التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:21:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13-4-2010

ورقــة حول إصلاحات التعليم في موريتانيا

ظل النظام المحظري هو التعليم الوحيد في هذه البلاد دون منافس حتى دخل المستعمر في
بداية القرن العشرين حاملا معه المدرسة النظامية الحديثة لكن في ثوبها الفرنسي البحت
ولهذا بدأ المستعمر فور دخوله في إنشاء مدارس كانت أولها: مدرستا كيهيدي و أبي تلميت
(1905م) , ثم مدرسة بوكي (1912م) , ومدرسة أبي تلميت الثانية سنة (1913م) , وتبدغة
(1935م) , وأطار (1936م) , وكيفة (1939م) . وتوالت هذه المدارس إلا أنها واجهت معارضة
شديدة وخاصة من طرف بعض العلماء ومشاييخ المحاظر وهنا أعرض لنماذج من المساجلات في
الموضوع:

قال محمد المصطفى البرتولي سائلا العلماء:
ملح البلاد ماجــواب سائل عن حكم أمر في البلاد نازل
إسلامنا أبناءنا الصــغارا طوعا إلى مدارس النصارى

فأجابه عبد الله بن داداه:
الصمت دون ما يخــاف جنه وقال في إضـاءة الدجنه:
"الحق لا يخــفى على ذي عين والله أرجـو عصمة لديني"

وأجاب محمد الأمين بن محمد مولود بن أحمد فال:
جاز تعلم خطــوط الكـفره لبـالغ من الملاح المهره
ومنــعوا إسلام نجله الأب لكـــافر يبعثه للمكتب



وفي هذا المقام يقول أحمدو بن أحمذي معبرا عن الارتياح الذي ساد القبيلة بعد إرجاع معلم
كان معينا للتوجه إليهم:

الحـــمد لله على ما نفسـه من الكروب وسقوط المدرسة
مدرسة الروم عن أبناء الحسن وقد رآها غيرهم أمرا حســن
وهم يرونـــها بعين الأرمد ليس بهــا هاد ولا من مهتد
والحسنيون على استــحسان ما قال فيــها "يوسف النبهاني"

يعني كتاب يوسف النبهاني: "إرشاد الحيارى في تحريم مــدارس النصارى " وقد برزت آراء
أخرى مهادنة للمدرسة لعل من أبرزها فتوى لمرابط محمد عالي بن عدود التي تراها من باب
((الضرورة التي تقدر بقدرها وأنه ربما تكون فيها مصلحة دينية ودنيوية.))

وهكذا ظل عطاء هذه المدارس محدودا حيث لم تتجاوز حصيلتها بعد مرور أكثر من نصف قرن أي
سنة 1960م الأرقام التالية:

عدد التلاميذ 11279 تلميذا ، عدد المدارس 210 مدرسة، عدد المعلمين 515 معلما ، عدد
الأقسام التربوية 340 قسما.

وقد عمل المستعمر بكل الجهود لاحتواء التعليم الأصلي , وأورد هنا فقرة من تقرير الحاكم
الفرنسي: (إن مشكلة التعليم في موريتانيا وجدت منذ اليوم الأول للاحتلال ظهرت جد
مستعصية ففي الوقت الذي وجدنا فيه أنفسنا بالنسبة لبقية المستعمرات متعطشين لتقليدنا
وجدنا المقاومة الإسلامية في موريتانيا ضد نمو تأثيرنا عن طريق التربية الفرنسية قد
ظهرت قوية شديدة، إن البيظان الموريتانيين منذ قرون والذين كان وما زال عندهم فقهاؤهم
لم يجدوا في حضارتنا الإعجاب الذي عند الدول الأخرى.

وهكذا وقفت أمامنا موجة قوية من التعليم الذي يقدمه لمرابط) ، وفي الأخير يخلص التقرير
إلى أن المدارس الفرنسية لم تلق أي إقبال مُقترِحا الحلول التالية:




1) إسناد الدراسة إلى مسلمين قد كونهم المستعمر بنفسه (جزائريون مثلا).
2) تزويد التلاميذ بالمال عند افتتاح المدارس .
3) توفير المطاعم المدرسية طيلة السنة الدراسية .
4) العمل على زعزعة المكانة الاجتماعية للعالم والشاعر .

وبعد دراسة المستعمر لوضعية السكان في موريتانيا قسّمهم إلى فئتين: فئة تستوطن المناطق
المحاذية للنهر وتتكلم بلهجات غير منحدرة من العربية وارتباطها بالتعليم العربي ارتباط
ديني فقط , وفئة تتكلم اللهجة الحسانية المنحدرة من العربية , وذلك لافتتاح مدارس
فرنسية محضة للفئة الأولى، ومدارس من نوع آخر للفئة الثانية تجمع بين التعليم الفرنسي
والعربي التقليدي , حيث فُتحت مدرسة أبي تلميت الثانية (1913م) لهذا الغرض , لكن هذه
المدرسة واجهت العديد من الاضطرابات مما أدّى إلى توقيف الدراسة فيها خلال الحرب
العالمية الأولى , ثم أعيد فتحها بعد ذلك ,
وحُوّلت في فترة ما إلى المذرذرة , ثم أعيد فتحها بعد ذلك سنة 1929م.

ولم تلاق المدرسة في شكلها الجديد أي إقبال يذكر لا في منطقة حوض النهر ولا في المناطق
الأخرى، وإن كانت الإدارة الفرنسية قد حاولت تلميعها باختيار طلابها من بين أبناء زعماء
القبائل وتشكيل طاقم تدريسها من جزائريين وعلماء من خريجي المحاظر لعل تواجد هؤلاء إلى
جانب الفرنسيين في مؤسسة واحدة يخفف من نفور الأهالي، لكن البرامج التعليمية في هذه
المدارس ظلت فرنسية بحتة وأهدافها استعمارية خالصة، وما أدخل من محتويات عربية لتلميع
الصورة لم يكن ذا بال والذي هو عبارة عن ست ساعات من العربية مقابل أربع وعشرين ساعة من
الفرنسية، وكانت محتويات
برنامج اللغة العربية كالتالي:
§ الآجرومية في السنة الأولى والثانية
§ بانت سعاد في السنة الثالثة والرابعة
§ معلقات كل من لبيد وزهير وطرفة في السنتين الخامسة والسادسة
§ التصريف في السنة السادسة.

هذا البرنامج أقل ما يقال عنه أنه (( ضخم في شكله هزيل في مضمونه)).

وهكذا ظل عدد المدارس محدودا حتى سنة 1947م حيث بدأ في التزايد بشكل ملحوظ، ومع إرهاصات
الاستقلال خصوصا بعد "انتفاضة "حزب النهضة

وما عقب استفتاء "نعم، ولا" , وفي خضم تلك التطورات صدر المنشور رقم 138بتاريخ
15/10/1957م هذا المنشور موقع من طرف الأستاذ المختار بن داداه رحمه الله والمفتش
الفرنسي الأكاديمي , يتضمن المنشور المذكور عدة نقاط من بينها:
1. تنظيم تعليم العربية على أسس عقلانية ليعطي نتائج أحسن , مما ساهم في التكوين
العقلي والثقافي.
2. مراقبة المديرين لمواظبة التلاميذ على الدروس العربية .
3. الاهتمام بالتكوين الأولي والمستمر لمعلمي العربية .

وأشفع هذا المجهود بإنشاء أول وزارة للتعليم في أول حكومة موريتانية وكان هدف هذه
الوزارة هو تنظيم التعليم العمومي حتى يتلاءم ومتطلبات المرحلة المقبلة – مرحلة
الاستقلال- وتجسد هذا المسعى في إقرار إصلاح 1959م .


إصــــــلاح 1959


حدد هذا الإصلاح فترة التعليم الابتدائي بخمس سنوات وأدخل اللغة العربية بشكل إلزامي في
المرحلة الابتدائية بمعدل أربع ساعات ونصف للتربية الإسلامية (الدين)، وأدخل ساعتين
أسبوعيا من اللغة في المرحلة الثانوية بصفة اختيارية مع الأنجليزية ويكتتب معلم (الدين)
من طرف الأمير أو الشيخ الذي تنسب المدرسة لقبيلته.

وقد ينتقص من احترام هؤلاء المعلمين عن قصد ضمني , وكانت أهم أهدافه المحافظة على
النظام التربوي المفرنس خاصة بعد اضمحلال نظرة الرفض والنفور التي واجه بها المواطنون
التعليم في فترة الاستعمار, ومحاولة استقطاب الأهالي إلى المدرسة , وذلك بعد تلميعها
ببعض أعيان ورموز البلد.

وقد تحقق هذا الهدف فتضاعف عدد المدارس مما أدى إلى افتتاح مدرسة تكوين المعلمين السنة
الدراسية 64/65 واستقبلت آنذاك 100معلم.

وظل معلم العربية مهمشا في كل مراحل الفعل التربوي مما ساهم في تشكيل نقابة المعلمين
العربيين التي صعدت النضال ضد الإصلاح مطالبة بترسيم اللغة العربية , ولئن كانت المراجع
تعتبر ما جرى في سنة 1959م إصلاحا , إلا أنه في اعتبار المربين لا يعدو: محاولة لتنظيم
الوضعية الإدارية للمؤسسات التعليمية الموجودة أنذاك , أما الأهداف فلا تختلف عن أهداف
الإجراء السابق الذي اتخذته الإدارة الفرنسية لتلميع مدرستها سنة 1947م باستقطاب علماء
وطنين وجزائريين.




إصـــــــلاح 1967م

أقره مؤتمر حزب الشعب سنة 1967م في لعيون وتم تعيين لجنة وطنية لمراجعة البرامج القديمة
الموروثة عن المستعمر ووضع إصلاح يتلاءم مع الواقع الحضاري للبلد.
وطبق بموجب القانون رقم 189-68 الصادر بتاريخ 1/6/1968م وقد ورد في التقديم لأهدافه ما
نصه: إن اللغة العربية لغة وطنية ويجب الإبقاء عليها وهي لغة أدب ودين , إلى جانب
الفرنسية التي هي لغة الإدارة.
وقد أتخذ هذا الإصلاح إجراءات عملية أهمها:
1) تمديد المرحلة الابتدائية من 6-7 سنوات
2) تعريب السنة الأولى تماما (السنة المضافة)
3) أعطي ثلثي الوقت للغة العربية في السنتين 2-3
4) قسّم الوقت نصفين بين اللغتين في السنتين 4و5
5) أعطي ⅓من الوقت للعربية في السنتين 6-7




إصـــــــلاح 1973م

أقره مؤتمر حزب الشعب سنة 1973م تحت إلحاح الحركة الوطنية لتوفير أدنى حد من الاستقلال
الثقافي وطبق بموجب القرار رقم 533-75 الصادر بتاريخ 30/1/75 تلخصت أهدافه في:

1) ملاءمة النظام المدرسي للحقائق الثقافية الوطنية وإعادة الاعتبار للغة العربية
والثقافة الإسلامية .
2) التجاوب مع تطلعات المواطنين إلى المعارف وتحضيرهم للمساهمة في التنمية الجماعية .
3) مضاعفة الإمكانات الفنية للبلاد من أجل مرتنة جميع الوظائف وحتى تتمكن من السيطرة
على الطبيعة.

ويعتبره الميدانيون إصلاحا تربويا من حيث احتواؤه على الخصوصيات النظرية للإصلاح
التربوي: إذ اتسم بالشمولية - نسبيا - , وتضمن إشارة لضرورة ربط التعليم بمتطلبات
التنمية.

كما أعتبر الخصوصية الثقافية للبلد عند رسم أهدافه حيث ينص في مقدمة أهدافه على: "خلق
مواطنين متشبعين بروح الإسلام متمثلين قيمه السامية"، ونص على أن اللغة العربية لغة
رسمية للبلاد وأن الفرنسية لغة أجنبية وكانت أهم مقرراته كالتالي:

1) تقليص المرحلة الأساسية إلى ست سنوات
2) تم توزيع وقت اللغتين كالتالي:

اللغة س1 س2 س3 س4 س5 س6
العربية 30 30 20 20 15 10
الفرنسية - - 10 10 15 20


3) فتح فصول عربية تجريبية في بعض الإعداديات ابتداءً من 1974م
4) أقر تدريس المواد الأدبية في الأقسام المزدوجة بالعربية كالجغرافيا والتاريخ
والفلسفة والتربية المدنية .
5) جعل مادة التربية الإسلامية والأخلاقية مادة إجبارية في كل شعب التعليم وأضاف
إليها التربية المدنية.
6) أدخل 5 ساعات أسبوعيا من العربية في المرحلة الثانوية، وقد أقر بذلك "الازدواجية
النسبية" حيث دخلت بموجبه مادة اللغة العربية إلى مسابقة دخول الإعدادية سنة 1974م لأول
مرة في تاريخ البلد.
7) نص على فتح شعبة للآداب الأصلية من بين شعب الباكولوريا.
8) نص على فتح المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وتم فتحه بالفعل ليستقبل حملة
الباكلوريا "شعبة أصلية".
9) نص على إنشاء المعهد التربوي الوطني وتم إنشاءه بالفعل لتوفير الإنتاج التربوي
والتكوين المستمر للمدرسين.
10) نص على أن قاعدة الإصلاح تتمثل في بعث التعليم الإسلامي في نطاق سياسة منسجمة ترمي
إلى جعله حيويا ومفيدا وبهذا يمكنه أن يندمج تدريجيا في التعليم العمومي (نقلته بالحرف)
.

وقد اقترحت لجنة الإصلاح تنظيما للتعليم الأصلي يقتضي إدماج بعض المواد فيه كالرياضيات
والجغرافيا وكذلك رقابة المعاهد التقليدية بهدف صيانتها وتوجيهها إلى المساهمة في
التنمية القاعدية.
* نص على أن تعطي الدولة مساعدات مالية لمسؤولي هذا التعليم وتلاميذه.

كما فتحت في ظل هذا الإصلاح مسابقة دخول الإعدادية أمام الأحرار وهو ما شكل منفذا واسعا
لدخول تلاميذ التعليم الأصلي إلى التعليم النظامي.

ويعتبر المهتمون بالتربية أن هذا الإصلاح شكل منعطفا هاما في مسيرتنا التربوية الحديثة
وأن مخرجاته سجلت كثيرا من التميز.




إصــــلاح 1979م

أقر بموجب المداولة رقم 0040/79 للجنة العسكرية للخلاص الوطني (CMSN) بتاريخ
18/10/1979م في محاولة من النظام لإسكات الأصوات التي تعالت في اتجاهات مختلفة وطنية
وافراكفونية حيث استجاب لجميع تلك المطالب على تناقضها.

ومن أهم إجراءاته:
1) تكون السنة الأولى معربة بكاملها كرباط مشترك لسائر القوميات.
2) يوجه الأطفال الناطقون بلهجة تنحدر من العربية في دراستهم إلى العربية وجوبا .
3) أما الأطفال الناطقون بغير العربيةفمخيرون بين الدراسة بالعربية أو الفرنسية
4) فتح فصول تجريبية لتعليم اللغات الوطنية (السونوكية – الولفية – البولارية)
بهذا الإجراء تفرع التعليم الابتدائي إلى ثلاثة اتجاهات , يوضح الجدول التالي توزيع
الوقت بالنسبة لكل اتجاه أو شعبة:


الشعب توقيت العربية في جميع الشعب توقيت الفرنسية في جميع الشعب توقيت اللغات الوطنية
في جميع الشعب الجميع
العربية 25 ساعة 05 ساعة 05 ساعة 30
الفرنسية 05 ساعة 25 ساعة 05 ساعة 30
اللغات الوطنية 05 ساعة 00 ساعة 20 ساعة 30




5) إقرار كتابة وترسيم اللغات الوطنية وإنشاء معهد خاص لهذا الغرض.
6) اعتبار المرحلة من 79إلى 85 "مرحلة انتقالية ".
7) تبدأ المرحلة الثانية سنة 1986م: فتكون اللغة العربية هي اللغة الأولى , وتكون
اللغات الوطنية محل اللغة الثانية , حسب "دراسة "سيتم إعدادها لتلك الفترة ، إلا أن هذه
المرحلة الثانية لم تر النور وتواصلت المرحلة الأولى كما هي حتى السنوات النهائية من
التعليم.

وقد شهدت نسبة التمدرس خلال هذه الفترة قفزة نوعية مما طرح أعباء مالية أصبحت الدولة
تبحث لها عن تمويلات، فظهرت مشاريع التهذيب المبرمجة على فترات كل حسب اختصاصه (البنية
التحتية- التكوين المستمر)، ومع تزايد الإقبال على المدرسة وشح البنايات والوسائل إلى
جانب التقري الفوضوي والعشوائي ذي الطابع القبلي والعشائري و ما صاحبه من انقسام ميوزي
وميتوزي لكل قبيلة وبتشجيع من الإرادة السياسية لتلك الانقسامات شهدت المدرسة
الموريتانية فسادا قاتلا فظهرت فيها نظم عمل محدودة المرودية إن لم تكن عديمتها مثل:

1) نظام التبادل:حيث يؤدي العجز عن إنشاء حجرات جديدة إلى استخدام حجرات المدرسة
الواحدة من طرف مدرستين فأكثر خلال توقيتين مختلفين يوميا وفي ذلك ما فيه من هدر للوقت
وتبذير للطاقات.
2) نظام الأقسام المتعددة المستويات: لقد أدى العجز عن تغطية الحاجة من المعلمين إلى
دمج مستويين في فصل واحد يقوم المعلم بتقسيم الوقت بينهما ويتضح تأثير ذلك على
المردودية والتحصيل .
3) نظام التفويج:لقد أدى الاكتظاظ المتزايد الذي بلغ متوسط القسم فيه (110) إلى تقسيم
تلاميذ القسم الواحد إلى فوجين يدرسهما نفس المعلم في وقتين مختلفين ويتضح تأثير ذلك
على الوقت والإنتاجية.

وباعتبار أن هذه النظم شكلت كارثة على نظامنا التربوي إلا أنها لم تكن وحدها في هذا
الميدان فقد تضافرت معها عوامل عدة نذكر منها: تقليص فترة تكوين المدرس (المعلم ،
والأستاذ ) وإعداده لمهمته لسنة تارة ولشهرين تارة أخرى بل أقل من ذلك في بعض الأحيان ,
إضافة إلى شح المنافذ إلى التوظيف مما جعل من وظيفة المدرس مجرد معبر إلى الاعتماد
المالي.

ومع الاهتمام المتزايد بالامتيازات المادية والثراء السريع الذي جعل من مهنة التعليم
مهنة مزدراة , لم يمسك الفصل الدراسي - في النهاية - بين جدرانه الأربعة إلا "العجزة"
من المعلمين والأساتذة إذا ما استثنينا عددا بسيطا من ذوي الضمائر الحية يشتهرون
لندرتهم.

كل هذا وغيره أثر سلبا على التحصيل النوعي فارتفعت نسبة التسرب بشكل ملحوظ وقاد إلى
الهجرة من التعليم النظامي وفتح الباب واسعا أمام خصخصة التعليم، لكن هذا "التعليم
الخاص" ظل قاصرا عن تحقيق الأهداف التنموية بسبب فقدانه لمنظومة تربوية موحدة إضافة إلى
النظرة الربحية المحضة وضعف العرض المتوفر من الكادر التربوي.

وخلال مسيرة هذا الإصلاح رفعت عدة شعارات منها تحقيق التمدرس للجميع سنة 2000م ، ورفع
نسبة تمدرس البنات، وتوفير الكتاب المدرسي.

ويرى أهل الاختصاص أنه كان مجرد خطة تربوية أكثر منه إصلاحا تنمويا، ولئن اعتبر البعض
أن هذا الإصلاح قد منح اللغة العربية مكانة متميزة إلا أن تلك المكانة ظلت محصورة داخل
المدرسة لم تبارحها إلى التغلغل في الإدارات ومراكز الخدمة والتشغيل، بل بقيت اللغة
الفرنسية أكثر منها حظوة في هذا المجال. إن لم نقل سيدة الموقف فيه .

أما الأزمة الوطنية الحادة التي سببها هذا الإصلاح فهي إنتاج جيلين متمايزين حضاريا لكل
منهما ملامحه ومميزاته.


إصــــــلاح 1999م

أقرّه القانون رقم 012/99 بتاريخ 26/04/1999م.
ورث إصلاح 99 هذه اللوحة المعتمة عن سلفه(إصلاح 79)، وحاول - نظريا - معالجة نواقصها
فسطر في أهدافه:
1) توحيد النظام التربوي للقضاء على نظام الشعبتين .
2) الانفتاح على عالم اليوم الذي تطبعه العولمة عبر التحكم في اللغات ودعم التعليم
العلمي والفني.
3) تكييف التكوين مع متطلبات التنمية .
4) تحسين النوعية وتخفيض التكاليف .

ومن أهم إجراءاته:
• تدريس التربية المدنية ابتداءً من السنة الأولى كمادة مستقلة .
• العربية لغة التدريس الوحيدة في السنة الأولى من التعليم الابتدائي.
• تدريس اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثانية بمعدل ست ساعات في الأسبوع.
• تدريس الرياضيات بالفرنسية ابتداءً من السنة الثالثة.
• تدريس العلوم الطبيعية بالفرنسية ابتداء من السنة الخامسة .
• زيادة التعليم الإعدادي بسنة.
• إدخال الأنجليزية والفيزياء والمعلوماتية في التعليم الإعدادي على التوالي في
السنوات الأولى والثالثة والرابعة .
• إنشاء كليات ومعاهد جديدة
• إنشاء قطاع اللغات الوطنية بجامعة نواكشوط.




ودعم هذا الإصلاح بزيادة الحصة المخصصة للتعليم من الميزانية إضافة إلى تدخل عدة مؤسسات
مصرفية مثل (البنك الدولي -التعاون الفرنسي – البنك
الإفريقي للتنمية)، وقد تم ذلك في إطار ما يسمى بالخطة العشرية (2001-2010).

وقد فاز المكتب العالمي لهندسة التعليم والتكوين (BIIEF)بمناقصة لتخطيط وتسيير هذا
الدعم.وتم خلال هذه الخطة العشرية إعادة هيكلة وزارة التعليم بانتهاج نظام لا مركزي
إضافة إلى إعادة كتابة البرامج (الأساسية والإعدادية) انطلاقا من مقاربة الكفايات بدل
مقاربة الأهداف والتي تحل بدورها محل مقاربة المحتويات.

وقد تم بالفعل إنتاج كتب وطنية طبقا لهذه المقاربة الجديدة (المقاربة بالكفايات) غطت
التعليم الأساسي وهي في طريقها إلى تغطية التعليم الإعدادي أعدت بالتعاون بين: المعهد
التربوي الوطني الهيئة المسؤولة عن الإنتاج التربوي , والمفتشية العامة للتعليم الهيئة
المسئولة عن البرامج التربوية , وذلك تحت إشراف خبراء من (BIIEF) منهم بلجيكيون
وفرنسيون وتونسيون (وإن كان هذا الإشراف قد خصص له وقت قصير بسبب تكاليفه الباهظة).

إلا أن هذه المقاربة دخلت على الخط بسرعة بعد قرار الإصلاح حتى اختلطت به في أذهان
الكثيرين فولد ذلك ارتباكا شديدا في الساحة التربوية منشأه أن الإجراءات المصاحبة
للإصلاح لم تر النور.

فأول خطة يتطلبها الإصلاح هي توفير الطلب من المدرسين المزدوجين وقد تم التعامل مع ذلك
بشكل أقرب إلى الهزل حيث تم تقليص فترة تكوين المدرسين إلى ثلاثة أشهر أو شهر واحد في
بعض الأحيان ، فماذا يرجى من تكوين هذه مدته؟ خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان تدني
مستويات المكونين , وانتزعنا من هذه الفترة القصيرة العطل الفصلية والأسبوعية وتلك
الناتجة عن تغيب الأساتذة الذي يعتبر ظاهرة يومية في أغلب الأحيان.

كما أن خطط التكوين المستمر ليست أحسن حظا من التكوين القاعدي للمدرسين حيث نظمت
ملتقيات عدة استغلت في كثير من الأحيان للحصول على
التعويض المادي فقط والذي يخصص عن كل يوم من أيام الملتقى وقد خصصت هذه الملتقيات أساسا
للتكوين حول المقاربة الجديدة (المقاربة بالكفايات) وظلت الاستفادة من هذه التكوينات
محدودة لذا ظلت المقاربة قاصرة عن الدخول والتغلغل في القسم بما فيه الكفاية لأسباب
موضوعية منها ما هو متعلق بالمدرس , وما هو متعلق بالقسم نفسه.

فالمدرس وجد نفسه أمام مقاربة جديدة تتطلب منه تغييرا في كل عمله: بدءا من تخطيط
برنامجه السنوي بشكل جديد , مرورا ببناء درسه بشكل جديد ، وصولا إلى التعامل مع تلاميذه
بشكل جديد دون أن ننسى تقدير المحتويات وتقويمها بشكل جديد ، ولكنّ المعلم لم يُحضر لكل
هذا إلا بملتقى من أيام (من أسبوع إلى عشرة أيام) و قــد لا يوفق مدرسنا العزيز في
الحضور إلى هذا الملتقى إلا آخر أيامه يوم يحضر المحاسب.

والقسم هو الآخر يراد منه أن يخضع لمقاربة لا يمتلك أدنى مقوماتها لا من حيث عدد
التلاميذ ولا من حيث توفر الوسائل اللازمة لها.

فمقاربة الكفايات التي تميل إلى أن تكون الأنشطة فيها فردية وتعتمد التقويم المعياري
الذي هو فردي أيضا، يعتبر تطبيقها في قسم كقسمنا المكتظ - الذي تقتصر وسائله على
السبورة والطاولات إن وجدت - مستعصيا إن لم نقل إنه ضرب من العبث.

إثــــــارات تربوية


هذه مجرد محاور متفرقة أردت أن أعرض لها بشكل خاطف تحت عنوان إثارات تربوية يمكن أن
يعمقها أهل الاختصاص ويستنير بها غيرهم، وقد سطرتها في عشر نقاط:
1)المدرسة: هي تلك المؤسسة المختصة بتربية النشئ وهي ضمن المؤسسات التي تعتبر قيمة على
الحضارة العالمية.
يقول أحد المربين: "إن هنالك مؤسسات خمس تتولى أمر الحضارة محتفظة بماضيها، وصائنة
حاضرها، ومؤمنة مستقبلها التقدمي، وهذه المؤسسات هي: البيت، المدرسة، الدولة، مؤسسة
الدين، مؤسسة العمل ".
2) خصائص المدرسة: يكاد المربون يجمعون على مجموعة خصائص للمدرسة منها:
أ‌- المدرسة بيئة تربوية مبسطة: تبسط المواد وتسهل تحصيلها من حيث التدرج واختيار
المعارف المناسبة للعمر.
ب‌- المدرسة بيئة تربوية مصفاة: بما أن البيئة يتخللها التعقيد كذلك يتخللها الفساد
فلا بد من تصفية الخير من الشر والفضيلة من الرذيلة
ج- المدرسة بيئة تربوية موسعة: فهي توسع مدارك المتعلم من حيث الزمان والمكان.
د- المدرسة بيئة تربوية صاهرة: فهي تجمع أولادا من مختلف الأعراق والثقافات فتتيح لهم
فرصة التواصل والتشابه الثقافي، حتى أصبح من الشائع القول: فلان وفلان من مدرسة واحدة.
3) التخطيط التربوي:ظلت غايات التربية محصورة على الجانب الثقافي والتربوي حتى منتصف
القرن العشرين حيث تزايد الاهتمام بالجانب الاقتصادي للتربية والدور الذي تلعبه في
التنمية وتسارعت وتيرة هذا الاهتمام حتى كادت التربية أن تكون فرعا من فروع الاقتصــاد
إذ أصبح يقال عنها أنها استثمار في البشر، وهذا الاستثمار يتم عن طريق التخطيط التربوي،
وتجربة كوريا خير دليل على ذلك.
4) يبلغ عدد القوميات في الصين الشعبية 56 قومية وتتعدد اللغات بعدد تلك القوميات لكن
لغة التعليم لغة واحدة فقط هي لغة الخان.
وفي المقابل هنالك ضوابط أخرى تضمن التمييز الإيجابي في النظام التربوي الصيني للقوميات
الأخرى منها على سبيل المثال:
- أن أبناء القوميات غير الخان ينجحون بمعدل أقل في مواد اللغة مقارنة معها (أي
الخان) .
- تمنح الأولوية في المسابقات والوظائف لأبناء تلك القوميات أيضا.
5) إذا أردنا أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية فعلافذلك يتطلب مجهودا وتخطيطا
ولعل مربط الفرس فيه هو تكوين مدرسين أكفاء متخصصين في تدريس اللغة العربية لغير
الناطقين بها (التلاميذ الذين لا تعتبر اللغة العربية اللغة الأم لديهم)، ولهذا فنيات
وتقنيات لم تتسلل قط إلى مدارس تكوين المعلمين عندنا.
6) من أجل تحسين التواصل بين الأجيال يجب إدماج اللغات الوطنية كل لغة من اللغات
الثلاثـ تدرس كلغة ثانية في المنطقــة التي تخدم فيها التواصل بشكل جيد.
7) أهمية كل من الفرنسية والإنجليزية كلغة انفتاح حضاريأمر لا مراء فيه.
ولعل الأمي في يومنا هذا هو من يتقن لغة واحدة.

فالمثل يقول زد لسانا تزدد إنسانا: أي أن الإنسان يزداد ويتضاعف كلما تعلم لغة جديدة
وإن كان التعبير مجازيا إلا أنه من حيث اتساع المدارك حقيقي.
8) المعارف التي يتلقاها الطفل بلغته الأم تكونأسهل تحصيلا وأعمق أثرا من المعارف التي
تلقاها بلغة مازال في طور تعلمها.
9) هناك دراسة عن معهد اللغات الوطنيةتؤكد أن الطلاب الذين درسوا باللغات الوطنية
يلاحظ أنهم أكثر ارتباطا وملامسة ووعيا بالتراث الوطني
كل لشريحته (السونوكية – البولارية -الولفية) من الطلاب الذين تعلموا باللغة الفرنسية
فقط.
10)إن النصوص المودعة في كتب تدريس اللغة، أي لغة هي مشحونة بشحنة حضارة تلك اللغة، فلن
يخلو نص عربي مثلا من ذكر للصلاة أو المسجد أو حديث شريف، نصا أو روحا، أو حكمة عربية
وكذلك الحال بالنسبة للغات الأخرى اتجاه حضارتها لأن اللغةوعاء الحضارة.




فاطمة بنت البو
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!