التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:38 غرينتش


تاريخ الإضافة : 23.01.2011 10:57:08

ثورة عربة الخضار إلى أين؟

   بقلم محمد السالك ولد اعل فال

بقلم محمد السالك ولد اعل فال

(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )صدق الله العظيم
من كان يتصور أن نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ينهار كما ينهار
قصرمن ورق بهذه السرعة التي فاقت كل التصورات؟ لكن الانتفاضة الشبابية الميمونة جعلت
هذا الأمر ممكنا وقدمت درسا بل دروسا غيرمسبوقة في الزمان والمكان بالإطاحة بالنظام
الدكتاتوري البوليسي الذي يعتبرمن اعتى الأنظمة السياسية في الوطن العربي .حقا ما حدث
في تونس يعتبر نتاج حراك شعبي شبابي يستحق الاحترام والتقدير حيث ستصبح هذه الملحمة
التي سطرها أبناء تونس الثواربد ماء شهدائهم مرجعية تاريخية في أساليب تغييرالأنظمة
المستبدة إن أراد أي شعب أبي أن يعيش حياة الحرية والكرامة.
يقول أبو القاسم الشابي:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"
"ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر"
فالثورات الكبرى كثيرا ما تنطلق تحت أسباب مختلفة وأحيانا بصورة عفوية وهي غالبا ما
تنطلق من شرارة . وفي تونس كانت عربة الخضار التي كان يسترزق عليها الشاب التونسي محمد
البوعزيزي التي تمت مصادرتها من قبل رجال البلدية مع تلقيه صفعة من قبل شرطية مما جعله
يشعل النار في نفسه فكانت هي الشرارة التي أدت إلى توسعة عملية الحريق بين صفوف الشباب
فانطلقت الثورة التي تعتبر فعلا ضمن الثورات الحقيقية الكبرى
هذه الثورة التي كان وقودها لحم طري لشاب في مقتبل العمر هو محمد البوعزيزي الذي أشعل
النار في نفسه احتجاجا علىالإهانة وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية .
وسرعان ما تدحرجت الصفعة مثل كرة النار لتأكل تونس وتلهب نيرانها عدة دول مثل الجزائر
ومصر والأردن وموريتانيا واليمن ولا ندري ما سيحدث غدا في هذه الدول وفي باقي دول عربية
أخرى ذالك أن الصفعة في تراثنا العربي أو عرفنا العربي رمزية للإحتقار والإهانة التي لا
تغتفر. ولما لم يجد البوعزيزي من يشكو إليه لم يجد أمامه سوى أن يشعل النار في جسده
فتحولت هذه النار من جسده إلى نار في جسد السياسة ومن ثم في جسد بلده تونس كله مما ولد
غضبا شعبيا جارفا في كل المدن والقرى التونسية. فكانت الانتفاضة الشبابية بلا قيادة
وبلا غطاء سياسي .وفتحت كافة الملفات بلا خوف ولا تردد احتاجا على البطالة وغلاء
الأسعار والمعيشة منددين بالاستبداد والفساد والقمع المنهجي مطالبين بالحرية وإعادة
الكرامة والتوظيف لمستحقيه بل تجاوز الأمر إلى المطالبة بخروج الطاغية المستبد من
البلاد. هاهي مشاهد المظاهرات العارمة والمواجهات القمعية مع رجال الأمن والشرطة وحرس
النظام تحول المشهد إلى ثورة شعبية عارمة شلت البلاد وخرج بن علي إلى الجماهير الغاضبة
بثلاثة خطابات متلاحقة بدا في آخرها متوترا ضعيفا مرتبكا يستجدي الشعب بكلمات فارغة لا
تجد من يصغي إليها ولا يعيرها أي اهتمام وكيف يصغي إليه وهو الذي حرمه من الإحساس
بالأمان والعيش بكرامة مرددا في خطابه الوداعي كلمته المشهورة :"فهمتكم فهمتكم..." التي
أرى أنه ربما اقتبسها من خطاب للرئيس الفرنسي الراحل جنرال ديغول حينما خاطب شعبه قائلا
باللغة الفرنسية" Maintenant je vous comprends " بمعنى :الآن فهمتكم
عجباً لأمر الزعيم بن علي لم يفهم شعبه طيلة 23عاما من حكمه وأفهمته أحداث انتفاضة عربة
خضار بامتياز لشعبه حيث لم تدم أحداث تلك الانتفاضة سوى زهاء شهر واحد فقط هذه العربة
التي يمتلكها شاب جامعي عاطل عن العمل أربع سنين عجاف. وفجأة تم نزع الملك من الحاكم
وفر تحت جنح الظلام في مشهد رهيب أعجزت فيه أجهزة الأمن التونسية بمختلف أجنحتها
والاستخبارات الغربية وتقارير سفاراتها السرية بأن تتنبأ بخطورة هذه الثورة ظنا منهم
أنها حركة احتجاجية لا تمثل أي خطر على النظام فلا يعلمون أن بين ثنا يا ثورة عربة
الخضار زلزال يطيح برأس الطاغية من حيث لا يتوقعون وأن عربة البوعزيزي حركت المياه
الراكدة وإلى الأبد وأن تونس أصبحت هي الأفق الجديد للعرب. سبحان مالك الملك! (قل
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء)
صدق الله العظيم
فهذا السيناريو قابل للتكرار في أي مكان وفي أي زمان إذا لم تتم الاستفادة واستيعاب
الدروس جيدا مما حدث في تونس . فهل من متعظ قبل فوات الأوان؟
فحذاري الشعب التونسي قد فتح السكة.
يقول أبو القاسم الشابي:
"حذاري حذاري إن تحت الرماد لهيب ومن يزرع الشوك يجني الجراح"
لاشك أن رياح التغيير هبت وعلى الجميع أن يعي الدرس التونسي والتاريخ قد يعيد نفسه.
وكما قال أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في وصفه لأحداث تونس: "لقد انتهى عهد وبدأ
عهد جديد". نعم لقد انتهى عهد الظلم والاستبداد وسقطت الدكتاتورية في تونس وستسقط من
بعدها باقي الدكتاتوريات الواحدة تلو الأخرى حيث نرى ونسمع كل يوم شعارات ترددها بعض
الشعوب العربية الثائرة: نحن سائرون على ثورة تونس ومن سار على الدرب وصل وهذا ما حدا
ببعض الزعماء العرب أن يتحسسو رؤوسهم بعد خلع بن علي إلا أن من ترك شعبه يعيش في كنف
الحرية والعدالة ربما يعتبر في أمان . وعلى الشعب التونسي أن يحافظ على المكاسب التي
حصل عليها بكل فخر واعتزاز من ثورته. فهناك أناس متخصصون في سرقة الثورات بشتى السبل
والالتفاف عليها فهناك تخوف من استنساخ حكومة جديدة مثل الحكومة القديمة التي كانت في
العهد البائد. والغرب بدوره لا يريد أن تأخذ الشعوب العربية مصائرها بأيديها أيا كان
الثمن. فما أصعب أن تقوم الثورات وما أسهل أن تسرق. هذه الثورة المباركة لابد أن تكون
لها موجات وترددات وصدى على مستوى الأمة العربية والعالم بأسره عاجلا أم آجلا ذلك أن
مسيرة التاريخ لا تتوقف .
وهل يصغي رؤساء العرب إلى نصيحة زين العابدين بن علي التاريخية الأخيرة في" خطبة
وداعه" : "لا رئاسة مدى الحياة ".
وأخيرا جاءت يا سيادة "الرئيس"هذه الوصية الصادقة من فيك وعلى استحياء وإن كانت متأخرة
إلا أنها الحقيقة المرة عند الزعيم العربي الذي يصعب عليه التفوه بها . فالثورات
الشعبية دائما وليدة حقبة أو حقب من الطغيان والاضطهاد والظلم الذي يمارس على الشعوب من
الحاكم وقد تسفر هذه الوضعية الخانقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن انفجار ثورة
شعبية تطيح بالأنظمة الفاسدة في أي زمان وفي أي مكان .
وما حصل في تونس مثال يحتذى به وشرارة الثورة انطلقت والتغيير قادم وصفحة المظالم طويت
وستحل محلها العدالة الاجتماعية ودولة القانون في هذا البلد الآمن بإذن الله.
تحية لهذا الشعب المناضل.(وخاب كل جبار عنيد) صدق الله العظيم










Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!