التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:19:51 غرينتش


تاريخ الإضافة : 14.05.2008 18:13:02

الإسلاميون في طور الممانعة والمصانعة

بقلم: الحافظ ولد الغابد
[email protected]
تدرج التيار الإسلامي الموريتاني خلال السنوات القليلة الماضية في أنماط عديدة من العمل السياسي فيما يتعلق بالعلاقة بالسلطة فمن المعارضة الصامتة لنظام الحزب الجمهوري بقيادة ولد الطايع 1994-2000 إلى المواجهة المفتوحة مع ذات النظام 2000-2005 إلى المعارضة القوية لتوجهات "البقاء" و"الإقصاء" خلال المرحلة الانتقالية مع العقيد اعلي ولد محمد فال إلى نوع من المزج النابه بين "ممانعة" و"مصانعة" سيدي ولد الشيخ عبد الله؛ حيث التقارب الذي بدأ بين الطرفين منذ اللحظات الأولى والذي ظهر جليا بعد الترخيص لحزب "تواصل".
ويظهر من خلال التتبع الدقيق لتحولات التيار الإسلامي أن هذا الأخير اعتاد اتخاذ خطوات سياسية مفاجئة تتسم بالشجاعة والصرامة خصوصا خلال السنوات الأخيرة ولم تعدم تلك الخطوات مستويات من الصدمة لأطراف في الوسط السياسي المعارض وحتى بعض أصدقاء التيار الإسلامي فضلا عن الرأي العام الإسلامي الواسع الذي لا بد أن يأخذ استيعابه لمثل هذه الخطوات وقتا أطول.
فقد كان موقف الإسلاميين التصعيدي تجاه نظام ولد الطايع ومواقفه الفجة من الحريات الدعوية والمسجدية مفاجئا فلم يتعود الناس مواقف صلبة وجادة تجاه السلطة السياسية ولكن خطب المساجد وافتتاحيات صحيفة الراية وتصريحات الأئمة تجاه تحويل المساجد إلى مخابز كانت قاطعة بالرفض والتحدي لمثل هذه السياسات من طرف النظام حينها ولكن كثيرين آنذاك لم يستوعبوا بالسرعة الكافية الذهنية السياسية للتيار الإسلامي ومآلات التحولات القادمة داخليا وخارجيا، خصوصا بعد سقوط بغداد في العام 2003 وانعكاسات التحضير السياسي للانتخابات الرئاسية آنئذ حيث كانت العديد من المؤشرات تؤكد للمستشرف والمراقب حتمية هجمة شرسة ضد التيار الإسلامي الصاعد والذي يشكل أحد أهم الفعاليات السياسية داخل المعارضة لذلك كانت إدارة المعركة مع النظام حينها تتطلب تهيئة الرأي العام وتفعيله لنضال سياسي طويل.
وقد جاءت تلك الخطوات مفاجئة للكثيرين من المشفقين على التيار الإسلامي ولكنهم أدركوا بعد ذلك بقليل صوابية الخطوة التي أعطت مناعة وشجاعة للشارع خلال الفصول اللاحقة من الصراع المرير.
ونفس المفاجأة جاءت مع خطوة الدعم السياسي لولد هيداله عام 2003 ليتضح لاحقا أنها كانت خطوة ذكية لصناعة أكبر إجماع توافقي وطني حول العسكري المنحدر من الشمال للإطاحة بالدكتاتور المستبد ولاحقا تفهم الكثيرون بعد لأي ذكاء الخطوة التي أسست لتأسيس حزب بلون الإسلاميين ونكهتهم السياسية التي حرصوا على إبرازها شخوصا وبرامج في مشروع "حزب حمد".

وفي المرحلة الانتقالية وخلال الرئاسيات الماضية كان قرار الإسلاميين الشجاع بدعم الرجل النظيف الذي كانت له أياد وطنية بيضاء من حيث التضحية والشجاعة حيث قادت محاولاته الجسورة إلى التهيئة لصناعة التحولات السياسية الكبرى مع تغيير الثالث من أغسطس 2005 وما تلاه حيث اتضح لاحقا أن ذلك الدعم كان أنسب للتيار الإسلامي ولأوضاع الاسقرار في البلاد من أي موقف سياسي آخر في إطار التخندقات السياسية الجهوية والقبلية و"البراكماتية"أو المصالحية التي مثلها دعم العشائر والقبائل تحت يافطة المستقلين للرئيس الحالي ولد الشيخ عبد الله.

الإسلاميون قادة المد المعارض:

لا يمكن أن يزايد أي كان على التيار الإسلامي في الوسط السياسي الموريتاني في موضوع المعارضة الشجاعة للسلطة فهم الذين حولوها من فعل عدمي مستكن في المواريث العائلية وأوضاع صراع على رأس السلطة مفهومة الأسباب إلى فعل ثقافي وإعلامي لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر فاعليته في الضمير الشعبي وعلى سبيل المثال يمكن أن نتوقف عند مثالين بارزين:

 مقاومة الفساد والاختراق الصهيوني:

فقد حول التيار الإسلامي المشارك اليوم في الحكومة الجديدة مقاومة التطبيع من موقف بارد يعبر عنه هذا الطرف أو ذاك على فترات متباعدة إلى فعاليات شعبية وإعلامية منذ 28-09-1999 تاريخ ترفيع العلاقات مع الكيان الصهيوني والمنظمات التي نشأت في هذا السياق إنما نشأت بإرادة وقيادة التيار الإسلامي بقياداته وفعالياته الشعبية بدءا بالمبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني مرورا بالرباط الوطني وانتهاء بالحزب وفعالياته المختلفة حيث ظل التيار الإسلامي هو صانع الخطاب الإعلامي والثقافي الرافض للمشروع الصهيوني والأمريكي بكل تجلياته.
وهو موقف باسق تسقيه القناعات الراسخة ولن تضره المشاركة الحكومية المباركة -بإذن الله- لأنه أصبح يشكل قناعة راسخة لدى النخب الإسلامية والوطنية عموما كما أن "تواصل" التزم أمام مناضليه بتواصل الموقف الاستراتجي له من هذا الملف وقريب منه موقفهم من مقاومة الفساد ورموزه.

موضوع مقاومة الفساد:

و"رموز الفساد" مفهوم ثقافي إعلامي ترسخ بشكل أكبر من خلال الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي للتيار الإسلامي على وجه الخصوص خلال السنوات الأخيرة ولا يمكن لأي كان التقليل من قيمته ودوره الإيجابي في محاصرة الفساد والمفسدين حيث هو اليوم يشكل حرجا بالغا للعديد منهم.
ولكن المشاركة إنما جاءت لتعزز المواقف الاقتحامية لحصون المفسدين والعمل على نقضها وتفكيكها "مفهوما" و"نموذجا" -بإذن الله تعال- وما النماذج التي قدمها التيار الإسلامي في هذا السياق إلا دليل واضح على ذكاء مشاركته التي سيتضح مع الوقت أنها جاءت في الوقت المناسب من حيث الظرف المواتي والسياق السياسي المرحب.

ولعل قلق الكثيرين في الساحة على الموقف الإسلامي المشارك إنما مبعثه مصير هاذين الجانبين من النضال الإسلامي ضد "الفساد" و"العلاقات الظالمة مع الكيان المغتصب" لكن من الضروري أيضا ألا يغيب عن البال أن التيار الإسلامي يصارع وحيدا في سياق إقليمي ودولي يعرف تحولات وإكراهات سياسية تتجه رأسا بضغوطها وبصورة مباشرة إلى التيار الإسلامي وفعالياته والأنظمة المتفهمة له أو التي لا تحاربه.
ولا ينتظر أن يكون موقفه مشابها لبعض الأطراف الأخرى التي تلقى دعما غير محدود وهي تريد السلطة رأسا ولا ترضى بغير ذلك واستراتجياتها قائمة على التغيير الرأسي لا التغير المتدرج الخطوات، وتلك فلسفة وذلك موقف يجيب ألا نحاكم التيار "الإصلاحي التواصلي" إليه فاستراتجياته قائمة في الأصل على التغيير السلمي المتدرج الخطوات ومن مقاصده وأهدافه الجوهرية كسب الدربة والمران والخبرة اللازمة للإصلاح وتلك تجارب مكتسبة لا تأتي بغتة.

سمات الطور الجديد:

نشير هنا إلى بعض العناوين الرئيسية التي نرى أنها ستميز المرحلة الجديدة من حياة التيار الإسلامي السياسية، ونتناول فيها ثنائيات: الممانعة والمصانعة، المؤتلف والمختلف في برامج، الأغلبية والمعارضة:

استراتجية مصانعة وممانعة:

إن التيار الإسلامي في قراءة المراقب المتتبع لتطورات الحدث السياسي يتبع استراتجية ذات طبيعة ثنائية حيث يسعى إلى ثبات استمرار مواقف الممانعة والرفض للفساد والتطبيع من جهة ومحاولة تقديم نموذج إيجابي في التسيير وتقوية المواقف الإصلاحية في السلطة الحالية واستكمال بناء شرعية الوجود السياسي؛ حيث إن المواقف السياسية الكبرى للتيار الإسلامي هي مواقف استراتجية وليست تكتيكية في إطار تعاطيها مع السلطة الحالية التي تقدمت خطوات باتجاه الثوابت الإسلامية الكبرى(الهوية) من جهة، والتيار الإسلامي من ناحية الاعتراف به من جهة أخرى.
إضافة إلى اتفاق وجهات النظر بين الرئيس والتيار الإسلامي في معالجة العديد من الملفات الهامة وقدم النظام الحالي ما يثبت مصداقيته في هذا الصدد.

البرامج المختلف والمؤتلف:

 

ومن التحولات الجديدة تنزل التيار الإسلامي على برنامج الرئيس الحالي وهو الذي تنقل فترة الخيار الانتخابي بين برنامجي ولد حننا وولد داداه مما يدل على أن برنامج الرئيس لم يكن فيه ما يغري التيار الإسلامي بالتحول نحوه غير أن المتتبع للبرامج يلحظ أن الفروق الجوهرية بينها ضئيلة إذا ما استثنينا موضوع العلاقات مع إسرائيل والذي تقاربت الصيغ التي يعبر بها العديد من المرشحين عنه باستثناء من أعلنوا موقفا صريحا وهم يكادون يعدون على أصابع اليد الواحدة (ولد حننا وولد بلخير..) بل موقف ولد الشيخ عبد الله بمراجعة هذه العلاقات كان أفضل على سبيل المثال من موقف ولد زيدان وكذا مواقف بعض الزعماء في المعارضة الذين يمارسون نوعا من الإخفاء من خلال عدم إبراز مواقف جازمة معتمدين أسلوب تعويم "المسلمات".
وعليه يكون التيار الإسلامي بإعلانه مساندة البرنامج قد مارس نوعا من المرونة السياسية الذكية ولم يقف أسيرا للوهم السياسي حيث إن البرامج الرئاسية التسعة عشر كانت متقاربة جدا مع أنه وهو يؤيد برنامج الرئيس إنما يؤيد ممارسات هو سيشارك في ضمانات تنفيذها ومراقبة سيرها على الأرض وحين يلاحظ انحرافا كبيرا يستحق التسجيل فإن الفرصة متاحة بالانسحاب أو الاستقالة.

أوهام مظلات الأغلبية والمعارضة:

ربما لا يستسيغ الكثيرون ممن تشبعوا بروح الرفض المعارض وتحنثوا في محاريب المعارضة العدمية بوصفهما أدنى درجات رفض المنكر المطلوب تغييره أن يتخيلوا أنفسهم جالسين تحت مظلة "الأغلبية" وقد سمعت أحدهم يعبر عن استغرابه كيف ستغشاه شمس أول يوم في الأغلبية مع أن المظلة لا وجود حسي لها بالنسبة للاثنين فالجميع ستلفح وجوههم شمس الصيف الحارقة ولا أريد أن أكمل التوصيف القرآني لأهل النار و"هم فيها كالحون".لأنني أرجو بكل صدق ألا يكونوا كذلك.

تمنيات المناضلين:

يتضح من خلال خطاب التيار الإسلامي حتى الآن –وهو قليل- أنه يصر على خوض تجربة المشاركة التي تبدوا للناظر في مسارات وتحولاته السياسية كمرحلة لا بد منها لاكتمال الحلقات الضرورية في الوقت الراهن.
وينصح بعض المشفقين المشاركين الإسلاميين في الحكومة باغتنام الوقت من أول لحظة للإنجاز "فالوقت كما يقال سريع التقضي بطيء التأتي".

والحكم على حجم إنجاز المشاركة الإسلامية سوف يكون محددا رئيسا للأداءات القادمة وليس لدى التيار الإسلامي وقت بدل الضائع للإنجاز فبالوزارات تكتمل حلقة الاختبار السلطوي لقدرات التغيير والإصلاح. وعلى الله قصد السبيل.



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!