التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:20:21 غرينتش


تاريخ الإضافة : 16.05.2008 10:05:36

الإسلاميون في السلطة… خيار فرضه الواقع وأملته الظروف

الباحث في اللاقات الدولية :محمد يحى ولد الداه

الباحث في اللاقات الدولية :محمد يحى ولد الداه

قد يستغرب بعض المتتبعين للساحة السياسية الموريتانية قبول الإسلاميين المشاركة في الحكومة الجديدة، والانتقال من المعارضة الى المهادنة أو الموالاة، كما قد يستغرب البعض أيضا مشاركة الإسلاميين في حكومة ورثت تركة التطبيع مع الكيان الصهيوني كابرا عن كابر.
ومع انه لكل الحق في التساؤل والاستفهام وحتى الاستغراب فإنه ينبغي الوقوف على بعض المفاهيم والحقائق:
إن الأصل هو الاتفاق ، والمعارضة استثناء، فإذا ما أرادت جهة سياسية ما الدخول في الحكومة فهذا لا يعني بالضرورة أنها تخلت عن برامجها السياسية ومبادئها.وإنما يعني ان هناك تقاطعا بين البرنامج الذي تحمله وبرنامج الحكومة التي شاركت فيها، وقد لا يكون هذا التقاطع اتفاقا في الرؤية وفي البرامج لسنة الاختلاف.
صحيح أن التيار الإسلامي كان في المعارضة وظل متمسكا بمعارضته، بل كان الحامل الفعلي للواء المعارضة يوم كادت أن تسقط ألوية البعض (مبادرة ولد سيدي باب) .
لقد عارض الإسلاميون سياسات النظام البائد وتوجهاته عندما كانت تدفع بالبلاد نحو الهاوية (الفساد، الرشوة، الاحتقان السياسي، كبت ومصادرة الحريات....) وظلوا معارضين في فترة المجلس العسكري التي لم تكن أحسن حالا بكثير عليهم من فترة النظام السابق. كما كانوا من مؤسسي ائتلاف قوى التغيير آنذاك .
لقد ظل الإسلاميون –وسيبقون- يحملون هموم الأمة (من الكبات والكزرات ، الطينطان ، في موريتانيا الى ارض الرافدين وارض الاسراء والمعراج) سواء كانوا في الحكومة أم خارجها.
واذا كان الإسلاميون وقفوا في الحملة الرئاسية الأخيرة إلى جانب المعارضة وقضوا السنة الأولى من حكم ولد الشيخ عبد الله وحكومة الزين في المعارضة، فإن هناك تحديات جديدة وظروفا طارئة يعيشها البلد حتمت على الإسلاميين المشاركة للمشاركة في إنقاذ البلاد.
إن الأحداث المؤسفة الأخيرة التي شهدتها العاصمة نواكشوط تحتم على الجميع الوقوف صفا واحدا من اجل قطع الطريق أمام انتشار ظاهرة الغلو والتطرف والتكفير ، ومن اجل أن يعلم الجميع أن التيار الإسلامي هو جزء من هذا الشعب المسلم المسالم الذي يعتبر الدين الاسلامي مرجعيته ودينه كما ينص على ذلك الدستور.وحتى لايرى بعض الغلاة والمتطرفين في عدم مشاركة الإسلاميين في الحكومة وبقائهم إلى جانب المعارضة رأيا آخر، او يفهموا له فهما آخر.
وأيضا حتى يعلم الجميع ان الإسلاميين كما خاضوا معركة البناء والإصلاح في البلديات والمؤسسات التي يقيمون عليها ، يمكن أيضا ان يخوضوا معركة الإصلاح ومحاربة الفساد، والنهوض بالمستوى المعيشي والثقافي للمواطنين.(وان غدا لناظره قريب).
ولئن كان الهدف أصلا عند الإسلاميين يتمثل في الإصلاح والتنمية ، والدفع بالمصالحة الوطنية ، وإشاعة الحريات ، وتكريس الديمقراطية، والحفاظ على الأمن العام دون المساس بالحريات العامة، فقد لمسوا من الحكومة الجديدة نوعا من التوجه نحو هذه الأهداف، وبالتالي لم تعد معارضتهم واردة في هذا المجال.
لقد اكد رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" في مقابلة مع قناة الجزيرة في نشرة المغرب العربي يوم 11مايو2008 أن الإسلاميين اتفقوا مع الحكومة في نقاط واختلفوا معها كذلك في نقاط.
أما ما يتعلق بالاستغراب والاستفهام من مشاركة الإسلاميين في حكومة ورثت التطبيع أبا عن جد ، فينبغي الإشارة إلى ان رئيس الحكومة الجديدة نفسه كان طالب بقطع هذه العلاقات ، وان جميع فعاليات المجتمع المدني وكافة ألوان الطيف السياسي في البلد تطالب بقطع هذه العلاقات التي تعد طعنة في الظهر الشعب الفلسطيني الأعزل المحاصر في سجنه الكبير.كما ان رئيس الجمهورية كان قد تعهد في الانتخابات بعرض هذه العلاقات على ممثلي الشعب ، كما تعهد في مقابلته الأخيرة مع يومية الشروق الجزائرية بوضع حد لهذه العلاقة.
صحيح ان التيار الإسلامي حمل مشعل القضية الفلسطينية في موريتانيا وذاد عنها وقدم لها المساعدات وجمع لها التبرعات ، لكن هناك أيضا الكثيرون ممن يتبنون القضية ويطالبون بقطع هذه العلاقات سواء كانوا في الحكومة أم في المعارضة.
ثم ان خيار المعارضة ليس وحيا من السماء لا يمكن الخروج عليه، وإنما هو خيار تمليه الظروف السياسية ومصلحة البلاد، فإذا كانت مصلحة البلد تقتضي المعارضة والوقوف بالمرصاد للحكومة وكشف فسادها وفضح مؤامراتها، وثبت ان هناك فسادا ومؤامرات فكل الغيورين على مصلحة البلد سيعارضون، والى الشوارع سيخرجون مهما كلفهم ذلك من ثمن طبعا في مقدمتهم الإسلاميون.
وإذا كانت مصلحة البلد والحفاظ على سلمه الاجتماعي وأمنه والمشاركة في بنائه وتماسكه تقتضي الدخول والمشاركة ، فالأولوية والأساس هو مصلحة البلاد والنهوض بها.
وإذا كان الإسلاميون قد شاركوا في الحكومة فذا لا يعني الموافقة البتة أو الانحياز الى التطبيع أو المهادنة في شانه او السكوت عنه، كما لا يعني الانسلاخ من المبادئ والمنطلقات التي هي ثوابت، ولكن يعني أن الأولوية للوطن وكما يقول المثل الشعبي "البكر أتم اتكول ول ول إلين اتكول راص راص" فموريتانيا اليوم بحاجة الى تضافر الجهود والتماسك والاتحاد حتى نتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها .
ان مسالة قطع العلاقات أولوية كبرى ، ولكن وحدة وأمن الوطن أكبر من ذلك.
وفي اعتقادي كما في اعتقاد الكثيرين ان دخول الإسلاميين إلى الحكومة سيعجل بنهاية العلاقات مع الكيان الصهيوني، حيث سيجعلون رئيس الجمهورية أمام الأمر الواقع وسينقلون إليه مباشرة ودون وسيط رغبة الشعب في إنهاء هذه الوصمة.
بقي أن نذكر كذلك أن رغبة رئيس الجمهورية في مشاركة التيار الإسلامي في الحكومة كان لها دورها الأساسي ،إذ ان ولد الشيخ عبد الله – وان كان البعض يرى فيه واجهة لمن يحكمون- بدا مصرا على مشاركة الإسلاميين ، ولعل الخلاف بين الوزير الأول الجديد ورئيس التجمع الوطني للإصلاح والتنمية حول عدد المقاعد المخصصة للحزب أبان ان الرغبة في إشراك الإسلاميين هي خيار تبناه الرئيس ودافع عنه.
صحيح ان هذه الحكومة تحمل أطيافا غير متجانسة "الإسلاميين واليساريين وبعض وجوه النظام البائد" لكن في اعتقادي ان الظرفية تختلف .
فليس البرلمان الموريتاني المنتخب بطريقة ديمقراطية كسابقه، كما ان ما يتمتع به الإعلام اليوم من حرية في البلد قد لا يسمح بتكرار ما حدث في الماضي من نهب وسرقة ورشوة .
وختاما فان التيار الإسلامي مطالب من منطلقاته ومسؤوليته بالمشاركة وجعل الرجل المناسب في المكان المناسب ، صحيح انه ليست لديه الأغلبية وليست لديه القدرة على تنفيذ برامجه برمتها لكن ستكون الحقائب التي تحت سلطته بأيد أمينة - كما البلديات- ، ولن تكون هناك ابوابا موصدة، ولا محاباة ، ولا رشوة ولا محسوبية، وسيعملون لموريتانيا.وموعدهم الصبح والصبح قريب.
محمد يحيي ولد الداه
باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي
جامعة ممد الخامس الرباط
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!