التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:17:30 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.11.2010 14:45:00

إعلان الزنجي المضطهد... الوثيقة التي هزت موريتانيا

إبراهيما عبدو صال محرر منشور "إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد"

إبراهيما عبدو صال محرر منشور "إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد"

ظهر "إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد" لأول حين تم توزيعه كمنشور في مدن متفرقة من موريتانيا في نيسان 1986 قبل أن يتم توزيعه على هامش قمة منظمة الدول الإفريقية المنعقدة ما بين 28 و30 من يوليو في أديس أبابا ثم على المشاركين في قمة منظمة دول عدم الانحياز في هراري بزمبابوي في أكتوبر من ذات العام في خطوات سببت إحراجا بالغا للحكومة الموريتانية.

وتتعرض الوثيقة التي أعدها التنظيم المسمى "قوى تحرير الزنوج الموريتانيين" إلى ما تعتبره الحركة مظالم وانتهاكات تمارس على الزنوج في موريتانيا من قبل ما تعتبره الوثيقة نظام "البيضان" الذي تصفه بـ"العنصرية"، معددة مجالات تفرض فيها الدولة سيطرة منهجية للعرب على السياسة والاقتصاد والجيش والتعليم، فضلا عن ما يعتبره معدوها حرمانا سياسيا واقتصاديا وثقافيا منهجيا يمارس ضد الزنوج.


الخلافات المتجذرة

لكن الوثيقة تمهد لذلك برؤية تاريخية للخلافات بين النخب العربية والزنجية قبيل رحيل الاستعمار الفرنسي عن البلاد، منتقدة معارضة العرب انضمام أقاليم الزنوج إلى فيدرالية مالي وهم (العرب) من تعلقوا دوما بالأمة العربية:

"بعد أن وصل قادة حزب الاتحاد الوطني الموريتاني إلى خلاصة مفادها أن تعايشا سياسيا في إطار من المساواة والعدالة بين المجموعتين العرقيتين والثقافيتين بات وهميا اقترحوا، هم أيضا عام 1961، الانضمام إلى فدرالية مالي. وبسبب تعبيرهم عن مطالب شرعية كهذه، اتخذت حكومة ولد داداه إجراءات وضعتهم بمقتضاها تحت الإقامة الجبرية في الشمال في فبراير 1961. وعلى أي حال، لم يحصل في التاريخ السياسي لهذا البلد أن عارض نظام البيضان المطالب الشوفينية بدمج موريتانيا في "الأمة العربية"".

وتنقل الوثيقة أقوالا لوزير الخارجية الموريتاني السابق الراحل حمدي ولد مكناس والرئيس الموريتاني خلال تلك الفترة معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع. حيث يرى الأول أن "لاشيء يجمع موريتانيا ثقافيا أو تاريخيا مع منطقة غرب إفريقيا" فيما يرى ولد الطايع –وفق الوثيقة- أن على موريتانيا "العودة إلى التراث البدوي للأجداد".

ويعلق إعلان الزنجي المضطهد بالقول: "صدرت كل هذه الأقوال عن قادة مزعومين لبلد متعدد القوميات والثقافات. وتدلل كل تلك الخطابات على أن هؤلاء القادة عاجزون عن تجاوز بعدهم العرقي والإثني الضيق ليكونوا فوق القوميات ذات الاهتمامات المتباينة".

ويشير المنشور إلى بداية ظهور التيارات القومية العربية في موريتانيا: "خلال الأعوام 1960 – 1965، بدأ جيل من شباب البيضان المثقفين، غالبيتهم ممن أقاموا في الشرق الأوسط، معارضة الاستعمار الفرنسي العنصري الجديد، المقرب من البيضان. كان هؤلاء الشباب قد عادوا إلى موريتانيا مسممين أيديولوجيا بالقومية الشوفينية، الناصرية والبعثية. ووجدوا في مجتمع البيضان أرضا خصبة لبث أفكارهم.

ولقد كانت هذه المجموعة القومية، التي تعاني في الواقع من أزمة هوية، مهيأة نفسيا لأي نظرية يمكن أن تضمها إلى عالم حلمت دوما بأن تتماهى فيه، وهو العالم العربي. ويمثل هذا، من ناحية، حقها المبدئي في التعلق بأي ثقافة تشاء. لكن حقها يتوقف هنا".

انحياز المستعمر

هذا الجيل من الشباب القومي ذي الثقافة العربية سيبدأ التأثير، وفق الوثيقة، في المشهد السياسي لكن أسباب الاحتقان تعود إلى ممارسات سبقت ذلك:

"وسيشجع هذا التيار البيضاني العنصري إقرار القوانين 65-025 و65-026 في يناير 1965 والتي تفرض العربية في التعليم الابتدائي والثانوي. وكان إضراب التلاميذ الزنوج وأحداث شباط 1966 العرقية نتائج لتطبيق تلك القوانين. لكن الأسباب الحقيقية لذلك الصراع العرقي أبعد من ذلك. وهي نفسها التي كانت سببا في مظاهرات الانفصال أعوام 1957 و1958 و1959 و1961، أي القمع العرقي والثقافي ضد الزنوج. كانت مجموعة الزنوج الموريتانيين محبطة بسبب الحرمان السياسي والثقافي والاجتماعي وهو ما لم يكن ممكنا التعبير عنه إلا بتفجر العنف والحقد. واليوم تضاعفت هذه المشاعر كثيرا".

ويتهم معدو الوثيقة الاستعمار الفرنسي بالانحياز للعرب: "لقد اختار المستعمرون الفرنسيون قومية البيضان بوصفها الإثنية "المرشدة" لهم في هذا البلد. وتشهد على ذلك، من بين أمور عديدة، أقوال الحاكم كازال الذي كان يحذر عبد الله ولد الشيخ سيديا، إبان انتخابات 1947، من الحملة التي يباشرها المنحدرون من الجنوب وسط أهلهم بمنطقة النهر. حيث يقول "... إن السود ينظمون أنفسهم وبنشاط في منطقة النهر. وما لم تعبئوا رجالكم ونساءكم لهذه الانتخابات، فإنهم سينتصرون وسيحكمون هذا البلد الذي هو بلدكم!!!".

ومن ثم يأتي الاستنتاج بأن: "موريتانيا، في نظرة فرنسا، هي إذن ملك لـلبيضان، وهم وحدهم من يجب أن يحكمها. وهذه الرؤية لم تتغير حتى أيامنا هذه. (...) ولذلك سيساعد الفرنسيون أوائل عناصر الطبقة السياسية الوليدة من البيضان على الانخراط في مسار السيطرة إبان مؤتمر ألاك في يونيو 1958. فبالنسبة لولد داداه ورفاقه كان من اللازم ضمان استئثار قوميتهم من أجل ضمان الأمن المزعوم في بيئة جيوسياسية وثقافية (إفريقيا الغربية) لا تنتمي إليها".

البيضنة

وفي رأي معدي الوثيقة فإن "الطبقة السياسية البيضانية" استنتجت في وقت مبكرا جدا أن: "السيطرة السياسية وحدها لا تكفي لضمان سيطرة تامة لقوميتها على البلد. وبمساعدة الجهاز السياسي الموروث عن المستعمر الفرنسي، باشرت برنامجا للسيطرة على الاقتصاد والتجارة والإدارة والتربية والتكوين".

"برنامج السيطرة" هذا يسميه إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد بــ"البـَيْـضَـنــَة" وهو، وفق الوثيقة: "سعي نظام البيضان إلى أن يذيب وبشكل منهجي كل الخصوصيات في مجتمع كبير بيضاني-عربي "مؤدلج" تفرض عليه أسطورة الأكثرية العربية المزعومة".

وتشكك الوثيقة في الأرقام المتداولة عن حجم المجموعات القومية المشكلة للمجتمع الموريتاني مشيرة إلى أن النظام "ظل، منذ 1960، يعتمد دوما على أن نسب التمثيل بين البيضان والسود من السكان الموريتانيين مستقرة كما هي: 80% للبيضان و20% للباقين".

ووفق الوثيقة فإن إحصاء 1977 قد أكد معطيات مغايرة غير أن الحكم الذي يسيطر عليه العرب أخفى تلك المعطيات. وبحسب الوثيقة فإن الزنوج الأفارقة "باتوا يمثلون غالبية السكان" فيما يشكل "الحراطين" (العرب السمر) "أغلبية داخل المجموعة العربية". ويسرد إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد ما يراها معدوه بعض أسباب ذلك وهي:

"1. كون معدلات الخصوبة أعلى لدى الزنوج (الحراطين، السونينكي، الهالبولار، الوولوف والبامبارا)؛
2. شيوع تعدد الزوجات بشكل شامل تقريبا في أوساط الزنوج؛
3. عدم الاستقرار الذي تتميز به الأسرة في الوسط العربي بشكل عام والمتميز بكثرة حالات الطلاق)".

وتتهم الوثيقة الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه بأنه "حاول حظر التعدد" وذلك في إطار مساعي النظام إلى "تغيير طبيعة الأشياء" في موريتانيا.

جدل الأسبقية

السنغال وهي بلد لا يفصله عن موريتانيا عدا نهر، فما ذا يمكن قوله عن البيضان (الذين يدعون أنهم عرب) وقدموا من الجزيرة العربية، أي من مسافة شاسعة تناهز العشرة آلاف كيلومتر؟ إن إفريقيا هي مهد الزنوج لا العرب".

ووفق الوثيقة فإن الحكومة الموريتانية: "في سعي إلى تكثير أعداد البيضان، تمنح الجنسية للطوارق (مالي والنيجر) وللصحراويين".

وتضيف الوثيقة: "وفي الواقع فإن المجموعة العربية-البربرية لا تجد شرعيتها إلا في عنف السلطة الذي يجري التعبير عنه بكل الأشكال. فليس بمقدورها الرجوع إلى التاريخ، لأن السود هم السكان الأصليون لهذا البلد، ولا إلى العدد، لأنها أقلية. غير أنه بالنسبة للسود، لا يكفي أن يكونوا أغلبية ولا تكفي أسبقيتهم في عمارة الأرض للسيطرة على بلد ما. وجنوب إفريقيا مثال واضح على ذلك".

ففي المجال السياسي تنتقد الوثيقة ما تعتبره اعتقاد العرب أن موريتانيا "بلد يخصهم وحدهم" مشيرة إلى أن الفرنسيين ساعدوهم على ترسيخ ذلك الاعتقاد: "لدرجة أن عقليتهم الجماعية باتت تستبعد بشكل بات احتمال تعيين زنجي موريتاني رئيسا للبلاد. ومن ثم جاءت المسلّـمة القائلة بأن موريتانيا لا يمكن أن يقودها غير بيضاني".

ووفق الوثيقة فإن "الحكومات الموريتانية المتعاقبة منذ 1958 حتى 1985 لم تعكس في يوم من الأيام التنوع العرقي".

"وبين عامي 1960 و1986 ظلت حصة الثلث أو الربع المخصصة للزنوج على حالها. ومع ذلك فإن الحراطين والهالبولار والوولوف والسونينكي والبامبارا لديهم من الأطر المؤهلين والمخلصين للدولة عشرة أضعاف ما لدى البيضان الذي تسود فيهم القبلية بقوة".

وتشير الوثيقة إلى أن وزارات سيادية لم يتقلدها أي زنجي منذ الاستقلال وهي: وزارة العدل والشؤون الإسلامية ووزارة الخارجية والتعاون ووزارة الداخلية. كما تنتقد ما تعتبره "سياسات تمييزية" تتخذ على الحدود في الجنوب مع السنغال ومالي حيث توجد أواصر عائلية وقبلية بين السكان الزنوج سابقة على الحدود السياسية، بينما تنتهج إجراءات أكثر من متسامحة تصل حد "منح الجنسية" في الشمال حيث ذات الأواصر قائمة بين القبائل العربية في موريتانيا وقبائل الصحراء.

بورجوازية البيضان

وفي المجال الاقتصادي تفصل الوثيقة ما تراه وجود سيطرة من قبل "بورجوازية البيضان" على مفاصل الاقتصاد من صناعة وتجارة ومصارف وعقارات وصيد بحري.

ووفق الوثيقة فإن تجارا زنوجا كانوا من افتتح أوائل الأسواق في العاصمة نواكشوط (سوق العاصمة وسوق لكْـصر): "ما بين عام 1967 (تاريخ الأحداث العرقية) وعام 1983 وجدوا، كلهم تقريبا، أنفسهم مجبرين على مغادرة مخازنهم ومتاجرهم تحت ضغط احتكارات البيضان المدعومين من قبل البنوك والمصالح التجارية. واليوم لم يعد يوجد في سوق العاصمة غير ثلاثة تجار زنوج!!"

ويضيف المنشور: "يجد هذا التحول، في الواقع، تفسيره في المسألة الوطنية. فليس بوسع أي مجموعة عرقية أو ثقافية أو اجتماعية تتصرف بأنانية ضد المصالح العامة للبلد، أن تضمن سيطرتها الدائمة على الآخرين إذا لم تكن مسيطرة في ذات الوقت على البنى الفوقية (السياسة والثقافة) والبنى التحتية (الاقتصاد)".

الجيش... قوة سياسية

ولدى الحديث عن الجيش الموريتاني ترى الوثيقة فيه "قوة سياسية"، لا لكونه موحدا حول مشروع "بل لأنه يمسك السلطة عبر القوة المسلحة" وفق الوثيقة التي ترى فيه كيانا مطبوعا بـ"صراع لوبيات قبائل البيضان".

وتقول الوثيقة عن الضباط الزنوج: "مع تخليهم عن أي طموح سياسي رضوا بأن يكونوا أدوات في أيدي بقية لوبيات البيضان، مقابل هدايا توزع على شكل مناصب وزارية أو إدارات شركات حكومية. لقد أنستهم المهنية انتماءهم إلى قومية عرقية تتعرض للقمع من قبل أسيادهم. وفي أحيان كثيرة لا يهتمون حتى بالدفاع عن كرامتهم التي كثيرا ما ديست. ومع ذلك، لا يتردد أسيادهم، تماشيا مع منطقهم، في الدفاع عن مصالح قوميتهم بشكل عام ومصالح قبائلهم على نحو خاص".

وتضيف الوثيقة: "وكما هو سائد في المجالات الأخرى، فإن البيضنة تنخر الجيش. وتمكن مقارنتها بما هو مطبق في التعليم والاقتصاد".

وللتدليل على ذلك تورد الوثيقة تفاصيل عن إجراءات الاكتتاب وبعثات التدريب مع نسب مشاركة الزنوج لتصل إلى أنه من بين خمسة عشر قيادة عسكرية في البلاد توجد فقط أربع منها تحت إمرة ضباط زنوج. ولتؤكد، مع ذلك، على أن: "دور الجيش سيكون حاسما في نتيجة كفاح تحرير الزنوج من سيطرة نظام البيضان".

الإعلام "العرقي"

وبخصوص وسائل الإعلام ترى الوثيقة أن السياسة الإعلامية القائمة في البلاد منذ الاستقلال تهدف إلى "تهيئة النفوس لقبول السياسية العرقية" من خلال: "إعطاء الانطباع بالأهمية العددية للعرب بإعطائهم أغلب أوقات البث. كما يتم إعطاء صورة للأجانب عن موريتانيا عربية بالكامل. ولذا تخصص الأوقات التي يمكن أن تصل فيها الرسالة إلى البعد الأقصى للبيضان. وهكذا، ومنذ الاستقلال، لا نسمع ابتداء من الثامنة والنصف مساء حتى الفجر غير برامج البيضان".

أما التلفزيون الحكومي "فقد أنشئ أصلا لأجل البيضان" وفق الوثيقة التي ترى في جريدة "الشعب" الحكومية أداة "لتشويه الزنوج وثقافتهم" مشبهة القائمين عليها برجال نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا.

ووفق الوثيقة فإنه، ومن أجل تنفيذ السياسة الإعلامية المذكورة، يحتكر البيضان مواقع المسؤولية في أجهزة الإعلام "لضمان استمرار ظلم وتشويه الزنوج، في الوقت الذي ينتمي فيه أفضل الأطر الحاصلين على شهادات في الصحافة إلى المجموعة الزنجية".

التعليم... ماكينة الإقصاء

وتخصص الوثيقة حيزا واسعا للنظام التعليمي في موريتانيا الذي ترى في قرار تعريبه "آلية جبارة للاختيار أولا ثم لغرض الإقصاء الجماعي للزنوج الموريتانيين".
ويعتبر معدو الوثيقة أن تعريب التعليم "سيفيد كغطاء للعنصرية" التي ستظهر من خلال التمييز في الاكتتاب لتنتهك بذالك حقوق الزنوج في العمل "الذي لم يعد مسألة كفاءة بل مسألة لون".

وفضلا عن ذلك ترى الوثيقة في إصلاحات التعليم، في ظل الرئيس الراحل المختار ولد داداه، سعيا إلى "تذليل الاختلال في التمدرس بين العرب والزنوج. ومن ثم رسم نظامه، وكل الأنظمة التي تلته، بكل تؤدة، إستراتيجية للسيطرة على الزنوج وإقصائهم" وفق الوثيقة.

وتورد الوثيقة أرقاما وإحصاءات تتعلق بعدد المدارس والتلاميذ للاستدلال على ما تصفه "إقصاء" للزنوج.
ويقول المنشور: "سيتم، عن قصد، توجيه النظام التربوي وبطريقة دائمة في اتجاه ظالم وأحادي في مصلحة [المجموعة] العربية-البربرية، لتفرض بذلك، ومنذ البداية، اللامساواة بين أطفال البلد الواحد، وستلقى بذور الفرقة والعنصرية التي ستتواصل وسيجري تعزيزها من خلال الإصلاحات اللاحقة".

وتنتقد الوثيقة إصلاحات التعليم المتتالية التي جعلت اللغة العربية إلى مجرد "صمام" لإقصاء الزنوج.

رؤية الحل

وفي خاتمة الوثيقة يقدم معدوها خلاصات عامة تضم رؤيتهم للأزمة الموريتانية:
"من حيث الأساس، ما من مشكلة ثقافية بل هناك نفي لوجود الزنوج في موريتانيا كمكون عرقي ذي خصوصية. وعلى كل حال، لا يمكن التنكر لوجود الزنوج ثم فرض ثقافة أخرى عليهم في ذات الوقت.
هذا هو كل المشكلة. فالأمر يتعلق بقضية وجود أو عدم".

وحول ما تعتبره الوثيقة غيابا للتوازن العرقي تستخلص أن: "النخبة التي حكمت موريتانيا منذ 1957 لم تؤمن يوما بالوحدة الوطنية".

وتضع الوثيقة موضع شك مبدأ وحدة الدولة الموريتانية: "إن رفض حل صحيح لمعضلات التعايش السياسي والاقتصادي بين القوميتين بحجة الحفاظ على "موريتانيا موحدة" يزرع في وعي الزنوج الموريتانيين، شيئا فشيئا، الشكوك حول مبدإ الدولة الموحدة نفسه".

وتلقي الوثيقة باللائمة على الزنوج أيضا: "إن الزنوج الموريتانيين، وخاصة "قادتهم" (من سياسيين وتجار أثرياء ومثقفين وأطر إداريين...) مسؤولون تاريخيا عن وضعهم كمستعمـَـرين. وأمام قمع يزداد ويعم، غالبا ما يختارون اللجوء إلى أبسط الحلول، من خلال القول: "أدرك لكن لا حول لي ولا قوة"".

وتقدم الوثيقة رؤية للحل: "نعتقد أن حل مشكلة الزنوج [ومشكلة] مستقبل موريتانيا كلها يكمن من حيث الأساس في تدمير نظام البيضان وإرساء نظام سياسي عادل تسوده المساواة وتنتمي إليه كل المكونات الحالية للبلد".

وتدعو الوثيقة "كل الوطنيين الحقيقيين في موريتانيا (عربا وبربرا وزنوجا)، المحبين للسلم والعدالة والمهتمين بإرساء وحدة وطنية حقيقية" إلى أن يتحدوا "ليحاربوا جميعا، جنبا إلى جنب، من أجل إسقاط هذا النظام العنصري، الشوفيني، والذي هو أسوأ من نظام الميز العنصري.

إن ذلك ممكن. ويجب على الزنوج الموريتانيين أن يفهموا أنه لا ينبغي لهم الثورة ضد البيضان كشعب، بل ضد الجهاز العنصري والقمعي للدولة العربية-البربرية لكي يتمكن "البيض" والسود في النهاية من الحوار بندية والكفاح معا من أجل مستقبل أكثر أمنا".

وتختم الوثيقة بالقول: "لا نريد أن تأتي الشوفينية والسيطرة العربية لتوتير تناقضاتنا بدعم مجموعة عرقية، هي العربية، ضد أخرى (الزنوج). وإذا كان كل الموريتانيين مسلمين فإنهم ليسوا عربا كلهم، على غرار الأمازيغ والفرس والترك والأكراد.
إن مشاكل الموريتانيين يجب أن تطرح وتناقش وتحل من قبل الموريتانيين أنفسهم. وإن حبنا لهذا البلد يدفعنا إلى دعوة كل القوميات إلى حوار أعراق وثقافات، نقول فيه لأنفسنا الحقيقة لكي نشفي آلامنا.
ويجب أن نترجم إلى واقع نداءات إلى الإنقاذ الوطني وإلى إصلاح بلدنا بدلا من استنزاف كل ثرواتنا الطبيعية والبشرية في النزاعات العرقية التي لن يكون الموريتانيون أول الرابحين فيها".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!