجر جلهم من إفريقيا جنوب الصحراء وغالبا لا يملكون أية أوراق ثبوتية محددة للهوية وهو أمر بالغ الدقة والخطورة، وكلنا يعلم أنه خلال العقدين الأخيرين شاع تزوير أوراق الحالة المدنية الوطنية ، وتهريب الأجانب من نقاط الحدود حتى العاصمة نواكشوط أو انواذيبو، وهو أمر يفرض على السلطات وضع ضوابط لدخول الأجانب وتسجيلهم وفرض الإقامة على المقيمين منهم كما أن فرض التأشيرة أصبح أمرا لا مناص منه حتى لا نغرق في طوفان مشاكل البلدان المنهارة اقتصاديا أو أمنيا من حولنا!! المناطق المهملة: يقول بعض الخبراء أنه خلال العقدين الماضيين تم إهمال مناطق من تراب الوطن تركت مجالا يرتع من يشاء من مهربين وحركات مسلحة حتى باتت هذه المناطق عمليا لا تخضع لسيطرة موريتانيا بالرغم من كونها جزءا لا يتجزأ من أرض هذا الوطن وهو ما يستوجب فرض السيطرة ولو نسبيا على هذه المناطق وإعادة استصلاح المجال الترابي الوطني حتى ندعم ونخلق وجودا بشريا معتبرا في المناطق المهددة بالتصحر وعاديات الزمن مثل" بير أم اكرين" أو "الشكات" أو"تيشيت" ولاتة أو" العين الصفراء" مثلا بمنح حوافز للسكان وللراغبين في سكنى هذه المناطق التي ربما تحوي ثروات معدنية نفيسة؛ ليس البترول أقلها شأنا, لا ينبغي التفريط فيها بأي حال من الأحوال.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!