التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:22:05 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.11.2010 10:40:59

قراءة في الحوار الوطني حول الإرهاب و التطرف

الحاج ولد أحمد

مثلت بادرة الحوار الوطني حول الإرهاب و التطرف سابقة مهمة في بلادنا ، فللمرة الأولى يتم طرح قضية ذات أبعاد وطنية في نقاش حر ومفتوح بين يدي الجميع من مختلف المشارب والمصادر وفي ظل نظام مستقر وليس في مرحلة إنتقالية… وسأحاول في هذه المعالجة أن أتعرض للموضوع من جانبيه ؛ شكله ومحتواه مع شىء من التعليق على توصياته.
I- الشكل : تم تصوره وتصميمه على نحو دقيق ومتكامل وذلك تبعا للمحاور المتفرعة المواضع وعددها خمسة ومن ثم أسقط هذا التصميم على مسطرة زمنية مرنة تتناسب والديناميكية التي يتطلبها الحدث وتنسجم تماما مع وتيرته المتوازنة.

وقد لوحظ إبان هذه الفعالية الإهتمام الكبير الذي أحيطت به البعثات الصحفية والوفود المشاركة الأجنبية من حيث توفير المادة الفكرية عبر وضع وحدة سكرتيريا تحت تصرفهم وكذا عبر طاقم الترجمة الفورية العالي الكفاءة، وذلك أخذا بالبعد الإعلامي الدولي في إطار ما يصطلح على تسميته بالإعلام المرافق "Communication d’accompagnement".
... تواصل ذلك على مدى خمسة أيام متتابعة وجد مشحونة، ورغم أن المنهجية المعتمدة في تسيير الجلسات وإدارتها كانت المنهجية لكلاسيكية المعروفة، فالبداية للعرض تليه التعقيبات ثم تتبعها المداخلات. إلا أنه لوحظت مرونة في التجاوب مع مداخلات قدمتها شخصيات قيادية في بعض الأحزاب الوطنية، إذ طرحت هذه الشخصيات رؤية أحزابها مستغلة هذا المنبر وفي الحيز المخصص للمداخلات الفردية.
وأعتقد أن الإجماع السياسي قد تحقق منه أقصى ما يمكن تحقيقه رغم التفاوت في مستوى مشاركة المعارضة التي اكتفى زعيمها بحضور حفل الإفتتاح دون المشاركة في فعالياته ولو بممثلين وهو ما يعد تحفظا شكليا لا يرقى إلى درجة المقاطعة وقد عوض عنه الحضور المشارك والفاعل لكوكبة من الصحافة تحسب عادة على المعارضة.
ولا أريد أن أغفل هنا عدم مشاركة حزب التحالف الشعبي التقدمي بل عدم حضور رئيسه السيد مسعود ولد بلخير احد قادة منسقية المعارضة الديمقراطية. ورغم ذلك فقد حضر بل وشارك كل من السيد بيجل ولد هميد رئيس حزب الوئام والسيد يحي ولد أحمد الواقف رئيس حزب عادل واللذين ترأسا جلستين من جلسات هذا الحوار ومن المعروف أنهما ينتميان لنفس التشكيل الذي يرأسه السيد مسعود، أي المنسقية .


II-المحتوى (المضمون)

تمت محاصرة ظاهرة الإرهاب من خمس زوايا؛ الشرعية والفكرية و الإعلامية والقضائية و السياسية والأمنية، وقد أفرد لكل بعد من هذه الأبعاد الخمسة محور خاص به تفرعت خلاله المواضيع وذلك من أجل إحاطة تامة بالتفاصيل .
- ففي المحور الديني مثلا ومن أجل عزل هذه الظاهرة شرعيا صممت المواضيع على النحو التالي " موقف الإسلام من الغلو والتطرف " و" فقه التعامل مع الآخر" ثم " سبيل القضاء على ظاهرتي العنف والإرهاب " مع إعطاء أمثلة من تجارب مكافحة التطرف والإرهاب.
- أما في المحور الثقافي الفكري فقد غاص المحاضرون يتلمسون أسباب هذه الظاهرة اجتماعيا وتربويا ونفسيا واقتصاديا بل وحتى قانونيا.
- وفي المحور الإعلامي كان الهدف الأسمى هو بناء مفهوم المواطنة لدى الناس العاديين لينسحب بعد ذلك على المهنيين الإعلاميين مع الحرص على صون مبدإ مهنية المعالجة حرصا تاما.
- وفي المحور القضائي فقد كان المقصد توضيح أن القانون الذي يجرم هؤلاء هو القانون الإسلامي نفسه دون سواه؛ فالشريعة التي يدعي هؤلاء حمل لواءها هي نفسها التي يقعون تحت حد سيفها البتار.

وقد لفتت انتباهي أصوات شجاعة صدحت وبحت وهي تنافح عن الشريعة الغراء وتنبه إلى خطورة اللجوء إلى التشريعات الوضعية في بلد إسلامي بات مصدر قوانينه محصورا في الدين الإسلامي بنص دستوره.
- أما المحور الخامس الذي هو المحور السياسي فقد تناول مضمونه نفس ما يتناوله المحور الإعلامي وهو مفهوم المواطنة وإن كان على مستوى مختلف أي مستوى الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف هيئاتها وتعدد اختصاصاتها.


ملاحظات على التوصيات

ورد في التقرير الختامي للجنة الصياغة (الذي احتوى 11 توصية) حول مبررات إطلاق هذا الحوار ما نصه: "..والتزاما بواجب الدفاع عن الوطن والمواطن قررت السلطات العمومية، إلى جانب التصدي الحازم لعصابات الإرهاب والجريمة المنظمة حيثما شكلت تهديدا، تنظيم حوار وطني حول الإرهاب و التطرف، من أجل فضح التبريرات الواهية التي تقوم عليها هذه الأعمال، وبيان منافاتها للدين الإسلامي الحنيف، وقيم مجتمعنا المسالم المضياف..."

صحيح أن التبرير الذي يساق هنا هو تبرير منطقي يدخل ضمن واجبات السلطة أو النظام تجاه مواطنيه، وإن كان كذلك فالقضية إذًً ًا لا غبار عليها ولكن ما يخشاه المراقبون أن يكون الأمر مجرد استباق وتمهيد للساحة أمام دخول قانون محاربة الإرهاب حيز التطبيق الفعلي .

تضمنت التوصيات أيضا في النقطة الرابعة دعوة إلى استمرار مثل هذه المنابر الوطنية من أجل مزيد من تبصير المواطنين بخطورة داء الإرهاب والتطرف. إن أمرًاً كهذا لا طائل من ورائه ، ولن يكون إلا فرصة لتبديد المال العام ونهبه ، ثم إنه سيمثل منهجية معاِكسة لما يجب، إذ الأََولى أن يكون الحوار تصاعديا يبدأ من القاعدة وينتهي في محصلة نخبوية تكون بمثابة البوتقة التي يتم فيها الصهر والتنقية من الشوائب .
وإن كانت قد رصدت أموال لهذا الأمر فالأحرى أن يتم تخصيصها لإطلاق حوار وطني جاد حول "قضية التعليم"... نعم إن التعليم في هذه البلاد أصبح قضية وطنية بامتياز وقد آن الأوان أن تمتد إليه يد الإصلاح، فإلى متى نظل نتفرج على هذه الكارثة الوطنية وهذا الخطر الجاثم المحدق.

أشارت التوصية السادسة بشكل مبهم وخجول إلى ضرورة تجفيف المنابع التي يعشعش فيها الإرهاب!
.. إن تجفيف منابع الإرهاب يبدأ بوقف النزيف المتعاظم والمتسارع في نظامنا التعليمي الفاشل والمريض ...أقول: هنا يجب أن يبدأ حوار وطني جاد في ساحات المدارس ودور التعليم، يتدرج صعودا ليصل إلى ما يمكن أن نسميه برلمانا وطنيا مؤقتا تُتداول فيه هذه القضية على مدى زمني كاف لنخلص إلى علاج مضمون أرجو أن لا يكون آخر دواء .

بقي أن أنوه بأداء المؤسسة العسكرية خلال التظاهرة الذي دل على أن هذه المؤسسة تشهد تطورا ملموسا، يلاحظ ذلك في تعاملها مع الجميع ذلك التعامل الذي كان بعيدا عن الخشونة المعهودة كما لم يلاحظ أي ظهور للبزات العسكرية إلا ضمن المدعوين الرسميين أو المحاضرين العسكريين وقد لفت إنتباه المشاركين بُعد العروض العسكرية عن الإستعراض والإثارة حيث لم تكن أقل مستوى من العروض الأخرى .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!