التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 26.12.2010 11:26:41

الهجرة السياسية إلى الموالاة الأسباب والانعكاسات

د/ محمدو ولد محمد المختار
باحث وأستاذ جامعي
لم يعد خافيا أن استمرار الهجرة إلى الموالاة بات مغلقا للمتطلعين دوما إلى ترسيخ النظام الديمقراطي في هذه البلاد ، فالديمقراطية كالطائر لابد لها من جناحين هما: الموالاة بما هي ائتلاف أو شراكة سياسية حقيقية وليست صورية، شراكة في التسيير والتفكير وفي الرؤى والبرامج ، والمعارضة الهادفة بما هي رؤية صادقة ومختلفة للوضع العام يملك أصحابها تصورا نقديا بديلا عن معظم السياسات القائمة .

والواقع أن ما نراه اليوم من هجرة فردية وجماعية نحو السلطة والموالاة لم يعد مرحبا به حتى ممن تتم الهجرة إلى ربوعهم الرسمية ، ولصالح المزيد من دعمهم سياسيا ومعنويا وترجيحا لكفة خيارهم السياسي بوصفه الأمثل والأجدر والأقدر على صهر ودمج مختلف القوى والتيارات الفكرية والايديولوجية والتقليدية والتحديثية في تيار واحد أوحد هو تيار الموالاة للسلطة أو للبرنامج السياسي السحري لرئيس الجمهورية.

فهذه الظاهرة على ما هي عليه اليوم ربما باتت تستوجب الوقوف أمامها والبحث في دواعيه وأسبابه ، ليس من باب الوقوف في وجه الخيارات السياسية للآخرين، فهذا حقهم ولكن من باب السعي إلى تحليل ظاهرة غير طبيعية في الحياة الديمقراطية لأي بلد ، فما هي أسباب هذه الظاهرة؟، وما هي انعكاساتها المحتملة على العمل الوطني المعارض بوصفه عملا هادفا في أي حياة ديمقراطية عادية تقوم على الحق في الاختلاف والتعدد، وقبل هذا وذاك ما هو موقف قوى الموالاة منها؟ .


الموالاة والموقف من الهجرة السياسية إليها


لئن كان الموقف من الترحال السياسي أو من الهجرة السياسية الفردية في البلاد ظل محل تقدير وتشجيع من مختلف الأنظمة الرسمية بما فيها النظام الحالي وسياسة منهجية لإضعاف الخصوم، وخاصة الأحزاب السياسية المهمة في البلاد على قلتها، فإن اللافت هذه الأيام هو أن الهجرة الجماعية إلى صفوف الأغلبية لم تكن على ما يبدو محل ترحيب أو تقدير من معظم القوى الفاعلة في النظام الحالي، ففضلا عن وجود ملامح كثيرة تدل على خروج هذا النظام كليا من الأزمة السياسية التي صاحبت قيامه، ودفعت إلى اعتماد واسع لتشجيع الهجرة السياسية إلى صفوف الداعمين له، فإن الموسم الراهن ليس موسم استحقاقات سياسية يستدعي المزيد من الاستقطاب والتحالف السياسيين، كما أن قسما كبيرا من المهاجرين الحاليين إلى الموالاة ظل الخطاب السياسي لمهندسي موريتانيا الجديدة ينظر إليهم كحاملي أوزار ومساوئ الأنظمة السابقة، ويصفهم إلى عهد قريب بالفاسدين والمفسدين، فكيف سيصبحوا جزءا من التحالف السياسي الموالي للنظام الحالي؟، وهل سيعني ذلك مراجعة حقيقية في هذا الخطاب رغم أهميته التعبوية الكبيرة خاصة في الأوساط الشعبية المحرومة؟ .

كما أن قسما من هؤلاء المهاجرين إلى الموالاة ظل ينشط بعزيمة لا تلين في مقارعة النظام الحالي، بل وكل الأنظمة السابقة، ولا يتورع عن وصف أي منها بالعنصرية، وهو يحمل في جعبته خطابا سياسيا فئويا حتى لا أقول عنصري ، فهل سيضيق صدر الموالاة عن حجم هذا الخطاب؟، أم أن أصحابه سيتخلون طواعية عن خطاب شرعيتهم السياسية الداعي إلى المحاصصة السياسية وبالتالي إلى دولة مركبة وإلى عدم التقاضي عما يصفونها بانتهاكات المؤسسة العسكرية لحقوق الإنسان الزنجي خلال العقود الماضية والساعي باستمرار إلى تدويل قضايا الإرث الإنساني والرافض لكل مضامين ودلالات صلاة الغائب الرسمية، بل وحتى للمشاركة الرمزية في مراسيمها، ومقابل ماذا سيفعلون ذلك؟. إن المنطق السليم لا ينبئ بزواج سياسي مستقر بين هؤلاء والموالاة دون أن يكون ذلك على حساب أحدهما . فلماذا إذن ورغم كل ما سبق تمت هذه الهجرة الجماعية إلى الموالاة؟ .


أسباب الهجرة السياسية إلى الموالاة


فضلا عما تسلم به معظم الدراسات في علم الاجتماع السياسي العربي من ترسيخ لفكرة الدولة الغنيمة، فإن أحدا لا ينكر أن من ابرز مشكلات التجربة الديمقراطية في بلادنا تسييس الجهاز الإداري الوطني، فغياب الفصل بين ما هو سياسي وما هو إداري في الحياة العامة، أدى دوما إلى مصادرة الجهاز الإداري العمومي بما يعنيه من وظائف وتعيينات ومزايا من طرف النظام السياسي الذي يحكم ، بل وجعل الدولة كلها بما تملكه من وسائل ترغيب وترهيب تبدو كجهاز إغراء أو تخويف بيد السلطة السياسية أي الحكومة بالمعنى السياسي وليس الإداري، وإذا كان مفهوما في النظم الديمقراطية أن من حق الحزب الذي يفوز باختيار الشعب أن يشكل الحكومة أو السلطة السياسية، فإن ذلك لا يعني بحال حقه في الهيمنة الكلية على الجهاز الإداري للدولة، ذلك أن هذا الأخير يجب دائما أن ينبني على معايير الكفاءة والتأهيل وليس على معايير الزبونية السياسية والتطبيل.

من هنا بالذات يمكن فهم حالة الهروب والهجرة السياسية الدائبة من المعارضة إلى صفوف الموالاة، ليس أملا في البحث عن جزء ولو ضئيل من كعكة الإدارة فحسب أو حفاطا على الموجود منها، وإنما رغبة كذلك في تأكيد الولاء لنظام الحكم والبراء مما عداه ، فحين يصبح الشعار هو من ليسنا معنا في السياسة ليس معنا في الإدارة، يعني ذلك حتما غياب الشراكة الوطنية للمعارض وحرمانه من حق الاختلاف أو الائتلاف دون مساس في الحالتين بحقوقه المواطنية . فالشراكة في الأوطان بما هي تحقيق المساواة الكاملة في الولوج إلى الوظائف الادارية العامة يجب أن تبقى حقا ثابتا للمعارض وللموالي، وإلا أصبحنا نعمل على إكراه الناس في تغيير خياراتهم وولاءاتهم السياسية تحت طائلة البحث عن أو الحفاظ على حقوقهم المشروعة أصلا .


الانعكاسات السياسية للهجرة إلى الموالاة


إن الخطر الحقيقي لهذه الهجرة على مستقبل المسار الديمقراطي الوطني المتعثر أصلا، لا يكمن في مخاطر غياب أو إضعاف أية معارضة حقيقية وفاعلة في البلد، وإنما لما يكرسه من نزوع وتشجيع للانفرادية في الحكم والابتعاد بالبلد عن أي أمل في تعزيز الخيار الديمقراطي ، بما في ذلك تفعيل مبدأ التداول السلمي على السلطة، رغم دستورية هذا المبدأ ،الذي أضفى بعد إقراره دستوريا في العام 2006 أهمية خاصة على مسارنا الديمقراطي وجعل منه ملمحا مشرقا في سماوات عربية وافريقية لم تمطر يوما سوى الأزمات السياسية والاحتقانات المفضية دوما إلى مزيد من دواعي عدم الاستقرار السياسي.بل إنني لا أبالغ إذا قلت أننا كمهتمين وباحثين في قضايا التحول الديمقراطي في الوطن العربي عموما وفي موريتانيا على نحو خاص ، سعدنا أيما سعادة بدسترته لما مثل ذلك حينها من دلالة على جدية مسارنا الديمقراطي وجعلنا كموريتانيين نرفع عاليا هاماتنا في الملتقيات الدولية ونحن نرى الإعجاب والتقدير لنا يملأ عيون النخب العربية والأفريقية بسببه، وهي التي طالما نظرت إلى بلدنا بدونية مقيتة، فهل سنضيع هذه الفرصة مرة أخرى أم سنعمل على تفعيل الحق في التداول السلمي على السلطة بدل متاهات التغيير بطرق أخرى.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!