التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:20:07 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.04.2008 14:09:35

من يختبئ داخل الغـابة

بقلم: أحمدو ولد الوديعة
[email protected]

لا أحد ينكر أن ظاهرة العنف والتطرف باتت ظاهرة كونية بامتياز كما لا أحد يجهل أن نذر وصول هذا الوباء الكوني إلى موريتانيا قد بدأت منذ وقت غير قصير، لكن مع ذلك هناك تساؤلات بدأت تكبر يوما بعد يوم حول سر هذا التحول المفاجئ لموريتانيا من بلد آمن تنهال عليه التهاني بمناسبة التحول الديمقراطي إلى بلد تتصدر أخبار المواجهات والمداهمات فيه عناوين الأخبار الدولية والمحلية، ولما ذا جاء هذا التحول في هذا الوقت بالذات من تاريخ البلد لما ذا لم يكن قبل سنة أو سنتين أو حتى ثلاث سنوات من الآن؟

تلك أسئلة من بين أخرى لابد من تجاوز تفاصيل ما جرى شمال تفرغ زنية لمحاولة البحث لها عن أجوبة " متأنية" قبل أن ينطلق الرصاص مرة أخرى وتندلع مواجهة جديدة ينشغل الرأي العام في متابعة متى انطلقت وكيف جرت وبماذا انتهت؟؟
وبكل تأكيد لن تكون الإجابة على الأسئلة السابقة سهلة، وأكثر من ذلك لن تكون قطعية لكن ذلك لاينبغي أن يحول بيننا مع الاجتهاد في البحث عنها حتى ولو كانت النتيجة احتمالية، وهو ما سنسعى إليه في هذه العجالة من خلال استعراض عدد من الإجابات الممكنة عسى ذلك يمكننا في النهاية من العثور على كلمة السر في هذه التطورات الخارجة على القانون والمنطق في آن.
الحصاد
أول إجابة تقترح نفسها هي أن موريتانيا كانت استثمرت خلال السنوات الماضية الكثير من الجهد من أجل صناعة "إرهاب وطني" يسمح للنظام الذي كان قد وضع حجر الأساس لتك الصناعة أن يستمر أطول فترة ممكنة في الحكم وقد انطلقت بواكير تلك الصناعة من خلال " الانخراط النشط "في جوقة ما يسمى الحرب على الإرهاب، فكانت الحملات المشهودة التي اقسم فيها كل المنخرطين في الجوقة- وما أكثرهم - أن القاعدة هنا والإرهاب هنا حتى ليخال من يستمع لوسائل إعلامنا في تلك الفترة أن الملا عمر والظواهري وبن لادن موجودون هنا في إحدى كزرات نواكشوط .
وقد حظيت تلك الصناعة بالرعاية الكاملة من طرف النظام" الانتقالي" الذي أداره مدير أمن ولد الطايع بطريقة وفية لنهج" أب الإرهاب الموريتاني".
إنه من المتوقع إذا - وفق هذه الإجابة - أن يبدأ موسم حصاد هذا الزرع الخبيث بعد سنوات طويلة سقي فيها بالكثير من مياه الظلم والحيف والتعسف.
الثأر
أما الإجابة الثانية فهي أن ما يجرى حاليا حتى ولو رفع أصحابه شعارات سلفية وكبروا وهللوا بطريقة استعراضية أمام وسائل الإعلام لكنه ليس "وثيق الصلة" بالحالة السلفية في موريتانيا التي لا يوجد سبب موضوعي يدفعها لإعلان الحرب في هذا الوقت بالذات على نظام أطلق سراح قادتها وعاملها بمنهج مختلف عن منهج ولد الطايع ومدير أمنه، ومما يدعم هذه الإجابة كون قادة خلية العنف المتهمة بالتورط في الأحداث الأخيرة تثار منذ فترة طويلة أسئلة حول علاقة بعضهم - على الأقل - بجهات ما في المؤسسة الأمنية يكفى أن نذكر فقط أن أحد المتهمين بقتل الفرنسيين كان حتى وقت قصير قبل حادثة ألاك ضمن قائمة المتعاونين مع الجهات الأمنية، وقل الشيء نفسه عن المتهم الرئيس بحادث السفارة الصهيونية، ذلك الحادث الغريب الذي تدل كل القرائن على أن بو عز بوسميث ورهطه ما كانوا منه ببعيد.
ما يحدث إذا وفق هذه الإجابة حتى ولو كان وقوده شبابا ذا ميول قاعدية لكن " عقله المدبر" هو جهات أخرى لها حسابات مع النظام الحالي يرجع في فهمها لملف المخدرات، وطريقة معالجة قضية المبعدين، وتجريم الرق ونزع بعض الصفقات الكبرى من بعض الجهات وإعطائها لأخرى.
إننا بلغة أكثر وضوحا أمام محاولات من رأسي النظامين السابقين لاستعادة سلطة سلبت منهما وأخرجا منها مكرهين لا أبطالا، ولأن الغابة الأكبر في عالم اليوم هي غابة القاعدة فلا بأس بالاختباء وراءها لتسديد الضربات القاتلة لنظام ولد الشيخ عبدالله، عسى ذلك يفتح الطريق لعودة أحد العقيدين الذان يمثلان رغم التباينات الظاهرة وجهان لعملة واحدة.
الرسائل
إما الإجابة الثالثة فهي أن موريتانيا في طريقها لتكون ساحة " تبادل رسائل" بين بعض الأطراف الكبرى في المنطقة، وفى العالم، بل حتى بين بعض المجموعات المتصارعة داخل ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومن هنا فقد يكون لما يجرى علاقة بسعي بعض الأطراف الإقليمية أو الدولية لفرض موقف ما على النظام الجديد في موريتانيتا، وذلك بعد أن تثخنه جراح الإرهاب فيمد اليد طالبا المساعدة فتكون الإجابة نحن جاهزون لكن بشروطنا، ويمكن هنا الإشارة إلى المصلحة الأمريكية الراجحة في إيجاد موقع قدم لقيادتها العسكرية المعلقة في الهواء، والمسعى الصهيوني الملح لإنقاذ بيتهم الأجرب الذين وجهت كل القوى السياسية الوطنية رسالة للرئيس تطالب بإغلاقه ساعات قبل الهجوم اللغز، كما تمكن الإشارة إلى التململ الفرنسي البين من عدم حماسة النظام الحالي للاستمرار في مشاريع إستراتجية كان الفرنسيون وضعوا حجرها الأساس أثناء المرحلة الانتقالية.
وعلى مستوى ما يعرف بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لايمكن تجاهل حقيقة الخلافات العميقة القائمة بين زعماء هذا التنظيم حيث تفيد آخر الأخبار أن الرجل الذي أعطي التعليمات باختطاف السياح الفرنسيين مختار بلمختار بلعور قد خصص له الجيش الجزائري محمية خاصة قرب الحدود مع موريتانيا خوفا عليه من بطش القيادة الجديدة للتنظيم التي يقال إنها قد عزلت أميرها السابق، إنه من غير المستبعد إذا أن يكون بلعور في طريقه " لفتح منطقة جديدة" بعد أن طرده رفاقه من معاقل التنظيم الحصينة في الشمال المالي.
وخلاصة القول إن التطورات الجارية في موريتانيا اليوم ليست بالبساطة التي يريد البعض تقديمها بها شبابا متطرفين يريدون إثبات الوجود من خلال عمليات هنا وهناك بل أن الأمر أكثر تعقيدا، إنه فيما يبدو خليط من شبان متطرفين يمثلون جزء من ظاهرة العنف العابرة للقارات، وحلقات من أنصار عقيدين طامحين للعودة للسلطة بأي ثمن وشظايا من صراع نفوذ ومصالح بين دول ومجموعات ..ويبقى السؤال الجوهري المقلق الذي يفرض نفسه في النهاية هو إلى أين سيقودنا هذا الحلف غير المقدس، وهل يملك النظام الحالي الرؤية والقدرة الكافية لمواجهة مشكل بهذا التعقيد؟


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!