التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:18:33 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.09.2010 12:17:14

الحرب على القاعدة .. محــاولة للفهم؟

اسلم ولد الطالب اعبيديISSELMOU85@GMAIL.COM

اسلم ولد الطالب اعبيدي[email protected]

في محاولتي هذه لفهم حقيقة وأبعاد الحرب الدائرة بين الجيش الموريتاني من جهة و مايسمى "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" من جهة أخرى ، ومحاولة لمعرفة من هو في موقف الهجوم من الطرفين ومن هو في موقف الدفاع عن النفس .

أسجل في البداية أنني لا أجزم بأن ما أقدمه هنا هو "حقائق لانقاش في صحتها ودقتها إطلاقا" ، وإنما حسبي محاولة جادة لتقديم فهم متبصر لهذه الحرب وفق معطيات ووقائع ليست بالبعيدة نسبيا ، أرى أنها قد تساهم إلى حد ما في الإجابة عن أسئلة تراود أي مهتم بمجريات هذه الحرب لعل أهم تلك الأسئلة:
- ماهي الجذور الحقيقة لهذا الصراع؟
- وماهي الدوافع الكامنة وراء اختيار الصحراء "الموريتانية" ساحة له؟
- وهل يمكن وضع حد لهذه الحرب وتجنب المزيد من الخسائر أم إن الأوان قد فات وسبق السيف العذل؟
- أصحيح أن الجيش الموريتاني يخوض هذه الحرب بالنيابة عن "دول أجنبية" كما يقول البعض ، أم دفاعا عن حوزته الترابية ليس إلا ؟

للإجابة على هذه الأسئلة أجدني مضطرا للعودة للوراء زهاء عقدين من الزمن فبعد اعتراف السلطات الجزائرية بحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في سبتمبر سنة 1989 كانت الجزائر على موعد مع خطاب إسلامي سياسي جديد استطاع أن يصل إلى المواطن الجزائري في فترة وجيزة بعد أن فشلت لغة السلاح الإسلامية مع جماعة مصطفى بويعلى المعروف بالشيخ ياسين في بداية الثمانينات .
كان خطاب الجبهة يلقى قبولا منقطع النظير في الساحة الجزائرية ،قبول تمثل في فوزها في يونيو 1990م بالأغلبية في مجالس البلديات والولايات ثم فوزها الساحق في 26 ديسمبر سنة 1991م بالانتخابات التشريعية.
صحيح أن القطر الجزائري كان المعني الأول بهذا الخطاب ..لكن دولا أخرى ربما لعامل الجوار مع الجزائر وربما لغير ذلك، كانت تتفاعل مع هذا الحراك السياسي الحاصل في الجزائر ،لعل أبرزها "موريتانيا" حيث كان يدعى للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالنجاح من على منابر المساجد وكانت مدينة أنوا كشوط المسرح البارز لهذا التأييد للجبهة الإسلامية للإنقاذ . وهو أمر طبيعي لأنه بالإضافة إلى كونها عاصمة البلاد كانت انواكشوط يومها تعرف أكبر تجمع إسلامي "سلفي" لما تتمايز اختلافاته الفكرية بعد.
لكن يوما آخر كان على موعد مع الجميع ، يوم كان له ما بعده ليس في الجزائر فقط وإنما في المنطقة كلها.
حيث ألغيت نتائج الانتخابات بعد الانقلاب العسكري في 11 يناير 1992. ثم صدر قرار حل الجبهة في مارس من نفس السنة .
يوم قضى على مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وأفسد فرحة إسلاميي موريتانيا بنجاح تجربة بدؤوا فعلا في الاستعداد لمحاولة استنساخها .
وهكذا أدت مرارة الظلم والإرهاب الذي تعرضت له الجبهة لردة فعل كانت كبيرة وغير مدروسة ....انفجار هنا وهناك وقتل على الانتماء ،دون تمييز بين مدني وعسكري.
في هذه الأثناء بدأ انقسام المشهد الإسلامي الموريتاني على نفسه ،فهناك من يرى أنه لاجرم من دخول العملية السياسية فلسيت الساحة الموريتانية كالجزائرية بالضرورة وكان يقود هذا الاتجاه الداعية الموريتاني محمد ولد سيدي يحيى الذي سينسحب عن هذا التوجه لاحقا. و تم تقديم مشروع "حزب الأمة" الذي استقبلته صخرة الرفض الطائعي.
ويبدوا انه في الوقت الذي كان يعد فيه التيار الإسلامي السياسي لهذا الحزب كان آخرون قاب قوسين أو أدنى من تشكيل تنظيم مسلح موريتاني يرفع راية الجهاد في البلاد .
وهكذا أعلنت الداخلية الموريتانية سنة 1994م عن تفكيك خلايا متطرفة من أهمها كتيبة مصعب ابن عمير..
مما جعل نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي احمد الطايع ينظر للإسلاميين نظرة واحدة فأستقبلهم سجنه أفواجا. دون تمييز بين من يدعي الوسطية وغيره ، وإن كان الكل في الحقيقة يدعي أنه هو من يمثل الوسطية والاعتدال.
وكانت الجزائر هي الأخرى أنذاك تعيش انقسامات كثيرة داخل المشهد الإسلامي الذي بات في غالبيته مسلحا وبعد انفصال "حسان حطاب" - أحد قادة جناح علي بلحاج في الجبهة سابقا - عن الجماعة الإسلامية المسلحة بعد مايسميه هو انحراف قائدها زوابري عن "الجهاد الشرعي" واستهدافه للمدنيين سنة 1996 وتأسيسه في الرابع عشر من سبتمر سنة 1998م للجماعة السلفية للدعوة والقتال ، بدأت هذه الأخيرة تسيطر على المشهد المسلح حيث انخرط فيها العديد من التجمعات .
وكان النظام الموريتاني أنذاك يسوم الإسلاميين الموريتانيين أنواع الإهانات وفي هذه الآونة برز الفتى الإسلامي المفوه جميل منصور الذي سيقود التيار لإخواني الموريتاني بعد تميزه غير التام حتى الآن.
فهل كان التعاطف هو الوحيد الذي يجمع الحركات الإسلامية بشقيقاتها الموريتانية ، هذا ما لا أعتقده.




نعم لابد أن يكون هناك تنسيق ولو نسبي بين الحركات الإسلامية في الجزائر وموريتانيا عموما، وخاصة الرافضين من الطرفين للعملية الديمقراطية والمعتبرين التحاكم للقوانين الوضعية كفر بما أنزل الله ، فلايمكن اعتبار خطوة بحجم" إيفاد بعض الشباب الموريتاني للتدرب على القتال في الجزائر في سنة 2000 " خطوة أولى في هذا الصدد ، بل لابد من تنسيق سبق ذلك، إخال انه كان في بداية التسعينات أوفي منتصفها كأبعد تقدير .
غير أنه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وبروز "تنظيم القاعدة" كأكبر قوة "جهادية" استطاعت الوصول إلى العمق الأمريكي وبهذا الحجم الكبير كان من الطبيعي أن تلفت أنظار العالم وأن ينقسم الشارع الإسلامي في تقييم العملية قسمين على الأقل مؤيد ومعارض ، ويبدو لي أن الشارع الموريتاني يومها ،كان في غالبيته مناصرا لها وليس الإسلامي منه فقط، وعليه أصبح اسم الشيخ أسامة بن لادن هو الاسم الأول في موريتانيا فهو اسم المولود الجديد والمحل التجاري ومكان الحلاق.......وصوره على السيارات والملابس.......وغير ذلك في الوقت الذي كانت فيه مظاهر التعاطف هذه ممنوعة في دول مجاورة لما يمكن أن يترتب على ذلك لاحقا.
وتزامنا مع إعلان الحرب العالمية على الإرهاب كانت الجزائر تسعى لأن تكون المستفيد الأكبر أو الوحيد في المنطقة من التمويلات المرصودة لهذه الحرب، وهو ماجعلها تعدل عن الإجهاز على ماتبقى من الجماعة السلفية للدعوة والقتال بعد انسحاب أغلب قياداتها بمافيهم مؤسسها الحطاب وتراجع شعبيتها في الأوساط الشعبية ،بل ومن وجهة نظري المتواضعة تركت السلطات الجزائرية لهذه الجماعة الوقت الكافي لترتيب أوراقها وتبني إستراتيجية جديدة وتغيير اسمها إلى "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"
وهو مايعني للولايات المتحدة وقوى العالم خطر حقيقي ففي الوقت الذي يرون
أنهم يحاصرون فلول القاعدة في أفغانستان، تخرج لهم القاعدة نفسها وفي صحراء أكبر.
لكن الأمر كان يعني للجزائر مزيدا من الدعم والتمويل ماجعل من الجيش الجزائري أقوى جيش في المنطقة .
كان تولي أبو مصعب عبد الودود زعامة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" سنة 2004 محطة مهمة في تاريخ الجماعة، حيث قلص من هجماتها داخل العمق الجزائري بل وبدأ يفكر في مكان أرحب بعد ماعاناه تنظيمه داخل الجزائر حيث تمكنت قوات الجيش والأمن الجزائري من القضاء على نحو 18 ألف ممسلح ، بينما سلم أكثر 6 آلاف آخرين أنفسهم ضمن مايعرف في الجزائر بسياسة "المصالحة الوطنية" ، فيما تَم القبض على المئات في السنوات الأخيرة، ولم يتبقَّ سوى عدد قليل منهم في الجبال تقدر بعض التقارير الإخبارية عددهم ما بين 300 و500 مسلح.
طبيعي والخناق يلف من حول عنق الجماعة - ولم يعد لها من وجود إلى القدر الذي تحصل به الجزائر على مزيد من الدعم - أن تتغير إستراتيجيتها وهو ماحدث بالفعل حيث بدأت في تدريب بعض الشباب ومن بينهم الموريتانيين وإرسالهم في دفعات إلى العراق مما أعاد لها الثقة داخل بعض الأوساط الجزائرية و الموريتانيين باعتبار أرض العراق أرض حرب لأمراء فيها ، واستطاعت الجماعة أن تتخلص من الطوق الذي يشده حولها الجيش الجزائري من خلال رحبات الصحراء المالية والموريتانية وكسبا منها لتعاطف بعض القيادات السلفية في السجون الموريتانية آنذاك نفذت الجماعة عملية لمغيطي التي اعتبرت في بيانها أنها جاءت ردا على سجن بعض علمائها والتنكيل بهم في السجون الموريتانية .
وجاءت خطوة الانضمام لتنظيم القاعدة العالمي كاستمرار في هذا النهج الذي بدأت تسلكه الجماعة فهي لم تعد تلك الجماعة الخاصة بالجزائر وإنما هي جماعة إسلامية جهادية في المغرب الإسلامي ككل .
بالتالي فإن الصحراء الشاسعة بما فيها الموريتانية ستكون المركز الجديد لهذا التنظيم .

لذا أرى أن إيقاف الحرب مع القاعدة في الوقت الحالي أمر غير وارد إطلاقا لكن النظام الموريتاني يملك أكثر مما تملك القاعدة لو أراد ذلك ، فهو مطالب ،بالاستمرار في فتح الصدر للتائبين وقبول الحوار ، وفي نفس الوقت في الضغط المستمر من خلال الجاهزية التامة لأي طارئ بل والمبادرة بالهجوم بدل سياسة الدفاع التي ينتهجها دائما ،فكما يقال: "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم".
وهو أمر يجرني لمسالة من يشن الحرب من الطرفين على الآخر ؟ فرغم أنه سؤال سخيف في نظري ،إلا أنه لامناص من الإجابة عنه حيث كثر فيه القيل والقال ، وانأ أضع هذا الجدول البياني لتبيين من هو في موقف الدفاع أو الهجوم من الطرفين؟

العمليـــــــــــــة

التاريخ

المهاجم

المدافع

لمغيطي

2005

الجماعة السلفية

الجيش الموريتاني

اغتيال الفرنسيين قرب ألاك

2007

القاعدة

 

الغلاوية

2007

القاعدة

الجيش

تورين

2008

القاعدة

الجيش

اشتباك طريق انواذيبوا

2008

القاعدة

الجيش

 

اغتيال الأمريكي

2009

القاعدة

 

عملية انتحارية

2009

القاعدة

 

اختطاف اسبان

2009

القاعدة

 

الهجوم المباغت على عناصر من القاعدة في مالي

2010

الجيش الموريتاني والفرنسي

 

القتال الأخير

2010

الجيش، القاعدة

 

من خلال هذا الجدول المقتضب يتبين لنا وبشكل جلي أن الجيش الموريتاني لم يتح له واجب الدفاع عن حوزته الترابية وحمايتها في أغلب العمليات في حين أتيح له هذا الواجب ثلاث مرات فقط ، وكان المبادر بالهجوم في مرتين تنفي القاعدة إحداهما وهي الأخيرة وتعتبر أنها هي التي بادرت بالهجوم.
مع كل هذا تختلس لك بعض الأقلام "المتهمة " حبرا زائفا لتصب جام غضبها على الجيش الموريتاني "المسكين " وتزيد همه هما ، فهو الذي أدخلنا في حرب مع القاعدة التي هزمت العالم كله ، نفس الأقلام تقول بأن الجيش يخوض حربا بالوكالة عن فرنسا ، أين كانت فرنسا من عملية لمغيطي وتورين والغلاوية والاغتيالات والاختطافات والسطو المسلح هنا وهناك هل هي المستهدفة بذلك؟، ألم يكن ذلك على أرض موريتانية ؟
مشكلتنا أننا في وطن لايعرف الموضوعية ولا يخالج ساكنته إحساس المواطنة فمعارضتنا لاتفهم من دورها إلا أن تعارض وإن لم تجد ما تعارضه عارضت نفسها فمن الطبيعي ان تعارض الحرب على القاعدة والمولاة لاتقف مع الجيش لأنها مقتنعة بما يقوم به وإنما ابتغاء مرضاة رب الجيش.
فلعلني باخع نفسي .إن لم أقل كلمت حق "إن الأقلام التي تهاجم الجيش الموريتاني في هذا الوقت العصيب وتحبط من معنوياته في ثوب الحرص عليه وعلى الوطن:هي إحدى ثلاث متعاطفة مع القاعدة ينبغي كسرها لأنها تدخل في اطار الحرب الإعلامية لصالح القاعدة أوخائفة منها كان الأولى بها لزوم الصمت ،أو معارضة شامته....... "اللهم لاشماتة"
قد أكون من المقتنعين بأن النظام الحالي هو أول الأنظمة المتعاقبة نلمس منه استعدادا واضحا لدخول حرب مع القاعدة لأنهم كانوا من قبل يمسحون الجرح لينتظروا آخر ولأنه كانت لديه جرأة المبادرة بالهجوم ،.....وسأوغل في لغة الاتهام بوصفي أحد أبناء نظرية المؤامرة لأقول كلاما لم يسبقني له أحد:" ألا يمكن أن يكون إلغاء مشروع انواكشوط عاصمة للثقافة وإلغاء مشاركة موريتانيا في كأس الأمم الإفريقية يدخل في إطار استعداد النظام لحرب مع عدو تستهويه هكذا تجمعات لتفجيرها مثلا"
أليس من الأولى أن نغير صيغة السؤال ليكون : هل النظام مجبر على هذه الحرب ؟
الجواب في نظري هو نعم فالحرب قائمة منذ عملية لمغيطي الذي طرأ فقط هو أنها أصبحت من الطرفين .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!