التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:15 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.08.2010 03:59:41

ردا علي مقال عبد الله ولد اباه الناجى ولد كبد

بقلم عبد الرحمن ولد أحمد

بقلم عبد الرحمن ولد أحمد

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "... ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".

لم يستلهم عبد الله ولد اباه الناجى ولد كبد العبرة من هذا الحديث الكريم، بكل تأكيد عندما قطع صمته -الإجباري– الطويل، ليطالعنا بمقال مليء بالتفاهات التي لا تليق بمن يدعي أنه من علية القوم، حصافة وفكرا وثقافة.

صحيح أن من كانت له سجايا، لا بد أن تدركه، مهما حاول التغطية عليها، عادت حليمة إذن إلي عادتها القديمة، وعاد ولد اباه الناجى لبذاءاته المألوفة وسخافاته اللامحدودة بالتزلف لهذا وشتم ذاك، وكأن لسان حاله يقول: أف للدبلوماسية لقد لفظتها ولفظتني، إذ حرمتني سنوات طوال من هوايتي المفضلة، وهي (أتروبا دورية).

ولعل من توفيقات الرئيس معاوية ولد الطايع النادرة أنه قرر ذات يوم إبعاد الرجل عن الساحة الوطنية لما بات يشكله وقتها من إزعاج كبير، في القصر وخارج القصر نتيجة هفواته اللفظية المفرطة التي أصبحت هاجسا مريرا للأصدقاء قبل الأعداء.

فكان معاوية أمام خيار صعب، إما أن يعزله وبذلك يكون قد أبعد أكثر المتزلفين له ممن خانوا توجهاتهم وقناعاتهم من أجل كسب وده، وإما أن يتمسك به وهو ما سينجر عنه، لا محالة نفور العديد من الأصدقاء ممن تضرروا من زلات هذا الشاب المغرور وغوغائيته.

فقرر تحويله إلي الخارج عل ذلك الإجراء يجنب الساحة الوطنية بعضا من مخاطره، خاصة أن الدبلوماسية لم تكن تمثل أولوية عند ولد الطايع.

فغاب الرجل لسنوات وارتاحت الساحة من بعده وها هو يعود من جديد ليمارس رياضته المفضلة من بث للسموم وقدح وتقرب للحاكم أيا كان.

وما من شك في أن ولد اباه الناجى ولد كبد برع في "تأليه" معبوده الجديد، إذ لم يرى في عمله كله إلا النجاحات الكاسحة، فلا مكان للخطإ للرجل الأعجوبة: كما لم يكن هناك مكان للخطإ أيام حكم الرئيس معاوية.


فبقدر ما كان يمدح بلا طائل هذا الأخير ويقول عنه إنه يمثل الحداثة والنباهة والتبصر وحسن التدبير والشهامة بل وكل معاني الكبرياء والعظمة، مما أشبع به الجرائد والنشر وقتها، بقدر ما كان للحاكم الحالي من الفضائل ما لا حصر له ولا خطر علي بال.

غير أنه نسى واحدة من أكبر خصاله، ألا وهي قطعه العلاقة مع إسرائيل، عجبا في أن ينسي ولد اباه الناجى – وهو الذي لم يبخل بمواهبه في الكشف عن محامد معبوده – واحدة من ألمع إنجازاته لكونها – على الأقل محل إجماع وطني-.

أهو نسيان أم تناسي، بعد أن كان الموقف من إسرائيل أيام الرئيس معاوية مثار تقدير لا يضاهى من لدن ولد اباه الناجى ولد كبد حيث ذكر في جريدة "Mauritanie Nouvelle " وقتها ما مفاده: "إن الموقف من إسرائيل أتى في وقته تماما موقف التبصر والحكمة، لا هو متعجل ولا هو متأخر بل جاء في الوقت المناسب فلماذا نربط مواقفنا بالعرب..." أيعنى هذا التناسي أن الرجل لا يوافق على موقف الرئيس محمد ولد عبد العزيز من إسرائيل؟.

ولماذا لم يقر بمعارضته ذلك الموقف في صحوة لو اتخذها لكانت على الأقل تحسب له من باب النزاهة الفكرية ولو لمرة واحدة أم أنه "الجبن المتأصل" الذي يعيب به الزوايا ومن يدور في فلكهم وقد وقع هو نفسه فيه، يال السخرية؟.

لقد أسهب ولد اباه الناجى في مديح الرئيس الحالي بل وتأليهه على ما حققه في مجال الأمن حيث أعاد الكرامة المهدورة للجيش وأعاد العزة للوطن، وهذا قد يكون صحيحا إلى حد ما لكن الصحيح أيضا أن الرجل كان متمكنا تماما في عهد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله كما في عهدي سلفيه، وكانت له اليد الطولي – لاسيما في عهد الأخير- على الجهاز الأمني والجيش عموما وبالتالي من المكابرة تماما تبرئته من أي تقصير في ذلك العهد.

ثم إنه لو افترضنا أن كل إخلال بالأمن وقع في عهد رئيس معناه أنه مسؤول عنه، فلا مندوحة من أن تحمله مسؤولية تورين التي حدثت في الشهر الثاني من حكمه ووقع ضحيتها اثني عشر عسكريا وأن تحمله كذلك مسؤولية قتل الأمريكي في قلب العاصمة وفي وضح النهار وعن اختطاف الإسبان واختطاف الإيطالي وعن تفجير سفارة فرنسا وعن وعن...

والحقيقة التي لا مراء فيها لا يستطيع ولد كبد إطراء معبوده الجديد إلا بهجاء أسلافه وكأنه يخشى على صدقية ما يقول وخاصة سلفه المباشر سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي هاجمه بضراوة منقطعة النظير واصفا إياه بـ"السيئ" وبالنذل، ونسى أو تناسى – كعادته – معتقدا أنه ليست للشعب ذاكرة، أنه ما أدخر جهدا في سبيل التقرب منه أيام حكمه، مستخدما الوسائط التقليدية وغير التقليدية، حتى أنه لم يستخدم التحفظ الدبلوماسي ليكون من ملهمي حزب عادل أيام تأسيسه ومن معدي خطابه كل ذلك لكسب ود الرئيس ونيل حظوة ما تقربه زلفى من دوائر القرار، إلى السلطة بغية حصوله على وظيفة يشبع من خلالها رغباته الترفية.

لكنه كما يبدو في مسألة واحدة على الأقل صياد في الصحراء، ذلك أنه يمكن اتهام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بكل شيء إلا التسلط والقتل – وعبد الله ولد اباه الناجى نفسه يقر بذلك ضمنيا باتهامه إياه بالضعف المفرط، فكيف إذا لا يتردد في تحميله مسؤولية قتل مواطن في كنكوصة؟ غريب جدا أن يصدر هذا الاتهام من قانوني يعلم أن "افتراض البراءة حق يكفله الدستور والمواثيق الدولية" ثم إنه إذا أتبع هذا المنطق، معناه أن كل من سقطوا في مظاهرات أو تظاهرات تقع مسؤولية قتلهم على الرؤساء ومن المعلوم أنه قل ما سلم رئيس "في موريتانيا وغيرها من هذا الوزر" بمن فيهم أكثر الرؤساء شعبية في تاريخ هذا البلد.

وحتى في اعرق الديمقراطيات ( فرنسا، بريطانيا واليونان مؤخرا) سقط المتظاهرون ولم يحمل أي من رؤساء تلك البلدان مسؤولية قتلهم، ولو كان الرئيس يحمل كلما وقع في حكمه لما لزم أن تتم تحقيقات لتحديد المسؤوليات. والأغرب أن يتوقف ولد أباه الناجى عند كون المواطن القتيل ينحدر من مقاطعة من أكثر المقاطعات تصويتا للرئيس وهذا معناه في ذهن الكاتب وهو الذي ما فتئ يتبجح بوطنيته أن هناك أحقية لمن صوتوا للرئيس على حساب من لم يصوتوا له، أنت يا ولد اباه الناجى في واد إذا والرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في واد، ففي الوقت الذي لا تبرحك الزبونية فللرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله حس آخر ونظرة أسمى من نظرتك الضيقة وهي أن المواطنين سواسية سواء من صوتوا له أم من لم يصوت له وقد يكون في الأمر بعضا من سر مقتك له.

لكنني مع كل ذلك أوافقك يا ولد اباه الناجى على أن تلك التظاهرة في تلك المنطقة بالذات كانت محيرة، إذ أنها ليست منطقة ذات اكتظاظ حضري، وهي المناطق المعرضة عادة لمثل هذه التظاهرات وليست المنطقة الأكثر وعيا ولا الأكثر فقرا وقتها بل إنها تنتمي لمناطق من هذا البلد الحبيب عرفت عبر تاريخها بالولاء للحاكم أيا كان، فكانت المسألة لغزا حقيقيا قد لا تنكشف
خيوطه إلا بعد سنوات عديدة، وقد يتضح عندئذ أنها تعود لأسباب بعيدة كل البعد عن ما تحاول جاهدا تسويغه.

ولا يتوقف الاستغراب عند هذا الحد بل إنه من السخرية أيضا أن يتحامل ولد اباه الناجى على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بالقول: "لقد وجدت عقيدة النذالة حليفا لها: الحذر المفرط والفطري عند بعض الزوايا". فلم يكتف السيد عبد الله ولد اباه الناجى ولد كبد بوصف الرئيس الوقور بالنذالة بل جعله ببساطة يجسد بذلك السلوك سجايا متأصلة في الزوايا. فإما أن كاتبنا "الملهم" بات يتنكر لأصوله من جهة الأب، لحاجة في نفسه قد تكون استرضاء للحاكم، أم لأنه آثر حيازة أصوله من جهة الأم فقط لما لمسه من عدم قبول بل من رفض في وسطه العشائري من جهة الأب، غير أنه قد يكون مفهوما أن يبالغ الرجل في هجاء رئيس لم يعد في السلطة تقربا لرئيس ماسك بها ومتمسك بها لكنه من غير المفهوم بالمرة أن يشتم من خلاله الزوايا الذين يشكلون شريحة واسعة في المجتمع الموريتاني وقد ساهموا بشكل كبير في صياغة منظومته القيمية، فشتمه لهم يعد شتما للمجتمع بأسره يال للغرور.

أما سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله فقد يكفيه عزاء تمثل بيت الشاعر:
إذا أتتك مذمتي من ....... فهي الشهادة لي بأني كامل

أما قول الكاتب إن الزمن توقف في ظل الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله مما قص لما ذكره هو نفسه من أحداث في ظل حكمه.

لا يا عبد الله ولد اباه الناجى لم يتوقف الزمن، فقد حلت واحدة من أكثر مشكلات موريتانيا الحديثة تعقيدا، وكانت له الجرؤة في مواجهتها وقيم بإصلاحات هيكلية شملت الإدارة والمالية العمومية ووضعت ونفذت خطة واسعة لمواجهة أكبر أزمة في الغذاء عرفها العالم منذ عقود ووضعت خطة اقتصادية متكاملة حشدت لها الموارد بإخراج البلد من التخلف وازدادت نسبة النمو بشكل ملحوظ وشرع في إصلاح واسع للتعليم وتكرست دولة المؤسسات بعد أن عانى البلد لعقود خلت من شخصنة الدولة وفضلا عن هذا وذاك تم تنفيذ العديد من البرامج الاجتماعية دون تطبيل إعلامي وهذا خلال عام واحد – لأنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة زج بالبلاد في أزمتها المفتعلة –.


لقد أنجز كل ذلك رغم أنه حسب ما ذكر الكاتب "رئيس بوصاية" وهو ما يجعلني أسأله من جديد بوصفه قانونيا لامعا: متى كان الموصى عليه أكثر مسؤولية من الوصي؟ ومتى كان يبرء الوصي تماما من أخطاء الموصى عليه؟.

على أي حال لن أقع في ما وقع فيه الكاتب من تلميع لمعبوده الآني بشتم غيره، بل إنني أقر بدون إحراج بمحامد الرئيس الحالي – وإن تحفظت على الطريقة التي استلم بها السلطة – وهي المحامد التي تذكر له فتشكر.

فيما يخص استعادة هيبة الدولة والمنظومة الأمنية والمحافظة على المال العام وإنجاز العديد من البني التحتية إلا أنني مع ذلك أنصحه – وهو الذي عرف حتى الآن بذكائه وحسه التكتيكي – أن لا يقع في الفخ الذي وقع فيه بعض أسلافه وهو خداعهم بمن امتهنوا الحربائية السياسية أسلوبا ومنهجا من أمثال عبد الله ولد اباه الناجى ولد كبد، فصداقتهم لا تفرح وعداوتهم لا تخيف "من أحبك لشيء أبغضك لزواله" كما يقول المثل.

وليسمح لي عبد الله ولد اباه الناجى أن أسأله سؤالا أخيرا بوصفه أكاديميا: على ماذا دلت توطئته التي دخل بها الموضوع؟ هل حسبما يفهم من الطرفة التي مهد بها كلامه توخي فعلا في مقاله "التحفظ" وفي أي موضع ترى أو ليست من أبجديات الكتابة أن ينسجم المدخل مع المحتوى؟.

هكذا يا عبد الله قلت ما قلت ولو علمت ما أسأت به على نفسك قبل غيرك لسكت فكان الأفضل إذا أن تصمت عملا بالحديث الشريف.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!