التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:22 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.04.2010 14:36:19

قراءة في كتاب موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق

بقلم: الحافظ ولد الغابد

صدر حديثا عن دار الفكر بنواكشوط كتاب يحمل عنوان:" موريتانيا المعاصرة: شهادات ووثائق" وهو كتاب جديد في موضوعه وطريقة تناوله للحدث السياسي خلال العقود الثلاثة الأولى من عمر الكيان الموريتاني أو ما اصطلح على تسميته بـــ"الأمة الموريتانية" الحديثة الولادة نسبيا مقارنة بالكيانات المحيطة جغرافيا بهذا الكيان مغاربيا في الشمال وجنوبا في الغرب الإفريقي.


ثغرات التاريخ:

ينطلق الكاتب من مسلمة قديمة في عرف الثقافة الموريتانية تنتقد ضعف المجهود الذهني الذي بذله ويبذله الموريتانيون في سبيل الاهتمام بالتاريخ المحلي مستعرضا رأي الشيخ سيديا باب في هذا الصدد والذي صاغ ملاحظاته على ضعف اهتمام أدباء البلاد وعلمائها بالتاريخ فغدت قانونا يعبر عن حالة سيكولوجية لدى المثقف الموريتاني ومتعاطي الفكر عموما في هذه البلاد.


ويؤسس المؤلف الباحث والخطيب الشاب سيد أعمر ولد شيخنا على تلك "المقولة التأريخية" معتبرا أن الجهد الذي يقدمه يأتي لسد ثغرات خطيرة يعرفها تاريخ المجتمع الموريتاني ودولته الحديثة مقدما عبر سبعة فصول رؤيته للعديد من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية محاورا الساسة وصناع القرار الذين كانت لهم صلات مباشرة بالأحداث من خلال المسئولية حينا كما هو شأن ثلاثة من رؤساء البلاد العسكريين وكذا العديد من الوزراء والسفراء وصناع القرار.


صراعات النخبة الوطنية الوليدة:

يناقش الكتاب في الفصل الأول:"سنوات التأسيس الحاسمة انبعاث أمة" نشأة الكيان الموريتاني محللا نشأة الحراك السياسي الوطني وكاشفا النقاب بأسلوب حصيف عن أدوار التحالفات السياسية الإقليمية والدولية التي صيغت على وقعها شخصية الوطن الجديد.


فقد تخندقت الإدارة الاستعمارية الفرنسية منشئة حزبا سياسيا (الإتحاد التقدمي الموريتاني) مساندا لأدوار البيروقراطية الإدارية غير العريقة التي أنشأتها لتثبيت الوجود وبسط السيطرة وحشد تأييد ودعم "الأمراء" وشيوخ العشائر وقادة الطرق الصوفية لمشاريعها السياسية ورؤاها لمواكبة التحولات المتسارعة في المنطقة والعالم.


وفعلا نجح الحزب في الاستيلاء على مقعد النائب في البرلمان الفرنسي(الانتخابات التشريعية المزورة 17يونيو1951) الذي شغله هذه المرة سيد المختار ولد يحي انجاي الذي اختير لقيادة الحزب وحظي بدعم الإدارة الاستعمارية وهو من أب سينغالي وأم موريتانية بينما أقصي منافسه النائب أحمدو ولد حرمة ولد ببانة الذي كان يعبر بصورة أكثر استقلالية وتحررا عن الضمير الجمعي الموريتاني في تلك الفترة لتتمكن نخبة من مترجمي الإدارة الاستعمارية الفرنسية من الموريتانيين لأول مرة من السيطرة على الحياة السياسية في البلاد محاولة إجهاض الحركة الوطنية "الاستقلالية" الآخذة في التشكل بعيدا عن التوجيه المباشر للإدارة الفرنسية.


على أن الكتاب يكشف عن علاقة سياسية قوية ما بين النائب احمدو ولد حرمة ولد ببانة وتيارات اليسار الفرنسي من جهة وفي هامش الصفحة 12يكشف عن علاقاته القوية بزعماء الحركة الوطنية السنغالية "سينغور""لمين غي" غير أن ولد ببانة رغم ذلك كان يعبر عن موريتانيا وطموحاتها في تلك الحقبة بشكل أفضل مما ستؤول إليه الأمور مع استيلاء مجموعات المترجمين والإداريين وحزبهم المساند لمشاريع الإدارة الاستعمارية الفرنسية في موريتانيا في تلك الحقبة الدقيقة من تكوين شخصية الدولة الجديدة.



ويناقش الكتاب بعمق موقف الزعيم الوطني (مؤسس حزب الوفاق) احمدو ولد حرمة ولد ببانة والتحالف السياسي الذي انساق فيه محاولا الإستقواء بالمغرب في مواجهة مشاريع الإدارة الفرنسية وحزبها المهيمن على الحياة السياسية في البلاد فاصطدم بالموقف المغربي "غير الذكي حينها" والذي يطالب بموريتانيا كجزء من الأراضي المغربية المحتلة وهو ما جعل الرجل بين خيارين أحلاهما مر فإما أن ينساق في الموقف المغربي وهو ما سيفقده كل أوراقه في موريتانيا وإما أن يرجع لموريتانيا التي خرج منها شريدا يبحث عن سند فأفقده الموقف المغربي كل قدراته على المناورة السياسية الذكية وجعله يضرب لعدة سنوات في حديد بارد.


ويحز الكتاب في مفصل الموقف التاريخي للمناضل حرمة ولد ببانة من خلال معطيين:

المعطى الأول: أن الوقت الذي هاجر فيه "حرمة" كان فيه البلد إقليما ملحقا إداريا بالسنغال ولم يولد بعد "قانون الإطار" الذي أسس لسلطة جديدة في البلاد.

والمعطى الثاني: هو أن فرنسا التي سمحت ـبموجب قانون الإطارـ بسلطة في موريتانيا ثم منحت لاحقا المولود الجديد استقلالا داخليا بعد استفتاء 1958 ظلت تطرح بشكل جدي خيارات عدة لمستقبل الكيان الموريتاني كان من بين تلك الخيارات خيار الانضمام للأقاليم الصحراوية وهو ما طرحه "ديكول"بإلحاح خلال زيارته لموريتانيا ديسمبر 1958 في هذا الجو تكون دعوة حرمة إلى الوحدة مع المغرب في مواجهة الأقاليم الصحراوية مفهومة إن لم تكن مبررة(ص19).


ويشد المؤلف على أنه :"رغم كل ما قيل ويقال عن مواقف حرمة من موريتانيا قبل وبعد الاستقلال فإن هناك ملاحظات لابد من تسجيلها في هذا الإطار :

- "أن حملة التشنيع على الرجل كانت انتقائية إلى حد كبير حيث لم تواجه بها شخصيات كانت تدعوا علنا للانضمام إلى فيدرالية مالي على حساب استقلال موريتانيا وشخصيات أخرى تنادي بالانضمام لمنظمة الأقاليم الصحراوية".

ويشير المؤلف إلى أن موقف حرمة من مطالبة المغرب بموريتانيا يمكن تقسيمه إلى مرحلتين:
1- مرحلة ما قبل الاستقلال ويمكن اعتبار موقف الرجل اجتهادا سياسيا مفهوما وربما وجيها ضمن السياق السياسي الذي يتنزل فيه كنوع من العمل على الإستقواء ببلد عربي مسلم مجاور في مواجهة الاستعمار الفرنسي ومشاريعه حينها.


2- وموقف ما بعد الاستقلال ولم يكن موقف الرجل حينها ـحسب المؤلف دائماـ ضروريا ولا موفقا.

يرصد المؤلف نشأة العديد من الحركات والتجمعات السياسية منتصف الخمسينات قبل حصول الاستقلال بعدة سنوات وهذه الحركات هي حركة الشباب الموريتاني التي تأسست 1955 وسيكون لقادتها تأثير كبير في الحياة السياسية فيما بعد وكذا كتلة كوركل الديمقراطية التي تأسست 1957 ويرصد المؤلف محاولات الوحدة السياسية التي عبر عنها مؤتمر ألاك 1958 بوضوح كبير حيث انصهرت أحزاب "الوفاق"والتقدمي"وكتلة كوركل لمواجهة العديد من التحديات يقول الرئيس المختار:"ها نحن نجتمع إذن لتنبثق من صراع أفكارنا الوحدة المقدسة لمواطني موريتانيا الأحرار في مواجهة الأخطار المحدقة بالإقليم".


الفرنسيون يختارون لموريتانيا أول رئيس:

ويستعرض الكاتب بإسهاب الظروف والدواعي التي تم فيها اختيار المختار ولد داداه رئيسا لموريتانيا مؤكدا أن ذلك الاختيار تم بإرادة فرنسية محضة نظرا للعديد من الاعتبارات والسياقات السياسية المتداخلة حيث إن الرجل شكل خيارا مثاليا بالنسبة للفرنسيين فهو ذو ثقافة فرنسية لصيقة لا تنافسها ثقافته العربية لم يتشبع بالقيم الدينية المحلية بما فيه الكفاية ولم يعرف في تكوينه الدراسي والعملي إلا الثقافة الفرنسية فهو مدين لها ومضمون الولاء ورغم قوة الشهادات المنقولة عن الدور الفرنسي في اختيار الرئيس "المختار" إلا أن اللحظة التاريخية لذلك الاختيار لم يتم الحسم فيها فهل تمت قبل إرسال الرجل إلى الدراسة في فرنسا والذي تم بعناية بالغة أم أنها تمت خلال مرحلة العمل في بير أم اكرين في أدغال الشمال الموريتاني حيث اختير له أن يتدرب على العمل الإداري في أكثر الأقاليم بعدا عن المناخ الديني المزدهر في مسقط رأسه وحيث يمكن بسهولة أن يتم تصعيد الرجل بوتيرة أسرع كزعيم لامع كما تم من خلال انتخابه على قوائم الشمال إذ إن أهل الشمال أقل عصبية وأكثر بركماتية من بقية الأقاليم الأخرى في موريتانيا.


وبهذا الاختيار الذي يأتي تاليا ومساندا لخطوة تأسيس الحزب التقدمي بقيادة ولد يحي انجاي يكون الانقلاب الذي دبرته الإدارة الفرنسية ضد الحركة الوطنية ذات النزعة الاستقلالية القوية قد أحكمت حلقاتها بصورة نهائية لتتجه الجهود لمنح موريتانيا استقلالها لكن تحت الوصاية الفرنسية من وراء ستار كثيف من الشعارات ومحاولات صهر الكيانات الحزبية والتجمعات العرقية في بوتقة نظام سياسي جديد لن يشتد ساعده ويبدأ عنفوان المراهقة حتى تفاجئه حرب الصحراء1976 فترديه صريعا... ولينبثق من عمق معاناته انقلاب العاشر من يوليو الذي قدم المؤلف بالوثائق تفاصيل دقيقة عن مراحل تنفيذه تنشر للأول مرة.

ويبدو من العرض الذي خصص له الفصل الثالث من الكتاب أن الرئيس المختار ما إن أحكم سيطرته على الحكم بعد الاستقلال حتى اتجه لبناء نظام دكتاتوري قوي تسيطر عليه مليشيات المخابرات الحزبية ذات الأداء المتخلف والتي اتجهت لخلق جو من الخوف والإرهاب المسلط على رقاب الناس في الوقت الذي أخفقت فيه في استشراف مستقبل البلاد والانخراط في مواكبة التحديات الفعلية والمخاطر التي ظلت مسلطة من الجارة الشمالية المغرب بفعل حساسية تطور ونمو علاقات موريتانيا مع النظام الجزائري الذي بدأ هو الآخر يدخل على خط الحرب المفتوحة مع المغرب عبر تسليح ودعم جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء الغربية ووادي الذهب مما جعل الرئيس المختار يدير ظهره للجزائريين الذين ساعدوه على التخلص من عنق الزجاجة الفرنسية الذي بدأ يتوق للخروج منه محاولا الاستفادة من المال الخليجي الداعم للرؤى السياسية والتوجهات المغربية ساعتها فاتجه للقبول بالأدوار التي تحددها له المغرب متخذا من شعارات موريتانية الصحراء شعارا أخلاقيا للولوغ في جريمة "هدم أواصر القربى" لتحقيق مكاسب آنية.


ويؤكد الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أن الرئيس المختار وأجهزة نظامه لم تكن تتوقع اندلاع الحرب رغم أن خطواتها غير الذكية كانت بمثابة إعلان حرب على الشقيق الجزائري الحليف الذي ساعد في التحرير الاقتصادي لمناجم الشمال من الاستغلال المنفرد من طرف الفرنسيين.


حرب الصحراء تقصم ظهر النظام:

يتناول المؤلف قضية حرب الصحراء التي انساق فيها نظام المختار ولد داداه دون إعداد سابق كاشفا النقاب عن العدد الفعلي للجيش حينها والذي لا يتجاوز1000 رجل لم تنل تدريبا كافيا وليس بحوزتها من السلاح إلا القليل وفرضت ظروف الدخول في حرب من غير استعداد كاف على البلاد ما لا طاقة لها به فكان لزاما على موريتانيا أن تواجه بألف جندي ضربات المقاتلين الصحراويين الذين يعرفون تضاريس الأرض وهم جزء من مواطني موريتانيا بفعل التداخل القبلي حيث يمكنهم أن يرصدوا أي تحركات عسكرية بينما يصعب على استطلاع القوات المسلحة الوطنية اكتشاف الهجمات التي تقوم بها مجموعات خفيفة الحركة تجد في الغالب متواطئين من داخل السكان المحلين بفعل علاقات القرابة العصبية الممتدة بين شعبين توحدهما الجغرافية الطبيعية وتفرق بينهم الجغرافيا السياسية العمياء.

ويستعرض الكاتب اللقاءات والنشاطات الدولية التي انعقدت لتقرير مصير الإقليم كاشفا النقاب عن المرارة التي عبر عنها الجزائريون جراء اتفاق موريتانيا مع المغرب على تقاسم الإقليم وهو ما ترفضه الجزائر التي فوجئت بمواقف الرئيس المختار حيث جرى نقاش ساخن بين الرئيسين بومدين و المختار في قمة بشار 10نوفمبر1975 حيث حاول بومدين إقناع الرئيس الموريتاني بالعدول عن قراره مسايرة المشروع المغربي عبر خمس ساعات من النقاش غير أن الرئيس الموريتاني كان متشبثا بالمشروع المغربي وفي الغد انطلقت المسيرة الخضراء وينقل المؤلف انطباعات الرئيس بومدين عن اللقاء عبر شهادة الوزير أحمد طالب الإبراهيمي:"كان أبو مدين يحاور المختار رأسا لرأس ويسعى من أجل انتشاله من هذه المؤامرة ضد الصحراويين حدثني عن ذلك بمرارة وخيبة أمل لقد راهن على رجل خان العهد لكنه مع ذلك على حد قوله ينبغي مسايرة موريتانيا التي تضم قوى وطنية هامة معادية لمغامرة ولد داداه".

ويصل الكاتب إلى نتيجة حاسمة اتفق عليها الجميع فيما بعد وهي أن موريتانيا كانت خاطئة في قرار الحرب غير أن الرئيس المختار ظل متشبثا بصوابية القرار حتى بعد عشرين سنة من عزله عن السلطة لأنه ببساطة يعتقد أن الصحراء جزء من موريتانيا وقد رفض مرات عديدة أثناء الحرب جميع الجهود المبذولة لوقف الحرب يقول بحام ولد محمد لقظف الذي شغل مناصب وزارية عديدة:"سألني الرئيس المختار أثناء معارك آوسرد 1976 عن رأيي فيما يجري فقلت له إننا في وحل وأرجو أن تكون لنا المقدرة على الخروج منه.. فخرج الرئيس من المكتب غاضبا وبعد أسبوعين تمت إقالتي من منصب والي ولاية كيهيدي ولم ألتق بعدها بالرئيس المختار إلى هذه اللحظة".


ويستعرض الكتاب في الفصل السابع قصص وخفايا الصراع السياسي على السلطة الذي اندلع بعد استيلاء الجيش على السلطة مستعرضا بالشهادات والوثائق خفايا الحدث السياسي خلال حقبة الثمانينيات حيث جاء الجيش بروح تصالحية مع الأشقاء الصحروايين ونبرة إصلاحية لمجالات الاقتصاد والتعليم والديمقراطية غير أن هذه الروح ما لبثت أن تحولت إلى صراع مستحكم بين تيارات العسكر المتنافسين وكان أبرز حدث تحقق بالفعل هو إيقاف الحرب الذي تم عبر توقيع اتفاقية الجزائر 5أغسطس 1979.وهي الاتفاقية التي كشفت عن هشاشة المفاوض الموريتاني وعلق عليها عاهل المغرب الحسن الثاني بالقول:"لو رجع إلى من وقع هذه الاتفاقية لقتلته" وقد تضمنت الاتفاقية بندا سريا يقضي بتسليم اقيلم الداخلة للبولساريو بعد سبعة أشهر من التوقيع وهو السر الذي اكتشفه المغرب فاحتل أجزاء واسعة من الإقليم وخرجت موريتانيا من الحرب بالسلام الدائم وموقف الحياد تجاه أطراف الصراع مع انتزاع الصحراويين الاعتراف بدولتهم التي أقيمت في المخيمات بتندوف الجزائرية والمعسكرات القائمة في الأراضي المحررة.


ويستعرض الكاتب انتقال السلطة بصورة سلمية من كل من ولد محمد السالك إلى ولد لولي لتستقر عند ولد هيدالة منذ العام 1980حتى 12-12- 1984حيث أطاح به ولد الطائع الذي حكم موريتانيا لمدة عقدين مديدين اكتفى المؤلف منهما بكشف حيثيات جديدة عن دوافع ذلك الانقلاب والقوى المحلية والدولية التي ساندته ورتبت له.


وتوقف طويلا عند المحاولة الانقلابية 16-مارس-1981 محللا دوافعها وسياقها السياسي الدولي والإقليمي مؤكدا أنها كانت تهدف إلى إرجاع الرئيس المختار إلى السلطة كما أشار هو ذاته في مذكراته إلى ذلك من جهة كما أنها تعبر عن ردة فعل من الجناح الداعم لرئيس الوزراء أحمد ولد بوسيف الذي سقطت طائرته في دكار 1979وتحوم شكوك حول إسقاطها بفعل متعمد في سياق الصراع السياسي على السلطة الذي عرف آن ذاك لعبة المحاور الدولية والإقليمية بما تحمله عادة من انعكاسات وتفاعلات داخلية .

وناقش بشكل تفصيلي غير مسبوق مجموع الأحداث السياسية الكبرى التي عرفتها حقبة ولد هيدالة بدئا بالبند السري في الاتفاقية التي وقعت مع البوليساريو وردود مختلف الأطراف عليها وإطلاق سراح الرئيس المختار للإستشفاء والعودة مجددا وهو ما لم يتم وانتهاء بالانفتاح الديمقراطي والعودة إلى الحياة الدستورية مع دستور ولد أبنيجارة وهو الحلم الذي وأدته المحاولة الانقلابية الفاشلة 16مارس1981


ملاحظات ختامية:

-أحرز الكتاب قصب السبق في سبر أغوار التحولات السياسية التي عرفتها موريتانيا منذ منتصف الأربعينيات وحتى منتصف الثمانينيات وهي فترة عرفت ميلاد كيان الدولة الوطنية الحديثة في موريتانيا حيث ولدت مدن وتبدل نمط الحياة لدى السكان عبر العديد من التحولات العاصفة وقد حظي الكتاب بإحاطة وتوثيق دقيق لجل الأحداث التي تناولها وإن انتابه أحيانا نوع من إعادة التحليل لإحكام ترابط سياقات الأحداث كان يمكن الاستغناء عنه وإن ظل مفيدا وغير ممل.

2-نجح المؤلف في التعبير عن الحقيقة المرة في العديد من القضايا دون أن يشكل ذلك سببا لإثارة المواقف المتشنجة وهو نجاح كبير من الوجهة التاريخية ولكنه في نظر البعض أفقد الكتاب حرارة الموقف ودفء الطرح وهو ما يمكن أن يغتفر للمؤرخ المحايد الذي يتوق للاحتراف ولكنه لا يناسب المؤلف صاحب الموقف والقضية خصوصا وأن التوصل للحقيقة الدامغة يفرض على صاحبها ألا ينزع فتيلها لأنها عند ذلك تتشوه وتتبدل وتفقد فاعلية إزهاق الباطل تلك المزية التي أشاد بها القرآن:"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا زاهق".

3- طغت أحيانا في الكتاب فكرة التوازنات الجهوية وما تفرضه من محاذير الانحياز والتهيب والتقزيم والتضخيم أو التحامل من جهة والتمحور مع هذا الطرف أو ذاك من جهة أخرى ومن نماذج هذا النمط الانحياز الكبير لموقف البولساريو الذي ظهر بصياغة تعبوية كان يمكن الإستغناء عنها وقل الشيء نفسه بالنسبة للموقف من النهضة ورئيس حزبها بوياكي ولد عابدين الذي اختص في الكتاب بلقب الزعيم وأعطي حجما ربما شابه الكثير من المبالغة التي كان يمكن الإستغناء في عمل تاريخي يتشح بمصداقية التوثيق والشهادة التاريخية بما ترمز إليه من مضامين ضابطة لـــ"العمل البحثي التأريخي".. والذي لاشك فيه أن تلك الهنات البسيطة لا تقلل من أهمية الكتاب الاستثنائية لأنه إذا ما استثنينا كتب المذكرات التي صدرت عن الفترة لا يوجد مصدر آخر لتأريخ الحدث غير هذا الكتاب وهو ما ينبغي أن يدفع الباحثين والمؤرخين أفرادا وجماعات للإسراع لتدوين هذا التاريخ قبل اندثار معالمه.
ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو حسبنا ونعم الوكيل.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!