التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:40 غرينتش


تاريخ الإضافة : 04.02.2011 11:15:48

"عملية الرياض" تعليقات وتساؤلات

أحمد ولد محمد المصطفى      ahmedou0086@gmail.com

أحمد ولد محمد المصطفى [email protected]

تثير العملية العسكرية المتواصلة بين الجيش الموريتاني وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي تعددت سوحها ما بين مقاطعة اركيز وكيلومترات من قرية معط مولانه، ومدخل مدينة نواكشوط، ومركز لكصيبة الإدراي موطن المواجهات المتواصلة لحد الساعة حسب آخر المعلومات الشحيحة المتوفرة عن العملية، تثير الكثير من التعليقات والأسئلة، بالنسبة لكل أطرافها، وأهدافها المعلنة و غير المعلنة.

فهي تأتي بعد فترة يسيرة من تأكيد الحكومة الموريتانية على لسان وزيري الداخلية والإعلام أن زمن "غزوات القاعدة لبلادنا قد انتهت" وحان وقت غزو القوات الموريتانية لها في عقر دارها، ونقل ميدان المواجهات إلى معاقل التنظيم بعيدا عن أماكن الخطر في قلب المدن، وداخل الأماكن السكنية الموريتانية، كما تأتي بعيد إعلان مدير المخابرات الموريتانية عن اختراق غير مسبوق لهذا التنظيم المسلح، والقدرة على إيقاف عملياته العسكرية التي كلفت الدولة الموريتانية تكاليف باهظة في الأموال والأنفس وأفقدتها زمام المبادرة في أغلب - إن لم تكن كل- المواجهات التي جمعت الطرفين حتى اليوم.

وذلك ما تكشف عنه تعليقات وزارة الدفاع الموريتانية، من خلال حرصها الدائم على تأكيد "الطابع الاستباقي" لكل عمليات الجيش الموريتاني ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومما يثير الاستغراب أن الوكالة الرسمية وصفت العملية الأخيرة التي تمت على مشارف العاصمة "بالعملية الاستباقية" ناقلة عن وزير الدفاع تأكيده على رصد السيارة "وهي على بعد خمسة وسبعين كلم جنوب شرق العاصمة!!".


حول الهدف...

أن تفشل القوات الأمنية الموريتانية بكل تشكيلاتها من اعتراض قافلة المسلحين المكونة من ثلاث سيارات عابرة للصحاري، ويجد هؤلاء الفرصة لعبور كل هذه الأراضي الشاسعة من معاقلهم في الشمال المالي وحتى مشارف العاصمة (أكثر من ألف كلم)، ثم تكون حصيلة المواجهة معهم اعتقال شخص واحد (أكثر الروايات تشير إلى أنه سلم نفسه بفعل العطش وجهل المنطقة والغرابة على السكان)، ومقتل مسلحين بتفجير سيارتها بـ"الأربيجي"، واعتقال ثالثهما بعد نجاته، أي ما مجموعه أربعة أشخاص من أصل خمسة عشر فردا، حسب الرواية الرسمية، كل هذه المعطيات تقول إن القاعدة خدمت النظام كثيرا، ووفرت للأمن فرصا عديدة، من خلال إصرارها على توحيد أهدافها في العاصمة نواكشوط، إذ كان بإمكانها –والدلائل شاهدة على ذلك- إبادة عشرات التجمعات السكانية في المناطق التي مروا بها، أو على الأقل استهداف المراكز الأمنية والقواعد العسكرية الكبرى في النعمة أو لعيون أو كيهيدي أو ألاك، والعودة إلى القواعد بطريقة أسهل من الطريقة التي يحاول الناجون العودة بها الآن.

فهل كانت الحكومة الموريتانية تدرك حجم المخاطر المقدمة عليها حين قررت دخول هذه الحرب، بغض النظر عن الدوافع وراء ذلك، وهل كان ممثلاها في المؤتمر الصحفي الذي أعقب المواجهات الأخيرة في الأراضي المالية يعيان فعلا ما يتلفظان به، وينطلقان من معطيات موضوعية، أم أنهما كانا يطلقان الكلام على عواهنه، وطفا بهما الحماس والانتشاء بالنصر المؤقت للتفكير في المستقبل، وحقيقة الإستراتجية الأمنية المناسبة، ومصارحة مواطنيهم بحقيقة الأوضاع.


تكتم وغموض

طبيعة التعاطي الإعلام مع الموضوع لا تختلف كثيرا –للأسف– عن طبيعة التعاطي العسكري، بل إنه فشل في أحايين كثيرة عن مواكبة الجهد العسكري، وأتاح بذلك فرصا عديدة للطرف الآخر لاستغلالها، كما أعطى للشائعات والتكهنات مجالا واسعا للتحرك نتيجة ما قام به من التكتم حينا، وغموض المعطيات التي يكشف عنها حينا آخر، ولعلنا نتذكر وعد وزارة الدفاع بإصدار "البيان رقم 2" والذي وعدت بعيد المواجهات الأخيرة "أو العملية الاستباقية كما سماها وزير الدفاع حينها" في الشمال المالي، وقالت الوزارة آنذاك إن البيان المنتظر سيحوي كل التفاصيل عن الشهداء والجرحى، لكنه لم يصدر حتى اللحظة، ولم تعرف على وجه الدقة أسماء شهداء الجيش ولا جرحاه، وترك للتكهن والشائعات دورهما في هذا المجال.

يحتاج الأمن الموريتاني بكل تشكلاته، بل والسلطات التنفيذية إلى إدراك التغيرات من حولها، ومواكبة التطورات التي عرفتها الحياة، والمبادرة بإعطاء الحقائق قبل انتشار الأكاذيب والشائعات، والشفافية مع المواطنين لأن مصادر المعلومات أضحت كثيرة، وما "عتمت أنت عليه" سيأتي من يكشفه، ويمنحه بالمجان، بل ويزيد فيه ما يخدم أهدافه ويوجه الأحداث لصالحه، لقد انكسر قيد المعلومة بشكل نهائي، ولم يعد بالإمكان استعادته، وعلينا "تقديم المعلومات الصحيحة" أو التعرض "لهجمة شائعات" سيكون ضرها أكثر من كشف معلومات كنا نتصور في عصر مضى أن كشفها سيشكل خطرا على الأمن الوطني.


على الطرف الآخر

وعلى الطرف الآخر تبدو أسئلة ملحة، أولها عن الدافع الحقيقي وراء "التضحية" بهذا العدد الكبير من الأفراد والمقدرات، من أجل هدف غير مضمون، وغير مؤثر، فاغتيال الرئيس الموريتاني قد لا يحتاج لكل هذا الحشد والجهد، خصوصا وأن التنظيم سبق وأن نجح في اغتيال رموز وزعماء بمقدرات أقل من هذا، وإن كانت رواية القاعدة في تحديد الهدف (من التأكيد على أنه اغتيال الرئيس) أكثر وجاهة وإقناعا من الرواية الرسمية التي جعلته قاعدة عسكرية في نواكشوط، إضافة للسفارة الفرنسية، فلو كان الأمر كذلك لما تجاوز المسلحون القواعد العسكرية في الداخل؛ لأنه في النهاية لا فرق بين قاعدة وقاعدة، ولا بين جنود هنا وجنود هناك، إلا إذا كان بحثا عن الكسب المعنوي من خلال استهداف إحدى قواعد العاصمة، لكن الأمر في حقيقته لا يستحق التضحية بكل هؤلاء الأفراد وكل هذه المقدرات.

فهل يمكن أن يكون تنظيم القاعدة ف بلاد المغرب الإسلامي أراد من خلال عمليته اختبار الأمن الموريتاني، والبحث عن موطئ قدم داخل الأراضي الموريتانية بعد التضييق عليه في الأراضي المالية، خصوصا في ظل الصفقات التي يقوم بها الغربيون مع قبائل المنطقة، وتحريض هذه القبائل على تأمين مناطقها وإغداق المال عليها، لكن الهدف تغير في النهاية بعد أن اكتشف الفريق من قبل حاجز للدرك الموريتاني في كيدماغا، وهو ما دفع فريق القاعدة للانتقال من الخطة "أ" إلى الخطة "ب" والتي تعنى استهداف الحكومة الموريتانية في أي مفصل من مفاصلها، مع عدم إغفال الجانب المعنوي فكان اتجاه مجموعة إلى نواكشوط، وأخرى إلى روصو، وسعي المجموعة الثالثة للعودة إلى القواعد لترتيب الأمور فيها؛ هي إحدى الروايات التي تم تداولها كتفسير لهذا النزوح الجماعي الكبير لمقاتلي القاعدة في عملية افتقدت الكثير من "بصمات" التنظيم الصحراوي المقاتل.

وكما كان هدف العملية غامضا، جاء الإعلان عن تبنيها مخالفا لأعراف التنظيم، حيث جاء الإعلان عن تبنيها سريعا، خلافا لكل العمليات السابقة، والتي عادة ما ينتظر التنظيم قرابة الأسبوع قبل أن يكشف عن تفاصيلها، وهو درس مستفاد من التفجير الانتحاري الذي قامت به قاعدة العراق واستهدف فنادق في العاصمة الأردنية عمان، حيث أدى تبني التنظيم السريع للعملية وكشف أسماء منفذيها إلى القبض على أم عميرة السيدة الوحيدة التي كانت بين المنفذين والتي تراجعت قبل التنفيذ (ساجدة مبارك)، وقد استفاد التنظيم من هذا الدرس، ودفعه في عملياته التي جاءت بعد ذلك لمنح الفرصة لنجاة من ينجو من أفراده من العمليات، حيث ينتظر عادة لأيام ثم يعلن تفاصيل عملياته، وهي الطريقة التي اتبعها في كل عملياته على الأراضي الموريتانية.

وعد التنظيم خلال تبنيه العملية ببث وصايا المنفذين لتأكيد الهدف من العملية، مؤكدا أن الدافع وراء اغتيال الرئيس الموريتاني هو فتحه لموريتانيا للحرب على التنظيم من فرنسا، وسماحه باستخدام الأراضي الموريتانية لشن هجمات على قواعد التنظيم في الأراضي المالية والموريتانية، لكن كثرة العدد، وتعدد الجهات التي قصدتها سيارات التنظيم، ومسار العملية ككل، يثير الشكوك حول الهدف الحقيقي من العملية، ويدفع للتساؤل بجد عن دوافع التنظيم المقاتل في التضحية بهذا الحجم الكبير من مقاتليه ومقدراته، في "عملية" تكون نهايتها مقتل عدد من عناصره واعتقال آخرين، مطاردة البقية أو محاصرتهم على الحدود السنغالية الموريتانية.


تساؤلات...

فهل بدأت الصحراء تضيق على التنظيم المسلح مما اضطره للبحث عن "موطئ قدم خارجها"، وكانت الأراضي الموريتانية أولى محاولاته، أم أن الهدف المعلن بالفعل يستحق كل هذا؟، ولماذا غابت الأجهزة الأمنية الموريتانية زمنيا لأكثر من ثلاثة أيام ومكانيا لأكثر من ألف كيلومتر، ومن أي نقاط العبور "الإلزامية" التي أعلنت عنها وزارة الداخلية الموريتانية قبل أشهر؟ وأين ضبط الحدود الموريتانية "الذي وقع لأول مرة منذ الاستقلال" حسب أعضاء الحكومة الموريتانية وقادة الأغلبية؟ وهل ستكون العملية الحالية فرصة لمراجعة إستراتجيتنا ومواقفنا وعلاقتنا تفاديا لمزيد من الدماء والقتلى في حرب مفتوحة طرفها الآخر ليس لديه ما يخسره.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!