التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:09:53 غرينتش


تاريخ الإضافة : 08.03.2008 23:01:12

وثيقة حزبية : الوحدة الوطنية.. والتعدد القومي

دأب حزب الصواب منذ تأسيسه على تحديد مواقفه من جميع القضايا الوطنية، وفي جميع المناسبات التي يكون التعبير فيها عن الموقف ضروريا.. إلا أن الأحداث المتلاحقة والانشغالات المتعددة للحزب لم تسمح له بإبراز الأسس والمنطلقات الفكرية لهذه المواقف بشكل تفصيلي يعطي لكل قضية حقها، ويقدم للشركاء الوطنيين وللرأي العام رؤاه وثوابته النظرية والسياسية حول هذه القضايا بصورة كاملة غير منفعلة بالظروف.
واليوم – وبعد أن اجتاز الحزب مرحلة النشأة وظروفها الموضوعية المعروفة، في أخريات العهد الأخير لنظام معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وبعد أن تجاوز الحزب كذلك مرحلة مهمة وحاسمة من تاريخ بلادنا؛ هي مرحلة الحكم الانتقالي، والتحولات التي حدثت بها : الانتخابات البلدية، النيابية والرئاسية، وبعد وقفة مراجعة وتقييم لتجربة الحزب وأدائه في السنوات الأربع الماضية- ارتأى حزب الصواب أن يعيد طرح العناصر الحاكمة لمرجعيته السياسية،المستخلصة من استيعابه الشامل واحاطته الواعية لما يحضر له ضد وطننا، وفي ذات الوقت يجعل الجميع على معرفة تامة بآرائه ومواقفه الثابتة حول مختلف القضايا الوطنية الكبرى، المطروحة على الساحة الوطنية.
ومن البديهي أن أهم هذه القضايا وأجدرها بالتوضيح، هي مسألة الوحدة الوطنية

مراسـي الوحدة الوطنيـة


يؤمن حزب الصواب إيمانا عميقا بأن وحدة الشعب الموريتاني تستمد جذورها من الدين والتاريخ، والحضارة والجغرافيا والاقتصاد، والسياسة والثقافة والمصاهرة.
فالشعب الموريتاني بكل مكوناته القومية( العربية والبولارية والسونينكية والولفية) يدينون جميعهم بدين الإسلام، ويحتكمون للمذهب المالكي، وتنخرط غالبيتهم في طرق صوفية واحدة (الشاذلية، القادرية ، التيجانية...)، بحيث أنهم مريدون ومشائخ لبعضهم بعضا. كما أن الموريتانيين – بقومياتهم الأربع – نسجوا علاقاتهم، وروابطهم الاجتماعية منذ عشرات القرون ، دون أن يشهد التاريخ ولو مرة واحدة أية أحداث دموية، أو تطهيرا عرقيا، أو طردا قسريا حدث بين هذه القوميات على مدى هذه الحقب الطويلة.
وتشهد الآثار والأدوات المستعملة في الإقليم الوطني على الانصهار التام والإيجابي بين المجموعات الوطنية، كما تشهد الثقافة المشتركة بتناغم بديع بين هذه القوميات في المأكل والملبس، والسكن والفولولكور والموسيقى ... والعادات والتقاليد.
ولا تتخلف الجغرافيا عن الإدلاء بشهادتها على انسجام هذه القوميات في هذه البلاد، شأنها في ذلك شأن التاريخ الاقتصادي للمجموعات الوطنية، حين كان الجميع يجتورون في مناطق شمامه ووادي النهر دون أن يسجل التاريخ أية احتكاكات سلبية أدت إلى تهديد السلم الأهلي بين ساكنة البلاد.
وفيما يتعلق بمرساة الثقافة، فقد تبادل الموريتانيون ـ عربا وبولار وسونينكى وولف ـ على مدى العصور، العلوم، أخذا وعطاء، على امتداد البلاد طولا وعرضا، وعرفت البلاد، من كل القوميات، أسرا علمية رائدة، ذاع صيتها عبر الآفاق. كما تبادل الموريتانيون تعليم أبنائهم في محاظر بعضهم البعض،تلك المحاظر التي وحدتها لغة الإسلام (اللغة العربية). كما وحدها المنهج والمضمون؛ فكانت شنقيط وودان تشعان من الشمال، وكانت جـول وبير من الجنوب، وتينبكتو وولاته من الشرق، مرورا بمحاظر اترارزة ولبراكنه، وبمحاظر وادي النهر وآفطوط وإركيبه وتكانت...والحوضين وتيرس.
وحين قدم الاستعمار الفرنسي إلى موريتانيا – في مطلع القرن العشرين، التحم الموريتانيون (بقومياتهم ) بعضهم ببعض، كتفا بكتف، ويدا بيد، ليقاتلوا الغزاة الفرنسيين، كما انخرطوا جميعهم في مقاومة ثقافية لم يسجل التاريخ لها مثيلا في البلدان التي ابتليت بالغزاة الأوروبيين.. لقد فهم أجدادنا يومئذ أنهم مستهدفون جميعا من طرف عدو مشترك، جاء لينسف المميزات الحضارية، ويسلخ السكان من ثقافتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم. لقد أشاع العدو الفرنسي روح الشقاق، وبث بذور الفرقة والتشطير الاجتماعي والعرقي، لا يستثني من ذلك أية قومية.. فكان يؤلب الحساني على الزاوي، ويحرض البولاري على السونوكي، والعربي على الولفي، والعكس، سبيلا لتحقيق مصالحه.

ما بعـد تأسيـس الدولة الوطنيـة

عندما أدرك الغزاة الفرنسيون حتمية التخلي عن موريتانيا، بفضل المقاومة الثقافية والعسكرية والسياسية وعلى خلفية تفاعلات الحرب العالمية الثانية، وانتشار الوعي في الشعوب الخاضعة للاستعمار، قرر هؤلاء تسليم البلاد لمجموعة من المواطنين تعلمت في مدارس الاستعمار، وتشبعت بثقافته وحضارته. إن هذه المجموعة – التي تضم عددا من العرب، ومن القوميات الأخرى- ربطت مصالحها بالدولة الفرنسية، ثقافة وحضارة وسياسة، وعملت على طمس هوية البلاد، بوعي أو بغير وعي.
ولكي تضمن مناخا ملائما لأطروحاتها التدميرية، واصلت ذات النهج الاستعماري في بث الفرقة بين مكونات الشعب، وتأليب بعضه على بعض، مستهدفة -في الأولوية- نسف المشترك بين العرب والقوميات الوطنية الأخرى، وهو الثقافة وحاملها السيار المتمثل في اللغة العربية، قبل الاستعمار.
وقد شكل رأس الحربة- في هذه النخبة الإفرانكوفونية- الحركات والأفراد الذين اعتنقوا الفكر الشيوعي، أواخر الستينيات من القرن المنصرم وتحديدا 1968، لأنهم يعادون في الجوهر، الثابت الأول للموريتانيين جميعا من كل القوميات وهو الإسلام، والثابت الثاني وهو اللغة العربية التي نشر بها الموريتانيون كلهم دين الإسلام في آفاق إفريقيا، وخاصة إفريقيا الغربية وظلت لغتهم الوحيدة في الشعائر والمعاملات، كما أن القوميات غير العربية كتبت لغاتها يومئذ بالحرف العربي كما تجمع على ذلك وتؤكده على نحو لا لبس فيه الأدلة التاريخية. وهكذا ظلت الجموعة الموالية للثقافة الفرنسية تعزف على وتر اللغة العربية، باعتبار أنها لاتوحد القوميات الوطنية، جحودا وتشويها للتاريخ وللواقع اليوم، وصولا لقطع صلة حاضر الشعب بماضيه، وفي المقابل يروجون للغة الفرنسية، على أساس أنها هي السبيل الوحيد لوحدة المنهج التربوي الوطني، أي أنه لا سبيل لتواصل المكونات القومية الوطنية إلا عبر لغة أجنبية!. دون أن يبذل هؤلاء المسيرون لشؤون البلد منذ استقلاله أدنى جهد لتطوير اللغات الوطنية الأخرى، لأن الهدف- في الأصل – هو تصوير الأمر على أنه صراع بين لغة الأكثرية العربية وبقية المكونات ؛ حتى يكون الحل في إيجاد لغة بديل، هي لغة المستعمر الفرنسي!!. ومن ثم تأمين حضور هذا الأجنبي في إدارتنا الوطنية، وتأمين مصالحه حتى بعد رحيله، على حساب المصلحة العليا والتاريخية لشعبنا.
لقد وعى حزبنا- حزب الصواب - هذه الحقائق، ولم يضيع فرصة لإيضاح تمسكه بالوحدة الوطنية، على ذات الأسس التي بنى عليها أجدادنا – من كل القوميات- تاريخ البلاد وثقافتها وحضارتها، دون تبديل ولا تحريف، وهو ما أثبته الحزب في وثائقه الأساسية، وأكده في جميع أدبياته وبياناته. فعلى سبيل المثال نص دستور الحزب:
1. الحفاظ على الشخصية الثقافية والحضارية لموريتانيا وترقية لغاتها الوطنية وتراثها الثقافي.
2. الوحدة الوطنية، بمعنى التعايش السلمي والثقة المتبادلة بين جميع المكونات الوطنية على أساس المساواة في الحقوق والواجبات والمحافظة على المصالح المشتركة واحترام التنوع وأولوية الإنتماء إلى كيان مشترك تجب المحافظة عليه قبل كل شيء لأنه حيوي ومصيري للجميع.
كما جاء في بيان السياسة العامة:
يجب النظر إلى التنوع بتفاؤل واعتباره مصدر فخر وإثراء حضاري وليس عائقا.
• يجب الدفاع عن الوحدة الوطنية والحفاظ عليها في كل الأحوال. لا يمكن التسامح أو التساهل تجاه أي تمييز عرقي أو ثقافي كما أن ضحايا العطب أو الأضرار المادية والمعنوية أو المتعلقة بالكرامة البدنية الناتجة عن ممارسات تمييزية أو عن خروقات للقانون يجب أن يستعيدوا حقوقهم وأن يحصلوا على التعويضات المادية والمعنوية اللازمة في جو الوئام الوطني".
• إن الانتساب السياسي الواعي إلى المفهوم العصري "للمواطنة" الذي يعتبر مفهوما غير عرقي ولا صلة له بالدم أو العرق لكنه فكرة سياسية مجردة تتضمن حقوقا وواجبات اجتماعية وسياسية وقانونية متساوية بالنسبة لسكان فضاء وطني معين – وحده قادر على الإسهام في تكوين مجتمع وطني متماسك رغم تنوعه.
وعلى الدولة أن تنطلق من هذا المفهوم الأساسي كقاعدة لبناء ودعم تنمية التضامن الوطني وذلك على حساب أشكال التضامن الأخرى (العرقي، الطائفي، القبلي، إلخ..) القائمة على أساس إثبات الهوية الذاتية للمجموعات الطبيعية".
وجاء في الوثيقة السياسية الصادرة عن المؤتمر الأول للحزب 5 -6/1/2007 :
"إن حزب "الصواب" يعمل في سبيل الوطن الذي يشارك في تحديد هويته الأصيلة والعصرية أيضا وارتباطه بالأمة ولغتها ...؛ موريتانيا مبنية على أساس وحدة وطنية تنصهر فيها كل العناصر والفئات والأعراق، ولا يوجد فيها أي انتماء إلى ما سوى الوطن الواحد المتصالح مع نفسه، إذ تسود فيه القيم المتفق عليها من الجميع وبالذات قيم الحق والعدالة والمساواة بين الناس.
"وأكد المؤتمر على حق المبعدين الموريتانيين أثناء أحداث 1989 الأليمة الذين ثبتت موريتانيتهم بالعودة إلى وطنهم والتعويض لهم عما لحق بهم، رافضا أن يكون ذلك ذريعة لتجنيس غير الموريتانيين.
"وفي مجال الثقافة أكد المؤتمر على أن الإسلام هو دين الدولة والمجتمع والمصدر الأساسي للتشريع للبلاد وقيمها الأخلاقية، ومؤكدا أن اللغة العربية هي الركيزة الثانية بعد الإسلام لحضارة الشعب الموريتاني، ولغة البلاد الرسمية للدولة والشعب ويجب أن تكون لغة الإدارة والعمل. كما أكد المؤتمر على ضرورة العمل لتطوير لغاتنا الوطنية الأخرى وتعليم اللغات الأجنبية كضرورة للانفتاح على الآخر."

حول الظـروف الراهنـة..

عندما تأسس حزب الصواب في قمة الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد صيف 2004 تخندقت في وجه مشروعه السياسي الجهات المعادية تاريخيا لأي مشروع سياسي وطني بإمكانه تقديم بديل جدي للمشاريع المتصلة بالمخطط الاستعماري الأصلي، الذي تأسست عليه الدولة الوطنية، وقوامه الأساسي هيمنة الثقافة الكولونيالية ورؤيتها للمنطقة عموما، من خلال صهرها في وعاء لغوي مشترك هو اللغة الفرنسية .
ورغم تعدد نقاط الاستهداف التي بادرت تلك القوى إلى توجيهها، إلا أن أخطرها وأشدها إيذاء كان في الترويج بغير حق أن الصواب يمثل فكرة التصادم والمواجهة بين مكونات المجتمع الموريتاني الطبيعية، سبيلا إلى تشويه صورته منذ البداية في أعين شرائح من الشعب الموريتاني في مقدمتها المنحدرون من قوميات البولار والسونيكي والولف، الذين ركز الحزب في برنامجه وأدبياته ونشاطه السياسي على اعتبارهم أهم خزان قابل لاحتضان مشروعه الوطني ونظر إليهم مثل العرب بذات الرؤية الوطنية الشاملة. لأن الجميع انتزعوا حقهم الطبيعي في المواطنة حين اختاروا هذه الأرض وطنا واستماتوا على مر التاريخ في الذود عنها وحفروا في الذاكرة الجماعية لشعبنا أمجادا وسطروا وقائع حلوة ومشعة من تاريخ نضالي مشترك وأياما خالدة عاشها أجدادنا مجتمعين في مواجهة الظروف الصعبة على هذه الرقعة من العالم؛ خصوصا في صمودهم قي وجه الغزاة وفي حرصهم الدائم على استمرار وجودنا الإنساني ورسالتنا المشتركة الخالدة خلود الدين الإسلامي الحنيف.
إننا لا نكتب اليوم بسبب ما يقوله المغرضون، وما يروجونه من أفكار مشحونة بحمولات ضدية، لا مصداقية لها في الواقع، بل نحن أصحاب رسالة نطرح رؤيتنا للنقاش الهادئ، ونسعى إلى الوصول إلى جميع أبناء هذا البلد ، الذين هم متمسكون – كما نحن - بثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم وبالمشروع الوطني القائم على المساواة والعدالة والتعددية القومية لتحقيق أهداف التنمية الشاملة.
لقد تمكنت الحركات ذات المنشإ الشيوعي، والحركات ذات المنشإ الشعوبي - التي اتخذت من التحريض قاعدة ذهبية- من التحالف في حرب ضد مواقفنا، فاستهدفوا السيطرة على اتجاهات تفكير إخوتنا من القوميات الأخرى، مستغلين تمكنهم من وسائل الإعلام خصوصا الفرنسية منها فملأوا أدمغتهم بكميات هائلة من المعلومات الكاذبة والأفكار والانطباعات الخاطئة عن القوميين العرب، فخلقوا بذلك واقعا من الجهل والتجهيل بين مكوناتنا الوطنية، سبيلا للسيطرة على عقول وعواطف الناس، طبقا لمبدإ فرق تسد!
إن القضية الكبرى التي واجهت آباءنا في مطلع القرن العشرين كانت مسألة مواجهة الاستعمار الفرنسي وإزالة آثاره. وأما قضيتنا نحن اليوم، - أبناء هذا البلد- فمطلوب منا أن نعي ونواجه بمسؤولية وحس وطني عال ما يحضر لبلدنا، قبل أن تتطور المؤامرة إلى لحظة رعب عظمى سيدفع الجميع ثمنها..
إن المستقبل ليس إلا نتاج حقائق الحاضر المرتكز على الماضي، ونرجو أن نكون جميعا قادرين على التحليل الصحيح لأحداث العالم، لنرسم لأحفادنا طريقا مأمونا للحفاظ على الوجود والتعايش السلمي، وروح التسامي، وإنهاء لحالة الاستقطاب السلبي، التي يتسلل منها عدونا المشترك..
ونحن من جهتنا، نعتبر أنه عندما تمكنت القوى المرتبطة بالمشروع الاستعماري، من التحالف، فإن القوى الوطنيةالخيرة – بكل أطيافها- قادرة على تشكيل محور وطني يقوم على ذات الأسس التي اعتمدها الأجداد في بناء وطن واحد لا حقد فيه ولا تدابر، مثل لوحة خالدة من لوحات المجد الحضاري، ظلت معانيها تتواصل، وصورها تتداخل، وزواياها تتقاطع على امتداد خريطة موريتانيا.. إنه تاريخ حافل بالدفق العلمي والتضحية الجهادية، وقدوة طيبة وأمثولة حسنة لنا جميعا، تغري بالاستلهام، وتثري مساحة الأخوة الواسعة بين مكوناتنا القومية، كما أنها تدفع غائلة الأعداء المشتركين الذين يسعون جاهدين لقطع صلتنا وانتسابنا لهذا التاريخ، عبر الدعاية المغرضة والأحكام المسبقة القاسية، متلفعين بالأكاذيب والتضليل والنفاق...
ولأجل إدراك وجهة نظرنا بشكل صحيح، فإننا نحرص على أن نعطي أمثلة من مواقفنا حيال بعض القضايا الراهنة في الساحة الوطنية، والتي يسعى لتشويهها بغير حق خصومنا للدفع بحركة المجتمع نحو الفوضى.
أ- الموقف من اللغة العربية:
يعتبر حزب "الصواب" أن اللغة العربية هي لغة كافة الموريتانيين ، وأنها كانت وما تزال الوعاء والحاضنة التي حملت الثقافة العربية والإفريقية الإسلامية.
ولم يخدم أبناء العرب الموريتانيون هذه اللغة أكثر من أبناء إخوتهم من البولار والسونينكي والولف ، الذين نشروا وما زالوا ينشرون هذه اللغة حتى يومنا هذا في إفريقيا عبر محاظرهم ومساجدهم وكتاتيبهم وزواياهم.
وحين يدافع حزب الصواب عن سيادة اللغة العربية في موريتانيا، فإنه لا يريد هيمنة ثقافية على غير العرب ولا مواجهة معهم، ولا يريد مطلقا اقصاء لهم، ولا يستهدف انتقاصا من لغاتهم ولا خصوصياتهم الثقافية، وإنما يقف ضد هيمنة لغة أجنبية، فرضها محتل غاز مستعينا بأعوانه المحليين على جميع الموريتانيين ، بهدف طمس هوية البلاد، ولم يستثن في سياسته الثقافية تلك قومية من قومية، ولا لغة من أخرى، كما تشهد بذلك جميع وثائقه، القديمة والحديثة.
ب- الموقف من اللغات الوطنية ..
يعتبر حزب "الصواب" أن موريتانيا تمثل مصهرا لأربع قوميات هي العرب والبولار والسونكي والوولف، وأن لكل من هذه القوميات لغة وطنية أصيلة، نعتز بها، ونعتبرها مكونا تالدا من تراثنا اللغوي والثقافي، ويجب على الجميع العمل الجدي على تطوير وإثراء هذه اللغات وكتابتها والدفاع عنها، كجزء من مقوماتنا الثقافية.
كما أن حزب الصواب يؤمن بكل قوة بحق الاختلاف الثقافي والتعدد الإثني في موريتانيا، ويعتبر ذلك إغناء كما كان دائما رافدا حضاريا وثقافيا عبر التاريخ، حيث كان الكل في تعدد، والتعدد في وحدة - و لا يضر ذلك الاعتراف بوجود أكثرية وأقليات ،إنما الضرر كله قي نكران هذا الواقع كما عمل ويعمل على ذاك العديد من خصومنا السياسيين- وحيث كان العرب عمقا استراتيجيا للبولار والسونينكي والولف،وكان هؤلاء عمقا استراتيجيا للعرب.
ج- الموقف من المبعـدين
لقد كان حزب "الصواب" من طليعة الأحزاب الوطنية التي دعت إلى عودة كافة الموريتانين، الذين أبعدوا عن وطنهم، على خلفية الأحداث الأليمة، 1989 كما طالب الحزب في بيانه السياسي 2004، بتعويض هؤلاء المواطنين ماديا ومعنويا عما لحق بهم من أذى.. غير أن الحزب شدد على ألا تشكل عودة المبعدين مناسبة أو فرصة لغير الموريتانين للدخول إلى البلاد بصورة غير شرعية. ونعتقد أن هذا المطلب الوطني والشرعي، يتبناه معنا أي مواطن مخلص، عربيا كان أو غير عربي، خصوصا وأننا ندرك جميعا هشاشة بنيتنا الإدارية، وميوعة حالتنا المدنية، واتساع حدودنا، وانتشار الفوضى والرشوة بين صفوف الإدارة. كما أن دول العالم بأسره تستنفر كافة طاقاتها للوقوف في وجه أمواج الهجرة غير الشرعية، الناتجة عن اختلال التوازن الاقتصادي والاجتماعي، على الصعيد الدولي.

د- الموقف من المسفرين ..


إيمانا منا بضرورة تصالح موريتانيا مع ذاتها، بعد ما خلفته الأنظمنة الدكتاتورية المتعاقبة على البلاد من ويلات، منذ الاستقلال، دعا حزب "الصواب" إلى فتح ملف المسفرين الموريتانيين من السينغال في أحداث 1989، معتبرا أن هؤلاء مواطنون تعرضوا لأبشع انتهاكات حقوق الإنسان، حيث سلبت ممتلكاتهم الطائلة، وتم شي مئات منهم أحياء في الأفران، ومن حقهم على دولتهم أن تفتح ملفهم مع الجارة السينغال، من أجل تسوية معاناتهم بالتراضي والحسنى، دون أن نقول يوما بترابط ميكانيكي لهذا الملف بملف المبعدين، أو نحدد أولوية، كما قال خصومنا؛ بل لأن واجب العدل والإنصاف يقتضي منا جميعا أن ندافع – وبنفس القوة - عن حقوق هؤلاء وألئك، وأن لا نجعل من إحدى القضيتين مسألة كبرى ونهمل الثانية هكذا، وكأننا لا نعتبر ضحاياها من جملة الكائن الإنساني، الذي يلزمنا الدفاع عن حقوقه. ونذكر بالمناسبة بأن هناك مواطنين سينغاليين كثيرين أبعدوا من وطنهم السينغال 1989 وتعرضوا للإهانة وسلب الممتلكات، ومن حقهم علينا جميعا أن نذكر بقضيتهم وندافع عن حقوقهم، ونؤازرهم في نكبتهم.

هـ- الموقف من مخلفات العهود الاستثنائية.

إن الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان في العهود الاستثنائية تشكل جزءا مظلما من تاريخ بلدنا جراء ممارسات الأنظمة القمعية التي حكمت البلاد منذ استقلالها ، وأنها أمر تضررت منه كل القوميات والقوى السياسية وينبغي النظر إليه بشمولية والتعامل مع نتائجه بنزاهة وموضوعية وفي إطار المصلحة العليا للوطن ؛ خصوصا (الضحيا الذين قضوا في السجون السياسية في السنوات 1984 ، 1990 - 1991) ، وما تلا ذلك من تصفيات وفصل تعسفي في المؤسسة العسكرية.
و في هذا السياق نرفض التجاهل والسكوت عن مأساة المئات من الضباط وضباط الصف والجنود ، الذين فصلوا بتعسف سنتي 1982 و 1988- استجابة لرغبة جهات دولية معروفة ،كانت وراء مخطط التصفية- بتهمة الانتماء للتيار البعثي ، وهو انتهاك صريح لحقوق الإنسان.. ونعتبر أن من حق هؤلاء المواطنين أن يستعيدوا حقوقهم المادية والمعنوية، وأن من واجب الخيرين والشرفاء الدفاع عن حقوقهم ومساندتهم إسوة بغيرهم من ضحايا الأنظمة القمعية، ما دمنا بصدد معالجة جدية لملفات الماضي التي تمت فيها تجاوزات.
ومما يعطي دليلا على عدم مصداقية ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان و بعض القوى السياسية في البلاد ، هو أنها لم تقل يوما كلمة دفاع عن هؤلاء، ولا عن المسفرين من السينغال و لا عن المبعدين منه، ولم تذكرهم في عرائض انتهاكات حقوق الإنسان، لسبب واحد وهو أن القوى الغربية لا تعترف لهؤلاء بإنسانيتهم!
إن حزب الصواب - إذ يفتح صدره وذراعيه وأبوابه للحوار – يتطلع إلى تواصل جاد ومباشر مع كافة الفاعلين السياسيين والمثقفين الوطنيين من الإخوة من جميع القوميات ، الذين يمثلون حقا الوجه المشرق للتاريخ المشترك، ويرغبون في بناء مستقبل مشرق لهذا البلد، بعيدا عن مشاريع المستعمر وحلفائه.
ويعتبر الحزب أن الحوار هو الجسر الذي لا مناص منه لعبور البلاد إلى بر الأمان، وهو الوسيلة الأنجع لفهم بعضنا بعضا، ويرى أنه حري بالعقلاء أن يكفوا عن حرب التشويه والتحريض.. وأن يبحثوا – بدلا من ذلك – عن القواسم المشتركة الكثيرة، التي تجمع و لا تفرق.


انواكشوط في: 27 صفر 1429 هجرية
الموافق 5/3/2008


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!