التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:19:57 غرينتش


تاريخ الإضافة : 20.05.2008 09:30:35

تجربة المشاركة

أحمدفال ولد آيَّاه
[email protected]


سئل المستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر لحظة إعلان نتائج الإنتخابات عن تعليقه على فوز حزبه .. فرد قائلا "إن من يحمل مشروعا يحتاج إلى سلطة لتطبيق مشروعه"
منطق السياسة
السياسية جهد إجتماعي عام في بيئة متعددة الأبعاد والعوامل مختلفة القوى والنزعات تحكمها موازين قوى دائمة التغير والحراك .. تميز بين القوي والضعيف ولا تميز بين المصلح والمفسد تعرف من تمكن من فهم اللعبة وبناء القوة ولا تعرف من الهته المثاليات والنظريات وجلس ينتظر عودة الأمور إلى نصابها وعودة الحقوق إلى أهلها دون الأخذ بأسباب القوة التي هي بحق عملة السياسة الصعبة.
ولا نعني هنا بالقوة القوة العسكرية فقط أو أي مفهوم ضيق للقوة وإنما نعني بها المحصلة التي تتقاطع عندها كل وسائل التأثير المادي والمعنوي على الآخرين .. سواء كانت قوة إعلام أو إقناع أو ثروة أو تنظيم أو علاقات أو حنكة أوخبرة أو إنجاز .. مما يساعد على التعاطي مع القوى والعناصر الموجودة على الساحة لتتحدد قدرات وحجم كل قوة وتتحدد المراكز والموازين تبعا لذلك مما يترتب عليه توزع السلطات حسب حجم الأطراف ليتاح لكل طرف أن يتصرف في مربعه بالشكل الذي يراه مناسبا .. ليفتح الباب بعد ذلك للأحكام المعيارية ولمفاهيم الإصلاح والفساد والخير والشر والنجاح والفشل تبعا لخلفية كل طرف ولمنظومته الأخلاقية والفكرية..
فالسياسة بالتالي جهد ذو بعدين .. بعد نظري يتمثل في مشروع سياسي بغض النظر عن طبيعته .. وبعد عملي يتمثل في تطبيق وإنجاز المشروع وهو بطبيعة الحال مربوط بالقوة والسلطة الكافية لتطبيقه ومن هنا يكون صلاح ونقاء المشروع دون تحقق القدرة على تطبيقه مجرد عبث ولعب بالألفاظ .
ما بعد المعارضة والموالاة
في نفس الإطار يمكن تناول تجربتي تقدم وتواصل الأخيرتين وقبلهما تجربة التحالف كنماذج للحركية السياسية وللتفكير والتحرك خارج المربعات التقليدية والأطر النمطية حيث إستطاعت الأحزاب الثلاثة وبالخصوص الثاني والثالت تغيير الصورة النمطية الجامدة عنها كأحزاب معارضة مهما كانت الظروف إلى أحزاب سياسية بمعنى الكلمة مستعدة للإعتراف بكل القوى الموجودة على الساحة والتعاطي معها بغض النظر عن طبيعتها وعن توجهها .. وهو تحول سيكون له أثره على النظام وعلى نمط التفكير السياسي .. ينزع الحواجز الشعورية والهواجس والمواقف المسبقة الجاهزة كما يغير الصور النمطية التي كانت سائدة والتي كانت تؤثر بشكل كبير على مواقف كل الأطراف وتدفع إلى الراديكالية والنظر من منظار الأسود والأبيض .. إلى عهد جديد من الإعتراف بالآخر وبقواعد اللعبة وبموازين القوى المتغيرة صعودا وهبوطا مما سيشكل إن تواصل بذرة حقيقية لعملية التدوال السلمي على السلطة على المدى البعيد على الأقل إن لم يكن على المدى المتوسط أيضا.
التجربة من زاوية أخرى تعتبر بداية لنضج سياسي يتجاوز الطفولة السياسية البريئة والحساسة ومرحلة المعارضة التقليدية الجامدة إلى مرحلة التعاطي السياسي الحر الذي لايفترض في الساحة السياسية وجود أي معارض بالفطرة والمآل أو موال بالفطرة أيضا والمآل إلى ساحة سياسة مفتوحة وحرة يتفق فيها من إتفق ويختلف فيها من إختلف بشكل حر وحركي وليس بشكل إستاتيكي نمطي محدد ومتوقع بشكل مسبق وهو الوضع الأقرب لطبائع الأشياء وبالخصوص لطبيعة السياسة المتغيرة والنسبية .. إذ كيف يفترض وبشكل مسبق مثلا أن مواقف التحالف الشعبي والتكل يجب أن تكون متطابقة أو أن مواقف تقدم والجمهوري متناقضة أو أن مواقف تواصل وعادل يجب أن تكون مختلفة بشكل تام وأن لاتكون هناك أي مواقف متقاربة بين الحزبين ولو تعلق الأمر مثلا بالوضعية المعيشية للمواطنين أو عودة المبعدين أو قضية الرق أو مسألة أمن المواطنين ؟؟؟
"وبخصوص تواصل كتعبير عن التجربة السياسية الإسلامية في موريتانيا لايمكن له إلا أن يستغل الفرصة ويمد اليد للسلطة التي مدتها له ولو تشجيعا ودعما لحالة نادرة من التعايش والتفاهم بين الطرح الإسلامي وبين حكومة تنتمي للعالم العربي حيث يقل الترحيب بل يصل في بعض البلدان للعداء والحرب المفتوحة على الحركة الإسلامية لقد شكل الإنفتاح الرسمي على التيار الإسلامي في موريتانيا تغيرا جذريا في العلاقة بين الطرفين ماكان للإسلاميين إلا أن يتبنوه ويشجعوه ويستغلوه لوضع ما أمكن من برنامجهم قيد التنفيذ إذ أنه والحالة هذه يمكن تفسير الرفض تفاسير تحيل إلى العجز وعدم القدرة على تحمل المسؤولية أو التهرب من الواجب وتفضيل موقف النقد العدمي ولعن الواقع والمنطق يفرض أن إضاءة شمعة واحدة خير من لعن الظلام ألف مرة
شيئ آخر يبدوا إستثناءا من نوعه في الأحزاب السياسية الموريتانية وهو أكبر مبرر يستند إليه الحزب في تبرير مشاركته السياسية هو أن الخيار جاء نتيجة لحسم إنتخابي حيث أفرزت عملية التصويت داخل الهيئة المخولة خيار المشاركة كرغبة لأغلب أعضائها وهذه ممارسة ديموقراطية ستحرج بعض الأحزاب الشخصية التي يتخذ فيها الزعيم القرارات المصيرية ويتم ترضية البقية بأشياء أخرى .. إن العمل المؤسسي داخل الحزب والممارسة الديموقراطية الداخلية هي أكبر مطمئن على القناعات الديمقراطية لحملة مشروعه والعكس صحيح"
مابعد السلطة والشرعية
دخول الأحزاب التي كانت تصنف تقليديا في صف المعارضة وخصوصا التيار الإسلامي ممثلا بحزب تواصل سيكون بداية لتغيير الصورة التقليدية عن السلطة والدولة في أذهان العامة وحتى بعض المثقفين والتي لا تتصور السلطة أو حتى جزء منها خارج أيدى رجال المخزن التقليديين ولاتتصور أي قوة معارضة في المخزن أو قريبا منه مما دفع إلى نوع من التسليم الضمني لقوى المخزن التقليدية بأنها الوحيدة التي يمكن عمليا أن تحكم ووحدها التي تملك السلطة ووسائل القوة الرسمية وأن قوى المعارضة التقليدية قدرها الوحيد هو التشبث بالمبائ وطول النفس ودورها الوحيد هو مشاكسة قوى السلطة وإزعاجها متى سنحت الفرصة وإنتظار معجزة إنقلاب شعبي أو عسكري يقلب الموازين بشكل راديكالي يزيح طبقة سياسية بكاملها ويضع مكانها طبقة سياسية جديدة دون تصور لطريق غير ذلك للتغيير وللتداول السياسي السلمي المتدرج وهي في الحقيقة أزمة في التفكير والممارسة وسياسة غير سياسية في نهاية المطاف.
ومن ناحية اخرى سيرفع حظر الشرعية عن رجال المخزن بتخلخل مفهوم الشرعية السياسية والإيديولوجية الذي كانت تحتكره المعارضة وتطعن به في شرعية رجال المخزن وسيتحرك الجميع على أرضية واحدة هي أرضية التنافس السياسي دون وجود لزوايا أوخلوات سياسية تحتكر الطهر والمبدئية بمفهومها الضيق وهو مكسب لرجال المخزن يرفع حرجا كان قائما من الناحية النظرية على الأقل .. ودون وجود مواقع أو مصادر للقوة يحتكرها البعض دون البعض الآخر ويصبح دخول المخزن والخروج منه متاحا لكل الأطراف حسب موازين القوى الموضوعية وهو مكسب لقوى المعارضة السابقة يرفع حاجزا كان قائما من الناحية الشعورية على الأقل.
"كما أن قرارا من هذا القبيل سيسهم بلاشك في خلخلة القناعة النمطية لدى قيادة المجتمع التقليدي التي تلتف تلقائيا حول من يملك السلطة مهما كان حجمها وتعتقد أن الطريق الوحيد للوصول إلى الحقوق السياسية والمدنية هو الإصطفاف في صف السلطة الحاكمة .. لقد بات جليا أن هناك طرقا أخرى لكسب الحقوق وللمشاركة السياسية دون التنازل عن القناعات والبرامج وبشروط متعارف عليها تخضع لقواعد اللعبة السياسية التعددية ذالك ما يمكن أن يكون له أثر بالغ في إنضاج التجربة الديموقراطية الناشئة في البلاد"

عهد السياسة
إذا كتب لتجربة المشاركة أن تنجح وتتطور فسيكون ذلك بدون شك بداية لعهد سياسي جديد ولممارسة سياسية سياسية جوهرها الإعتراف بكل القوى والتنافس والتدوال السلمي على السلطة دون تموقعات إيديولوجية أو سياسية أو مافيوية مغلقة أو حواجز شعورية أوتصورات نمطية .. وستتحرك كل القوى السياسية وتتعاطى بشكل حر على نفس الأرضية وسيكون ذلك بمثابة بداية لعهد السياسة.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!