التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:43 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.04.2008 12:00:51

قراءة نقدية في كتاب "تاريخ موريتانيا"

جــمـال غـــــدور

جــمـال غـــــدور

باحث في التاريخ المغاريبي
المقارن (الحديث و المعاصر

يعد كتاب "تاريخ موريتانيا" (العناصر الأساسية) للمؤلف الدكتور حماه الله ولد سالم الصادر عن منشورات الزمن، العدد التاسع، محاولة جيدة من المؤلف لإعادة ترتيب بعض أوراق التاريخ الموريتاني.
ذلك التاريخ الذي لا يزال جله طي الكتمان، وبحاجة إلى من ينفض عنه غبار النسيان، ولم تطلعه أقلام معظم الباحثين، وإن طالته فهي في أغلبها إما أقلام استعمارية تروج لأطروحات وتوجهات أصحابها ضاربة عرض الحائط بالأمانة والنزاهة العلمية- مع وجود استثناءات لهذه القاعدة ¬ وإما أقلام تدفعها نحو الكتابة نزعة جهوية قبلية ضيقة تتنافى وروح الوطنية، وبين هذا وذاك نجد من تدفعه ¬ وإن بدرجات متفاوتة¬ خدمة الحقيقة والتاريخ لإبراز بعض الأمور كانت من قبل في عداد المسكوت عنه أو المنسي لدى المجتمع الموريتاني.
ويزداد الأمر أهمية وحساسية في نفس الوقت عندما يتعلق بتاريخ القبائل والهجرات والحروب والمجال والكيانات، لما توفره هذه النقاط من حساسيات ومشاكل وعراقيل لدى الباحثين، تجعلهم يعزفون عن التأليف في هذه المجالات، إما خوفا أو طمعا أو كلاهما، نظرا لأن المجتمع الموريتاني لايزال معظمه لم يصل حد النضج الوطني والحضاري وبالتالي فإنه يعتبر من يتحدث عن قبيلته أو جهته فإنه يطعن في شخصيته المعنوية.
ويتكون هذا العمل من الناحية التقنية من 238 صفحة و223 إحالة، خال من الخرائط والجداول.
وقبل الخوض في صميم الدراسة فإننا نرى ضرورة التقديم لثلاثة أمور: العنوان، الإطار الزمني، المراجع المعتمدة.

 العنوان:
يعالج الباحث في هذا العنوان (تاريخ موريتانيا: "العناصر الاساسية") التحولات التي أثرت في حياة السكان من صراعات وهجرات، وأحداث كبرى شكلت المجتمع سياسيا وفكريا وذهينا من قبيل الفتح الإسلامي وقيام دولة المرابطين، والهجرات العربية الحسانية، والحرب بين صنهاجة وبني حسان، ثم الدخول الفرنسي.
 الإطار الزمني:
تحيط الدراسة في إطارها الزمني بالتاريخ المحلي للبلاد منذ العصور القديمة إلى أن يصل إلى تراجع نفوذ الإمارات القائمة آنذاك، جاعلا من التوغل الفرنسي في البلاد مع إطلالة القرن العشرين حدا لهذا البحث.

 المراجع المتعمدة:
اعتمد الباحث بالدرجة الأولى على المصادر التي قسمها إلى نوعين: مصادر محلية: تشمل النصوص التاريخية، ووثائق الحياة اليومية، ومجاميع الفتاوى والنوازل، ودواوين الأنساب، وحوليات المدن التاريخية. مصادر عربية خارجية: في مجملها كتب التاريخ التي ألفها مؤرخون مغاربة ومشارقة اهتموا بالكتابة حول الصحراء وبلاد السودان، كما جاء في مقدمة هذا المصادر كتب الجغرافيين القدماء والرحالة الذين زاروا المنطقة وأحوازها.
غير أن ما شد انتباهي في هذه الدراسة هو أن المؤلف اعتمد بشكل كبير على المصادر وهذه حسنة تذكر ولكنه أهمل المراجع التي قد يكون بعضها قيما وفيه العديد من المعلومات.
المضامين
يبدأ المؤلف بالحديث عن التحقيب التاريخي العالمي، و صعوبة إسقاطه على تاريخ موريتانيا ومع ذلك فإنه يتجوز عملية تحقيب وتقسيم من وجهة نظره للتاريخ الموريتاني وهي:
 التاريخ القديم: من الألف الثانية للميلاد حتى القرن السابع الميلادي.
 التاريخ الوسيط: يبدأ من الفتح الإسلامي في القرن الأول الهجري /7م وينتهي بسقوط تنمبكتو سنة 1591م ويسميه العصر الصنهاجي.
 التاريخ الحديث: يبدأ من 1591 سقوط تمبكتو وينتهي بحصار (الحنيكات) سنة 1778 ويسميه (العصر الحساني) لأنه عرف السيطرة النهائية لبني حسان على المنطقة.
 التاريخ المعاصر: من 1778 إلى 1903 الدخول الفرنسي.
 التاريخ الراهن: يبدأ من قيام الدولة الوطنية 1960 إلى الآن.
ثم يعرج على البنية الاجتماعية للمجتمع البيضاني، إذ ينقسم إلى فئات لكل منها وظيفتها الخاصة:
1¬ حسان (العرب)
2¬ الزوايا (الطلبة)
3¬ اللحمة (آزناكة)
4¬ الصناع (لمعلمين)
5¬ المغنون (إيكاون)
6¬ الحراطين
7¬ العبيد
وقد قسم الباحث حماه الله ولد السالم هذه الدراسة إلى مجموعة من العناوين تضمن كل عنوان مجموعة من النقاط.
بدأ هذه العناوين ببلاد الملثمين من القبيلة إلى الدولة (ق1هـ/7م حتى ق 5هـ/11م) حيث يذكر أصولهم ونظامهم ودخول الإسلام إلى هذه الصحراء التي يتمركزون فيها وقيام مملكة "آوكار" جنوب شرقي موريتانيا، غير أن الحدث الأهم الذي سيؤثر في المجال الديني والثقافي والسياسي في المنطقة بشكل حاسم هو قيام دولة المرابطين 426¬541، متناولا بذلك الحركة المرابطية قيامها ونتائجها على المجتمع والثقافة والثورات التي قامت كردة فعل على سقوط الدولة المرابطية الأولى مثل ثورة بني غانية 581¬619هـ.
أما النقطة الموالية فإنه تحدث فيها عن الدولة المرابطية الثانية في الصحراء (541¬630هـ) وذلك بعد انتقال ذرية يوسف بن تاشفين عن المغرب خشية القتل من طرف الموحدين، وكانت النتيجة قيام ملك مرابطي لمتوني جديد، وقد شبه الكاتب هذه الهجرة بهجرة عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس التي أسس فيها ملكا لبني أمية.
ثم تطرق بعد ذلك إلى قيام الإمارات اللمتونية (630¬840) والتي من أشهرها إمارة ابدوكل في الشمال وانيرزيك في الغرب.
ثم بعد ذلك تطرق إلى التحولات السياسية والبشرية والإقليمية، فخلال الفترة من القرن 7 حتى القرن 9 الهجري (13¬15م) كانت البلاد متأثرة بجوارها السياسي السوداني: مملكة مالي ثم دولة صونغاي، ولكن التقليد الديني والثقافي الموروث عن المرابطين قد أبقى على عناصر مختلفة ساهمت في نشأة المجتمع الأهلي.
وإنهاء النهضة الفكرية في المدن السودانية وما حملته من هجرات وإضرابات بشرية وسياسية أثرت على البلاد الموريتانية، بعد ذلك يدخل إلى نشأة المجتمع البيضاني (ق10¬11هـ/16¬17م)، الذي كان نتيجة اندماج مجموعتين كبيرتين قديمة شعب صنهاجة الملثمين، وجديدة من قبائل بني حسان العربية التي طغت لهجتها وتقاليدها على الأولى وهنا يتساءل الباحث لماذا تخلت القبائل الصنهاجية عن أنسابها ولهجتها؟ وكيف تمت الغلبة للعرب وهم قلة أمام البربر؟
ليدخل بعد ذلك إلى المسالك القافلية وتطور المدن العتيقة في القرن 11هـ/17م.
وقد قسم الكاتب بنية المجتمع الأهلي التقليدي إلى ثلاثة أقسام: الزوايا: وهي القبائل المختصة بالشؤون الدينية والوظائف التعليمية، ثم الطرق الصوفية، والتي تبدأ حسب ورودها إلى المنطقة بالشاذلية ثم القادرية ثم التيجانية ثم الغظفية، ثم آخر قسم من أقسام المجتمع الأهلي وهو المدن بدءا بمدينة ولاتة التي تأسست في القرن الثاني الهجري ومرورا بمدينة تيشيت ووادان، وانتهاءً بشنقيط.
وفي المحور الأخير تناول المؤلف قيام الإمارات الكبرى التي عرفتها المنطقة نتيجة السيطرة الحسانية وهذه الإمارات هي إمارة أولاد امبارك في الحوض الشرقي وما جاورها جنوبا من بلاد السودان، وإمارة البراكنة في جنوب غربي البلاد، إمارة الترارزة في أقصى الجنوب الغربي، وإمارة أولاد يحيى بن عثمان في آدرار، وإمارة إدوعيش في تكانت الوسط من بلاد وإمارة مشظوف في الحوض الشرقي.


ملاحظات:
يقول الفيلسوف الألماني Kant: "إن أعظم وسيلة للبناء توصل إليها العقل البشري هي النقد" وتجسيدا لهذا الطرح فإننا سجلنا مجموعة من الملاحظات حول هذه الدراسة منها:
 أخطاء مطبعية مثل ما حصل في صفحة، 22 إعادة فكرة كاملة.
 "ذكر بعض الجغرافيون العرب وجود اليهود في بعض الحواضر الصحراوية القديمة"، ولم يذكر أسماء هؤلاء الجغرافيون، ولا في أي كتاب ذكروه، و لا أسماء تلك الحواضر الصحراوية، ص:26
 إحالات غير مضبوطة بشكل كامل مثل إحالة رقم (5) ولد ايده إذ لم يذكر اسمه الكامل ولا عنوان بحثه.
 البحث ليست له خاتمة يخرج منها المؤلف باستنتاجات وخلاصات، ولا فيه فهرس يدل على العناوين.
 لم يأتي بخرائط تبين نفوذ كل إمارة أو مناطق انتجاع قبيلة معينة.
 أعاد كلمة بغض النظر عدة مرات كما في الصفحات 36،33.
 أورد بعض المعلومات التي فيها نوع من المبالغة مثل حديثه عن أحد ملوك الصنهاجيين (وكان يستطيع تجهيز مائة ألف من الجمال الأصلية).
 تراتب بعض الفقرات بطريقة غير سلسلة خصوصا عند الانتقال من فقرة إلى أخرى كما في الصفحة 72¬73.
 الكاتب لا يلتزم بأحد التواريخ الهجري أو الميلادي أو هما معا بل على العكس من ذلك نجده يأتي بتاريخ حادثة معينة بالميلادي وبعدها مباشرة حادثة أخرى بالهجري وبالتالي يحصل ارتباك للقارئ، فلو التزم أحدهما أو هما معا لكان أحسن.
 ورد في معرض حديثه عن تنامي نشاط قبائل مسوفة على طرق المحور الأوسط التجاري الرابط بين النطاق السوداني وواحات توات شمالا (شكل بعض تجارها بطانة أمراء مملكة مالي لاسيما في المدن الساحلية، تمبكتو، ولاتة) وتمبكتو في أرضي مالي وهي دولة حبيسة ليس لها منفذ على البحر، وولاتة في الشمال الشرقي الموريتاني هذا إذا كان يعني بالساحلية ساحل البحر ص:96¬104.
 أثناء حديثه عن الموروث الديني والثقافي الموروث عن المرابطين والذي ابقى على عناصر ساهمت في نشأة المجتمع الأهلي... ذكر بأنه يمكن التأكد من ثلاثة عوامل أساسية ذكر منها اثنين ولم يذكر الثالث ! راجع الصفحة 95 حتى ص:100.
 عند الدخول إلى أحد العناوين فإنه لا يمهد له أو لا يأتي بما يدل على أنه سيعالج عنوان كذا.
 في الصفحة 104 (ب) الغزو السعدي لدولة صنغاي (1000هـ/1591م) ولم أجد (أ)
 "...تكاد فئتا الزوايا وحسان أن تكونا متساويتين في المرتبة الاجتماعية..." ص:139
وهذا ليس كائن فحتى اليوم في ظل الدولة المعاصرة التي ترفض التراتبية الاجتماعية فإن البعض من القبائل الحسانية تمتنع من التزاوج مع قبائل الزوايا.
 يذكر الإحالة ولا يذكر صفحتها كما الإحالة رقم 114، 119، 128.
 عندما تطرق للإمارات البيضانية فإنه أوجز إيجازا يصل أحيانا ¬ من وجهة نظري المتواضعة¬ إلى الإخلال، إذ تمثل هذه المرحلة إحدى أهم حلقات التاريخ الموريتاني، وكان من المفترض أن يكون باحث من أمثال حماه الله، قد خصص لها قدرا كبيرا من هذه الدراسة راجع الصفحة 192 حتى 207.
 ورد في الصفحة 200 ما نصه: "وتدل شهادة الرحالة مونكو بارك Mongo PARK خلال هذه الفترة..."
لقد انصب اهتمامي في فترة معينة على دراسة الرحلات الاستكشافية إلى البلاد الموريتانية منذ بداية الرحلات العربية في القرون الوسطى والتي دشنها ابن حوقل سنة (340هـ/951م) ثم ابن بطوطة سنة (729هـ/1352م) ثم حسن الوزان وغيرهم، وكذلك مع الرحالة البرتغاليين الذين شكلوا السبق الأوربي في اكتشاف المنطقة خلال القرن 15 و 16م بدأ بالرحالة كيل أيانيش Gill AYANISH سنة 1434م ومرورا برحلة كاتب الحوليات فرنانديس، وفي الأخير مع الرحالة الفرنسيين منذ مجيء أول فرنسي إلى أرض الوطن وهو (پول آمبير)، وصولا إلى آخر الرحالة خلال العقد الأول من القرن العشرين من أمثال (پول بلانشي، وريني شودو 1908-1909) من قبلهم المنظر الاستعماري (أكزافي كبولاني).
محل الاستشهاد هو أن الرحالة (مونكو بارك) الذي أورده الكاتب في الصفحة 200 ليس من الرحالة المعروفين الذين زاروا المنطقة، أنا لا أشك في نزاهة المؤلف لكن كان عليه على الأقل أن يعرف بهذا الرحالة وبتوقيت رحلته، والمجال الذي لامسته رحلته المذكورة، فإذا كان أصحاب التخصص من أمثالي ¬ مع تواضع معلوماتي¬ لا يعرفون من هذا الرحالة فما بالك بالذين لا ينتسبون إلى التخصص (التاريخ)، فالكاتب عندما يكتب فإنه لا يكتب لنفسه، وإنما يكتب لغيره لذا عليه توضيح ما يكتب وتوثيقه.
 يحصل لدى القارئ ما يشبه قطع شريط الأفكار أو خلبطة، عندما يعطي الكاتب تواريخ قيام الإمارات والصراعات التي دارت بينها وانهيار هذه الإمارات، مرة بالتاريخ الهجري ومرة بالتاريخ الميلادي.
 إن الدارسين للنظام الأميري في بلاد شنقيط سيقف عند إمارتين شكلتا في مرحلة من المراحل قوة في المنطقة، مع ما عانتاه من حروب بينهما: إمارة البراكنة وإمارة الترارزة وقد تطرق المؤلف لإمارة البراكنة مثلا في سبعة أسطر انظر ص:195
 الإحالات من 223 إلى 226 لا وجود لها في الهوامش !!،حيث تتوقف الهوامش عند الإحالة رقم 223 بينما تظل الإحالات في زيادة حتى 226 بدون توثيق راجع ص.ص 209¬210¬ 212¬232.
 اعتمد المؤلف على المصادر وأهمل المراجع بشكل كبير، كما أنه قد اعتمد على بعض المراجع التي لم يدرجها في قائمة المصادر والمراجع، دون أن أنسى أن معظم ما كتب عن التاريخ الموريتاني المعاصر لم يكتب بأيدي موريتانية وإنما هي أجنبية خصوصا الفرنسية، وعند العودة إلى البحث نجد أن المراجع الأجنبية لا تكاد تذكر، فهل هذه نقطة قوة أم ضعف؟


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!