التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:19:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 29.04.2008 14:09:41

هوان النخب و الفقر المدقع و سوء التسيير

الولي ولد سيدي هيبه

إن حالة المسخ الحضاري التي تعيشها اليوم نخبة هذا الوطن في الصميم، رغم مظهر خارجي يوهم بالبقاء على الأصالة و رسوخ التميز، يزيد شدة كلما اتسعت دائرة انحسار الهوية و تلاشي المنطلقات و تداعي المرتكزات. فهذه النخبة التي توحدت في هذا الاتجاه رغم مشاربها و اديولوجياتها الكثيرة ساعدت في إضعاف مناعة مواطني بلدها بما تسببت فيه من إفقادهم مرتكز التوازن و مبعث الثقة حتى باتوا أمام متطلبات حاضرهم الصعب و مستقبلهم القاتم كأوراق الشجر تتساقط عندما تيبس فتهب نفسها للرياح تذروها في كل الاتجاهات و تسلمها لعيدان المكانس تزيلها و لأفواه المزابل تلتهمها.
لقد بدا في منتصف الستينات أن النخب التي رأت النور- في أحضان مجتمعات تغط في سبات \"القرونوسطوية\" إن جاز التعبير- إثر عملية ولادة قيصرية تمت على أيدي قادمين من بلاد \"المدنية الحديثة\" لم تدرك خصوصية و استثنائية ما يحدث فلم تهيئ بذلك الأسباب لاستيعابه و هي من لم تكن كذلك تقرأ في كتاب التاريخ الذي لا يطبق كفاأه أبدا. و قد كان للانبهار بهذا القادم كذلك دورا خطيرا في إعداد هذه النخب للوثب من فوق محطة التاريخ التي هي رغم ذلك من يحدد الاتجاه ويسبر أغوار الطريق حتى يكون سالكا.
بدأ المستعمِر عملية هدم الكيان وتعطيل الانتماء التاريخي من حيث شرع المُستعمَر في رفع الجدار العازل بينه و بين ماضيه. عمل الأول على ترسيخ لغته المفعمة بعبارات التحرر من كل القيم و بإطلاق العنان لكل مكامن الهوى بينما سعى الثاني إلي الطلاق من لغته المقيدة عن ضلالات الهوى وعبثية التحرراللامشروط. جرت بعد حين لغة المستعمِر مجرى الدم في العروق في جسد ضحية سرعان ما ضاقت أيما ضيق بلغتها فنبذتها و رمتها بالعقم و نعتتها بعد ذاك بالأداة المقيدة والمعرقلة للتقدم و الحداثة. ولقد ضعت هذه الازدواجية النخبة في قفص المحاكاة السلبية و فتحت الباب علي مصراعيه أمام عصر من المسخ الحضاري لا قبل لهذا الشعب بمثله. و كانت أولى بوادر هذا المسخ قد تجلت في التنكر للماضي الذي أوصل الأمة، على علاته و نواقصه، إلى مرحلة لم يملك المستعمر إلا أن أشاد بقوة تأثيرها عليه والاعتراف بأنها استطاعت الضرب بيد من حديد على يده حتى استجاب لجملة من المطالب المتعلقة في الأساس بماهية الأمة و خصوصيتها في منطقة تصب في حوضها المتسع روافد حضارية كثيرة. ويجدر في هذا المقام التعرض لأهم هذه المطالب توضيحا جليا وهي التي تجلت أساسا في:
- تحديد المظلة \"المعتقدية\" للدولة و للشعب والإعلان بذلك عن الفشل في تنصير البلد. و كان المستعمر قد أتسهل بعدما استتب الأمر له و خفتت أصوات بنادق المقاومة مهمة التنصير تكملة لما قامت به في كل مستعمراتها و ذلك بإرسال بعثة تجريبية إلى ولاية \"لبراكنة\". وتشاء قدرة الخالق بأن تمنى هذه البعثة الطلائعية كما ذكرنا في مقال سابق بفشل ساحق و مجلجل (راجع كتاب دفوف الرمال لغابريال فيرال الذي كان يومها ممثل الحاكم العام لغرب إفريقيا الفرنسية في سان لويس بالسنغال). و قد دعيت الدولة الناشئة بالجمهورية الإسلامية الموريتانية،
- التعامل مع اللغة العربية كأداة معبرة عن كيان متميز و خلفية ثقافية ناطقة ومسجل جدير و متمكن للأحداث التاريخية و القانونية،
و لإن كان المستعمر قد استطاع أن يلتف في الصميم على هذه المطالب - التي جاءت كما أسلفنا استجابة عميقة لرغبات نابعة من عمق الانتماء و الخصوصية - و أن يصل بفضلها إلى مآربه، فذلك لأنه تمكن في سبيل هذا المقصد من إضعاف جذوة الانتماء في أعماق نفوس النخبة. و بالرغم من ذلك كله فإن فرض هذه المطالب نفسها آنذاك كان وسيظل إلى الأبد الحقيقة التي لا سبيل مطلقا إلى تزييفها أو بالأحرى دحضها. اتخذ هذا المسخ- الذي أصيبت به في أول الأمر الطبقة التي جرى تعليمها باللغة الفرنسية و إرسال بعثات منها إلي باريس لمواصلة التعليم والتدريب- طابع تبني:
- الفكر التحرري الذي ذهب ببعضهم من الجيل الثاني الذي دخل المعترك السياسي خلال السنوات الأولى للاستقلال (أطال الله بقاء من منهم مازالوا أحياء يؤثرون حتى) إلى اعتناق الشيوعية،
- الإدمان على الزواج من الغربيات ليس بوصفهن كتابيات و إنما إمعانا في الاغتراب،
- التركيز على حب المدن دون العمق الريفي الذي كان يحسب على التخلف الفكري مما كان ساعد على تحفيز أهله إلي الهجرة منه إلى إلي المدينة،
- التباهي بالثقافة العالية التي لا تعالج الواقع و تخلق عقدة الترفع و الاستعلاء
- حب السلطة و المال سبيلا إلي خلق الفوارق التي تبرر استمرارية هذا الوضع الذي يظلون فيه في قمة الهرم.
و لو أن الاستعداد لتقبل كل ما من شأنه أن يفسح المجال أمام إمكانية الحكم و السلطة كان قائما من قبل المستعمر و وسائله المطورة لأجل ذلك، فإن النحو الذي جرفت إليه النخبة المصطنعة هذه واقع الأمر في هذه البلاد أخذ منحى خطيرا أسس لكل الفوضى التي ما زالت تعيشها و لا تجد المخرج منها. و لم تكن النخبة التي أفرزها فيما بعد الانفتاح على التيارات القومية العربية بأحسن حالا حيث لم تأخذ هذه الأخيرة إلا السلبي المضمخ بمحاكاة الغرب الذي لم تسلم منه أمة و لا كيان. فبقدر ما كان المسخ على النحو الغربي على حساب الإرث التاريخي و ألمعتقدي و الإنساني، كان كذالك من الاتجاه الآخر على حساب التميز و الأصالة.

وأعلم علم اليوم كالأمس مثله
و ما التخبط السياسي والفوضى البنيوية للدولة الحديثة التي ما زالت سارية إلا نتيجة جد موضوعية لهذا المسخ الذي أصيبت به الطليعة أيام قيامها. ثم إنه ليس من الصعب إدراك ذلك بالنسبة لبلادنا التي ما زال عبق العطر الفرنسي الذي نثره المستعمر يوم توقيعه على وثيقة استقلال البلاد يفوح من ملابس بعض أفراد الطليعة الأولى و الذين ما زالوا على قيد الحياة يؤثرون كما كنوا يتأثرون. إن الإيمان بالوطن لا يترجمه سوى أمران الحفاظ على هويته من خلال التشبث بخصوصيته و العمل علي بنائه من خلال تسيير موارده البشرية و المادية المتوفرة. و لا سبيل إلى القيام بذلك ما لم تكن الطلائع مدركة بأنه مهما تعددت المشارب الثقافية و العلمية التي تنهل منها فإن ذلك لا يضاهي، لتفعيل حركيتها الضرورية من أجل خلق الكيان الواثق بنفسه و القادر على رفع التحديات، معرفة إرثها الحضاري الذي هو مصدر الإلهام الأول و الطاقة التي لا ينضب معينها. و الذي تبدو عليه موريتانيا من فقر تترجمه الأوجه الشاحبة و القامات الهزيلة و البنية التحتية التي تشبه أرض معركة و أشباه المدن التي تستحي الأشباح من سكناها و انعدام أطر فنية تنظم أيا من أوجه الحياة الحديثة التي تعج بالحركية و التطور وغياب الأمل في أعين الأطفال و الفرحة عن محيى النساء و الطموح عن قسمات أوجه الرجال. ثم إنه مما يؤج!
ج هذØ
§ الفقر المدقع لحد الإعلان عن حلول المجاعات ما تشهده البلاد من استخراج لمعادنها النفيسة من باطن أرضها و من نفط ثمين من شطها دون أن تستفيد منه و لو فتاتا. و لو لم تكن هذه النخب مجردة من الإحساس بأن كيانها من هذه المعادن و ملوحة أجسادها من ملوحة بحرها لما كانت تقف متفرجة على هذا الاستنزاف البشع لخيرات البلد و لو بالمقابل الذي يظنون أنه ماء يغسل وجوههم بعد اتساخها بأدران الخيانة. ثم إن هذه النخب التي تعج بها الأحزاب و منظمات المجتمع المدني تبدو راضية بالوضع المأساوي و لا تحرك ساكنا لا سياسيا و لا ثقافيا و لا عمليا لمجرد التعبير حتى عن الاستياء. و لكن حينما يتعلق الأمر بتوزيع المناصب و الفوائد فإنها تعلي الصوت و تضرب على الطاولة وتهيج قرائحها بمعين معارفها لكي لا تفوت أحقيتها إن لم تكن أسبقيتها.

لكنني بعلم ما في غد مرعوب
إن لم يكن أمر هذه النخب كما ذكر فكيف يمكن تفسير الوضع المأساوي الذي لا تخطئه عين في ظل الحديث عن المقدرات الهائلة و التي لا تكف الأوساط الاقتصادية و المالية العالمية عن الحديث عنها بل واستغلالها دون ما انقطاع و لا كذلك مردودية، اللهم على أفراد و من تحت طاولات الخزي و الخيانة؟ إن الرد عن هذا السؤال الملح يتطلبه البحث عن رفع التناقض الحاصل. و لكن الجهة الأولى المنوط بها ذالك الرد هي من أوصل إلى الوضع المذكور مما يزيد الأمر سوء و يجعل صورة وضع البلد أكثر قتامة بل مدعاة لقلق أكبر.
إنه من باب تحصيل الحاصل القول بأن بلادنا لم تعرف منذ استقلالها هدنة في معركة الكيان التي تخوضها على عديد الجبهات و ما زالت عاجزة عن كسب أي منها. و إنه من نافلة القول كذلك أن الاستعمار الذي أعلن عمليا عن مغادرته كان فعليا لا يزال حاضرا من خلال نخبته التي اصطنع والفكر الذي أودعها إياه. ذالك الفكر المادي الذي كرس هدم الخصوصيات التاريخية وضخم حقل \"الأنا\" حتى لتصبح حائلا دون إنصهارالجميع في جسم الوطن الواحد لتتحد الآلام وُتتقاسم الأفراح. وإن الوضع المأساوي الذي يلف البلد بردائه الأسود تترجمه بوضوح مجموعة من التجليات تلخصها محاور أبرزها:

الفقر المدقع / جاور الماء تعطش
إن الأنباء الأخيرة الواردة و مصدرها التقرير الأخير للمنظمة العالمية للأغذية التي تحدثت عن قرب حلول مجاعة في العام 2008 بسبب النقص الكبير المسجل في كميات الأمطار التي هطلت على البلاد خلال السنة المنصرمة2007 تدل بما لا يقبل الشك على أن الدولة غير مستعدة لتلافي هذا الخطر الداهن و الذي لو أنصفنا المنطق لقلنا إنه كان بجب أن لا يفاجئ دولة قائمة بكل أركانها علما بأن هذا موريتانيا واقعة من حيث الوضع الجغرافي على مدار السرطان و تعدها منظمة \"السلس CILLS\" للدول السحل المتاخمة للصحراء، التي هي عضو فيها، و بدقة ساحل الساحل أي أنها أكثر البلدان تأثرا بالجفاف و ندرة المياه. و ما كان لهذه الوضعية أن تغفل اليقظة الدائمة و الاستعداد المطلق الذي يجب أن تكون عليه دولة المواطن المهاب لتلافي تبعات التأثيرات التي تعقب حصول العلم بالنقص المسجل فيتم تلافي الكوارث على البلد وتخفيف وطأتها السلبية على المواطنين المنكوبين. و هنا تكمن إحدى أخطر الثغرات في عملية تسيير هذا البلد المتمتع منذ ما يناهز نصف القرن بالانتماء لمنظمة الأمم المتحدة و ذاك ما يعني أنه في لب حركة النمو العالمي. وتقع المسؤولية الكاملة - فيما يتعلق بهذه الثغرات التي سنعرض لبعضها مما حضرنا و قد أوصلت الوطن إلى ما هو عليه من ضعف و هوان و المواطن من فقر مدقع و جهل مطبق- على Ù!
�اهل
كل النخب سواء منها التي ولى زمانها أو هي رحلت مثلا التي ما زالت تنشط على كل الأصعدة و تهتم بشأن تسيير البلد و قيادته. و لما كان حتميا ذكر أهم أسباب الإخفاق المزمن في إقامة دولة القانون و البناء و العمل فإننا نورد:
- عدم تكفل الدولة باستغلال خيراتها الوفيرة التي تم استكشافها مبكرا كمناجم الحديد و النحاس و التي اشتهرت بها موريتانيا في كل أرجاء العالم حتى كاد قطارها يدخل موسوعة \"غي نسGee ness \" لطوله و كثرة عرباته التي كان يجرها وهي لا تحمل سوى خام الحديد إلى ميناء انواذيب المطل على المحيط الأطلسي.
- عدم التوجه المبكر إلى استصلاح أراضي ضفة النهر الخصبة و نشر ثقافة الزراعة التي من شأنها أن تكفل للدولة القوة الحقيقية ولشعبها الرخاء الدائم.
- عدم التوجه المبكر كذلك إلى شاطئ أطلسي نعت بأنه من أغنى الشواطئ بالأسماك و غيرها من الثروات الوفيرة
- عدم التخطيط لتعليم فني و هندسي يراعي و يأخذ في بداياته بعين الاعتبار مقدرات البلاد وضرورة المضي بخطى حثيثة و مطمئنة و بالسرعة المناسبة إلى \"مرتنة\" الوظائف و إسناد مسؤولية استغلالها لأبناء الوطن المكونين تكوينا مناسبا في الزمان والمكان المناسبين كذلك.
- عدم استنتاج الدروس و العبر من المحن التي عرفتها البلاد و على وجه الخصوص منها ما كان له وقع شديد على المواطنين كالجفاف الذي تواصل لأكثر من عشرين سنة متوالية أي من السبعينيات إلى غاية منتصف التسعينيات و الذي أتلف الحرث و أباد ثروة حيوانية كانت تعد بفخر كبير من أهم نظيراتها في شبه المنطقة كلها و الرمي أخيرا بالمواطنين الذي ذاقوا مرارة الجوع و الفقر المدقع على كل الطرقات المؤدية إلى العاصمة التي لم تلبث أن اكتظت بالجياع العرايا و انتشرت بيوت الصفيح البائسة و المخزية في كل مكان.
- عدم أخذ الدروس كذلك من حرب ضروس كلفت البلاد أسعارا باهظة في الأرواح الشابة و في الأموال الطائلة التي أثقلت كاهل البلاد المثقل أصلا، بعبء الفقر و التخلف، بالديون الكثيرة مما تسبب فيما بعد برهن كل مناجمها و ثروتها السمكية الهائلة بأيدي سماسرة الحروب ومستغلي ثروات الضعفاء.
- عدم التوجه بالبلاد إلى التصنيع الخفيف، الذي لا يكلف في الأساس سياسات تكوينية مكلفة و معقدة، لتضمن به الاكتفاء الذاتي من الإحتياجات الأولية الضرورية و التوفير بذلك جزء كبيرا من العملات الصعبة التي تحصن البلاد من صولات الأقوياء و تؤمن لها عند حلول الأزمات الكبرى الضروريات الملحة. و لقد كان من المكن جدا بلورة سياسية واعية مبنية على الحسابات الدقيقة و إرادة التنفيذ الصلبة و عمق الإيمان بصنع المستقبل الزاهي من خلال موجودات الحاضر ذالك بأن المقدرات الكثيرة من الحديد و النحاس بالكاد كان بدأ استغلالها. ولأن عدد المواطنين كان إذ ذاك يربو قليلا على المليون نسمة فإن كل الظروف الإيجابية كانت مجتمعة لانطلاقة قوية و متوازنة بالبلاد إلى رحاب الازدهار و التقدم ككل الدول الغنية التي سخرت عبر سياسات وطنية طموحة و جد معقلنة إمكانياتها لإسعاد مواطنيها.
كل ذلك كان ممكنا التحقيق و في المتناول لما تهيأ لذلك من الأسباب الإيجابية. فمن ناحية كانت البلاد قد حصلت في وقت وجيز على نخبة متميزة تخرج معظم أفرادها في المدارس العليا بالغرب و من بعد ببعض الدول العربية و كذا الكتلة الشيوعية النافذة آنذاك. و من ناحية أخرى فقد انكشف الستار مع تقدم التقنيات عن ثروات هائلة في كل أرجاء هذه البلاد الشاسعة منها ما هو قابع في باطن الأرض و منها ما هو ظاهر على سطحها، ثروات إن أحسن استغلالها قد تدر على البلد و أهله خيرا كثيرا و تفتح الباب واسعا لتحقيق النماء التقدم و الرخاء. و لو تضافر هذان العنصران لكان لهذه الدولة شأن و أي شأن و لكن هيهات فقد جرت الرياح بعكس ما اشتهي. دخلت النخبة الجديدة أتذاك صراعا على حلبتين لم يكتب لها النصر في أي منهما. فأما الجبهة الأولى فكانت المعركة الدائرة على محورها مع النفس التي أصيبت بازدواجية التفكير ما بين سلبيات الماضي و مساوئ المسخ بينما كانت تحصل المعركة الثانية على محور السباق إلى السلطة لذات السلطة و بكل الوسائل المتاحة. أما مكمن المرارة في ففي ضياع الشعب ما بين نخبة أنانية متسلطة لا تؤمن له عدلا و لا حرية و لا تعمل على استفادته من مقدراته التي تستخرج من تحت قدميه و الفقر يطوقه وكأنما يصدق فيه : و جاور الماء تعطش.

سوء التسيير: شرط النهايات تصحيح البدايات
ولأن القاعدة الفقهية المعروفة، وقد أضحت بالقياس الصحيح قاعدة الدقة و المنطق عموما، تقول إن شرط النهايات هو تصحيح البدايات، فإن ما كان في بلادنا - و هي الأولى بتطبيقها- جرى على عكس إ ملاءاتها. فكل النهايات السيئة لنصف قرن من تسييرا لدولة الحديثة ما كانت إلا لتقلب هذه القاعدة وتفصح أيضا عن حقيقة ما ظهرت عليه هذه النخب من ضعف قارب الشلل و تقصير شابه اللامبالاة خلال الحكم المدني الأول و من بعد كل الأنظمة العسكرية التي تعاقبت إثر سيل من الانقلابات (1975-1984) و كذلك ديمقراطية مفبركة (1996-2005) و أخرى زكاها الغرب و باركها(2007). كانت النخبة الأولى التي حكمت أيام الرئيس الأستاذ المختار ولد داداه نخبة عانت حتى النهاية ازدواجية شلت تسيير البلاد الفتية إذ اتبعت معايير الغرب في التسيير الظاهري و هي في واقع الأمر كانت تخضعه لاعتبارات تقليدية لم تغب لحظة عن الأذهان فشلت بذلك حركية التنمية التي كان من المفروض أن تجري بسرعة البرق علي أيدي شبيبة تمثل أزيد مت خمسين بالمائة من مجموع تعداد السكان. و مرة أخرى كانت الأمور تجري في عكس الاتجاه المرجو لها فقد وقع هذا الشباب الذي كان من المفروض أن يحمل مسؤولية بناء الوطن تحت تأثير هذه النخبة المترددة. و لم تسلم النخب الموالية المتشبعة بالفكر القومي الذي كان يحمل سمات الحداثة الموغلة في محاكاØ!
© الغ
رب شكلا و مضمونا. فهي و إن أضافت توجها جديدا قد وقعت في غرام السلطة لذاتها و لم تزد في العمل الميداني و لا في التوجيهات الشاملة لعملية تسيير المقدرات الكبيرة و توزيع مداخلها على أوجه هذا العمل الميداني:
- من قيام صروح تعليمية تربوية خلاقة
- و منشئات صحية لائقة
- وسياسة مائية قوامها السدود و الآبار و غيرها و تطوير الزراعة النهرية و المطرية و في الواحات
- وقيام قاعدة صناعة صلب و نحاس على الأرض
- و معالجة لثروة البحرية من أسماك و غيره
- و اهتمام بالشباب و ذلك بالتشييد له صروحا للرياضة و الترفيه
- و بناء جيش مهني قادر على حماية البلد
- و وضع أسس لديمقراطية نوعية نابعة من خيار الشعب المترف بفضل خيراته المستغلة برشاد و الموزعة بعدالة.
لكن غياب هذه الهواجس الحقيقية منذ البداية عند النخبة شكل في واقع الأمر حيادا عن الطريق السالك إلى الدولة الإيجابية وإن ما تلا ذلك من تخبط و تنافس على السلطة كان ليصبح أمرا طبيعيا متوقعا ما لم تتولد من المعاناة إرادة جديدة تسعى إلى انتشال البلاد من هذه الوضعية المؤلمة التي جعلتها تجثو على ركبتيها وقد نال سوء التسيير من أحشائها و قضم أطرافها حتى لم تعد تقوى على إيقاف استنزافها الذي لا ينقطع. لقد دخل سوء التسيير كأسلوب مشروع ينال به أصحاب كل نظام يحكم حقوقهم كاملة من الخيرات التي كلفوا بتسييرها و بات التعيين في المناصب العالية التي لها علاقة بالمال العام و توجيهه مكافأة لا تكليفا وطنيا للسداد و الرشاد و البناء. و دخلت القاموس اللفظي العام عبارات هجينة لم تلبث أن اكتسبت شرعية الذكر كعبارات \"اللكاك\" و \"أأفكراش\" و\" أحرش\" و غيرها. و لن تفوت الإشارة في هذا المقام إلى أن هذه الصفات التي أضحت كما أسلفنا شرعية محببة تطلق على كل من استطاع أن يؤسس حزبا سياسيا يتموفع من خلاله و يضمن نصيبه من كعكة البلد التي لا ينالها إلا كل \"فكراش أحرش\". وكان لكل التحولات التي جرت على مر العقود الخمسة تأثيرها الخاص على العمل السياسي الميداني وهو ما تجلى في الصبغة التي صبغت الأحكام العسكرية المتوالية بها نفسها و استعانت بمنظريها الذين وظفØ!
�هم ل
تبرير وجودها و إكساب نفسها الشرعية المفقودة أصلا وكأنهم في حلبة رقص نمساوية تعاقب فيها كل أهل الطيف السياسي مذ كان البعض منه حركيا لينال كل قسطه من الدوران ونشوته في الميدان. فإن من الأحكام العسكرية من تبنى الأطروحات القومية و منهم من تبنى و لو بشكل غير معلن أخرى دينية و منهم من ارتمى في أحضان الأطروحات ذات الخلفية الغربية المتسمة بالطابع العلماني. ولكن - و هنا مربط الفرس- فإن كل هذه الاتجاهات التي و إن كانت مختلفة بشكل حاد في الأمور العقدية إلا أنها التقت كلها و بشكل فريد في أمر تسيير المال العام و استغلال مقدرات البلد بحيث كان النهب مشرعا بكل الوسائل و سياسات البناء من خلال برامج و مخططات معدة مأجلة لحين استتباب الأمر للنظام القائم. و من الطبيعي أن هذه الوضعية الغير مستقرة أفقدت الثقة في البلاد و جعلتها عرضة للشركاء من الدرجة الثانية الذين يقترحون شراكة هي أقرب إلى المغامرة منها إلى التكامل الإيجابي المثمر و لنا في شركة \" ووتسايد \" Wood Side أوضح مثال، علما بأن هذه الشركة التي يرجع الفضل لبلادنا في رفع صيتها و سهمها بفضل نفطنا، باعت أنشطتها بعدما لم تترك من المستخرج من البئر الأولى \"شنقيط\" و وا شنقيطاه! ما تنتزع به \" فضلة من ضرس\" كما نقول للتعبير عن أقل شيء و أخسه، لشركة اندونيسية نرجو أن يكون رابط الدين الذي بي!
ننا Ù
ˆ إياها داعيا إلى الإنصاف و العمل الجاد المشترك.

مراجعة شأن النخبة رهان الغد
كان ما يجري من سوء إدارة للدولة و تسيير لمقدراتها و أموالها قدرا صنعه ظلم القوة و التسلط الذي سرى في جسمها كسريان النار في الهشيم على إثر الانقلابات المتتالية كما أسلفنا و طول حكم مدني شموليي جرى تحت مظلة حزب واحد (1960/1984). أما اليوم و قد ولى عصر الأحكام الشمولية و الديكتاتورية مدنية كانت أم عسكرية فإن الأمور لم تشهد تحسنا على أي من الأصعدة التي تشكل أركان الدولة القائمة. فبالرغم من الاستجابة السريعة و النوعية حتى للشعب الموريتاني بكافة شرائحه في اقتناص فرصة التحول، إلى النظام الديمقراطي الذي تكون فيه الكلمة الفيصل للشعب، فإن الأحزاب التي حاولت تأطيره إلى ذلك لم تفلح كلها. و للوقوف على هذه الحقيقة - التي لو استغلت ما كانت إلا لتبشر بتحول في العقلية السياسية - فإنه مطلوب و بإلحاح شديد مراجعة نتائج هذه الأحزاب و قراءة مضامينها قراءة متأنية و مجردة. أما و لم تظهر بعد مؤشرات على حصول هذه القراءة فإن حالة الأحزاب الراهنة لا تدل على كبير سعي إلى عمل سياسي من شأنه استغلال الديمقراطية التي انتسبت موريتانيا و بجدارة إلى ناديها المغمور. و لكن على العكس من ذالك فإن الذي تبدو عليه كل هذه الأحزاب و تلك التي أفرزتها بعد نجاح المسلسل الديموقراطي الأطماع على غير أساس موضوعي و بغير الاستجابة للشروط التي تؤهل الأحزاب للظهور - كØ!
�طار
سياسي يتمتع بالقدرة على ترجيح كفة الديمقراطية و التحفيز في خضم المنافسات الإيجابية على اختيارا لطاقات القادرة على المضي بالبلاد نحو آفاق الدولة المتوازنة بإرسائها دعائم العدالة و الحفاظ على الخصوصية الدينية و التاريخية - من صراعاتها المعهودة و المتجددة ما بين معارضة تسكن برجا عاجيا لا سبيل إليه وأغلبية في جراب السلطة تغلب على بعضها انتهازية مزمنة، يجعل الأمل في قيام ورشة تعنى بالبناء الوطني ضئيلا و ينذر بالمكوث طويلا في غياهب الجب و بأن الذي كان ما زال من سوء التسيير و ضعف الإدارة و انتشار الأمراض المقيضة بطبعها للتقدم و المعروفة كالوساطة و الزبونية و الرشوة و الوساطة و المحسوبية و اللائحة تطول لتطل تنهش كيان الوطن و تلف مستقبل مواطنيه بالغموض المحبط والشكوك القاتلة. و المؤلم حقا أنه في خضم أجواء ملوثة كهذه يكون الأمل ضئيلا في رؤية تباشير عن ميلاد نخبة تأبى لهذه الأرض بالهوان و هي الغنية بما تحتضنه في باطنها من نفيس المعدن و من نفط و غاز و ما تنضح به فوق سطحها من إمكانات زراعية و رعوية و ما تملكه من قدرات سياحية بأوجه تجمع ما بين الرمال الذهبية و الشطآن الحميمة والواحات الغناء و الحظائر المحمية و الغنية بطيورها المتنوعة و حيواناتها النادرة و بمدنها كذلك القديمة التي تفوح بعبق التاريخ و تأسر الألباب بس!
حر مÙ
�طق أهلها و حسن ضيافتهم


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!