التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.07.2010 13:04:45

السير نحو الجحيم*

(في ظلال العملية الفرنسية ـ الموريتانية ضد القاعدة)


محمد الأمين ولد سيدي مولود        Ouldsidimaouloud@yahoo.fr

محمد الأمين ولد سيدي مولود [email protected]

"مع أن العديد من الحكام الجدد المعيَنِين، وبقية الطغاة القدامى الذين ساعدناهم على تسلم مقاليد الحكم خلال العقود الماضية، يمدحون الغرب أو يشكرونه على القروض المالية أو على الدعم السياسي أو على غزو البلاد، فإن هناك ملايين المسلمين الذين يريدون أكثر من ذلك: يريدون التحرر منا".

روبرت فيسك، الحرب الكبرى من أجل الحضارة ص 1069.


قبل حوالي خمس سنوات أي يونيو عام 2005 استيقظ الجيش الموريتاني على إيقاع مجزرة فظيعة ارتكبت في حق مفرزة منه في شمال البلاد، وبالتحديد في بلدة لمغيطي، راح ضحيتها سبعة عشر جنديا موريتانيا، وكانت من تخطيط وتنفيذ الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية التي ستعرف بعد ذلك بسنتين ـ يناير 2007 ـ بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد مبايعتها القاعدة الأم بقيادة أسامة بن لادن.
كانت تلك مؤشرات منعطف جديد دخله تنظيم القاعدة ليتحول من الإطار المحلي والوطني في الجزائر فقط، إلى المستوى الإقليمي بعد استقطاب عناصر من دول المغرب العربي الأخرى ـ يتصدر الموريتانيون الصدارة فيها من حيث العدد ـ والقاري بعد توسعه إلى دول افريقية (مالي والنيجر مثلا) وليلتحق ب"الجهاد" العالمي الذي يدعو إليه بن لادن منذ أكثر من عقدين من الزمن. لقد كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال تبحث عن متنفس جديد بعد التضييق عليها إثر ضربات الجيش الجزائري من جهة، ونداء المصالحة الوطنية الذي أطلقه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه سنة 2003 من جهة أخرى، والذي كان له دور كبير في انشطار هذه الجماعة وانسحاب أغلبية مقاتليها بمن فيهم قائدها المؤسس حسن حطاب.
كما كانت طبيعة الأنظمة في دول المنطقة وخاصة المغاربية تساعد في توسع مد القاعدة في المغرب العربي، فالظلم، والاستبداد، والظروف المعيشية الصعبة، وتصفية الخصوم السياسيين والزج بهم في السجون، وتزوير الانتخابات، والفساد وعدم الشفافية، سمات يشترك فيها جل هذه الأنظمة. كما أن الطموح الغربي وخاصة الفرنسي والأمريكي في تزايد في السيطرة على ثروات هذه المنطقة وفي المزيد من التدخل في شؤونها الداخلية وصناعة سياساتها واللعب بسيادتها الضعيفة أصلا. كما وفر الغزو الأمريكي للعراق وافغانستان الوقود الجديد للقاعدة لتجند المزيد من الشباب، هذا بالإضافة إلى جرعة من الفكر المتطرف ولدتها هذه الظروف مجتمعة مع حالة اليأس السائدة جراء الأوضاع الداخلية والحيف العالمي، وخاصة التطفيف الأمريكي عندما يتعلق الأمر بأم القضايا العربية والإسلامية قضية فلسطين المحتلة.


موريتانيا: دخول النفق المظلم

لقد كانت عملية "لمغيطي" مفتاح دخول موريتانيا ميدانيا (على مستوى الصراع العسكري وسقوط الضحايا ) عالم "الحرب على الإرهاب" التي يخوضها الغرب بقيادة أمريكا.
لكن هذه العملية جاءت في سياق خاص على الصعيد المحلي الموريتاني، فقد كان الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في أوج حملة عامة وجذرية ضد الجماعات الإسلامية بمختلف مشاربها وألوانها (التبليغيين، والسلفيين، والإخوان المسلمين) حيث زج بقيادات هذه الجماعات في السجون بدعوى محاربة الإرهاب، كما كانت علاقته الدبلوماسية مع إسرائيل مستفزة للشارع الموريتاني، مما سمح للجماعة السلفية باستغلال هذا الظرف والانقضاض على الجيش الموريتاني، وهو نفس الظرف الذي استغله كبار ضباط المؤسسة العسكرية ـ مع ظروف سياسية واقتصادية أخرى طبعا ـ للإطاحة بولد الطايع.
لكن رحيل ولد الطايع لم يكف هذه الجماعة للكف عن استهداف موريتانيا التي أصبحت ترى فيها الحلقة الأضعف في المنطقة فواصلت العمل على القيام بالمزيد من العمليات داخل أراضيها. فجاءت عملية "الغلاوية" التي قتل فيها أربعة جنود موريتانيين، ثم قتل السياح الفرنسيين. ثم عملية تورين وهي العملية الأشد وحشية حيث قتلت فيها القاعدة 12 جنديا موريتانيا ومثلت فيهم في شهررمضان. كما أنها جاءت في ظروف استثنائية حيث كان كبار المؤسسة العسكرية منشغلين بالعمل السياسي بعد إطاحتهم بأول رئيس مدني منتخب يوم 6 أغسطس 2008. ثم جاءت عمليات اختطاف السياح الإسبان بين نواذيبو وانواكشوط ثم الإيطاليين في الشرق الموريتاني.
إلى هذا الحين لم تكن موريتانيا بعد قامت بأي عملية ضد القاعدة. ومن المستغرب أن الجيش الموريتاني وحتى بعد أن تجاوز عدد ضحاياه الثلاثين قتيلا وبعد أن أصبح زمام السلطة بيد أكبر ضباطه رتبة، ورغم الاتفاقيات المبرمة مع دول المنطقة وخاصة مالي، لم يقم بأي عملية عسكرية جدية ضد القاعدة ـ قبل عملية الأسبوع الماضي المشتركة مع فرنسا لتحرير الرهينة الفرنسي حسب الفرنسيين ـ إذا ما استثنينا بعض الملاحقات الحدودية التي غالبا تتم دون نتيجة كبيرة. لقد أدخلت القاعدة موريتانيا النفق المظلم وهو نفق من الصعب الخروج منه إلا بالكثير من الحكمة والعزم والتضحية والاستقلالية.


فرنسا: الوَصِيٌ المُطفِف

إذا كان الاستعمار الإنكليزي وخاصة الأمريكي منه استعمارا وقحا من حيث الهلع في استنزاف الخيرات ـ ككل المستعمر ـ والجراءة في القتل (نموذج العراق) فإن الاستعمار الفرنسي استعمار خبيث وعميق إذ لا يموت حتى ولو منح مستعمراته الاستقلال نظريا.
لذلك ظلت فرنسا تهيمن على الشئون الموريتانية حتى اللحظة، كما تورطت في جل الانقلابات العسكرية التي حدثت في موريتانيا على تفاوت في درجات التورط من التخطيط والرعاية (انقلاب معاوية ضد هيدالة) إلى التريث ثم المباركة (انقلاب اعل وعزيز ضد معاوية) إلى التفهم ثم التشريع (انقلاب عزيز ضد سيدي). كما ظلت مهيمنة ثقافيا حيث ظلت تفرض لغتها كلغة عمل وإدارة في موريتانيا عن طريق أجنحتها المتعددة والنافذة بدء برؤساء فرانكفونيين ومرورا بجماعات سياسية على صلة مباشرة ومريبة بباريز وانتهاء بطبقة من الكتاب والمثقفين المجندين لهذا الغرض.
إن المستعمرين الفرنسيين ـ ذوي القلوب الحجرية التي لا ترق كما وصفها شوقي ـ يرون في تبيعة مستعمراتهم السابقة لهم أمراطبيعيا لا يحتاج إلى مكافأة، حتى ولو كانت نوعية التبعية عبارة عن التضحية بالأرواح وخوض المعارك جنبا إلى جنب مع الضباط الفرنسين لتحرير رهينتهم من أيدي القاعدة. لقد لخص رئيس مكتب قناة الجزيرة طبيعة سلوك الفرنسيين في مكافأة مستعمراتهم "السابقة" متحدثا عن المساعدات الفرنسية العسكرية لجيوش المنطقة عندما قال في مقابلة على الهواء مع قناته قبل يومين:" إن الفرنسيين يقولون ما لا يفعلون" وذلك في إطار التزاماتهم بالدعم لمواجهة الإرهاب، لم يكن الرجل يتكلم من فراغ، فوضعية الجيش الموريتاني المتحالف مع فرنسا منذ زمن لا تغري بدخول حرب مفتوحة تعويلا على فرنسا إذ لا توجد مبررات جديدة لهذا الدعم لم توجد من قبل على الأقل بالنسبة للجيش الموريتاني المستهدف منذ سنوات. كما أن تسليح الجيش الموريتاني ـ رغم تواضعه ـ لا تعتبر فرنسا من بين مصادره الأساسيين سواء هبة أو بيعا بل دول عربية مثل العراق والجزائر والإمارات...الخ
إن التطفيف الفرنسي يتضح عندما يتعلق الأمر بمواطن واحد فرنسي ـ يستحق الرجل البريء الإنقاذ ـ حيث تستنفر جيوش المنطقة ومخابراتها وترصد الميزانيات، أو إذا تعلق بمراكز شركات التنقيب الفرنسية، أما إذا تعلق الأمر بأكثر من ثلاثين ضابطا وجنديا من الموريتانيين فيتضح أن دمنا رخيص، وتكتفي فرنسا بكلمات التنديد والشجب.


في ظلال العملية الفرنسية ـ الموريتانية

إن حرب الجيش الموريتاني ضد القاعدة حرب مشروعة بكل المعايير والمقاييس، لكن بشرط أم تخاض بوسائل وآليات مشروعة وإلا فستبقى كحرب القاعدة التي تخوض ضد الأبرياء وضد الدول والجيوش المسلمة وتعتبر ذلك "جهادا". فالقاعدة ترفع شعارات مشروعة وجذابة مثل "الجهاد ضد الاستعمار" و"ضد ظلم الحكام الفاسدين" و"الثأر للأمة" و"تحرير أراضي المسلمين ومقدساتهم" لكنها تمارس أعمالا بعيدة جدا عن ما تقول: فقتل الأبرياء والانتحار وتخريب بلاد الإسلام واختطاف غير المسلمين من السياح وقتلهم والحرابة والتورط في التهريب والمتاجرة بالبشر كلها مسلكيات بعيدة عن المشروعية والشرع وعن ما ترفعه القاعدة من شعارات.
أما إذا رفع الجيش الموريتاني شعارات براقة مثل "الثأر لشهدائنا" و"محاربة الإرهاب" و"القيام بعمليات استباقية"، وقام بأمور أخرى من قبيل القتال تحت إمرة وقيادة المستعمر، والتورط في عمليات "كوماندوز" فاشلة لتحرير رهائن لم يختطفوا على الأراضي الموريتانية ـ عكس الإسبان ـ فإنه بهذا قد يحقق بعض النقاط من قبيل قتل بعض عناصر القاعدة ـ التي قتلت جنودنا غدرا ـ لكنه يخسر السند الشرعي ومشروعية الحرب وهو نفس السبب الذي جعل القاعدة تخسر معركتها. كما أنه يقدم للقاعدة مبررا لتقوم بالمزيد من التدمير والقتل، حتى وإن كانت لم تحتج أصلا لمثل هذا المبرر للقيام بعملياتها السابقة.
إن التحالف مع الدول المعنية بالقتال ضد القاعدة بشكل مباشر مثل الجزائر ومالي والنيجر أولى، وهو كاف إن حصل، فبضع مئات من المسلحين المعزولين من السهل على جيوش أربعة دول اقتلاعهم إن حصلت الإرادة. أما فرنسا صاحبة الأطماع الوقحة والتورط المخزي والتاريخ الأسود في المنطقة فالتحالف معها وعلى انفراد وبهذه الطريقة المكشوفة والفاشلة ـ مع الأسف ـ إنهما هو خطوة في الطريق نحو الجحيم والتموقع كترس لفرنسا وسياساتها في المنطقة وهو أقرب إلى التحالف مع الشيطان الذي قال رئيس الحزب الحاكم أمس أن موريتانيا مستعدة له ضد القاعدة، وليس هو الحرب النظيفة والمشروعة ضد إرهاب القاعدة وهي الحرب يساندها الجميع ويؤيدها الجميع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السير نحو الجحيم أو Marching toward hell
عنوان كتاب لضابط السي آي أي ورئيس وحدة مطاردة بن لادن مايكل شوير يوضح فيه عبثية الحرب على الإرهاب بالأسلوب الأمريكي، والعالم بين أمريكا والعالم الإسلامي بعض غزو العراق


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!