التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:16 غرينتش


تاريخ الإضافة : 30.07.2010 12:25:21

استراتيجيتنا الأمنية نقاش وتحليل

بقلم: سيديا ولد أحمدناه

بقلم: سيديا ولد أحمدناه

لما دالت دولة بني أمية سئل أحد الحكماء عن السر وراء ذلك فأجاب لقد ابعدوا الصديق وقربوا العدو فتحول الصديق إلى عدو بقي العدو على عداوته وفي مثل سائر على لسان الحية العداوة القديمة لا تؤثر فيها الصداقة الجديدة.

إنهما حكمتان بالغتان شاملتان للعلاقات الفردية والجماعية لا غنى عنهما وإهمالهما موذن بالسقوط والغياب عن مسرح الحياة وربما إلى الأبد ولا ينفع التشبث بالبقاء والاستمساك بأهداب الحياة ما لم يكن ذلك عن بينة وبصيرة وتخطيط وضع للأمور في نصابها الصحيح، فالإنسان في مصارعة الحياة تحف به مخاطر جمة فردا كان أو جماعة وإذا كان يحتاج إلى ركن شديد وأحلاف ومدد فلن يكون ذلك كله ذا بال ما لم يكن له منخل يرى من خلاله الألوان والأحجام والغلث والنافع من الضار والغث من السمين وقد أعجبني حذق وحزم الشيخ نصر الله عندما يصرح أن الكيان الصهيوني جاد ويبني سياسته وفق ذلك.

يقسم الشيخ العودة الأزمات إلى قسمين:

أزمة مردها إلى زائد القوة كأزمة الإمبراطوريات فإن إنفاقها في الحروب وشرا الذمم وتراكم العداوات ينشأ عنه عجز وخور ثم إفلاس وهزيمة.

أزمة ترجع إلى زائد الضعف كأزمات الدول الضعيفة: يقول د. النفيسي عن وثيقة أعدها أحد أركان سي أي أي 1992 في نيويورك أن المستقبل في الخليج لثلاث دول فقط هي السعودية واليمن وعُمان أما بقية الدول فإنها معرضة للزوال ويتحسر النفيسي على هذا الوضع ويضع له علاجا وحيدا وهو –وحدة الخليج كونفدراليا وفي مجال الطاقة والدفاع والشؤون الخارجية – الوقوف في وجه الهجرة التي زادت في بعض دول الخليج على 90% وذلك حتى لا تسلب الأوطان مع مرور الوقت بحجة حقوق الإنسان والقوانين الدولية وقصة سنغافورة خير شاهد لأنها سلخت من ماليزيا بعد هجرات صينية متتالية رغم أنوف أصحاب الأرض الأصليين. الهجرة إلى الخليج رغم انسيابيتها إلا ان هناك نظما صارمة على التجنيس بخلاف الحالة عندنا التي كانت ربما أكثر قوانين الأرض تسيبا وسهولة في الحصول على المواطنة ققبل سنوات قليلة حدثني أحد الموريتانيين القاطنين في آمريكا أن سلطات الهجرة في تلك البلاد أثار انتباهها كثرة حملة الجواز الموريتاني من الأفارقة فأحاطت السلطات الموريتانية علما بالأمر فتبرأت من هذه الجوازات المريبة وبعد التحقيق تبين للأمريكيين أنها مزورة فعلا ولكن هؤلاء المنتحلين لو عادوا إلى وطنهم المزور فعلى الرحب والسعة.

فقد صدر تقرير دولي قبل فترة وجيزة يفيد بأن الهجرة إلى هذه البلاد التي كانت في يوم ما تسمى البلاد السائبة يقدر بمائة ألف أغلبهم يستقرون ويلقون عصا الترحال، ومع أن القوانين شددت على التجنيس والإقامة إلا أن الحيل وغياب الورع الديني والأخلاقي والوطني في كثير من الأحيان ينبئ أن حليمة سوف تعود إلى عادتها ولن تعدم وسيلة بل طرقا كثيرة للالتفاف على هذه القوانين فالعقلية السائدة التي تحكم الغالبية منا (اللامبالاة يقابلها نفس طويل وسعي حثيث وسياسة محكمة لدى أطراف عديدة لا تريد لهذه الأمة خيرا.

ليست الهجرة - سرية كانت أم علنية - ما يواجه هذا الوطن فهناك مخاطر كثيرة منها:

1- الغفلة والاسترخاء: نحن مشغولون بأمورنا الشخصية وإصلاح معاشنا وهمومنا اليومية و لا يكاد يلوح طمع من بعيد إلا نسينا أو تأولنا و إذا كان الفرد مسؤولا عن أعماله ومجزي عليها فإن المسؤولية الأكبر على الحكومات التي يجب أن تصوغ العقول وتعيد حشوها من جديد.

2- تشويه صورة هذا البلد بين الأمم الأخرى لأنه في نظر البعض يسترق الناس ويجلد ظهورهم ولا يرى حرمة لدين ولا خلق هذه الصورة نحن الذين غرسناها في عقول العالم ووجدانه. إن إثارة العواطف والضغائن وتلطيخ سمعة هذا البلد لا يشرف أحدا ولا يفيد العباد ولا البلاد وهكذا الإصرار على أن تبقى هناك ملفات ساخنة مهما كانت الظروف والمسوغات فذلك أوغر الصدور وحل الرباط الاجتماعي بين أعراق الأمة أو كاد وخلق رأيا عاما متنافرا وجعل كل فرد يشعر بأنه ضحية. إن تركيز الطبقة السياسية يجب أن يكون على تلاحم المجتمع وتحصين الثغور ورفع المستوى المعيشي وإشاعة ثقافة التعايش والتداول السلمي على السلطة وبناء مجتمع متين ولاؤه للدين والوطن والأمة شعاره:

وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني أمي لمختلـــــــــف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
لهــم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لا أكلفهــــــــم رفدا

ليس هذا الأمر مستحيلا فالمجتمع الموريتاني خلف وراءه حروب القبائل والجهات ومظالم كثيرة «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم...» . ولولا النفخ المتعمد في دعوى الجاهلية و الإصرار على بقاء نارها حية لتركناها وراءنا ظهريا.

إن وضع هذه البلاد يشبه وضع الدول الصغيرة في الخليج نحن دولة صغيرة يحيط بنا حوالي مائة مليون أو يزيد حدودنا شاسعة عندنا قضايا كبرى لم تحسم ومن نافلة القول أن الأزمة إذا نشبت لن يكون هناك متسع كاف من الوقت لمعالجتها، والدول الحازمة تبني سياستها على أسوإ الاحتمالات كبناء الحصون والقلاع وتخزين مواد التموين وإعداد ما في الاستطاعة من القوة وحشد الأمة وراء قضاياها المصيرية وزرع روح التضحية والفداء في نفوسهم. إن أمتنا واجهت في الماضي أزمات جمة كادت تعصف بها ولولا الحظ وهو احتمال ملغى في عالم السياسة كما يلغى الحُوار في الدية. وعلى رأس هذه القضايا - ضياع الهوية الحضارية وعدم الحسم فيها فهل اللغة الجامعة هي الفرنسية أو العربية وتبعا لذلك هل الأصلح لنا أن نكون في صف الشرق أو الغرب وكيف نحسم النزاع فيما بيننا هل بسلطان هذا العصر وهو الأغلبية أم ننتظر الإجماع الذي يقول عنه الإمام أحمد "إن من ادعاه فهو كاذب". منذ الاستقلال بين الفينة والأخرى تطل علينا أزمات فتسكن ولكن تبقى جذوتها تحت الرماد.

- المناهج التعليمية: وخاصة في التاريخ فإن النزر اليسير هو الذي يتلقاه الطالب ويتعلمه لأن هذه المناهج لم تكتب في مناخ هادئ وأجواء صافية فقدمت صورة أخرى مغايرة لما تتوخاه أي أمة من تاريخها فالتلميذ من خلالها نقدم له مقاطع باهتة لا تكاد تجد لها طعما ولا تحس لها ريحا. إنني أتحسر كثيرا عندما اسأل طلابي من مختلف المراحل عن عبد الله بن ياسين وابن عامر وابن تاشفين والحضرمي والأموي ويحي بن ابراهيم فلا أجد إلا الجهل التام لكن عندما اسأل عن الحرب العالمية الأولى والثانية ومؤسسي عدم الانحياز والحرب الباردة فإنني أجد معرفة واهتماما، لقد فات هؤلاء أن ابن عامر فتح تسعين مرحلة من إفريقا في رحلة واحدة وابن تاشفين حامل لواء معركة الزلاقة وهي نظير حطين وعين جالوت وملك المغرب الحالي من جبال السوس إلى وهران وحكم الأندلس وكان عمره مديدا في الحكم وأخر سقوط الأندلس لأربعمائة عام.
إن الأزمات عندما تحل بالأمم أوتستوطن هناك مذهبان للتعامل معها:

- مذهب الحبارى ولدتها النعامة فالأولى تقول لعل الصياد لا يراني والأخرى ترمي رأسها في الرمال. يذكر راغب السرجاني أن التتار لما دخلوا بغداد كان خليفتها غارقا في لهوه لدرجة أن سهما اخترق ستور القصر فقتل راقصة اسمها وصيفة كانت تتمايل بين يديه فحزن لذلك حزنا شديدا

دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال

- الأخذ بالأسباب المتاحة فالله تعالى ما أنزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله وقد أمر الشرع بالدواء وحض عليه ودرهم وقاية خير من قنطار علاج يوثر عن عمر بن العاصي رضي الله عنه "العقل أن تعلم ما سيكون بما كان".

إنهما مذهبان ولكن المذهب الأخير أقوم قيلا وأهدى سبيلا وهو الأولى بالإتباع وعلى ذلك فإنني أضع بين يديك أخي القارئ الكريم مجموعة من الآراء والاقتراحات لتكون مثارا للنقاش والرد والزيادة والنقصان وهي:

- تحصين الثغور والحكومة الآن تقوم بجهد كبير ولكن أرى أن ذلك يجب أن يعضد بسياسة أكثر شمولا يشارك فيها أهل التجربة والرأي حتى لا تتكرر مأساة الصحراء حين خسرنا الإنسان والأرض وكانت أرضنا ساحة لمعركة نحن طرفاها.

- تقوية الروابط مع المجتمعات الإفريقية والعربية عن طريق القوة الناعمة التي تعتمد على المستشفى والمدرسة والجامعة والمهرجان وتخصيص مقاعد ثابتة للأفارقة في جامعة انواكشوط ولو كانت قليلة وخاصة الشعوب الصحراوية التي كان الاستعمار يحاول جمعها معنا في دولة واحدة فرفض المرحوم المختار ولد داداه ذلك الاقتراح ولكنه ظل مقتنعا به في خاصة نفسه كما حدثني بذلك الثقة. وخاصة الشعوب الصحراوية التي تربطنا معها روابط الدم والدين والعادات والتقاليد.


- تقوية الروابط مع كل من تربطه بهذا البلد صلة الدم والقربى حتى ولو هاجر أسلافه منذ أجيال لأن هذه المجموعات هم في النهاية أبناء هذا البلد ويشكلون بالنسبة لنا عمقا استراتيجيا ويعدون بالملايين وينتشرون في عدد من الدول الإفريقية والعربية التي تشتبك مصالحنا معها اشتباكا شديدا وليس في المسألة تجاوز ولا خطيئة فالدول تتصرف حسب مصالحها القومية والإستراتيجية وإغفال هؤلاء في السياسات المتعاقبة أضر بنا كثير وسهل على إخوتنا في الدين والدم الذوبان والتحلل والضياع. وهذه السياسة يحب أن تنطبق على الشعوب الأقرب لنا في المنطقة والأكثر التصاقا بعاداتنا وتقاليدنا. وليست هذه السياسة بدعا فإن بعض الدول تقر الجنسية المزدوجة في قوانينها.

- وضع سياسة محكمة للجاليات توفر لها ما يساعد على بقاء هويتها الحضارية ناصعة وتفقهها في القوانين المحلية والدولية حتى لا تضيع حقوقها وتحثها على الحياد في النزاعات المحلية حتى لا تتكرر مأساة السنغال لأن جزءا منها كان ناتجا عن استغلال الحزب الاشتراكي السنغالي للمواطن البسيط.


- إقامة مركز للدراسات الإستراتيجية وعقد مؤتمرات يشارك فيها جميع أهل الحكم والسياسيون والمفكرون والعقلاء كل عام على الأقل.

- توسيع مجلس الأمن القومي الحالي ليضم المخضرمين وأهل التجربة.


- الحياد التام في النزاعات الإقليمية مهما كانت الظروف والدواعي، فإن أفول الإمبراطوريات واختفاءها هو ثمرة لتمددها وإنفاقها العسكري واتساع رقعة أعدائها وأعتقد أن قطر علمت الدول الضعيفة كيف تعيش في عالم الأقوياء.

- إدراج مذكرات المرحوم المختار ولد داداه في التعليم الجامعي لأنها تاريخ أمة وذاكرة شعب وكنوز لا تقدر بثمن تجمع بين النقيضين في العلاقات الدولية لتأخذ من كل منهما مبتغاها وما يناسبها وتعلم الضعيف كيف يعيش عيشة سوية بين الأقوياء والعظام بل كيف يواجه المصائب الجلى ويقول "لا" بأدب وكياسة.

هذه ملامح عامة أردت أن أضعها أمامك أخي القارئ الغيور على هذا البلد وأمنه ورفاهيته ولعل ما تشكوه هذه المقاربة لا يختص بمجتمع ولا بأمة دون أخرى وحسبي أنني أردت النصح والحمية للأوطان وأرجو أن يكون ذلك داخلا في باب التقوى الذي يرفع العمل ويزكيه. يؤثر عن علي رضي الله عنه: "ولا يقل التقوى وكيف يقل ما يتقبل".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!