التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:45 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.04.2011 11:47:16

ولد محنض: محمد ولد الطالب كان يفكر في الهجرة إلى فرنسا



استذكر الصحفي والكاتب ولد محنض في هذه المقابلة ذكرياته الجميلة مع جده المختار ولد حامدن الذي بعث إليه مرة وقد استبطأ قدومه:

حسين تركتني زمنا طويلا أكنت وجدت بي جدا بديلا
ألا تاتي فتعطيني مبيتا أكون به سعيدا أو مقيلا
فتؤنسني فإنك لا ترى لي هنا من مؤنس إلا قليلا...إلخ

كما تذكر أيام الجامعة والأندية الثقافية مع أصدقائه محمد ولد الطالب وأبو شجه وغيرهم.
إلى جانب الكثير مما تقرأونه في المقابلة:



ـ كيف طغى على اهتمامكم الأدبي الذي عرفتم به مبكرا الانشغال بالصحافة وقضايا التاريخ؟

ولد محنض: كما يقال المرء بن بيئته، والإنسان عندما يولد تولد معه مجموعة من المواهب بعضها يظهر نظرا لعوامل بيئية وبعضها لا تتاح له فرصة الظهور والازدهار. وأعتقد أن الناس تولد لديها نفس المواهب تقريبا، فالمواهب جميعها فطرية في الإنسان الطبيعي الذي يمتلك المعدل الطبيعي من الذكاء والقدرات الذهنية. إلا أن بعض البيئات تساعد على ازدهار بعض المواهب وبعضها يفتقد محفزات الازدهار..
أنا نشأت في بيئة مهتمة بالأدب والثقافة فكانا هما أهم توجه لدي، لاسيما في سنوات الثمانينات إلى بداية التسعينات فالتحقت حينها بالصحافة ولكن من بوابة الأدب لأني التحقت بالصحافة ككاتب وليس كصحفي إلى أن شدتني الهواية من وسط 1992 فأصبحت صحفيا، وأخذت في تعلم تقنيات العمل الصحفي، مبتعدا شيئا فشيئا عن الأدب، حيث شعرت في نفس الوقت أن البلد لا يشجع على الثقافة والأدب، حتى المستوى الذي عهدته من الندوات والحراك الثقافي خلال الثمانينات كان قد تراجع كما الاهتمام بالشعر وكل الثقافة.

ـ وما هي برأيكم أسباب هذا التراجع في الحراك الثقافي؟
ولد محنض: لا يوجد اهتمام، فما ننفقه في موريتانيا على الثقافة والفنون أقل من واحد في المائة من مجموع الميزانية العامة للدولة، فميزانية وزارة الثقافة هي أزهد ميزانية موجودة ونحن البلد الوحيد الذي لا يوجد فيه نشر ولا جوائز أدبية أو ثقافية، والبلد الوحيد الذي لا يوجد فيه أي تقدير للمبدعين. إلى جانب أننا لا يوجد فينا فلاسفة ولا نحاتون ولا سينمائيون ولا شعراء.
كيف وأين هي الأسماء الموجودة في الساحة؟
ولد محنض: ليس معناه أن الشخص الموريتاني فاقد لكوامن الإبداع في المجالات كلها. ولكن أمامه خياران إما أن يسافر للخارج كي يكون مبدعا هناك. وإما أن تقتل فيه روح الإبداع في الوطن.

ـ مثلا، هنا دار السينمائيين ولها أنشطة؟
ولد محنض: هذه طموحات فردية تقاوم النزعة العامة التي تحارب الثقافة فدار السينمائيين لولا التعاون الفرنسي والألماني والاسباني والدعم الأوربي لما كان لها وجود والدولة لم تتبنها إلا بعد خمس سنوات أو ست من نضال فرد حمل على عاتقه هموم أمة بأكملها في هذا المجال. لا يوجد اهتمام، وإذا نظرت إلى القائمين على الشأن الثقافي من الناحية الإدارية لا يوجد لديهم أي مستوى ثقافي ابتداء من أعلى هرم في الوزارة.

ـ أقمتم مع جدكم الأديب المختار ولد حامدن آخر سنواته في السعودية، ما ذا عن مساجلاته معكم والقصص الخالدة من تلك الفترة؟

ولد محنض: المختار، التاه كما نلقبه نمى عندي حسان أحدهما في التاريخ والآخر في حب الأدب وخاصة الشعر. ولكن أهم شيء استفدته منه أني كنت أسمع عن العظماء في المجتمع في مجال الفروسية كأحمد الديد وفي مجال العلوم الشرعية كالشيخ سيدي المختار الكنتي وفي الشعر كولد محمدي أو ولد الطلبة مثلا. وعندما جئت إليه في السعودية أهم ميزة لاحظتها هي أني تأكدت من أن الذي كنت أسمعه عن أولئك العظماء يمكن أن يقع وليس فيه مبالغة بعد أن كنت أعتقد أن الذاكرة الشعبية إنما كانت تضفي عليه نوعا من المبالغات.
لما جئته كان شيخا زاد على التسعين إلا أن قواه الذهنية والعلمية كانت خارقة للعادة فكان على سبيل المثال يرتجل القصائد الرثائية الطويلة في جلسة واحدة عندما يطرأ خبر وفاة أحد المعارف ويرسلها مع زائره. وكان يملي علي لأكتب له فقد كان بصره قد ضعف وحتى القلم لم يعد يقدر على مسكه. كان حينها يحتاج إلى من يلازمه فكان أحد الشباب المولودين بالسعودية مقيما معه في المنزل ويصر على السهر بجانبه كل ليلة حتى لا يستيقظ المختار ولا يجد من يخدمه. وقد نوهت بهذا الشاب الذي يدعى مولود ولد عبد العزيز بأبيات قلت فيها:
فالتاه في كبر ردت مواهبه إذ كنت غذيته بالعلم أزمانا
فرد علي المختار بأبيات أحفظ منها:
لا تبغين بمولود ومسكنه بالدار دارا ولا السكان سكانا
واقرع من الآن باب الكوم تلف به ربعا من البر والاحسان ملآنا
وباب الكوم مسكن هذا الشاب
فكتبت أنا أيضا أبياتا أخرى لم أعد أحفظها قلت فيها إني عاجز عن شكر أيادي مولود المختلفه فقال المختار:
إن كنت عن مدح مولود عجزت فقد أعلنت قبلك عجزي عنه إعلانا
فدون عد عشير من محامده ما قال قبل كليب عن عليانا
أمر علينا بعيد أن نحيط به بعدا كبعد ثرانا عن ثريانا
لكن باب دعاء الله منفتح فلنتخذ فيه باسم الله مجرانا

وعندما عدت إلى موريتانيا واستبطأني المختار أرسل إلي يقول:
حسين تركتني زمنا طويلا أكنت وجدت بي جدا بديلا
ألا تاتي فتعطيني مبيتا أكون به سعيدا أو مقيلا
فتؤنسني فإنك لا ترى لي هنا من مؤنس إلا قليلا...إلخ

ـ بعد هجرتكم عن أصدقائكم في الساحة الشعرية كيف بقيت الصداقات وما هي تعليقاتهم؟

ولد محنض: الحقيقة محمد ولد الطالب كان صديقي منذ نهاية الثمانينات وكنت أقول إذ ذاك إني أشعر أن له موهبة متميزة وكان يومها يعرب لي عن أمله في أن يسافر لفرنسا ولا يخفي عني أنه ينوي الهجرة إلى هناك ويقول لي إنه يتمنى أن يعيش بين مقاهي باريس وأن يجد هناك شاعرا عربيا يحكي كل منهما على الآخر. فكان عندي يخطط لتطبيق ما قام به عدد من الشعراء العرب في عصر النهضة. إلا أنه التحق بالتعليم آنذاك والتحقت أنا بالصحافة. وكذلك أبوشجه ومختلف الشعراء الشباب المعروفين في الساحة وحتى الجيل الذي سبقهم أحمد ولد عبد القادر ومحمد الحافظ ولد احمدو أعرف أغلبهم وتربطني بهم علاقات وصلات.

ـ يقال إنه ما زال الدارسون من الخارج أنجح في التأليف عن هذا المنكب من المؤلفين الموريتانيين، كيف؟

ولد محنض: سأحدثك حديثا: أعرف مستشرقا ألمانيا اسمه روبشتوك يرأس قسم الدراسات في إحدى الجامعات الألمانية وسبق أن خدم في موريتانيا خلال السبعينات مع المختار ولد حامدن وأيامها ألف هذا المستشرق موسوعة عن الاعلام الموريتانية ضمنها 10 آلاف عالم باللغة الألمانية. وعاد إلى هنا قبل سنتين للإشراف على طباعة أجزاء من موسوعة ولد حامدن. ودعاني لمرافقته إلى المكتبات الوطنية للاطلاع على ما استجد من كتب عن موريتانيا. ومن الكتب التي اقتناها كتاب ألفه الأستاذ الطالب أخيار ولد مامينا عن جده الشيخ ماء العينين وجهاده ضد الاستعمار، فقلت له إني أعرف مؤلف هذا الكتاب وإن شئت زرناه فقال لي بكل بسرور واتصلت بالطالب اخيار فحدد لنا موعدا للقاء و الطالب أخيار لمن لا يعلم هو صاحب أكبر مكتبة شخصية في موريتانيا وهو مؤرخ وباحث وفوق ذلك اعتنى بتراث والده وسافر كثيرا إلى المملكة المغربية التي كان بها والده وسخرت له شتى الجهود الثقافية والعلمية هناك لجمع ما يمكن جمعه عن تراث جده. والمفاجأة أنه عندما استعرض لهذا المستشرق ما كتب عن جده وعرض له قائمة مؤلفاته التي أوصلها لتسعين مؤلف قال له الألماني أنا أوردت له مائة وعشرة مؤلف أي أكثر ب20 تأليف مما أورده الطالب اخيار عن والده. فتعجبت أنا كمراقب من الأمر فجهود هذا الباحث الكبيرة وجهود مختلف الباحثين في الدولتين موريتانيا والمغرب وجهود أسرة الرجل لم تصل كلها لما وصل إليه فرد ألماني واحد.

ـ فجرتم قنبلة بحديثكم عن آثار لليهود في موريتانيا القديمة وأنهم كانوا من سكانها، كيف تهدؤون القراء الموريتانيين؟

ولد محنض: فعلا، عندما بدأت في البحث في تاريخ موريتانيا القديم ، إلى درجة أني ذهبت إلى الباحث الكبير الأستاذ محمد مولود ولد داداه الذي يكاد يكون الباحث والمؤرخ الوحيد الحقيقي المتبقي من الجيل القديم، عايش المختار ولد حامدن 50 سنة وبينهما نوادر وحكايات كثيرة في هذا المجال، وتباحثت معه فيما وجدته عن اليهود وكنت دائما أحمل إليه استشكالاتي. أتذكر أنني عندما تقدمت في البحث وجدت أقدم مؤلف تحدث عن اليهود في هذه الأرض من المؤلفات العربية الاسلامية هو كتاب ابن أبي زرع الذي تحدث عن وجودهم حول مدينة بانكلابين التي يعتقد أنها بتكانت. ثم بعد التوسع وجدت أن أبا بكر المحجوبي تحدث عنهم في ولاته قائلا إنهم كانوا خلال القرن السادس للهجرة هم أغلب سكانها، ثم وجدت الشيخ محمد المامي تحدث عنهم في جمان البداية ونظم طلعة حسانية يترجم فيها رموز اللغة العبرانية إذ يبدو أن اللغة العبرانية كانت موجودة في البلاد وحروفها منقوشة على الصخور، وقد خصص الباحث الفرنسي مونو بحثا كاملا لهذه النقوش. كما عثر على حجر في ولاته يحمل نقوشا عبرية، كما وجدت أيضا آثارهم في آوداغست وتيشيت، ووجدت ذكرهم في الكتابات البرتغالية في القرن 15م.

كما تحدث عنهم كتاب فتح الشكور إلى غير ذلك مما يتبين منه أننا أمام حقيقة أكبر من أن يتجاهلها مؤرخ، وبالعودة إلى فجر التاريخ توصلت إلى أن اليهود وصلوا إلى هذه البلاد عبر هجرات أولاها كانت في القرن الأول للميلاد قدمت من برقة (ليبيا) هربا من بطش الرومان. وقد مارس هؤلاء اليهود تجارة الذهب في أودغست تحت ظل قبائل أغرمان الذين يرجع لهم الفضل في تأسيس أول نظام سياسي في موريتانيا. وأسسوا مجتمعا من البيض كان يتعامل مع مجتمع السوننكي الأسود الذي كان يسيطر على مناجم الذهب بمالي، ثم تتالت الهجرات بعد ذلك قبل وبعد الإسلام، وبعد الفتح المرابطي ظل الوجود اليهودي يتراجع حتى اضمحل نهائيا مع استقرار بني حسان في هذه الأرض.

ـ تذكرون أن الباحثين يتهمون القبائل الموريتانية بالتدخل في صياغة أنسابها؟

ولد محنض: المجتمع الموريتاني كما هو معروف كان مجتمعا قبليا صحراويا، وفي نفس الوقت شكلت هذه الصحراء التي وجد عليها ملتقى لحضارات وهجرات عديدة، من بربري إلى صنهاجي إلى زنجي إلى عربي، ومن مجتمعات أموية أي تنتسب إلى أمهاتها بدل آبائها إلى مجتمعات أبوية النسب، و بعد التعرب الشامل الذي انتشر خلال العهد الحساني تنافس من لم يكونوا عربا أو أشرافا في اقتناء أنساب عربية أبوية في مقدمتها النسب الشريف، وهذا حدث تاريخي طبيعي حدث في معظم البلاد الإسلامية، طبعا التاريخ في موريتانيا يعاني من مشكلتين إحداهما تتعلق بالمجتمع والأخرى بالدولة فمن جهتها الدولة لم تستثمر بما فيه الكفاية حتى الآن في التاريخ لإنجاز تاريخ وطني جمعي للأمة. أما المجتمع فلا يزال من جهته يعيش على الماضي لأن الفرد مازال يعتبر القبيلة هي بيئته الأم وليس الدولة، فالقبيلة هي هويته وليس المواطنة والمجتمع بالتالي لم يتطور بعد بما فيه الكفاية لكي يتخلص الفرد فيه من ذاتيته وينظر للتاريخ بكل تجرد وعليه فعلى من يريد أن يكتب في التاريخ الموريتاني أن يدرك أنه كمن يمشي بين الأشواك، وهذا عائق آخر كبير غير أن النهوض بالأمة فكريا وحضاريا يتطلب من المثقف بذل الوسع للسمو وتجاوز مثل هذه العوائق.

ـ وهنا سؤال طريف، اكتشفتم مكان ياجوج وماوجوج، ما ذا عنهم بعد تأليفكم كتاب "ضيوف القرن الحادي والعشرين" حيث أظهرتم أنهم سيكونون أبرز ضيوف القرن، كيف، وما ذا على الناس بعد هذا الخبر؟

ولد محنض: الناس تنظر لمواضيع كأحاديث الفتن وأشراط الساعة بما يخالف نظرتي لها. الناس تنظر لها وكأنها نصوص تدعو للاستقالة من الحياة وكأنه نوع من الشعور بالانهزامية، أو تعبير عن ما يطلق عليه البيظان "ألي غلبتو الدنيا إكول عن الاخر جات" أنا كنت أنظر إليها من ناحية أخرى، كنت أنظر إليها على أنها جزء من علم الاستشراف أو المستقبليات الذي هو أحد ركائز علوم التخطيط وأحد ركائز علوم الأناسة التي تساعد على معرفة سيكولوجية المجتمعات وتوجهاتها. وقد حاولت في هذا الكتاب (ضيوف القرن الحادي والعشرين) أن أقدم مادة أسستها على ثلاث دعائم. الأولى التفكير في تفسير للآيات التي تتحدث عن الفتن وأشراط الساعة تفسيرا علميا وواقعيا بدل الطريقة التقليدية الجامدة المنفصلة عن الواقع. الثانية: التعرض للإشكاليات المهمة في مجال البحث والفكر الإسلامي الغير مؤطرة في زمن معين كإشكالية "ياجوج وما جوج" التي تحدث عنها القرآن ولم تظهر رغم اكتشاف كامل الكرة الأرضية تقريبا، مما جعل البعض يعتقد أنهم التتار والبعض يقول إنهم الصين وحاولت أنا أن أقدم إجابة علمية تنطلق من الواقع، وخلاصة النتائج التي توصلت إليها انطلاقا من استقراء النصوص القرءانية أنهم أولا ليسوا بشرا بل هم من بقايا الديناصورات، وأنهم الآن موجدون في قارة الأنتركتيك على مسافة 900 كلم من الأرجنتين.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!