التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:21:40 غرينتش


تاريخ الإضافة : 25.04.2010 12:16:08

خطاب السياسية... وسياسة الخطاب

أحمد أبو المعالي كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالإمارات  Ahmad_aboualmaaly@hotmail.com

أحمد أبو المعالي كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالإمارات [email protected]

إن تعجب فعجب مفردات وعبارات وأساليب الخطاب السياسي الوطني هذه الفترة من تاريخ البلد.. فقد ثبتت الرؤية بالنسبة للقطبين الكبيرين في الساحة السياسية المتمثلين في منسقية المعارضة من جهة وأحزاب الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز من جهة أخرى.. واستقرت سفينة الخطاب على جودي لا يمكن أن يكون ملجأ من الماء.. ولا يصلح أن يكون ملتحدا يعصم البلد من الانحراف والغرق.

ففي الجانب السلطوي اعتمدت الأغلبية منذ التئامها عشية انقلاب السادس من أغسطس 2008 م على خطاب متشنج يقزم من حجم المعارضة –حتى ولو كانت معها أغلبية الشارع- ويلعن تصريحاتها وتوجهاتها وخطاباتها ونضالاتها مهما كانت سليمة ومقنعة.. ويوزع عليها ما لذ له وطاب من السب والشتم والغمز واللمز والغيبة.. إلى آخر القائمة... وربما باركت هذه الأغلبية لجوء النظام إلى القوة حينما تفكر المعارضة في النزول إلى الشارع إحقاقا للحق وعودة للدستور.. وحينها شكل "الجنرال" خطابا جديا يعتمد وصف المعارضة بكونها "شرذمة" من المفسدين أحزنها سحب البساط من تحت أقدامها.. فلم تجد غير اللجوء إلى الخارج طمعا في تجويع الشعب وتركيعه.. وهو أسلوب أفلح إلى حد ما في تغيير الخطاب السياسي الرسمي الذي أصبح محاربا للفساد وإن كان بواسطة رموز المفسدين... وقد نتفهم حدة الخطاب السياسي حينها.. لكن يبدو أن النصر الذي حققته الأغلبية في الانتخابات الرئاسية -على ما فيه من غبش- لم يفلح في استعادتها توازنها "الخطابي" لذلك زخرت خطاباتها بعبارات نابية وهابطة لدرجة التقزز.. وشاعت في ثناياها مفردات الكذب والتضليل والافتراءات والمغالطات وتزييف الحقائق والهستيريا والحسد.. بل ووصل الأمر لحد التجريح الشخصي الهابط لبعض رموز المعارضة من قبل التآكل والترهل.. وغيرها من الأوصاف "الشخصية" التي لا يمكن أن تعتبر دليلا عل نضج الخطاب السياسي.. وقد أصبحت تعليقات وخطابات وبيانات تلك الأحزاب تدور في هذا الدرك المخجل.

صحيح أننا لا نتوقع من تلك الأحزاب أن تنشدنا في خلال المعارضة ومزاياها:
إذا ما بلغتني وحملت رحلي *** عرابة فاشرقي بدم الوتين
...إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين.

فلا هي ترى في المعارضة ما رأى فيه الشاعر في عرابة... ولا "الناقة" تستحق ذلك الجزاء السنماري.

لكن يفترض في خطاب هذه الأحزاب أن يعتمد إنارة الرأي العام حول "شبهات" المعارضة بطرق مقبولة سياسيا.. لا طريقة "تكاري سواغ" السوقية... والمؤمل من تلك الأحزاب أن تضع الإصبع على المنجزات التي ترى أن النظام حققها.. فذلك أنفع وأجدى من "لعن" المعارضة" والتباري في سوقي الكلام وما لو تفوه به "العامي" لا اعتبر زلة ومئنة في سلوكه.. ويخيل إلي أن هذه الأحزاب لو كانت ترى بأم أعينها إنجازات مقنعة لما نزلت إلى هذا الدرك المتشنج حينما يؤذن مؤذن المعارضة "أيتها العير إنكم لسارقون".

وعلى الضفة الأخرى حملت المعارضة معها مصلحات الفترة الانقلابية ولم تستطع التخلص منها، فالجنرال كان انقلابيا وما زال وسيظل.. ويبدو أنها إضافة إلى ذلك البعد ضاقت ذرعا بخطاب الأغلبية السابق ذكره فأرادت أن تكيل لها الصاع مثله أو ضعفه فسلكت فجا يحتاج سلوكه كثيرا من التروي قبل الإقدام عليه.. وذلك من خلال حديثها الأخير عن نيتها العمل على إسقاط نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال أشهر بعد "السراح غير الجميل"...

نعم.. لا نتوقع منها أن ترفع عقيرتها منشدة في مدح النظام ما أنشده الأعشى في المحلق حتى غير حياته:
تشب لمقرورين يصطليانها *** وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما * ** بأسحم داج عوض لا نتفرق

فهي بالتأكيد غير مقتنعة بندى "نار" الأغلبية كما أنها غير معنية بعوانس الأغلبية عناية الأعشى بعوانس "المحلق".

بيد أن المفردات الأخيرة التي تسللت إلى خطاب "المنسقية" لا يمكن البصم عليها في المنهج الديمقراطي ذلك أن الحديث عن إطاحة النظام -حتى ولو مارس هو ذات اللعبة ذات مرة- لا ينسجم مع الخطاب الديمقراطي الذي تسعى المعارضة إلى بلورته لدى الرأي العام... بل وأكثر من ذلك قد تحسب هذه نقطة لصالح الأغلبية مصداق حديثها عن عدم اقتناع المعارضة بالمسار الديمقراطي.. وقد يستغله النظام "قميصا" يرفعه لغايات أخرى ومآرب معينة.

مهما فسرت المعارضة مفرداتها الأخيرة فإن ظاهرها يمنح المتلقي العام -مثلي- دلالة غير مريحة.. حتى لو أرسلت المعارضة إشارات تحدد مسار "الخطاب".


نعم... يجب على المعارضة أن تلعب دورها الحقيقي في مراقبة النظام وتنبيهه على الأخطاء التي قد تحصل بالطرق القانونية.. وحينما تتخلى عن هذا الدور تفقد مبرر وجودها... لكن يجب أن تبتعد كل البعد عن ما من شأنه خلخلة النظام العام... أو ينحدر إلى أسلوب غير مقبول مهما حاول النظام جرها إلى تلك "اللعبة".

إننا بحاجة ماسة إلى خطاب سياسي متزن يعتمد الحجة والبرهان والتنوير عوض اللعن والتخوين والتبخيس والخوض في الأعراض مما لا يجدي فتيلا عن حاجاتنا للماء والغذاء والدواء... ولا يسهم في تكوين دولة القانون التي نحلم بها جميعا... فمتى يفهم ساستنا أن للسياسة خطابا لا ينبغي أن تتجاوزه ... وأن للخطاب سياسة لا ينبغي أن يتجاوزها؟.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!