التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:14:42 غرينتش


محمد الأمين ولد سيدي مولود

محمد الأمين ولد سيدي مولود

"لقد تحققت العدالة" كما يرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمقتل أسامة بن لادن خاصة بالنسبة لأولئك المدنيين الذين قتلوا بدون جرم سواء في أمريكا في الحادي عشر من سبتنبر أو في غيرها من بقاع العالم ممن تجرع كأس عنف القاعدة، وخاصة الدول العربية والإسلامية حيث تدار معركة "الإرهاب" على أراضيها بين القاعدة والغرب رغم أنف الشعوب ومداراة من كثير من الحكام.

لكن كلام الرئيس الأمريكي عن "العدالة" ربما يذكر كثيرين في العالم من جديد بالحديث عن العدالة وبالسعي الحثيث لتحقيقها، إن الشجى يبعث الشجى، ولئن كانت أمريكا وهي الدولة الأقوى عسكريا واقتصاديا في العالم، ورغم كونها مدعومة بحبل من الحكام العرب والمسلمين وحبل من حلفائها الغربيين احتاجت أكثر من عقد من الزمن لتحقق العدالة من شيخ مريض بالقصور الكلوي وعلل بدنية أخرى، فإن الطامحين إلى العدالة من الظلم الأمريكي قد يستلهمون الدرس من أمريكا نفسها ويفهمون أنهم يحتاجون لعقود من الصبر على القتال وعلى النضال وعلى الجوع والمطاردات لتحقيق العدالة...

ولقد أخطأت أمريكا حين ذكرت تلامذة بن لادن وأنصاره والعالم الإسلامي والأمة العربية وكثير من العالم وخاصة في هذه اللحظة ـ أن بن لادن عدوها الأول وأنها عدوه الأول إذ لا يحتاج الرجل وفكره دعاية أحسن من هذه الخطوة وهذه الميتة.

ولئن كان بن لادن ـ وهو نتيجة من نتائج الظلم الأمريكي والغربي ـ أخطأ في بعض تصرفاته وخاصة في قتل المدنيين غربيين أو مسلمين، ولئن كان بعض أتباعه وأشياعه ومناصريه أخطأوا في كثير من تصرفاتهم فإن الخطايا الأمريكية تبقى هي وقود العنف أو "الإرهاب" في العالم اليوم.

أمريكا التي تحتل دولا بكاملها مثل العراق ـ أهم حضارة معاصرة بناها العرب ـ وتنهب خيراتها بنهم ووقاحة وتحصد أرواح آلاف المواطنين بدون جرم، أمريكا التي تحتل أفغانستان، أمريكا التي تنشر قواعدها العسكرية في دول الخليج )الإحتلال الناعم)، هي أمريكا ذاتها التي تحمي إسرائيل وتحاصر غزة وتعاقب فتح لتوقيعها مصالحة - مجرد مصالحة - مع النصف الفلسطيني الآخر رغم ما قدمت لها من تنازلات، هي أمريكا ذاتها التي حمت وتحمي دكتاتوريات شرسة في العالم العربي والإسلامي ورعت وشيدت المعتقلات السرية والجهرية الأسوأ في تاريخ العالم من أبو غريب إلى اغوانتنامو إلخ... أمريكا هذه هي من يتبجح اليوم بتحقيق العدالة... وتنسى أنها تذكر الملايين أن تحقيق العدالة يتطلب جهدا ووقتا وصبرا!

إن مقتل زعيم القاعدة حتى الناحية الإستراتجية لن ينقص العنف "الإرهاب" في العالم كما يعتقد الكثيرون لأن الرجل مجرد نتيجة بسيطة لنتائج الصناعة الأمريكية والغربية للإرهاب.

إن جذور الإرهاب الأربعة وهي:

ـ الحيف الأمريكي والغرب في حق العرب والمسلمين وخاصة في قضية فلسطين والصراع مع الحكام الفاسدين.
ـ الظلم الداخلي التي تتعرض له الشعوب العربية من طرف الحكام.
ـ الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها هذه الشعوب نتيجة فساد حكامها، ونهب الغرب لثرواتها.
ـ الغلو والتطرف الفكري الذي في الأغلب يأتي كنتيجة للثلاثة السالفة.

إن هذه الجذور الأربعة لن تتأثر كثيرا بموت بن لادن، فلا الظلم الأمريكي ـ الغربي أتى بسبب بن لادن بل العكس، ولا بن لادن هو من يحمي الحكام الدكتاتوريين ولا هو المسؤول عن معاش الناس.

لقد تحقق حلم بن لادن في كثير مما طمح إليه ، ولقد سرع الرجل عجلة التاريخ بحروبه المرتجلة وقرت عينه قبل موته بأمريكا تتألم في عقر دارها وتخسر الكثير من نعمائها، كما قرت عينه بأوجاع أمريكا وحلفائها في العراق وافغانستان، ثم قرت عينه بسقوط أعتى دكتاتوريات أمريكا والغرب في العالم العربي (مبارك وبن علي(.

كما أن حلم الرجل الأكبر قد تحقق بقتل الأمريكيين له، ولقد كان بن لادن محظوظا إذ لم يقتله الأفغان ولا الباكستانيين ولا أي جهاز استخباراتي عربي... ولم يعتقل... وفي دفن أمريكا له في البحر أو رميه جثمانه في مكان سحيق تهوي به الريح أو تتخطفه الطير أعمق تجسيد لحلم رجل طالما غنى وأنشد:

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن قبري بطن نسر مقيله بجو السماء في نسور عواكف
وأمسي شهيدا ثاويا في عصابة يصابون في فج من الأرض خائف
فوارس من شيبان ألف بينهم تقى الله نزالون عند التزاحف
إذا فارقو دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف

إن الحساب القائل أن مقتل بن لادن سينهي العنف هو حساب خاطئ إذ تزول الأسباب بزوال المسبب لا العكس.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!