التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:42 غرينتش


تاريخ الإضافة : 16.01.2011 14:59:56

الفاتيكان ووثيقة السينودس

د. محمد المرابط
[email protected]
اعتبر الفاتيكان، من خلال وثيقة " سينودس الشرق" التي انبثقت عن نقاش، استمر أسبوعين خلال الفترة من 10 إلى 24 أكتوبر 2010، ضم سبعة بطاركة من كنائس الشرق الكاثوليكية الست وبطريرك القدس اللاتين ومسؤولين في الإدارة البابوية ورئيسي مجمعي أساقفة تركيا وإيران،اعتبر، أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي أساس كل النزاعات في المنطقة، وسبب العداوة بين الفلسطينيين والعالم العربي من جهة و إسرائيل من جهة أخرى، وأن المسيحيين كانوا ضمن "ابرز ضحايا" الحرب في العراق الأمر "الذي لم توله السياسة الدولية أي اعتبار". وأكدت الوثيقة على الحل السلمي التفاوضي، كما سلطت الضوء للمرة الأولى على قناعاتها بضرورة احترام وضع القدس التي يجب أن تبقى خصوصيتها كإرث للديانات الثلاث أو بالنسبة إلى حل الدولتين الذي تعتبر الوثيقة انه يجب أن يعالج كقضية سياسية و لا يمكن استخدام مفاهيم توْراتية مثل " ارض الميعاد" أو " الشعب المختار" لتبرير الاحتلال الإسرائيلي واقتلاع السكان. وأعربت كذلك الوثيقة عن رفضها مفهوم يهودية الدولة لأنه يهدد باستبعاد مليون ونصف مليون من غير اليهود. لكنها تقترح صيغة الدولة ذات الغالبية اليهودية. كما أشارت الوثيقة إلى "صعود الإسلام السياسي" وتنامي التطرف الإسلامي واليهودي ما جعل المسيحيين في قلق مصيري على مستقبلهم في الشرق حيث اضطرت أعداد كبيرة منهم إلى الهجرة من لبنان أو العراق أو إسرائيل والمناطق الفلسطينية تحت ضغوط الصراع العربي الإسرائيلي والاحتلال الأمريكي. في ظل تزايد الحوادث ضد المسيحيين، غير أن الوثيقة سجلت أيضا "استعداد عدد كبير من المسلمين للتصدي للتطرف الديني المتصاعد".

وبهذا الإعلان يكون الفاتيكان قد دخل عبر المجمع الكنَسي الخاص بالشرق الأوسط في عمق القضايا الساخنة التي تُشعل المنطقة وتهدد استقرارها ووجود المسيحيين فيها، وهو موقف استنكرته إسرائيل واعتبرته تحولا جوهريا لدى "مجمع الأساقفة" بحيث "أصبح منبرا للدعايات العربية"، مؤكدة أن الحكومات الإسرائيلية لا تستخدم الكتب المقدسة لتبرير الاحتلال والاستيطان.

وإذا كانت الكنيسة الكاثوليكية لا تشارك في أي مفاوضات، فإنها أبدت آراء متوقعة منها فيما يتعلق بالنواحي اللاهوتية والإنسانية والأخلاقية، كما أن إسقاطاتها واضحة على مجريات البحث عن السلام. فأي تسوية لا تأخذ بمعايير الكرامة والحرية والعدالة لن تحقق أي سلام لأن منظمات الإرهاب ونزعات التطرف والغلو ليست وليدة أجواء طبيعية، بل هي تولد وتنمو عادة في مناخات متوترة وقلقة، وتنتعش ويتزايد تأثيرها عند اشتداد حالات العداء المتبادل مع الآخر، وخصوصاً الذي لا يميز ما بين المصالح والقيم التي تحفظ إنسانية الإنسان في وطنه وعلاقاته.

لا شك أن السياسات الغربية مسؤولة بشكل أو بآخر، عن نشوء الحركات المتطرفة في المنطقة،التي اكتوت بنارها المجتمعات الشرق أوسطية بمكوناتها الإسلامية والمسيحية على حد سواء، ومن هنا ربما يجب آن تبدأ المعالجة، اذ لا تكفي دعوة المسلمين إلى الاعتراف بحقوق المسيحيين في الشرق من دون العمل الجاد على مواجهة السياسات الغربية المعادية، فالعنف يولد العنف، ولجم العنف يقتضي القضاء على أسبابه، وأسباب العنف والظلم في مجتمعاتنا الشرق الأوسطية لها أسباب داخلية، لكن أسبابها الخارجية قد تكون أشد وأدهى، وهو ما يجب أن يتنبه إليه العاملون على تنظيم محافل السينودس لأنه الطريق الأقصر لتحقيق العدالة والأمن في المنطقة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء هي الإيمان بأن للأديان السماوية أصلا واحدا ومصدرا إلهيا واحد، وهذا الأصل، تؤسس عليه ــ إذا خلصت النيات وصفت القلوب المؤمنةــ علاقات دينية وإنسانية واجتماعية وسياسية وحقوقية لا يشوبها أي نوع من أنواع الإجحاف أو الظلم بين أتباع هذه الديانات، انطلاقا من قوله تعالى: "قل يا آهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله..”(آل عمران: 64).
*أستاذ جامعي، رئيس الشعبة العامة بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، نواكشوط، موريتانيا


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!