التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:20:06 غرينتش


تاريخ الإضافة : 22.05.2008 11:23:00

تعقيب على أقوال ولد السالم حول أنساب "شرفاء تشيت"

الكاتب : يحى ولد احريمو
نواكشوط / موريتانيا

إن أول ما ينبغي للباحث والعالم والمؤرخ المنصف خصوصا من يتسور على التاليف وتعليم الأجيال أن يجعل نصب عينه وأكبر مبتغاه البحث عن الحقيقة وتمحيص الرويات والالتزام بدلالة النصوص في ضوء العرف اللغوي والمنطق العقلي حتى يستفرغ جهده في طلب الحقيقة بعيدا عن التسرع والأحكام الجزافية المتعسفة فيكون بذلك قد نصح الأمة ووفى العلم حقه وتبرأ من خيانة الأجيال وتخليد الأفكار والمزاعم الواهية في بطون الكتب.

ويبدو أن أخانا الكريم الأستاذ حماه الله بن السالم لم يلتزم بهذا المنهج ولا سلك طريق التثبت والأمانة العلمية في كتابه المعنون:"تاريخ موريتانيا ..العناصر الأساسية.." ومن بين الأخطاء الكبيرة الجوهرية التي وقع فيها ما ذكره في صفحة 41من أن مدينة كومبي صالح الواقعة في شرقي موريتانيا والتي كانت عاصمة لمملكة غانا أسسها أحد أجداد شرفاء تشيت من ذرية الشريف صالح الاخيضري من ذرية موسى الجون الإدريسي وطنا اهـ

لقد طالعنا الأستاذ بحكمين قاطعين أحدهما: أن مدينة كومنبي صالح من بناء الشريف صالح والثاني :أن الشريف المذكور هو من أجداد شرفاء تشيت المعروفين.

لقد ساق الأستاذ هذين الحكمين سياق الحقيقة الثابتة التي لا يتطرقها شك أو احتمال مع انه ليس لهما نصيب من الصحة والثبوت وإنما يدخلان في حيز الوهم وأحاديث السمر..وترتيبات الفهم السقيم المبني على الإسقاط والانخداع بأدنى إشارة وأول خاطرة.

أما أن صالح المذكور هو مؤسس مدينة كونبي صالح أو قولمبو فهو أمر لا اساس له فهذه المدينة بنيت قبل إسلام أهل غانة كما تحدث عنها أبو عبيد البكري القرطبي في كتابه المسالك والممالك في القرن الخامس قبل إسلام أهل غانه.

وأما القول إن صالحا المذكور أحد أجداد شرفاء تشيت فهو حكم متعسف عريق في الوهم والتدليس وليس له سند ولا مرجع إلا ورود اسم صالح في أجداد شرفاء تشيت كأن الله لم يخلق ممن يسمى صالحا إلا هذا الرجل وقد ذكرنا الاستاذ هنا بحكاية الاحمق الوضاع الذي قال ليحي بن معين وأحمد بن حنبل:" أتظنان أن الله لم يخلف ممن اسمه أحمد بن حنبل ويحي بن معين غيركما".

إن النسب النبوي الشريف يجب على الأمة حفظه ونفي تحريف المدلسين وانتحال المبطلين عنه ،ومن المعلوم أن حفظ النسب على الجملة أحد قواعد الكليات الخمس التي أجمعت عليها الشرائع الربانية، خصوصا النسب النبوي الذي يجب حفظه عموما لما يترتب عليه من الأحكام الشرعية كما قال العلامة محمد عبد الله بن الإمام الجكني في نظمه لسلسلة نسب آل مولاي الزين :

فكم تعلق من الشريعة

بحفظ هذه النسبة الرفيعة

إذ يجب التعظيم والتوقير

لهم والاحترام والتعزير

والغض عن هفوة من منهم هفا

برا وتعظيما لخير مصطفى

وشدة التأديب في أذاهم

فوق الذي يجب في سواهم

وحرمة الزكاة إذ هي وسخ

وقدم السادة في المجد رسخ

فليس بالمصيب من يعلل

بالفيئ عند فقده يحلل

لأنه خلاف ما في مسلم

مما به يقنع كل مسلم

إن ما ذكره الأستاذ الكريم من نسبة أبناء الشريف عبد المؤمن إلى صالح الاخيضري ونفي نسبتهم إلى الادارسة هو من قبيل الطعن في النسب المحرم كتابا وسنة وإجماعا.

إذ من المعلوم أن شرفاء تشيت هم من أصح أهل هذه البلاد انتسابا إلى الادارسة وجدهم الشريف عبد المؤمن بن صالح بن عبد العلي بن جعفر بن إسحاق بن يحي بن مالك بن يوسف بن القاسم بن عبد الله بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وابن البتول رضوان الله عليهم أجمعين.(انظر سلسلة نسبهم في كتاب فتح الشكور في علماء التكرور لمحمد بن أبي بكر الصديق الولاتي المتوفى سنة 1218هـ ص 95) وهذا النسب الذي توارثوه جيلا بعد جيلا ودونوه في كتبهم وتقاليدهم التي كتبت بعضها في القرن العاشر وتلاقاه العلماء بالقبول كصاحب فتح الشكور ومحمد يحي الولاتي الذي عقده في نظم مستقل ومعلوم أن هؤلاء الشرفاء من أعرق أهل هذه البلاد وأكثرهم علما وتمرسا بأسباب الحضارة ومقتضيات العمران،وهم مع ذلك في غاية الرفعة والشهرة بالنسب النبوي في جميع المواطن وقد اعترف لهم جميع سكان هذه البلاد عربا وعجما بيضا وسودا بذلك مما يجعل نسبهم في الذروة العليا من الصحة وقد قال الشيخ عبد القادر الفاسي في نوازله :

"إن المعول عليه في صحة الشرف إنما هو الشهرة والانتشار بين الجيل والجمع الغفير في أطراف البلاد وتلقي العلماء والعامة له بالقبول حتى يكون في حيز الاجماع المعصوم من الخطأ".

وقد كان هؤلاء الشرفاء على ما هو معروف من توارث العلم والسيادة والإمامة في قريتهم تشيت منذ نحو 1000سنة، مع بعدهم عن الخمول وملكهم لأسباب الشهرة واعتنائهم بحفظ النسب ودأبهم على التوثيق مما جعل ذاكرتهم ومأثور هم التاريخي بسبب ذلك أثرى وأحفظ من كثير من غيرهم، وقد كتب علماؤهم تأليف عديدة جمعوا فيها أخبار سلفهم وسائر فروعهم على الجملة.

ثم إن نسبتهم إلى القاسم بن عبد الله بن إدريس من أصرح السلاسل وأصحها إذ لم يتطرق لها تلبيس ولا اختلاط ولا إعضال ولا انقطاع كما يقع كثيرا.

وقد اعترف لهم بالشرف جميع أهل الشوكة وقبائل العرب في جميع أنحاء موريتانيا فكانوا يحترمونهم ويهابون جنابهم ولا يعرف عن أحد من رؤساء العرب أنه أخذ من قوافلهم ضريبة مرور أو غفر ط مع أن قوافلهم كانت تجوب أطراف البلاد كل سنة من سبخة الجل في تيرس شمالا إلى بلاد "ماصه"(انيور) وسيكو في مالي جنوبا وهذا أمر لم يحصل لغيرهم من أهل هذه البلاد هذا مع تواتر الخبر عن العلماء العاملين الذين أدركوا روايات الأجيال السالفة كالشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيد المختار الكنتي في رسالته إلى هؤلاء الشرفاء والفقيه المؤرخ محمد صالح عبد الوهاب الناصري الذي يقول في إحدى فتاويه:"إن شرف هؤلاء الشرفاء مشهرو في سائر أنحاء هذه البلاد عربا وعجما وبيضانا وسودانا "

وكالشيخ سيديا باب والفقيه محمد يحي الولاتي وغيرهم .

إلى غير ذلك من الأدلة التي ترفع هذا النسب إلى حد التواتر المفيد للعلم القطعي الذي لا يسع إنكاره.

ولا أدل على عراقتهم وصحة ما توارثوه من أخبا رمن أن جدهم الأول الذي هو الشريف عبد المؤمن لم يزل بيته معروفا إلى اليوم وضريحه معروف كذلك وهو في المصلي الشتوي بمسج تشتيت الذي هو بانيه وهي قرائن لها قيمتها ودلالتها التاريخية المعتبرة .

قال ابن خلدون في مقدمته في كلامه على نسب أبناء إدريس :"إن نسب بني إدريس بفاس والمغرب قد بلغ من الشهرة والوضوح مبلغا لا يكاد يلحق ولا يطمع أحد في دركه إ ذهو نقل الأمة والجيل من الخلف عن السلف وبيت جدهم مختط فاس ومؤسسها بين بيوتهم ومسجده لصق محلتهم ودروبهم وسيفه منتضى برأس المئذنة من قرار بلادهم وغير ذلك من آثاره التي جاوزت أخبارها حدود التواتر مرات وكادت تلحق بالعيان.."مقدمة ابن خلدون ص 37ط دار الكتب العلمية

-وهذه القرائن التي ذكرها بن خلدون حاصلة لعمر الله لهؤلاء الشرفاء.

وإذا علمنا أن انتسابهم للشرف ونسبتهم للأدارسة مشهورة مقطوع بها علمنا أنه لا صلة لهم بصالح حفيد موسى الجون الذي نسبهم الأستاذ إليه إذ من المعلوم أن الانتقال من نسب إلى نسب إنما يقع في الغالب لأصحاب الخمول والجهل والعشائر التي تشهد انقطاعا بين ذاكرة السلف وذاكرة الخلف بسبب التشتت والرحلة من أرض إلى أرض وانقطاع الرواية وهذه أمور لم يتعرض لها هؤلاء الشرفاء قط.

ومن هنا فإن نسبة الأستاذ لهم إلى بني صالح ملوك غانة من باب الطعن في النسب والتقول بغير علم وليس للأستاذ فيه من سند سوى ما ذكره الإدريسي في نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ص 135ج 1 من أن ملوك غانة من بنى صالح بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وكنا نربأ بالأستاذ الكريم أن يقع في مثل هذا الخلط الذي ينم عن ضعف في التفكير وجهل بطبيعة المجتمعات البشرية عامة والإسلامية خاصة التي يكثر فيها تطابق الأسماء لأسباب دينية واجتماعية معروفة.فاسم صالح مثلا يتكرر كما يتكرر اسم محمد وإبراهيم وعلي وعمر ...فلا ينبغي للباحث الملتزم بالمنهج العلمي أن يجزم بأن هذا الاسم عين هذا الآخر إلا بعد التثبت والمقارنة بين سياق الروايات المختلفة ولعل من يقتنع بنهج الأستاذ ويسلك مسلكه أن يرى اسم محمد لغظف بن حماه الله بن السالم الداودي الجعفري شيخ الطريقة الغظفية المتوفي سنة 1215 فيظن انه ابنا لاستأذنا الموقر مع الفارق الزمني والاجتماعي البعيد بينهما.

وقد قال ابن خلدون في مقدمته إن صالحا المذكور لا يعرف في ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي إذ أن اولاده معروفون مشهورون وقد تحدث عنهم العلماء والمؤلفون في الأنساب أما ما ذكره الأستاذ من نسبة بني صالح أصحاب غانة إلى موسى الجون فمستنده فيه ما ذكره المختار بن حامدن في جزء الحياة السياسية من موسوعته ص 40 من انه رأى في بعض المصادر العربية أنهم أبناء صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله الكامل إلا أن الأستاذ المختار رحمه الله ذكر أنه نسي المصدر الذي رأى فيه ذلك بيد أن ذرية صالح الاخيضري الجوني هذا قد انقرضت منذ القرن الخامس ولم يدخل أحد منهم إلى المغرب بل انقرضوا في المشرق كما ذكره ابن عنبة نقيب الأشراف ببغداد في كتابه أنساب الطالبيين.

وقد ذكر النسابة انه لم يدخل المغرب أحد من ذرية موسى الجون قبل أبناء الشيخ عبد القادر الجيلاني الداخلين إلى الأندلس في القرن الثامن فمن أين للأستاذ الجزم بأن صالحا المذكور من ذرية موسى الجون وأنه متوطن في الادراسة (بحانك هذا بهتان عظيم)

ومعلوم أن الادراسة لم يكن معهم من أبناء عمهم الشرفاء إلا أبناء سليمان بن عبد الله الكامل أخي إدريس الوافدين عليه بعد إمامته بالمغرب ثم إن التوطن في القبائل إنما يكون في البوادي والعشائر أهل العصبة ولا يكون في القرى والأمصار فليس هذا سوى إسقاط لمصطلح ونظام متأخر على بيئة قديمة ومجتمع مغاير .

إن بني صالح ملوك غانة لا يعرف لهم ذكر قبل القرن السادس الهجري حيث تحدث عنهم الادريسي ويظهر أن جدهم من أهل القرن السادس بدليل نسبة مدينة كومبي إليه إذ من المعلوم أن أهل غانة لم يدخلوا الاسلام إلا أواخر القرن الخامس وأوائل السادس بعد تغلب المرابطين عليهم فلا يعقل أن يكون صالح المذكور أميرا لغانة قبل ذلك،فملوك غانة في القديم هم من السودان وكانوا على الكفر حتى سنة 460هـ وهو العام الذي كتب البكري فيه كتابه.

أما صالح الادريسي والد الشريف عبد المؤمن فهو من أهل القرن الخامس بدليل أن ابنه الشريف عبد المؤمن من تلامذة القاضي عياض المتوفى سنة 544هـ وقد خرج الشريف عبد المؤمن من المغرب على الصحراء وبنى قرية تشيت سنة535هـ

وكان مجيئه إلى هذه البلاد متزامنا مع تغلب الموحدين على المغرب واضطهادهم لأنصار الدولة المرابطية وانتهاجهم سياسة الاعتراف التي راح ضحيتها نحو 100ألف قتيل صبرا ممن يشك في ولائه لهم فلعل الشريف عبد المؤمن إنما فارق وطنه بسبب ذلك .ومعروف ان شيخه القاضي عياض قد توفي مقتولا على يد الموحدين ولعل الشريف عبد المؤمن كان على صلة بالشرفاء الأمغاريين أصحاب زاوية "عين القطر"بشمال المغرب المنتسبين إلى القاسم بن عبد الله بن إدريس والذين كانوا أولياء للمرابطين فمن هنا خرج من المغرب بسبب مضايقة الموحدين.

أما والده الشريف صالح فهو من أهل المغرب ولم تطأ قدمه الصحراء قط حتى يبني مدينة كومبي صالح.

وجملة القول أن نسبة شرفاء تشيت إلى صالح المذكور تجن على الحقيقة وتحريف للتاريخ وتقول بغير علم نربأ بالأستاذ عن مثله، ونجله أن يعمد إلى بيت من بيوتات الادراسة مشهور بالنسب إلى آل البيت فيلصقه بقوم أدعياء لا يعرفون وليت شعري كيف ينسى شرفاء تشيت أن سلفهم كانوا ملوكا لغانة، ولوكان ذلك كما قال الأستاذ لما رغبوا عن ذلك إذ من المعلوم عندهم أن والدهم إنما دخل إلى هذه البلاد برسم الدعوة والسياحة والانقطاع إلى الله ولم يكن لهم قط ملك ولا دولة ..والله سبحانه وتعالي الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!