التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:00 غرينتش


تاريخ الإضافة : 08.05.2008 10:53:57

ولد عالي : الانطلاقة الزراعية تحتاج رؤية شاملة وجهودا متكاملة

يجلس الآن في مقعد بإدارة التعليم العالي، التابعة لوزارة التهذيب الوطني، التي يعمل بها مديرا لإحدى الإدارات منذ قرابة العام.
كان أستاذ مادة الجغرافيا الاقتصادية بجامعة نواكشوط يدرس طلابه أن "الحكومات المستنيرة" جزء هام من موارد الدولة، لكن السياسة أرغمت الدكتور عبدوتي ولد عالي (35 عاما) على تبوأ مقعد رسمي في ظل حكومة لا تحمل تلك الصفة بالنسبة لكثيرين.
الشاعر الصحفي والإداري ذو المواهب الفائقة والقلم السيال.. يحل المشاكل المزمنة بالمزحة، ويبتسم حتى في أحلك الظروف، شرب من ماء النيل واحتسى القهوة على كورنيش الدوحة فانطبع بـ"خفة دم" المصريين واتزن مزاجه بسبب "الكثافة العالية" في مناخ الخليج، خريج الدوحة، والقاهرة، بدكتوراه السلك الثالث في الجغرافيا الاقتصادية، ويتابع نفس التخصص من خلال بحثه في الدكتوراه.
أديب يلبس الأرقام لغة الشعر، وتكنوقراطي يحاور السياسيين في نسبية الأحكام، فني يقيس الأبعاد والزوايا حتى في الحوار مع نقابات التعليم، يجلس على مقعده بالوزارة "جلسة المعلم".
عمل مديرا ناشرا لجريدة الراية قبل حظرها، وانخرط في مبادرة الإصلاحيين الوسطيين مكلفا بالمناطق الشرقية التي ينحدر منها، ثم ظهر اسمه في التشكلة القيادية لأول حزب إسلامي في موريتانيا، مسئولا للإعلام ومن نفس المهمة انتقل إلى موقعه الحالي مديرا لإدارة العلاقة بالمؤسسات في إدارة التعليم العالي.
"الأخبار" حملت إليه أسئلتها عن الحملة الزراعية، وهو في مكتبه بالوزارة، فتحدث عن الريف وثروة المواشي وخصوبة الأرض والري والزراعة الموسمية بلغة الأرقام حديث من يتفاعل مع روح المكان ويدرك خصائص المجال ويتوق للتغلب على التحديات ويهفوا إلى توظيف الفرص.
فإلى نص الحوار:
الأخبار: ماهي الموارد الزراعية والرعوية المتوفر لموريتانيا

عبدوتي ولد عالي: المعروف أن متوسط مساهمة القطاع الريفي (الزراعة والتنمية الحيوانية) في تكوين الناتج الداخلي الخام تزيد على 20% ، كما أن القطاع يوفر فرص عمل لأكثر من نصف الموريتانيين، و تبلغ المساحات القابلة للزراعة 20% من المساحة الكلية للبلاد أما المساحات المزروعة فعلا فتبلغ 500000هكتار أي حوالي 0.5% من المساحة الكلية للبلاد، نصف هذه المساحة تزرع اعتمادا على الأمطار بمر دودية قليلة ومتذبذبة، ويزرع ربعها على السدود التي تجمع مياه الأمطار بمر دودية أكثر قليلا ولكن متذبذبة أيضا، أما المساحات المروية اعتمادا على النهر فهي ذات مرد ودية أكبر و تقدر بربع المساحات الزراعية.

في مجال الثروة الحيوانية تمتلك البلاد إمكانيات ضخمة مقارنة بعدد سكانها، هناك حوالي مليون ومائتي ألف من الإبل، ومليون و مائة ألف من الأبقار وما يقارب سبعة ملايين من الأغنام والماعز، وتكمن أهمية الثروة الحيوانية في كونها تمثل 68.2% من القيمة المضافة للقطاع الريفي، وفي دورها في التشغيل وتوزيع المداخيل على شريحة واسعة من السكان الريفيين. وتنمو هذه الثروة بمعدل سنوي متوسط قدره 3.5 % ،ويشكل نموها هذا ضغطا شديدا على المراعي خصوصا في سنوات العجز المطري.

الأخبار: ماهو دور هذه الإمكانيات حاليا في مجال الاكتفاء الذاتي من الغذاء

عبدوتي ولد عالي: رغم الإمكانيات الخام الوفيرة فإن الوضع الغذائي لم يكن أبدا جيدا، والأرقام المتوفرة تعكس ذلك فعلى المستوى الكلي على سبيل المثال تنتج البلاد في المتوسط سنويا اقل قليلا من ثلث احتياجاتها من الحبوب(الأرز، الذرة او الدخن، القمح)، وعلى المستوى الفردي مايزال المزارعون في الريف يعانون من انعدام الأمن الغذائي حيث يذهب 75% من ميزانية الأسرة الريفية في الإنفاق على الغذاء!!، ولهذا فأن البلاد تعتمد بالأساس على الاستيراد و العون الغذائي الخارجي وهو ما يجعلها في وضع حساس بعد التطورات الأخيرة المنذرة بحصول عجز عالمي في هذه المجال، وتصبح الأوضاع كارثية في سنوات العجز المطري أو في حالات انتشار الآفات الزراعية كالجراد مثلا.

ومع ذلك فإن إمكانيات البلاد كبيرة إذا أحسن استغلالها بشكل جيد، وأريد هنا أن أقدم أمثلة: ففضلا عن الجانب الكمي المتمثل في مساحات زراعية هائلة وموارد مائية ضخمة، فإنه على المستوي الكيفي لا يزال المجال مفتوحا للتحسين فإنتاجية النخلة الموريتانية أقل بعشرة أضعاف من إنتاج مثيلاتها في المغرب العربي، وهناك قطاعات واعدة بالنمو وأثبتت البحوث الزراعية مرد وديتها في مناطق الري، كزراعة الكلآ والذرة الصفراء والبيضاء والزيتيات (عباد الشمس). كما أن هناك منتجات مطرية أخرى تجد بيئتها الملائمة في البلاد وتعاني نقصا كبيرا في التثمين كالحبوب عموما التي لا يمثل إنتاج المساحات المطرية منها سوى 13% من الإنتاج الوطني.

وفي مجال الثروة الحيوانية إذا أخذنا الألبان نموذجا نجد أن الدراسات بينت أن تحسين تغذية الماعز وخصوصا Zébus العربية من شأنه أن يمكن من بلوغ مستويات مرد ودية تتراوح بين 8 و 10 لترات في اليوم هذا فضلا عن الأبقار والإبل التي تزايدت بشكل مطرد خلال العشرية الأخيرة، ورغم الإمكانيات الهائلة المتاحة في مجال إنتاج الألبان لاتزال البلاد تستورد ما مجموعه 50000 طن سنويا من الألبان، ولاتزال مصانع الألبان العاملة في البلاد تعمل بثلث طاقتها الإنتاجية نظرا لبعد مناطق الاستهلاك الكبير عن مناطق تركز الثروة الحيوانية، وبسبب الصعوبات المرتبطة بنظم جمع الألبان، وغياب البني التحتية في مناطق الثروة الحيوانية مما يفرض على المصانع البقاء بعيدة عن مناطق الإنتاج، إذن الإمكانيات الطبيعية كبيرة ولكن الدور البشري ما يزال قاصرا.

الأخبار: إذن ماهي المعوقات التي تحول دون استغلال هذه الإمكانيات الطبيعية:

عبدوتي ولد عالي: عملية التنمية عملية مركبة ومعقدة وتطوير القطاع الريفي لابد أن يتم في سياق شامل يستحضر ويستنفر السياسات العامة في المجالات الأخرى، فهناك ارتباط عضوي للأنشطة الزراعية والرعوية بالعديد من المجالات الأخرى كقطاعات التجهيز و النقل والبني التحتية والتصنيع، وسياسات الاستثمار، والإعلام و التكوين ، وجهود مكافحة الفقر، والسياسات التجارية والسعرية... الخ، وضعف مرد ودية الاستثمارات التي تم ضخها في القطاع منذ الاستقلال إنما يرجع إلى التسيير الأحادي لملف يحتاج إلى رؤية شاملة وجهود متكاملة.
إن هشاشة القطاع الريفي تجاه التقلبات المناخية، ونقص الخدمات والتسهيلات المالية وعدم ملائمتها لصغار المزارعين والمنمين، وتخلف تقنيات الري، ونقص وهشاشة الموجود من البني التحتية الهيدرو زراعية وغياب بنى ونظم فعالة لتسويق وتخزين وتصنيع المنتجات، وتخلف المنظومة القانونية والتنظيمية للقطاع ، و نقص الوعي والتكوين والتنظيم لدى سكان الريف، و كون الجزء الأساسي من ثروتنا الحيوانية ما يزال تحت رحمة ترمومتر السياسة المضطرب حيث تهاجر القطعان سنويا إلى الدول المجاورة بحثا عن المياه وعن مراعي أفضل مما يعرضها للكثير من المخاطر. كل ذلك وغيره يعيق الاستفادة من موارد هذا القطاع الكبيرة والواعدة.

الأخبار: ماهو السبيل في رأيك لتجاوز هذه العقبات

عبدوتي ولد عالي: لابد من أجل تجاوز ذلك من تحقيق تقدم في مجالات جوهرية فلابد من إعادة النظر في الآليات الحالية للوقاية من الانعكاسات السلبية للتقلبات المناخية بما يقتضيه ذلك من سياسات تمس قطاعات عديدة، ولابد من إعادة الاهتمام بسكان الريف وخصوصا بالمنمين والمزارعين و السعي الجاد في سبيل ترقية وتطوير قدراتهم وتنظيمهم في أطر جماعية تسهل نفاذهم إلى عوامل ووسائل ومدخلات الإنتاج، و لابد من إطلاق مشروع استراتيجي وطني لتوفير شبكة من البني التحتية والتجهيزات الريفية الأساسية، كما أن تثمين وتصنيع المنتجات الزراعية والرعوية لزيادة قيمتها المضافة هو إجراء ضروري لضمان أمن غذائي حقيقي و لتحقيق تنمية ريفية مستديمة توقف سيل الهجرة وترسي آليات فاعلة لمكافحة الفقر في خزانه الأول في البلاد (عالم الريف).

الأخبار: كيف تنظر إلى مشكل المياه وهل يمكن تجاوز المشاكل المتعلقة به زراعيا.

عبدوتي ولد عالي: نحن نمتلك نهرا طوله أكثر من 700كلم، وذلك يعني أن المياه متوفرة للزراعات المروية بما فيه الكفاية، وإذا قارنت بين ضفتي النهر ستلاحظ إن أداء الإخوة في السنغال لا يقارن بأدائنا مع أننا نستغل نفس الموارد المائية، وبالنسبة للزراعات المطرية الموسمية وخصوصا الحبوب فإمكانيات البلاد كبيرة بحكم مساحتها الشاسعة، والمناطق الواقعة تحت خط المطر 200 حيث يمكن زراعة الحبوب هي أكبر من نصف مساحة دولة مثل فرنسا، المشكلة ليست مشكلة مياه فمشروع ضخم مثل "فم لكليته" يوفر كميات هائلة من المياه وتقع خلفه بحيرة ضخمة مليئة بأنواع الأسماك وأنشئ باستثمارات مالية كبيرة لا يجد من يستغل إمكاناته المائية سوى مائتين أو ثلاثة من فقراء المزارعين الذين لا يستطيعون نقل منتجاتهم إلى الأسواق الرئيسية. المشكلة معقدة ويتم تبسيطها بالحديث المكرورعن شح المياه دون التفات لتشخيص فعلي يستوعب العوائق ويعمل على تجاوزها.
الأخبار: من وجهة نظرك ما هو تأثير النزاعات العقارية بين العبيد والأسياد على الحملة الحالية.

عبدوتي ولد عالي: السياق العام يحكم التصرفات الفردية، هذه قاعدة، ونحن والحمد لله في سياق وفاق وطني وفي جو ديمقراطي، وبالتالي فإن لكل مشكلة حلا والصلح خير، وإذا توجه الجميع للإنتاج فإن موارد البلاد كثيرة بشكل يسع الجميع، المهم أن يتحرى الجميع تحقيق قيم أساسية كالأخوة والعدالة والتعايش، وبالنسبة للحملة الزراعة الحالية فإن المسألة مسألة تحد لعوامل خارجية تهدد الجميع وبالتالي فحاجتنا الآن إلى التضامن أكبر من أي وقت مضى، وأنا واثق من أن كل تقدم في مجال قهر الفقر والحاجة وتحقيق الاكتفاء الذاتي هو تقدم يصب في صالح التلاحم والوحدة الوطنية.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!