التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:48 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.02.2011 15:34:39

الانتفاضة الليبية تمزق عباءة "جنكيز خان"

بقلم الكاتب الموريتاني: الحافظ ولد الغابد

بقلم الكاتب الموريتاني: الحافظ ولد الغابد

لقد حكم العقيد المتغطرس معمر القذافي ليبيا أربعة عقود عاشت فيها البلاد أسوأ الظروف في تاريخ الحريات بالعالم العربي حيث طبق القذافي خليطا من أساليب الإدارة والحكم الفردي الاستبدادي القديمة والحديثة على السواء فقد طبق مقولة شهيرة للقائد المغولي جنكيز خان تقول: "إن القائد مسئول عن كل شيء وليس مسئولا عن شيء" وهذا ما يتضح من خلال هيكلة النظام السياسي الليبي التي فرغت التنظيم السياسي والإداري للدولة الحديثة من محتواه فيما يسمى بالمؤتمرات واللجان الشعبية ليكون النظام كله أشبه ما يكون باللحاف أو العباءة العربية وهو نظام يتيح تحكم العقيد في كل شيء دون أن يكون مسئولا عن شيء كما يقول دائما إنه ليس رئيس دولة فالجماهيرية تحكم نفسها بنفسها.

نظام بلا دولة


والحقيقة أن هذا النموذج من أسوء نماذج الحكم في العصر الحديث فالمنتظم السياسي للدولة الحديثة ليس منتظما عبثيا بل هو أداة لتنظيم عملية التدافع الجارية في المجتمعات بصورة عقلانية للتحكم في طبيعة التدافع الاجتماعي بوصفها سنة اجتماعية جارية تحقق مستويات من العدالة والمساواة ومهما كانت قليلة فإنها تبقى مهمة.

وحتى أنظمة الحزب الواحد تظل أفضل من هذا الأسلوب لأنها في النهاية تعتمد نوعا من توزيع القوة يساعد على سريان مستوى ولو ضئيلا جدا من تنظيم وتقنين عملية التدافع هذه ولكن نظام القذافي أجهز على كل شيء في تنظيمات الدولة والإدارة الحدية ليتمكن من التحكم في كل شيئي ويكفي لفهم طغيان الظلم أن ليبيا حكمت لعدة عقود بدون قضاء وإذا وجدت محاكم فهي محاكم تتحكم فيها "اللجان الثورية" الشبيهة بنظام هياكل تهذيب الجماهير التي محل الحزب الواحد في الثمانينات في موريتانيا ولكم أن تتصوروا كيف سيكون حال القضاء والقانون إذا تحكمت فيه مثل تلك الأدوات السياسية والأمنية المتخلفة ثم ما هو مصير العدالة في مثلك الظروف.

ويبدوا أن عملية فقدان الثقة في الليبيين من طرف الرئيس الذي واجه العديد من المحاولات الانقلابية قادته خلال السنوات الأخيرة للاستغناء عن خدماتهم الأمنية وفرغ الجيش من محتواه وبقيت كتائب الأمن الرئاسي التي تعتمد فقط على قيادة أبنائه وبعض المرتزقة من جنسيات أخرى ستكون من أهم وسائل التعجيل بالانهيار .

رسائل ضائعة

أخيرا ثار الشعب الليبي وخلع نظام الدكتاتور في الشرق والغرب وبدأ الزحف على الوسط على طرابلس حيث يتحصن أسوأ دكتاتور حكم شعبا في العالم العربي وما هي إلا أيام قليلة وساعات ... وأخيرا خرج ابن الزعيم ليلقي خطاب والده بعدما خلعته جماهير "الجماهرية" التي طالما ارتكب باسمها فظائع السياسة والاقتصاد والقمع والتخريب خرج الابن مرتبكا لا يدري ماذا يقول ويختلط في حديثه خطاب قلب يتشبث بنعيم السلطة وامتيازاتها وعقل لم ينل في سالف العهود ما يكفي من رعاية ليأخذ عدته لمثل هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية في "ليبيا الشعب" وليس "ليبيا الزعيم" قائد الثورة !! فالثورة هذه المرة أممت نفسها ولم تعد ثورة الزعيم.

إن خروج سيف الإسلام القذافي بدل والده ليتحدث للشعب الليبي هو أكبر مؤشر على سقوط النظام الذي أصبح عاجزا اليوم عن تقديم نفسه للعالم وهو اليوم أوهى من بيت العنكبوت فالنظام اليوم عاجز وقائده ربما في حالة غيبوبة أو عجز وغضب على من حوله من الأبناء والقادة المنهارين أو هو يشعر من داخله بأن لا فائدة من الكلام لأنه ربما قرأ في تجربة خطابات ابن علي ومبارك وكيف كانت خطاباتهم بمثابة صب الزيت على النار تؤجج الثورة وتهيجها بدل أن تخفف منها.


وخطأ القذافي الكبير من الناحية السياسية هو في تقديم ابنه الذي قدم رسائل التهديد والوعيد وحاول أن يقدم للعالم ليبيا بوصفها دولة تتجه للسقوط في يد "الأفغان الليبيين" فقد كان سيف الإسلام القذافي يقدم خلال السنوات الماضية خطابا " إصلاحيا" من داخل النظام ولكن حديثه البارحة أوضح أن "خطابه الإصلاحي" هو امتياح ممجوج من ذهنية وقاموس والده العجوز وكامل الخطاب الطويل الممل ينتمي بجدارة لـــ"نمط الهلوسة " التي اشتهر بها العقيد وخطابه الإعلامي والسياسي السخيف على مدى عدة عقود وكان دائما مادة للتندر والسخرية بالعرب في العالم أجمع.

ومظهر الفشل الأبرز هو في تأكيد النمط السخيف للحاكم العربي الذي يريد الإصرار على فعلين قبيحين في السياسة العربية لهذا العهد هما الاستمرار في السلطة حتى الموت وتوريث السلطة من بعد ذلك للأبناء فالعقيد القذافي بتقديم ابنه "الإصلاحي" على هذا النحو يقتله سياسيا شر قتلة وهذا التصرف يشبه تماما ما فعله حسني مبارك لمدير مخابراته عمر سليمان حيث قدمه في هذه اللحظة الحرجة مستخدما ذات الخطاب التقليدي للنظام بسقفه الواطئ واستجاباته المثيرة للسخرية والاحتقار عند الثائرين.

كما ظهرت في الخطاب الذي كان نقلا أمينا من الابن لأسخف ما في أفكار الوالد.. وقديما قالوا :"ومن يشابه أبه فما ظلم" لكن في عالم التكتيكات السياسية فقد تظالم الاثنان ... وهذا ربما من لطف الله بهذه الشعوب المظلومة ألا يرزق هؤلاء حسن التصرف في أوقات محنهم وأزماتهم ليحيق بهم مكرهم السيئ ... وتلك سنة الله التي لا تتخلف في أخذ الظالمين وانتزاع هذه الامتيازات منهم بوسائل هؤلاء الضعفاء والبسطاء الذين طالما تجبروا عليهم واستكبروا.(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء) وهذا المصير الأخروي الموعود تبدأ إرهاصاته في الدنيا قبل الآخرة ملحقة الذلة والمهانة بكل طاغية متكبر جبار. "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!