التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:20:04 غرينتش


تاريخ الإضافة : 20.05.2008 09:03:30

الرهان الخاسر

لعل وزارة التهذيب الوطني أزمعت الدخول فيما يسميه مسئولوها مواجهة طرفاها الأساتذة و الوزارة و يتساءل المرء لماذا سلكت الوزارة سبيل المواجهة بدل الاستجابة لمطالب متصفة بالإمكان و التواضع؟
و الجواب أن الوزارة سلكت سبيل المواجهة انطلاقا من مبدأين:

1- أما المبدأ الأول فيتجسد في أن أي مكسب أو إمتياز يجب أن يكون منة خالصة تصدر عن أصحاب القرار عطفا و حنانا لتتبع بوابل من المن و الأذى أما أن يكون المكسب أو الامتياز ثمرة نضال و جهد فهذا ما لا تقبله الوزارة التي تريد قطيعا و ديعا لا نخبة تقول: لا و نعم حسب المقام.
و تظهر هذه القناعة لدى أصحاب القرار بارزة حين نمعن النظر في جوهر الخلاف الحالي بين النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي و بين الوزارة فالنقابة مصرة على تحقيق مكسب مادي ذي بال و لو بتعهد على ميزانية 2009 أما الوزارة فترفض متعللة بأنها تخشى الكذب حين تتعهد بما لا تملك و كأن في ذاكرة أصحاب القرار ضعفا إذا كانت لا تحفظ جيدا أنها أخبرت نقابات التعليم الثانوي بأن علاوة المستشارين التربويين ستكون 50000 أوقية فتقلصت إلى 20000 أوقية و أن منسقي المواد سيختارون على أساس أستاذ من كل أستاذين فصاعدا فكانت النتيجة أستاذا من كل ثلاثة أساتذة و أن علاوة البعد ستصرف على كشف الراتب في شهر مارس و هاهو شهر مايو مشرف على الانقضاء وربما لا تصرف مع نهايته . . .
لا أحد يصدق أن مجرد الخشية من التناقض هي ما يمنع الوزارة من التعهد بل إنها تدرك اليوم جيدا أن الأساتذة دخلوا في مرحلة جديدة و أن أي تعهد غير جاد لا يعني أكثر من ترحيل المعركة إلى سنة أخرى و هو ما لا ترغب فيه الوزارة لأنه يجعل سنوات المأمورية حافلة بالاحتجاجات و الإضرابات أما التعهد الجاد بمكسب مادي ذي بال فلن يكون ثمنا للتوقفات القصيرة كالثلاثة أيام و الأسبوع و نحو ذلك.
II – أما المبدأ الثاني فهو أنه قد يكون بإمكان الوزارة ذر الرماد في العيون واللعب على الذقون وتسخير الإعلام والإدارة لتفشيل إضراب الأساتذة وذلك من خلال الأمور التالية :
الأمر الأول :
إيهام الرأي العام بما تسميه الوزارة أداء جيدا تمثل في ضبط المصدر البشري وإرساء معايير للترقية والتحويل وإشراك النقابات في كل القرارات وزيادة علاوة الطباشير واستحداث علاوات لمنسقي المواد وأخرى للأساتذة المستغلين للمخابر .
ولكثرة هذا الكلام في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة فإن من لا دراية له بحقيقة ما يجري قد يحسب هذا واقعا لا ينكره إلا مكابر ، أما من هم في وغى الساحة التربوية فيرون الأمور على حقيقتها لا يخدعون بالكلام المعسول ولا بالمراوغة والتضليل .
إنهم يدركون أن المصدر البشري لم يضبط فثمة أكثر من عشرين مؤسسة تعاني من نقص في هيئة التأطير وثمة مذكرات عمل تصدر من وقت لآخر. وأما المعايير فلا مزيد على هدمها من طرف السيدة الوزيرة في التلفزة الوطنية حين قدمت مديرا ذا شخصية من منظورها وإن أخرته المعايير على مدير بلا شخصية من منظورها وإن قدمته المعايير ، فالمعايير إذن لا تصلح للتمييز بين الغث والسمين .
وأما إشراك النقابات فلحاجة في نفس يعقوب وكثيرا ما يكون ذلك قبل القرارات المثيرة للجدل للتخفيف من ردة الفعل اتجاهها كما هو الحال في مديري المؤسسات ومديري الدروس، أما حينما يكون القرار أقل إحراجا ولو كان أهم فإن استشارة النقابات قد لا تكون ضرورية كمسألة اختيار المديرين الجهويين ومفتشي المقاطعات ، وحتى لو أجمعت النقابات على خلاف قرار تعتزمه الوزارة فإن ذلك لا يكفي لثنيها عن المضي في تنفيذه كما هو الشأن في مراجعة علاوة البعد بحيث تنزع من مناطق كانت مستفيدة منها.
وأما الزيادات المذكورة فقد ذرتها الرياح ذروا في يوم عاصف فلم يقدر منها على شيء وذلك نظرا لاعتبارين :
- أما الاعتبار الأول فاعتبار التضخم إذ أن دخل الأستاذ بعد الزيادة لا يلبي ما كان يلبي قبلها و ليست العبرة بعدد النقود وإنما العبرة بما تجلب من وطر .
- وأما الاعتبار الثاني فهو أنها ثمرة نضالات ماضية وتعهدات سابقة عن عريضة مطلبية سالفة .
ولا ننسى أن نذكر بأن علاوة منسقي المواد كانت ثمرة مقايضة بين الوزارة والنقابات للموافقة على مذكرة مديري الدروس حفاظا على المكاسب الإجمالية للقطاع ولم تأت بجديد .
وهكذا يبدو ما تروج له الوزارة جعجعة عند العامة لا طحين لها بين يدي الأساتذة بسبب ما تقدم ذكره و بسبب ما يلمسونه يوميا من ارتباك الوزارة وتراجع مستوى خدماتها .
فهل يدري الرأي العام أن التقويم الذي رصدت له ستة مليارات أوقية وهو ما يريد الأساتذة أقل من سدسه لم تترتب عليه حتى الآن نتائج مقنعة .
وهل يدري الرأي العام أن أكثر من مائة وثلاثين أستاذ علميا دعوا للتكوين في اللغة الفرنسية لم ينتقوا على أساس ذلك التقويم .
وهل يدري الرأي العام أنهم دعوا منذ ثلاثة أشهر وإلى اليوم ما خضعوا للتكوين ولا عادوا إلى أماكن عملهم ولا استفادوا التعويض عن سفر ولا إقامة.
وهل يدري الرأي العام أن أموالا طائلة أنفقت على ملتقيات أبي تلميت و بوكي والعيون و أطار لتأليف كتيبات تعين التلميذ في القسم النهائي ضلت الطريق أو دخلت في ظلام دامس .
ولو أرسلنا القلم للتعبير عن مآخذ الأساتذة على سياسة الوزارة لكتبت أسفار تنوء العصبة ألوا القوة بحملها .
الأمر الثاني
العمل على أن يصل محضر انطلاقة المفاوضات كل مؤسسة خشية من أن تكون النقابة المركزية تحجب المعلومات عن الأساتذة وفي هذا الإطار يدخل الجانب الأهم من مهمة تلك البعثات الموجهة إلى الداخل تحت واجهات شتى والتي نتمنى عليها أن تكون أمينة في نقل ما واجهها به الأساتذة من السخط على سياسة الوزارة والالتفاف حول النقابة والإصرار على التضحية في سبيل نيل الحقوق.
وما جهلته الوزارة في هذه النقطة هو أن النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي صاغت محتوى ذلك المحضر في تعميم دخل كل مؤسسة منذ ثلاثة أشهر كما تريد له الوزارة الآن غير أن الأساتذة مقتنعون بثلاثة أشياء :
- أن الهدف من محضر انطلاقة المفاوضات ليس الحسم بقدر ما هو التأسيس والتهيئة لمرحلة جديدة من الثقة و الجدية في معالجة الأمور وهو ما لم تقصد الوزارة بل قصدت احتواء الموقف بمهدئات لم تدرك أنها ضعيفة المفعول .
- أن لا تسوية بدون مكاسب مادية وقد وصفت المكاسب المادية في المحضر بالعالقة تصر النقابة عليها ولا تتعهد الوزارة بها .
- أن أهم ما تم التعهد به هو مراجعة نظام الأسلاك والأسلوب المتبع فيها مماطلة قد تمر الشهور بل السنين دون أن يتحول إلى مراجعة .
الأمر الثالث :
التهديد والتخويف والإرجاف في تحد سافر للحرية النقابية والقيم الديمقراطية ، فقل أن تجد مديرا جهويا أو مدير مؤسسة لم يجتمع بأساتذته خالطا الحق بالباطل وملبسا تلبيسا يستعيذ منه إبليس مهددا الأساتذة في حال الإضراب بقطع الرواتب حتى نهاية شهر أكتوبر و التحويل التعسفي و نقص التقدمات ودفع غرامات مالية وغير ذلك . . . و أمثلهم طريقة ذلك العطوف الحنون الذي ينصح بعدم الإضراب لأنه يضر الأساتذة ولا ينفعهم مناشدا بالله والرحم والزمالة !!
وما غاب عن الوزارة أن هذه الأساليب فضلا عن كونها سباحة عكس التيار لن تجدي مع الأساتذة فقد شبوا شباب عمرو عن الطوق وأضحوا على قدر سام من الوعي واستيعاب معاني التضحية في سبيل نيل الحقوق ويعلمون أن طريق النضال كطريق الجنة محفوف بالمكاره كما يدركون أتم الإدراك أن الفرزدق أقدر على قتل مربع من الوزارة على إلحاق الضرر بمن يمارس حقه الدستوري في الإضراب طبقا للقوانين .
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع
الأمر الرابع :

اللعب على عواطف العامة من خلال تحميل الأساتذة مسئولية الإضرار بمصالح التلاميذ الأبرياء وتعريض حصاد سنة للخطر وكأن الأساتذة غريبون على المجتمع ليسوا آباء وأمهات ولا أعماما وعمات ولا أخوالا وخالات، وكأن الحصاد ليس حصادهم .
ن حرص الأساتذة على مصلحة التلاميذ والمجتمع هو ما يحملهم على ما يقومون به ، إنهم يقولون بكل إخلاص وصدق لقد صرنا في وضع لا يمكن أن نقوم معه بمهمتنا النبيلة وقد عبرنا عن ذلك باحتجاجاتنا التي جاءت في غاية الخفة والتدرج لكن تصامم الوزارة وحزها في غير المفصل هو ما أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم لأن الوزارة لا ترضى إلا بعودتنا خفي حنين ومافي معناهمامن العروض الهزيلة وهي بذلك تتحمل كامل المسئولية .
أما نحن فقد تنازلنا كثيرا و مستعدون للتنازل لكننا لن نرضى بأقل من مراجعة نظام الأسلاك كما نريد والتعهد بمكسب مادي فعلي ولو على ميزانية سنة 2009 .
وبما تقدم يبدو للمتأمل أن كل رهانات الوزارة رهانات خاسرة .
الأستاذ محمدن ولد الرباني


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!