التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 08.04.2008 20:31:37

الأحداث الأخيرة في موريتانيا...وجهة نظر

شكلت الأحداث الأخيرة التي شهدتها العاصمة نواكشوط نقطة تحول جديدة في تعامل المتشددين والمتطرفين مع الساحة الموريتانية ،وأعطت للسلطات في نواكشوط رسالة جديدة مفادها أن ثمة تغييرا في إستراتيجية التعاطي مع مد العنف المسلح الخارج من عباءة الغلو والتكفير مما يتطلب من السلطات وكافة الغيورين على هذا البلد أيا كانت توجهاتهم السياسية وأيا كانت مشاربهم الفكرية التفكير في احتواء الأزمة قبل خراب البصرة. حتى يبقى لهذا البلد أمنه المعهود وسلامة تفكير شعبه المسلم المسالم .
وفي هذا السياق تتتزل هذه المقاربة في وقت تحتاج فيه هذه البلاد المفتوحة من الجهات الأربع لاستنفار ساستها و مثقفيها ومفكريها لقراءة الموضوع قراءة موضوعية وتحليله بغية وضع تصور واضح وجلي لتفادي الأوضاع المزرية التي حاقت ببعض الدول الإسلامية وزرعت فيها من الفتن والفوضى ما شل قدراتها وأهدر طاقاتها وحولها إلى جحيم أهلك الحرث والنسل،وحتى ينجلي الغبار عن حقيقة ما جرى ،وتتبين لواحقة نسجل ما يلي :
- أمر طبيعي أن تتأثر موريتانيا بموجة الغلو والتطرف التي عمت أرجاء الأرض ، وانتشر مدها في العديد من بقاع العالم خاصة وأن الطوق الجغرافي المحاذي لها من بعض حدودها يشهد تحركات كبيرة لحاملي فكر التطرف والغلو والتكفير ،فتحركات الجماعات السلفية للدعوة والقتال الجزائرية في صحراء مترامية الأطراف على الحدود الموريتانية يشكل تحديا كبيرا ..تغذيه الهزات الأمنية التي تشهدها الجزائر بصفة كبيرة والمغرب بصفة أخف وطأة .وما يشهده العالم من صراعات .فهذا التحرك الذي غذته تراكمات زمنية طويلة وأحداث عالمية معروفة ،،بدا يأخذ بعدا أكبر بعد تأسيس تنظيم القاعدة
نهاية تسعينيات القرن الماضي . والتواصل بين هذا التنظيم وبين الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تسمت أخيرا بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ..فبعد أن كانت الأزمة حاصلة بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال والنظام الجزائري فقط تمدد مفهوم العدو بالنسبة لهؤلاء وتوسعت الأهداف لتشمل مصالح الغربيين (الصليبين) واليهود ينضاف لذلك مصالح الدول التي يرون أنها تسير على درب الولاء لهؤلاء مما يستدعي البراءة منهم ومحاربتهم بما تيسر.
وقد كانت حادثة لمغيطي على الحدود مع الجزائر بداية الاحتكاك بين هذه الجماعات السلفية وموريتانيا .وقد جاءت في ذروة الأزمة الأمنية التي شهدتها الأشهر الأخيرة من نظام ولد الطائع ..وقد تحدثت الجماعة عن العملية باعتبارها \"بدرا\" ثارت للمساجين الإسلاميين في سجون النظام الموريتاني آنذك وموالاته لليهود والصليبيين ..لكن هذا الخطاب لم يقنع الشارع الموريتاني عامة ولم يقنع المساجين الإسلاميين والمطاردين الذين أعلنوا شجبهم وإدانتهم للحادثة بشكل خاص ..وإذا كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية قد أعلنت تبنيها لتلك الحادثة إلا أن بعض المصادر
تحدثت عن مشاركة عناصر موريتانية في تلك الحادثة ..وألقت السلطات الموريتانية القبض على بعض الشباب وتمت محاكمتهم على أساس المشاركة والمساندة لمنفذي تلك الحادثة ..ولم تتضح الصورة بشكل جلي فالأحكام الصادرة لم تكن تتناسب وعظم المشاركة في ما اعتبره الموريتانيون جريمة في حق جنود يرابطون على الثغور دفاعا عن الوطن وخيانة عظمى تستحق أقصى العقوبات..
وتوقفت الجماعة بعد ذلك عن استهداف أهداف موريتانية أو داخل الأراضي الموريتانية حتى كانت حادثة مقتل السياح الفرنسيين أخيرا ..وهي تختلف عن حادثة لمغيطي كثيرا، فتلك كانت بتخطيط وتنفيذ خارجي أما قتل السياح فكان التخطيط والتنفيذ داخليا وإن بإيعاز من الخارج حسب بعض المصادر .مما يعني بداية فصل جديد من التعاطي مع هذا الملف الخطير .
ثم كانت حادثة إطلاق الرصاص على سفارة الكيان الصهيوني ومرقص مجاور في نفس الفترة تطورا في المواجهة .
وتأتي الحادثة الأخيرة كامتداد خطير و تطور تدريجي للعمل المسلح داخل الأراضي الموريتانية ..وأبانت الأسلحة والقنابل التي عثر عليها بعد فرار المطلوبين وتعرض الشرطة للإطلاق النار عن خطورة الموقف وتطور آلياته ..فقد كان من الصعب تصور تبني الموريتانيين لفكرة التفكير مبدئيا أو تبنيها دون استخدام السلاح ضد أبناء البلد تحت يافطة \"الغلو والتشدد\".لكن هذه الحادثة كسرت ذلك التصور وخلخلة حقيقته .
- لم يفلح الجيش الموريتاني في القبض على الجناة في حادثة لمغيطي التي كانت مفاجئة للحامية النائمة ..ولا شك أن خبرة المهاجمين بتلك الصحارى المترامية الأطراف ..وصدمة المفاجأة وبساطة ا لوسائل لدى تلك الحامية حالت دون ملاحقة الجناة والإمساك بهم فأفلتوا من يد الجيش كما أفلت المهاجمون الذين قتلوا ثلاثة عسكريين في الغلاوية دون التعرف على هوياتهم وطبيعتهم التي مازلت محل القيل والقال .
أما قتلة السياح الفرنسيين فلاشك أن \"نوع الضحية\" كان له دور كبير في ملاحقة المطلوبين والإمساك بهم أو ببعضهم بعد أن عبروا الحدود بسلام ..فقد لعبت المخابرات الفرنسية ومخابرات الدول الإفريقية المجاورة دورا كبيرا في ذلك ..لكن ذلك النصر لم يدم طويلا فقد أفلت ولد سيدنا من قبضة الأمن في أروقة العدالة جهارا نهارا ..وكان ذلك إيذانا بوضع أمني خطير
-فقد أصبحت نواكشوط تحت أعين الأمن والجيش .وحوصرت العديد من المنازل وتم تفتيش بعضها ..وبعبارة أخرى أعلنت –إلى حدما –حالة طوارئ قصوى ..وقد وصل الأمر لدرجة مطاردة خطيرة استخدمت فيها الذخيرة الحية في حين أن المطارد-بفتح الراء- لم يكن سوى شخص عادي لا ناقة له في تهريب ولد سيدنا ولا جمل .
وضجت وسائل الإعلام بالحديث عن تلك الواقعة البسيطة في ظاهرها وأعطتها زخما أمنيا أكبر من حجمها ..وأضحت في واجهة الإعلام وهو ربما كان السبب في ما جرى في نهاية زيارة أمير دولة قطر لموريتانيا مما لا يزال محيرا للمراقبين.بينما كانت في حقيقة أمرها أقرب إلى كذبة إبريل .
-هذه المعطيات الآنفة الذكر تبرهن على أن الجيش و الأمن الموريتانيين غير قادرين على مواجهة مثل هذه الأعمال مواجهة سليمة ..فضلا عن أن الدول التي عرفت مثل هذه الهزات لم تجد عنها قواتها وأنظتمها الأمنية القوية ..وما حوادث نيورك وإسبانا ولندن وغيرها عنا ببعيد...
إن إعلان المواجهة مع هذه الجماعات المتشددة لا يقدم حلا بقدر ما يعقد المشكلة أكثر ..فكان الأجدى بالسلطات الموريتانية لتجنب هذه البلبلة أن تتجنب استخدام الذخيرة الحية ..وأن لا تشد أعصابها وأعصاب المواطنين كثيرا بحدث لو لم ينفخ فيه الإعلام والسرعة في اللجوء للقوة لكان له وقع مغاير..
فالتفتيش المستمر والحذر الأمني المخيم على البلد لا يساعد على حلحلة الأمور نحو الأفضل ،فقد بدأ المواطنون يحسون بقلق قوي وهاجس أمني خطير ...وأصبحت تلك المطاردات والملاحقات العنيفة حديث الساعة والإعلام ..مما ينعكس سلبيا على سمعة البلاد الأمنية داخليا وخارجيا ..فمن المشروع أن نطرح الأسئلة التالية .
ما الذي حدا بالشرطة لترويع الرأي العام بإطلاق الرصاص على سيارة لاشتباه بسيط على مرأى ومسمع من الجميع؟
لما ذالا تأخذ الأجهزة الاستخباراتية دورها في النفوذ إلى هذه المجموعة وملاحقتها بطرق متأنية بدل الشد والجذب الخطأ أحيانا ؟
هل يستطيع الأمن الموريتاني أن يواجه مثل هذه الجماعات بهذه الطريقة في بداية مشوراها؟
ألا يفتح هذا التعامل العنيف مع هذه الجماعات النار على البلد ويسهم في زعزعة أمنه واستقراره ؟
ألا يدل فشل الأمن في إلقاء القبض على أي من المطلوبين المحاصرين على ضعف بين وهشاشة كبرى تحتاج مراجعة وتصحيحا؟
أسئلة مثارة النقع تحتاج أجوبة مقنعة لا ندعي امتلاكها بقدر ما ندعي امتلاك طرحها وعرضها للمناقشة والتحليل
-هذا بالنسبة لمعالجة هذه الحادثة أما بالنسبة لمعالجة الأزمة فكريا وأمنيا فذلك ما لايسهل إعطاء إجابة نهائية عنه لكن ذلك لا يمنع من محاولة الإدلاء برأي في الموضوع لعل الآراء المتعددة تنبت رأيا مقنعا وجديا .
فكما سبق فإن المعالجة الأمنية البحتة لا تجدي في هذا السياق وإلا لكان فكر الغلو والتطرف من أحاديث الذكريات ..
إن معالجة هذه الظاهرة على مستوى الفكر تتطلب جهودا مكثفة من مختلف الفعاليات السياسية والثقافية والفكرية ..وعلى الأئمة والدعاة والخطباء والعلماء أخذ زمام مبادرة تصحيح المفاهيم وتوضيح الحكم الشرعي السليم ..ومحاورة هؤلاء الشباب واحتوائهم بمختلق الطرق المقبولة وهو ما تنبهت له بعض الدول المصابة بهذا الداء في نهاية المطاف بعد وصل الفأس للراس ..كما يقال.
و مما يجب تجنبه ما يصحب مثل هذه الأحداث عادة من احتياط أمني مفرط مبالغ فيه يأخذ البريء بجريرة التهم أو المذنب ،ويجعل الكل في موضع التهمة ،واللجوء المبالغ فيه للحزم مما قد يؤول لتقييد الحريات وإدخال البلاد في حالة طوارئ غير معلنة...فليس من المبرر أن يعتقل الأمن أفراد أو بعض أفراد المطلوبين لا لشيء إلا لعلاقة القرابة أو غير ها من العلاقات . ..مما يزيد من الاحتقان ويباعد بين السلطات وبين التوصل للحلول المناسبة ،ويساهم –تلقائيا- في خلق نوع من التعاطف البريء مع الكل ..كما أن بعض المشبوهين قد يستغل هذه الحادثة للشروع في تهييج السلطات ضد \"التدين\" بش�
�ل عام واعتبار أن إطلاق الحريات بشكل كبير والسماح للإسلام السياسي بالعمل المشروع هو أسا س الأزمة ولب المعضلة،،وقد عرفت المغرب مثلا حالة من هذا النماذج، فانهالت رسائل التحذير من مختلف أطياف الإسلاميين دون تمييز ..واعتبرت أنه يجب إلغاؤها وتضييق الخناق عليها حلا لأزمة التشدد والغلو،،كما شهدت بلادنا دعوات مماثلة من مشارب مختلفة تصب في ذات النطاق إبان الحملة الأمنية التي شنها نظام ولد الطائع ضد جميع أطياف الطيف الإسلامي ..بل وأكثر من ذلك نستطيع القول إن الخطاب الإسلامي المعتدل ذا النهج الوسطي يمكن أن يساهم بشكل ملحوظ في تصحيح هذه المفاهيم ال
خاطئة لدى الشباب ..وتوجيه مسار هؤلاء الشباب المندفعين تحت تأثير العاطفة الجياشة غير المؤطرة شرعا أو المؤطرة بشكل منحرف..فالكثير من هؤلاء الشباب صادقو النوايا ومخلصون للدين وغالبا ما كانوا غابر أيامهم في مسار منحرف مناقض ..ثم اهتدوا وتلقفتهم مجموعات متشددة فزرعت فيهم الغلو والتطرف ..ولو تلقفتهم أيادي أخرى لتوجهوا وجهة مغايرة ..فالمنشود هو محاربة الغلو والتشدد لا محاربة التدين والمتدينين.
تلك ملاحظات عابرة أملتها هذه الهزة الأمنية التي تركت آلاما ودموعا وزفرات ...وكشفت عن هشاشة أمنية يجب تداركها وتصحيحها .
أحمد أبو المعالي : كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالإمارات
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!