التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:00:41 غرينتش


هؤلاء والمعركة الخاسرة

بقلم: الدكتور الشيخ ولد حرمة ولد ببانا، مسؤول سياسي.... حزب الإتحاد من أجل الجمهورية

بقلم: الدكتور الشيخ ولد حرمة ولد ببانا، مسؤول سياسي.... حزب الإتحاد من أجل الجمهورية

منذ فترة ونحن نسمع زعماء المعارضة وهم يتبادلون الأدوار في تلك الاسطوانة المشروخة سعيا لترويع الرأي العام، وفي كل مرة لا تختلف العبارات، ربما لأن الأوعية واحدة، فالأمن بالنسبة لهم مفقود، والعدالة غائبة، والحالة المعيشية مزرية، والمخدرات والهجرة السرية، وكل ذلك، وغير ذلك، ثم المعزوفة "التقنية" عن الحوار ورفض النظام للحوار، وأخيرا الدعوة إلى استقالة الرئيس والحكومة حتى لا يذهب البلد إلى الخراب بفعل المحسوبية ورمي الكوادر العلمية.. وكل ما توفر من عبارات في القاموس التقليدي للمعارضة.
لقد تبادل الثلاثي (أحمد ولد داداه، مسعود ولد بلخير، محمد ولد مولود) طيلة الأسابيع الماضية على تلك الكراسي الخشبية وبلغتهم الأكثر خشبية مهددين تارة ومتوعدين تارة أخرى، ومحللين مرة ثالثة، ومنذرين مرة رابعة، ومرجفين في المدينة دائما.
إن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يأت ليستلم باقة ورود، بل ليعالج واقعا جمريا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واقعا يعرف الموريتانيون والمثقفون والسياسيون والإعلاميون في شبه المنطقة أنه وليد الفوضى العبثية التي فرضتها الأنظمة المتعاقبة على هذا الشعب المسكين الصبور طيلة خمسين سنة مضت.
ولن نشير هنا إلى إنجازات عقود، بل فقط إلى إنجازات أيام وأشهر معلومات هي التي مضت حتى الآن، من مأمورية رئيس الجمهورية.
وقد أعطى الوزير الأول الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف الأسبوع الماضي أمثلة فقط من عمل الحكومة خلال الأشهر الماضية (7 أشهر فقط) إذ بدأت الحكومة بتطبيق البرنامج الانتخابي للرئيس المنتخب.
ففي مجال تأهيل وترقية منظومتنا الصحية تم إنشاء مستشفيات حسب المعايير الدولية وتجهيزها بأرقى المعدات ولا تزال أخرى في طور التشييد وأخرى قيد الدراسة. هذا بالإضافة إلى مجانية بعض الخدمات الصحية الأساسية مثل غسيل الكلى وعلاج الملاريا.
وفي مجال المياه الصالحة للشرب، والتي تشكل أولوية بالنسبة للمواطنين، تنفذ الحكومة حاليا ثلاثة أكبر مشاريع إنمائية في تاريخ البلاد، وهي "مشروع بحيرة الظهر" و"مشروع آفطوط الشرقي" (يستفيد منه 500 تجمع سكاني)، و"مشروع آفطوط الساحلي" الذي دخل مراحله الأخيرة، وسيحل نهائيا مشكل المياه بالعاصمة نواكشوط، فيما هناك مشروع مائي رابع نفذ جله ويتعلق ب 380 شبكة مياه.
إن المشاريع الثلاثة الأولى تنفذ في مناطق تضم ثلثي (2/3) سكان البلاد.
إن هذه المشاريع التي أشرف بعضها على الانتهاء والبعض الآخر شرع العمل فيه ليست مشاريع ورقية على غرار تلك التي كان من السهل الغمز فيها.
وكمثال آخر تحركت الحكومة بسرعة في مشروع كهربة نواكشوط من خلال اقتناء مولدات وبناء محطة جديدة لتوليد الطاقة، ستمكن من مضاعفة الطاقة الإجمالية للكهرباء في نواكشوط، أي أن كل ما أنجزته الأنظمة السابقة في إنتاج الطاقة الكهربائية لنواكشوط طيلة خمسين سنة (46 ميغاوات)، ستنجزه الحكومة الحالية في غضون أشهر فقط.
أما في مجال فك العزلة عن المناطق الداخلية لخلق حراك تنموي واقتصادي، فيجري التنفيذ والتخطيط لـ 17 طريقا ستربط بين 17 مدينة وقرية هامة في داخل البلاد بطول مئات الكيلومترات وتمويل يصل إلى مئات ملايين الدولارات، ومن ذلك طريق "أطار- تجكجة" وطريق "كيفة- الطينطان" وطريق "النعمة- باسكنو- فصاله"، وطريق "تجكجة - كيفة- كنكوصة- ولد ينجه – غوراي". كما يجري إنجاز شبكة طرقية في العاصمة نواكشوط.
ومن الأمثلة أيضا في مجال مكافحة الفقر وتحسين الوضع المعيشي إطلاق عملية رمضان، ومجانية الخدمات الطبية بالنسبة للمعوزين وإعفاء قرابة نصف ديون المزارعين، وتمويل الزراعة المطرية، واستحداث، ولأول مرة القرض الخاص بالمنمين، كما استفادت مئات القرى من هذه المشاريع، وتم خلق آلاف فرص عمل في المناطق المستفيدة.
وشرعت الحكومة في توزيع 22 ألف قطعة أرضية على سكان الأحياء الفقيرة في نواكشوط وانواذيبو، كما قامت الحكومة بمبادرة علاوتي النقل والسكن التي سترفع راتب الموظف بمبلغ معتبر.
إن نظاما بدأ بإنشاء المستشفيات والطرق وإنجاز مشاريع الكهرباء والماء والسكن وتحسين مرتبات العمال، ومحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، ورفع جاهزية الجيش وتسليحه حيث يوجد اليوم في مناطق لم تدخلها السلطة من قبل، وإجراء إصلاحات جريئة ومن خلال خطوات ملموسة، ليستحق أن يخاطب بلغة تقدير وإكبار لا بغير ذلك.
وإن الناظر إلى الخريطة الإقليمية والدولية للتمويلات التي حصلت عليها بلادنا لإنجاز مشاريع المياه والطرق والكهرباء والسكن ومكافحة الفقر، وغيرها، سيكتشف أنها جاءت من صناديق التمويل العربية والإسلامية والغربية.. من البنك الدولي في نيويورك غربا إلى الصين وطهران شرقا. سيكتشف بدون ذكاء أن النظام الموريتاني الحالي امتلك ورقة السيادة في السياسة الخارجية التي كان الرؤساء السابقون يتحركون فيها على هدي "البوصلة المثبتة مسبقا".
لكن زعماء المعارضة لا يرون غير ما تميل إليه نزواتهم وتصوره مخيلتهم المغلفة بغشاوة كثيفة من الحقد والضغينة والإحباط السياسي.
فعن أية "قطيعة عالمية" للنظام يتحدثون في وقت يتسلم فيه رئيس الجمهورية وفي يوم واحد أوراق اعتماد سبعة سفراء جدد لبلدان هامة من بينها اليابان وتركيا، في حين أن مجتمع السلك الدبلوماسي بنواكشوط في تنام مستمر ومثمر للتعاون.
ولعل ما أغاظ زعماء المعارضة هو عناق محمد ولد عبد العزيز مع هوغو تشافيز وأحمدي نجاد وطيب اردوكان، والشيخ حمد بن خليفة، والقائد معمر القذافي، وبشار الأسد، وخالد مشعل، في الوقت الذي يستقبل فيه وبحفاوة كبيرة في باريس ومدريد، ويحصل على التمويلات من الشرق والغرب وما بينهما.
وكم يتناقض زعماء المعارضة عندما يعزفون على وتيرة الهجرة السرية محذرين من خطورتها، متناسين أن التقارير تؤكد انخفاض وصول المهاجرين السريين إلى أوروبا عبر أراضينا، ثم، ويا للغرابة، يدقون ناقوس الخطر متهمين النظام بأنه أصبح "حارس بوابات أوروبا".. هل يحرس هذه البوابات رجل ضعيف أم قوي؟ حليف موثوق أم ماذا؟
قد لا يتسع المجال لسبر أغوار السطحية والتناقض الكبير الذي يطبع خطاب المعارضة. ومن ذلك حديثهم عن انتشار الجريمة والإرهاب وكذا، وكذا، دون أن تحرجهم بعض الانجازات التي تحققت في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب، ومن بينها تسليح جيشنا والعمليات النوعية الأخيرة عسكريا واستخباراتيا، ومباشرة الحوار الفكري لاستئصال الغلو والتطرف.
وكأنهم لا يرون غير لون واحد، وأحيانا لا يرون حتى ذلك اللون على حقيقته. وكل ما لديهم هو جمل محفوظة من العهود الماضية مردوا عليها وما هم بمغيري ما تعودت عليه ألسنتهم.
من حين لآخر نسمع قياديا معارضا يقول "النظام العسكري" أو "من أصل عسكري"، و"الانتخابات المزورة" تقنيا أو حتى "جنيا"..
والحقيقة أن قادة المعارضة الموريتانية لم يفيقوا بعد من هول صدمة خسارتهم لانتخابات الثامن عشر يوليو 2009، تلك الانتخابات التي تشكل درسا في الديمقراطية في العالم أجمع، فلأول مرة تدير المعارضة الانتخابات عبر وزارة الداخلية وبمساندة وزارات الإعلام والدفاع والمالية، وأكثر. ومع ذلك هزمها رجل في الشارع، ظنت أنها جعلته يركع سياسيا وانتخابيا بتنازله في اتفاق دكار عن النصف السيادي من الحكومة، وعن ثلثي اللجنة المستقلة للانتخابات بعد استقالته طواعية من الجيش ومن رئاسة الدولة، ثم فاز بأزيد من 52% من أصوات الناخبين في الشوط الأول، باعتراف وزير داخلية المعارضة الذي أعلن نفسه النتيجة. فلم يكن من المعارضة إلا أن قالوا مثل ما قال الأولون "قالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون" بدل التحلي بأخلاق اللعبة السياسية والعملية الانتخابية..
فلجأوا إلى تفريخ البيانات والتصريحات العارية من كل صحة والفاقدة لكل مصداقية.. والدعوة لاستقالة الرئيس والحكومة. كل هذا لن يغسل العار السياسي والانتخابي عن مرشحين لم يملكوا الجرأة والنزاهة الفكرية للاعتراف والاستسلام لحكم غالبية الشعب وتغليب المصلحة العامة والسلم الاجتماعي على الحسابات الضيقة والمصالح الفردية في وقت بلادنا في أمس حاجة إلى لحمة وطنية حقيقية من أجل بناء وطن طالما تعرض للهدم والنهب الممنهج.
ثم إنهم يتحدثون عن العجز، فعن عجز من يتحدثون؟ ولم لا ينظرون إلى "مراحهم"، ألم يعجزوا عن الفوز بالانتخابات، ألم يعجزوا عن التغيير داخل أحزابهم؟، ألم يعجزوا عن الحفاظ على وحدة الأحزاب التي يقودونها والتي تتحلل يوميا كتحلل الفطر؟، ألم يعجزوا عن الاحتفاظ بخطابهم وشعاراتهم؟، ألا يخجلون حتى عندما نزلوا إلى الشارع مدافعين عن الفساد، ومنددين بإقالة المسؤولين الفاسدين وكانوا بالأمس يستصرخونهم ويتوعدونهم.
إن الشعب الموريتاني لا يتذكر أنهم قدموا له أي شيء باستثناء هذه البيانات المحمومة والتصريحات النحيبية التي تشكل وحدها ثابتا في مسيرتهم السياسية السيزيفية إلى الحكم.
ومن التناقضات التي تقدح في ما يدعيه هؤلاء من مصداقية نضالية ونضج سياسي أن يتحدثوا عن الحوار والإشراك في الوقت الذي يلجؤون إلى لغة الغمز واللمز والشتائم والجفاء والتشكيك والفتنة والرغاء الأجوف الذي لا يقرب المسافات ولا يضيق الفجوات.
ومن السهل الادعاء بالنضال والتضحية فهذه مفردات شائعة، وما على المرء إلا أن يقلد نفسه بما شاء من هذه الأوسمة المفرداتية التي خرجت عن كل مدلول. وأسهل من كل ذلك بناء عالم وهمي من الكلام والادعاءات التي تلقى على عواهنها، حتى لو كان ذلك يمس شعور أغلبية المواطنين الذين وقفوا في الطوابير لينتخبوا رئيسهم.
ومن السهل كذلك الادعاء بالوطنية مع أن المواطنين لم يفرقوا بين تصريحاتهم وتصريحات النخبة السياسية المالية بعد استدعاء موريتانيا لسفيرها احتجاجا على تصرف غير لائق من أشقائنا في باماكو.
إن الهجوم على رئيس الجمهورية، والاعتداء اللفظي على إنجازاته، أمر غير مقبول لا سياسيا ولا أخلاقيا ولا قانونيا.. وهو أمر يقدح في وطنيتهم... وعلى هؤلاء الذين يدعون العمل بالدستور أن يراجعوه ليعلموا أن رئيس الجمهورية خط أحمر ينبغي احترامه لكونه يمثل إرادة الأمة وروح دستورها الذي هو رمزها الأول.
هل يثير الحسد كون رئيس الجمهورية شاب انتقل إلى اللعبة السياسية وهزم كل دهاقنة السياسة كما يصفون أنفسهم، وأصبح يلقب شعبيا بـ "رئيس الفقراء"، ثم أنجز في أشهر ما لم تنجزه أنظمة في سنوات وعقود، فطرد الصهاينة من بلاد المنارة والرباط، وآزر المقاومة العربية والإسلامية بشهادة رجالها، وحارب الفساد والمفسدين، وسير البلاد بصرامة رجل الدولة، وعانق الثائرين والمصلحين، وداوى ألم المرضى والجياع، وفتح نافذة أمل على مستقبل واعد كان بالأمس مدلهما، وفرض احترامه، وأسس لخطاب شعبي صادق وجذاب، ثم احتكم إلى انتخابات تحت عيون العالم وبأيدي المعارضة وفاز بتلك الطريقة المشرفة.
فهل ينقمون من محمد ولد عبد العزيز إلا أنه الرئيس المواطن القريب من نبض شعبه، الحامل لكرامة موريتانيا، المثقل بهمومها ومعاناتها، والطامح إلى التغيير البناء وإلى بناء موريتانيا الأعماق.
ألم يتمكن في أيام قليلة من طي صفحة أعوص ملف سياسي داخلي يهدد وحدة البلد، الملف الذي عجز سياسيو البلد عن حله طيلة عشرين سنة، ليأتي محمد ولد عبد العزيز، وفي ستين يوما، تمت تسوية ملف سنوات الجمر كما تسميها الصحافة.
ألم يضع الرئيس المواطن في أولوياته تحسين وضعية خزان الفقر والألم الذي أهملته كل الأنظمة السابقة، فأمر بإنشاء المدارس والمستوصفات والآبار والطرق وتوزيع الأغذية والأدوية، ومنح التمويلات للمواطنين، والعمل بدأ للتو.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو رجل الإصلاح، وقاد حركة التصحيح كما سماها زعيم المعارضة، قبل أن يتراجع ويضع الحصان والعربة معا أمام الطريق، ومن الطبيعي أن يواجه كل رجل إصلاح عواصف من التشكيك والشائعات والاتهامات، فالإصلاح دائما ضد الواقع، والأهم أن الإصلاح ضد العقلية النمطية.. لكن هيهات أن تقف الهمة.
ومن السذاجة أن يظن أولئك الذين امتهنوا، وعلى مر التاريخ، بيع المعلبات السياسية من شخصيات وحركات، أن ما يقومون به حاليا سيؤدي مبتغاهم، فالزمن تغير كثيرا، والباقي يسير.
ومن السذاجة كذلك أن يظن أولئك الذين يسترخصون ما عداهم أن زمن السكوت عنهم جامد لا يتحرك وأن ألسنتهم ستواصل الدوران كالشفرات الحادة في الأعراض، إذ عليهم التأكد أننا سنرد الصاع بعشرة أمثاله، فإن شاءوا كالوه تمرا وإن شاءوا ملأوه جمرا.. إن ينتهوا يكن خيرا لهم و"إن يعودوا نعد ولن تغني عنهم فئتهم شيئا".. والبادئ أظلم.
لا نريد منع هؤلاء التمتع بحقهم في التعبير، وإن كانوا لا يمارسون إلا الباطل من شائعات وتبخيس، وشماتة من بلدهم كل ما سنحت لهم الفرصة بذلك، لكن من السخرية بمكان أن يظن زعماء المعارضة والشائعات والأرز الفاسد أن معركة لغة الغوغاء وأبناء الشوارع قد تعوضهم مرارة الهزيمة والشعور بضياع الذات.
-----------------
نقلا عن جريدة الشعب


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!