التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:13:42 غرينتش


تاريخ الإضافة : 16.06.2010 14:37:51

المدير التنفيذي لوكالة الأخبار لـ"السفير": "نحن في بلد يعاني تخلفا شديدا في القوانين المنظمة للإعلام"

المدير التنفيذي لوكالة أنباء "الأخبار" المستقلة (صورة صحيفة السفير )

المدير التنفيذي لوكالة أنباء "الأخبار" المستقلة (صورة صحيفة السفير )

تتصاعد الشكاوى داخل الحقل الصحفي من تراجع مستوى الإعلام وتدني محتواه وغياب المعالجات الصحفية الجادة والمواضيع المفيدة التي تمس حياة الناس واهتماماتهم؛ رغم وفرة الصحف وتكاثر المواقع الإلكترونية.

ويعيد البعض هذا التراجع إلى الأوضاع المادية الصعبة التي ترزح تحتها المؤسسات الصحفية بفعل غياب الدعم العمومي وفوضوية الإعلان، وغياب مؤسسات للتوزيع، وانغلاق مصادر الأخبار، وغياب الوعي الكافي لدى الفاعلين السياسيين والاقتصاديين بأهمية الإعلام ودوره المحوري في التنمية؛ وبالتالي ترك المجال عرضة لفوضى التطفل، وعرضة للمبادرات غير المدروسة.

ونظرا إلى أهمية هذا الحقل ودوره المحوري في الديمقراطية والتنمية ارتأت "السفير" أن تفتح ملف الإعلام الموريتاني المستقل على مصراعيه مع صناعه والفاعلين فيه ضمن سلسلة مقابلات تبدؤها مع الأستاذ الهيبة ولد الشيخ سيداتي المدير التنفيذي لوكالة أنباء "الأخبار" المستقلة؛ والذي استقبلنا برحابة صدر وناقش معنا موضوعات إعلامية شتى: مشكلات الدعم العمومي وفوضوية الحقل، ومصادر الأخبار، والمآخذ على وكالة "الأخبار" المستقلة.. وغيرها من مواضيع.. فإلى المقابلة

"السفير": يشهد الإعلام حالة غير مسبوقة من التكاثر.. سواء على مستوى العدد أم النوع؛ من وجهة نظركم هل ترون هذا المشهد صحيا أم هو حالة مرضية؟

الهيبة ولد الشيخ سيداتي: في الواقع يشهد المشهد الإعلامي الوطني هذه الأيام طفرة غير مسبوقة أفقدته قيمته وعاقت دوره في الإصلاح والتأثير؛ وهنا مفارقة غريبة في مشهدنا الإعلامي الراهن؛ ففي الوقت الذي يؤدي فيه تعدد الواجهات الإعلامية إلى تنوع في المجالات وجودة في المنتوج والصنعة الإعلامية وقوة للمنافسة في بلدان كثيرة، أدى هذا التكاثر في بلدنا إلى تمييع الحقل وتفليسه بل ورداءته؛ وهو ما يؤكد بوضوح أن هذا التكاثر غير المشروع وراءه سياسة ما، وليس نتاج تطور ذاتي متدرج.

باختصار هذه ظاهرة مَرَضية أدت إلى تمييع الحقل وفتح المهنة أمام كل من هب ودب؛ ففي غياب المعاهد الإعلامية أصبحت مهنة الإعلام في هذا البلد مهنة من لا مهنة له، وهي المهنة الوحيدة المفتوحة أمام الجميع.

"السفير": هذا التكاثر يأتي في الوقت الذي يشكو فيه الإعلاميون من غياب الدعم العمومي ومن أوضاع اقتصادية صعبة.. إلى أي حد أنتم متأثرون بهذا الواقع؟

الهيبة: إشكالية الدعم العمومي في هذا البلد من أهم الإشكاليات المطروحة للإعلام المستقل؛ فالموجود منه الآن فوضوي وغير شفاف ولا يستفيد منه إلا من "دفع ثمنه" وثمن ما بعده؛ أعني أن الموجود الآن من الإعلانات الرسمية في الصحف ومن الدعم الرسمي يتم بطريقة غريبة؛ فبغض الصحف الآن يستفيد من عشرات الإعلانات وهي غير منضبطة الصدور ولا يوجد لديها مقر؛ في حين أن هناك بعض الصحف الأكثر انتظاما ومهنية وهي لا تستفيد! فقط لأنها لا تسأل هذا المسؤول "إلحافا" أولا تروق لمزاج هذا المسؤول أو ذاك.

والحقيقة أن هذه الإشكالات التي يطرحها غياب تقنين الدعم العمومي؛ وبالمناسبة الذي يقدم منه الآن للصحافة يكفي، إن تم تقنينه ووضعت معايير شفافة للاستفادة منه؛ تضاف إليها إشكالات أخرى، وفي حالة تقنينه لا بد من إثارتها حتى يستفيد المشرع منها، ومن أهمها وضع معايير شفافة لتحديد المؤسسة الصحفية، وثانيها الرقابة على هذه المبالغ، وأخيرا ضرورة اتخاذ الإجراءات لاستفادة الصحفي منها؛ فبدون هذا يصبح الدعم لا فائدة مرجوة منه.

"السفير": الدعم العمومي للإعلام قضية يراها البعض حقا لوسائل الإعلام، عمومية كانت أم مستقلة؛ فيما يرى البعض الآخر أن الإعلام المستقل يجب أن لا يكون عرضة لها، بحجة أن ذلك قد يكون سببا في الانتقاص من استقلاليته.. ما رأيكم؟

الهيبة: لا توجد مؤسسة إعلامية ناجحة في العالم المتقدم لا تستفيد من الدعم العمومي؛ فبعض الدول المشرقية دعمت صحفا بعينها وفق معايير، وسميت "الصحف القومية" وفي الغرب تجارب متعددة من صيغ هذا الدعم؛ أما هنا فلا يوجد شيء من هذا القبيل، رغم أنه بدون هذا الدعم تصبح الصحافة سلعة في يد رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، وتبتعد كل البعد عن دورها الحقيقي في إنارة الرأي العام من خلال توضيح الحقائق بشكل حيادي ومستقل.

إن الإعلام المستقل ركيزة أساسية من مرتكزات الديمقراطية، ولا يتصور وجود ديمقراطية حقيقية دون إعلام مستقل، وعليه يكون الدعم مستحقا، مثلما هو للأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني.
"السفير": يشكو ناشرو الصحف الورقية من غياب مؤسسة تتولى التوزيع.. بما أنكم مدير لإحدى أهم وكالات الأنباء الإلكترونية ما هي أهم المشكلات التي تواجهونها؟

الهيبة: مشكلات الإعلام الإلكتروني متعددة ومتنوعة.. ومنها ما هو مشترك مع وسائل الإعلام الأخرى؛ مثل التمييع الممنهج، وغياب المهنية، وغياب الدعم وفوضويته.. ومنها ما هو خاص بالإعلام الإلكتروني؛ مثل الفراغ القانوني وغياب التشريع، فنحن في بلد لا يوجد فيه قانون ينظم الإعلام الإلكتروني، والجهات الوصية على الإعلام هنا تتذرع بهذه الحجة عندما يتعلق الأمر بالإعلام الإلكتروني ولسان حالها يقول: أنتم غير قانونيين وعليكم أن تقلعوا عن هذا العمل حتى نقوم نحن بإعداد قانون منظم لهذا الحقل. وبالمناسبة فإن أي قانون ينظم حقل الإعلام الإلكتروني يضيق الخناق على الحرية أو يقيدها، أو لا يراعي ضرورة إفساح المجال لها لن يكون مقبولا لدينا.

وأريد أن أقول إننا هنا في بلد لديه تخلف شديد في القوانين المنظمة للإعلام؛ فكما تعلمون قانون الصحافة الإلكترونية ليس موجودا، وقانون تحرير الإعلام السمعي البصري لا يزال في رحلة التيه بين مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية منذ أكثر من 3 سنوات؛ هذا فضلا عن غياب قانون للإشهار وقانون الدعم العمومي للصحافة.

"السفير": من وقت للآخر تظهر على صفحات موقعكم بعض الإعلانات الخصوصية؛ في حين يلاحظ غياب الإعلانات ذات الطابع العمومي.. لماذا هذا الغياب، وما هي مقترحاتكم لتنظيم الإعلانات؟

الهيبة: الإعلانات العمومية حتى الآن لا تزال محتكرة ليوميتي " ا لشعب" و"أوريزوه" (Horizon) رغم تعهدات الوزير الأول لنا في اتحاد الناشرين بإشراك الصحافة المستقلة في ذلك؛ وهذا الاحتكار غير مبرر وغير مقبول.. فهاتان الصحيفتان ممولتان بالكامل من ميزانية الدولة؛ وبالتالي لا مبرر لمزيد من احتكارهما للإعلانات والإشهارات العمومية؛ هذا إضافة إلى أن المادة التي تقدمانها قد لا تكون تستحق كل هذا الدعم والاحتكار.

الحل الوحيد هو إصدار قانون ينظم الحقل، وينصف المؤسسات الجادة والأكثر تأثيرا. وبالمناسبة فهذا هو الأكثر عدالة في حق المعلن؛ لأن إلزامه بدفع إعلان لصحيفة محدودة الانتشار والتأثير ظالم ومخالف لكل أعراف الإعلان وحقوق المعلن.

"السفير": تعلن السلطات من حين لآخر انفتاحها على وسائل الإعلام، وتعين مكلفين بتسهيل مهمات الصحفيين.. ما هو تقييمكم لآثار هذه الإجراءات، وهل لمستم لها فائدة على أرض الواقع؟

الهيبة: الانفتاح ينبغي أن يكون إرادة وقناعة قبل أن يكون قرارا؛ فالقرارات والتعيينات إذا لم تكن نابعة من إرادة صادقة وغير مزيفة لن تجد طريقها للتطبيق.

هؤلاء المسؤولون الإعلاميون في الوزارات -أنا حضرت معهم يوما منظما من طرف وزارة الاتصال- أغلبهم أثار هذا الإشكال، وأنهم آخر من يعلم بالخبر.. نحن في بلد المسؤول فيه يظن الخبر والحقيقة استهدافا له، ويريد لقطاعه أن يبقى بعيدا عن أعين الإعلاميين.. ومن خلال تجاربنا المتواضعة فإنه لا يخلو يوم من هذا المسؤول أو ذاك حين يرى خبرا يهم قطاعه يطالب بسحبه أو تعديله.. "فهو لا يستحق النشر" وليست فيه أي إضافة للرأي العام، وهو شأن داخلي للقطاع.. هذه حججهم جميعا..

الحقيقة أن النفاذ للخبر لا يزال صعبا في هذا البلد؛ وهذا ما سبب رواج الشائعات والتلفيقات.. لأنك لا تجد مسؤولا يصرح إلا بعد أن يستشير مرؤوسيه، وبعد نشر خبر يتعلق بقطاعه فقط يتصل طالبا سحبه في أغلب الحالات.

"السفير": بدأ القطاع المعني بالإعلام قبل فترة وجيزة توزيع البطاقة الصحفية فيما اعتبره مسؤولوه مساعي جادة لتنظيم الحقل.. هل ترون أن من شأن هذه البطاقة الإسهام فعلا في تنقية الحقل الصحفي، وهل أنتم راضون عن الطريقة المنتهجة للحصول عليها؟

الهيبة: البطاقة الصحفية اسم بلا مسمى؛ لا تفيد صاحبها في جلب نفع ولا تدفع عنه ضرا، صاحبها ليست له أي امتيازات مادية أو معنوية، حامل البطاقة الصحفية –مثلا- لا يستفيد من الضمان الصحي.. ولا تخفيض النقل؛ كما لا يتمتع بامتيازات معنوية مثل تسهيل الولوج إلى كل الأماكن التي أراد، والحصول على المعلومات.

ومع غياب هذه الامتيازات أحاطت لجنة البطاقة الصحفية الحصول على هذه البطاقة بالكثير من الشروط الإضافية؛ فمنع سكرتيرها مدير الصحافة المكتوبة استلام بعض ملفات الصحافيين بحجج واهية.
وعموما هناك بطء وعدم إقبال على هذه البطاقة للأسباب السالفة.
"السفير": هل لنا أن نعرف طبيعة العلاقة التي تربطكم في الصحافة الإلكتروني بالوزارة المكلفة بالإعلام؟

الهيبة: ستفاجؤون إذا قلت لكم إنه لا توجد لدينا في وكالة "الأخبار" جهة وصية؛ لأن وزارة الاتصال -للأسف الشديد- لا تتعامل معنا، بحجة عدم وجود قانون ينظم الصحافة الإلكترونية.

والمفارقة هي أن كل قطاعات الدولة -بما في ذلك الوزارة الأولى- تدعونا لأنشطتها؛ بل يبدي بعضها حرصا شديدا على حضورنا لمناسباته وأنشطته، إلا وزارة الإعلام! وهذه مفارقة لم نوفق -لحد الساعة- في معرفة أسبابها؛ لأننا غير مقتنعين بأن يكون فشل وزارة الاتصال في إعداد قانون سببا في رفض التعاطي مع حقيقة إعلامية ذات حضور كبير في المشهد الإعلامي الموريتاني كوكالة أنباء "الأخبار" المستقلة.

"السفير": تكثر الشكوى من غياب المؤسسية في وسائل الإعلام.. هل تجاوزتم هذا المشكل في وكالة "الأخبار".. وكيف؟

الهيبة: غياب المؤسسية داخل الإعلام ناتج -في الأساس- عن سياسة التمييع الممنهج التي أشرت إليها؛ والتي تهدف –بالأساس- إلى التقليل من أهمية الجهات الإعلامية التي تكتسي طابعا مؤسسيا.
ومن المعلوم أنه بدون مَأْسَسَةٍ لا يمكن لصحيفة -أو وكالة- أن تستمر؛ كما أن من شأن غياب المؤسسية ضياع حقوق الصحفيين. وأخيرا يؤدي غياب المؤسسية إلى رداءة المنتوج الإعلامي، والضحية الأكبر لذلك هو المواطن الذي ينتظر منتوجا إعلاميا ذا فائدة.

لا بد من وضع حد لهذه الفوضوية من أجل انتشال كرامة المهنة أولا، ومن أجل المحافظة على تطوير الحقل؛ فبدون مؤسسات لا تمكن الاستفادة من الدعم، وبدون مؤسسات لن ننتزع حقوقنا.. وهنا أشيد بجهود الهيئة العليا للصحافة والسمعيات البصرية بوضع معايير للمؤسسة الصحفية.. وأطالب اتحاد الناشرين بوضع معايير؛ فمتى كان الترخيص معيارا للاهتمام الإعلامي..

لا نعاني في "الأخبار" -والحمد لله- من هذه المشكلة؛ فلدينا هيئاتنا المشرفة والمتخصصة التي تجتمع بانتظام، ولدينا عقود واضحة تربطنا بالعمال، ونحترم كل القوانين والنظم والاتفاقيات ذات العلاقة بذلك.
"السفير": يأخذ عليكم الكثير من متابعيكم أنكم أصبحتم بوقا لمبادرة غير مرخصة ذات طابع عنصري فئوي تدعى "مبادرة الانعتاق" كما يأخذون عليكم تركيزكم المفرط على قضايا من قبيل: الرق والزنوج وتقاسم الثروة.. وغيرها من المواضيع المثيرة للفتنة؛ كيف تردون؟
الهيبة: التشريع والترخيص للمنظمات من شأن وزارة الداخلية، وهذا ليس مجال عملنا.

ما يهمنا هو معرفة أحوال الناس وتغطية أخبارهم.. وأنت تعلم أن أكبر موضوع يشغل الساحة الإعلامية الدولية والمحلية هو موضوع القاعدة وتحركاتها وأعمالها، وهي –بالطبع- غير مرخصة؛ بل إنها مثار استنكار الجميع باعتبارها منظمة إرهابية.. بمعنى أننا كصحفيين قدرنا أن نتناول كل شيء بغض النظر عن موقفنا منه.

فما يعنينا وما يهمنا هو نقل أخبار كل الشعب الموريتاني وكل المواطنين الموريتانيين، ولسنا وسيلة إعلام فئة معينة؛ لا لحراطين ولا البيظان، ولا أي فئة أخرى. صحيح أننا نهتم دائما بالمحرومين والمظلومين والمعدمين والفقراء والأرقاء.. لكن اهتمامنا بهم يندرج ضمن رسالتنا الإعلامية التي تنضبط بأخلاقيات المهنة، ولا تجامل العرق ولا اللون ولا تتجاهل الوقائع.

ثم إن حجج إثارة الفتنة وإثارة الرعب التي يتستر وراءها دائما دعاة كتم الحقيقة والتستر على الوقائع المرة.. حجج أصبحت متجاوزة؛ لأن الجميع يمكن أن يسمع صوته من خلال أكثر من وسيلة من الوسائل التي أتاحها العصر الراهن.

إن التستر على الحقائق ومحاصرة الأفكار والتعامل معها بعقلية حجبها عن الإعلام، وتجاهلها من طرف الإعلاميين أسلوب متخلف يتنافى مع أخلاقيات المهنة وضوابط الحرية.

أما توزيع الثروة وغيرها من الآراء التي تطرح فهي آراء موريتانيين من حقهم أن نسمعها كما ثم دائما آراء لا يحبونها ولا يريدونها ويرفضونها.
"السفير": شكرا جزيلا.
حاوره: محمد سالم ولد الخليفة
(نقلا عن صحيفة السفير)


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!