التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:15:22 غرينتش


تاريخ الإضافة : 14.03.2011 15:39:32

كلمة ممثل القضاة في افتتاح السنة القضائية 2011

ممثل القضاة الفاضي هارون ولد عمار (الأخبار)

ممثل القضاة الفاضي هارون ولد عمار (الأخبار)

قصر العدل بتاريخ 14 مارس 2011
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

السيد رئيس الجمهورية؛ رئيس المجلس الأعلى للقضاء
السيد الوزير الأول؛
السيد رئيس مجلس الشيوخ؛
السيد رئيس الجمعية الوطنية؛
السيد زعيم المعارضة الديمقراطية؛
السادة، و السيدات الوزراء؛
السيد رئيس المحكمة العليا؛
السادة أعضاء السلك الدبلوماسي؛
السيد المدعي العام لدى المحكمة العليا؛
السيد نقيب الهيئة الوطنية للمحامين؛
زملائي القضاة؛
السادة والسيدات أعوان القضاء؛
السادة الحضور، أيها الحفل الكريم
..
من دواعي الغبطة والسرور أن نقف اليوم في هذه المناسبة العظيمة التي نستشرف فيها المستقبل، ونحصُد فيها ثمار مرحلة سابقة من العمل القضائي ، يحدونا الأمل في تعزيز المكاسب التي بذلت فيها جهود تتْرى، تسعى الى تكريس العدالة وتعزيز روح الاستقلالية في القضاء، وتحصيل اكبر قدر من الجودة والانسيابية في العمل القضائي.

وهي الجهود التي تنطلق من العناية المعطاة للقضاء، والمتجسدة فيما يشهده من إعادة اعتبار، وتحديث للكادر البشري، وإعطاء العناية اللازمة للعناصر الشابة والمؤهلة وتبويئها المكانة اللائقة بها للإسهام في عملية الاصلاح؛ وبسط العدالة.


السيد الرئيس
السادة الحضور؛
أيها الحفل الكريم.

تلك غاية جُلَّى ومطلب إنساني عزيز تدركونه بمحض القوة، ويدركه الآخرون بالفعل، كيف لا وهو شعور يخالجنا جميعا، ويمازج كل طالب للحق، وباحث عن العدالة من خلال قضاء ينصفه بعدل، وهو مسعى ينطلق من حق إنساني في العدالة؛ تحدده قيمة أخلاقية؛مشكِّلةٌ لكل الحقوق والقيم : هي العدل، لم لا؟ والعدل أساس الملك، وصفة من صفات مالك الملك جل جلاله .

ولئن كانت العدالة مطلبا بشريا عزيزا يصعب تحقيقه انطلاقا من البعد الذي يلعبه الإنسان في تلك العملية، و الذي يفرض،ويفترض النسبية في أي اجتهاد أو عمل بشري، إلا أنها مع ذلك تبقى محاولة مُثلى للوصول الى الحق المطلق، وهو ما يدل على قيمة المنزلة وعظمة الحظوة التي تستوجب في المنزَّل \ القاضي من نيطت به مهمة توزيع العدالة الأهليةَ اللائقةَ بهذا التكليف.

ومن هنا كان مَعْنَى الْقَضَاء: الدُّخُول بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْخَلْقِ، وكان "الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ"كما في الحديث.

إن سمو هذه المنزلة يفرض سمو المنزَّل فيها بل يرفعه الى أعلى مرتبة من مراتب الكمال الإنساني، ويجعله الحريَّ بالاتصاف بأطيب الشمائل، وأزكى المكارم الأخلاقية الفاضلة، من حيث النزاهةُ والاستقامةُ والعنايةُ والتجردُ، والعدلُ والإنصاف والورعُ والشجاعةُ، والزهدُ والتدينُ والحكمة؛ لذا "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هَلَكَته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها".

تلك الأخلاقيات الفاضلة تسهم في تحقيقها جملةٌ من الواجبات تلزم القاضي بالتقيد والالتزام بها كضمانة أساسية لاستقلاله، وحماية لا يمكن الاستغناء عنها لأخلاقه ، ووسيلةٍ تذلل كل العوائق وتزيل كل العراقيل والعقبات، التي تحول دون قيام القضاة بمهامهم بكل عدالة وحيادية، ونظرا لقدسية تلك الواجبات الملقاة على كواهل القضاة وأهمية الاختصاصات المسندة إليهم والمهام المنوطة بهم، وخطورةِ الصلاحيات التي يمارسون،وتأثيرٍها الكبير والمباشر على الفرد والمجتمع و الدولة، فان ذلك يتطلب ترسيخ المبادئ والقيم والأخلاقيات التي تحكم سلوك القضاة،وتدعيم المزايا والصفات والقدرات التي يجب أن يتحلوا بها؛ ليحصلوا أولا على رضا الخالق، وثانيا على ثقة الخلق، بالاطمئنان الى أحكامهم وقراراتهم ، لما يتمتعون به من: كفاءة وقدرة وعدالة، ونزاهة وحياد واستقلال، وهو ما يعصمهم من الانحراف أو الرضوخ لكل الإغراءات التي تحفُّ عملهم وتحولهم من مقسطين الى قاسطين؛ " وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً".

لذا كانت تلك المبادئ والأخلاقيات محل بحث و بسط في كتب الفقه الإسلامي راسخة في الذهنية العالمة لهذا البلد الحبيب، لتصل إليها يد التقنين مبثوثة في ترسانتنا القانونية، ومجملة في المداولة التي أصدرها المجلس الأعلى للقضاء في دورته المنعقدة بتاريخ 8 مارس 2007.

تلك المدونة التي تضمنت جملة من الالتزامات والواجبات، على القاضي التقيد بها، وبينت تعارضاتٍ ومحظوراتٍ لا تتماهى مع هذه المهمة الجليلة.

السيد الرئيس.
السادة الحضور.
أيها الحفل الكريم.

إن هذه الوجبات وتلك المسلكيات تجعل القاضي مطالبا بالتنازل عن جملة من المسائل التي قد تؤثر على مساره المهني سدا لذريعة الوقوع في براثن النفس الأمارة بالسوء،وهو ما يتطلب منه الابتعاد عن كثير من التصرفات التي يعتادها الإنسان العادي مما يقلص جانب حرية القاضي ، ويضمن العدالة والاستقلالية، والنزاهة والتجرد لكل المتقاضين.
و لئن كان الحرص على هذه الاستقلالية، يستوجب إلزام القضاة بالأخلاقيات الواجبة، و يحتم تكريس الهيبة، والاستقلالية المطلوبة للقضاء، إلا انه مع ذلك يتطلب والحال هذه:

- تعزيز الحقوق المعنوية والمادية للقضاة، بتعويضهم عما يفرضه عليهم واجب التحفظ من الابتعاد عن مواقع الريبة، بما يضمن لهم الكرامة والهيبة من واجب الكفاية، ليس فقط أثناء ممارستهم بل خلال مسارهم المهني،
- تدعيم حق الحماية والحصانة التي يتمتع بها القضاة أثناء ممارستهم المهنية، بما يعزز الثقة في النفس، والحيادَ في القرار وراحةَ الضمير عند الحكم بما يطابق القانون.

- تحسين المرافق القضائية الإدارية بما يضمن الفعالية والجودة، وانسيابية الأداء، وإنتاجية القضاء، ويعكس هيبة السلطة القضائية، ويقوي ثقة المتقاضين.

- تطوير، وتحديث الكفاءة العلمية للقضاة، وأعوان القضاء: عن طريق التكوين والتدريب المستمرين بما يتناسب مع الواقع المتغير، ويحفظ جذوة الحماس، والتألق، ويحمي الكفاءة، والنزاهة؛ لتكونا آلية، ومعيارا للتقييم والتقويم.
- تمكين القضاة من تفعيل الآليات التي تمكنهم من تعزيز التضامن فيما بينهم، سواء أثناء ممارستهم الوظيفية أو بعد انتهائها ، بما يحفظ استقلاليتهم، و يدفع عما لديهم من حقوق.

- تكريس، وتحصين الاستقلالية الواجبة للقضاء بما يحمي الحياد، ويضمن الحق، ويجعل القاضي لا يخضع إلا لسلطة القانون.


السيد الرئيس.
السادة الحضور.
أيها الحفل الكريم.

تلك أمور من بين أخرى ستلعب دورا هاما في حماية حقوق القضاة، و تحصين أخلاقيات القاضي؛ ليكون مكرِّسا للعدالة ومجسدا للعدل، بل ستكون حجَزا دون تكدير العدل بأدران الارتكاس الى ما لا يليق بمنزلة الحكم ومقام الحاكمين،قال تعالى: يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ".صدق الله العظيم.


القاضي\ هارون ولد عمار ولد اديقبي


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!