التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:12:30 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.06.2011 13:59:27

في ضرورة رحيل الحكومة!

بقلم: السعد بن عبد الله بن بيه، باحث بمجال العلوم السياسية                                                                           Saadbayeh_2006@htmail.com

بقلم: السعد بن عبد الله بن بيه، باحث بمجال العلوم السياسية [email protected]

بداية ونتيجة النقص الملاحظ في التربية – أعني الديمقراطية – ،لا بد من التأكيد بداهة أننا حين نكتب عن الحكومة أو الأحزاب أو مختلف الهيآت فذلك بصفتهم فاعلين عموميين، ينتجون سلوكا عاما يتعلق برسم سياسيات عامة تمس العامة " الناس" المواطنين ؛ كذلك نكتب ولسنا منجمين بل نكتب كملاحظين للخطاب ، والسلوك ، والإنتاج ، ولكن وبكل تأكيد بعيدا عن النوايا، وإذا كان هناك من نقص في المعلومات، فاللوم أولا وأخيرا يقع على حكومة تعلن بأن نظامها مفتوح بل وتضاهي بديمقراطيته ،- إلا إذا كان هناك خلل في المفاهيم – فلا بد أن تكون هناك سيولة معلومات في هذا العصر تؤمنها أدوات الحكومة الديمقراطية، من أهمها بوابات المعلومات وإعادة النظر في مفهوم "عمومية" الإعلام الموريتاني، وهي ضرورة قصوى لتأمين مستوى من الوصول إلى محتويات جدول الأعمال الوطني وتمكين المواطنين من الفهم والمشاركة .

في هذا الإطار نرجو فهم مساهمتنا اليوم في ممارسة مواطنيتنا في النقد والتصويب، فبكلمات قليلة أصبح من الصعب على المهتمين مراقبين أو محللين التوصل لأسباب مقنعة وموضوعية تفسر بقاء هذه الحكومة وديمومتها ، أشرنا من قبل – فيما نرتكبه من الكتابة – بناءا على تحليل أداء العمل الحكومي، بأن هذه الحكومة قد تشكل عبئا على رئيس الجمهورية ، وربما أصبحت اليوم تشكل خطرا على المصداقية، ليس بسبب افتقادها روح المبادرة فحسب، وإنما لعدم القدرة على الاستقلالية - لا اعني استقلالية القرار فنحن مدركين موقعها في الهندسة الدستورية – وإنما في أداء عملها.

فاعتمادها في التخطيط والتنفيذ في كل شاردة وواردة – برنامج عمل، إذاعة خبر ، تنفيذ قانون ...- على "تعليمات عليا " فضلا عن كونه غير عملي، فهو معيق لسير الحياة الإدارية والتنموية في الدولة – وبما أنني أكرر دوما أن المجاملة في الشأن العام خيانة – فإنني أُُُُذكر بأنه لا يمكن بل يستحيل على أي رئيس دولة أن يتدخل في التفاصيل ، وإنما يجب أن يتدخل فيما هو استراتيجي ، والمسألة هنا ليست مسألة اختيار فالتفاصيل تضلل أو على الأقل تحد من فاعلية صانع القرار ، وهو ما يتطلب إنشاء جهة مستقلة لتتبع تنفيذ القرارات والتحقق من النتائج وإطلاع الرئيس، ومن ثم الدفع بتحسين وسائل الرقابة، والقضاء، والجزاء....، ومن خلال متابعتي وغيري من المهتمين فاعلين سياسيين أو محللين، فقد ظلت الأسباب التي تمنح هذه الحكومة البقاء غير منظورة أو غير مدركة بالتحليل العلمي ، مما يجعل أي باحث في العمل الحكومي يغلب عوامل ذاتية غير معقولة الدوافع على أية عوامل أخرى،قراءة غير هذه تصنف بأنها ضرب من التملق والخداع، لذا أقول وبيقين تام أن هامش المناورة لم يعد محدودا أمام الحكومة بل منعدما ،فهي تعيش بطريقة اصطناعية منذ أوت 2010، فكل المحرضات والعوامل الموضوعية سياسيا وتنمويا لإنهاء عملها كانت قائمة منذ ذلك التاريخ ، وكغيري من المواطنين كتبت – وهو أضعف المشاركة – ضرورة (البحث عن حكومة جديدة ) وأن ( ليس بالتصريحات وحدها يحيا الإنسان أيتها الحكومة )، ومنذ ذلك التاريخ يتسع سجل الخطل في الرؤية والأداء؛ مبرهنا على خطابية وشعاراتية الحكومة " الخالدة" ، أكثر منها جهازا تنفيذيا يمتلك من الأدوات النظرية والعملية ما يمكنها من انتشال موريتانيا من وهدة التخلف الكبيرة التي تتدحرج فيها منذ عقود ، والأمثلة لا تنتهي على الفشل المركب (رؤية وأداءا) ، فالمشكلات المزمنة التي تهدد المواطن –أعنى 90 في المائة من المواطنين- في الغذاء والماء والصحة والسكن والتعليم والتشغيل لا تزال قائمة ، وهو ما يشهد له تردي نوعية الحياة ؛ حتى الأزمات الطارئة والمتكررة والمتصورة من فترة إلى أخرى ، لا تملك الحكومة حيالها شيئا ، الكل يتذكر كيف تعاملت هذه الحكومة مع الفيضانات الموسمية الماضية، والتي ألحقت أضرارا بالغة بالسكان، وترك علاجها للزمن والنسيان (نعم أتذكر كيلو غرامات السكر والرز والتي لا أظنها تقيم أود عائلة صغيرة لمدة شهر أو تبني بيتا أو ترممه أو سدا أو طريقا أو تعالج مريضا أو جريحا تلك هي المعالجة الوحيدة !!!)

كذلك الكل يذكر الأزمات البيئية التي أثرت على السكان والحيوان في إنشيري، بسبب الاستغلال السيئ لشركات النهب الأجنبي ، وغيرها كثير، فضلا عن الفشل الذريع في مواجهة ومعالجة المطالب الشبابية والفئوية المشروعة .......

كانت الحكومة تصرف جهدها في الكلام و"الدراسات" لتأتى بحلول مما قبل قبل التاريخ، تشتد الأزمة الغذائية وترتفع الأسعار وتتجمد الدخول وتضعف القوة الشرائية وتتهالك المساكن ، فتلجأ الحكومة بحلولها العبقرية ،إلى توزيع مساعدات غذائية على بعض المتضررين – جيد وليس كافي- في بلادهم ورغم المقدرات تجعل من المواطنين الشرفاء عالة يتكففون أو تجعل منهم متسولون إتكاليون ، ثم تلجأ – في عبقرية لا فتة – إلى فتح دكاكين توصف بالعشوائية والمحدودية والمهينة للكرامة البشرية – حيث الأرتال من أجل ما لا يغني من جوع- وبميزانيات لا دليل على وجودها أو على الأقل إنفاقها فيما رصدت له، فالرقابة والتتبع ليس تقليدا حكوميا حتى الآن ، لكن الطريف في الأمر أن هذا الاختراع – الدكاكين – يحتاج مسيرين ( وكافة ) فوق العادة لا يحسنون الحساب ولديهم مسحة من الأمانة، وإنما أصحاب كفاءات جامعية ، وهو أيضا حل عبقري آخر في وقت نعتقد أن نسبة كبيرة من الجهاز البيروقراطي لا مؤهلات علمية لديهم، كذلك تلجأ الحكومة إلى توزيع أراض خلاء من الخدمات و البنية التحتية المناسبة على بعض الفقراء دون البعض الآخر وتسمي هذه الإجراءات " سياسة إسكان" ، ويستمرأ " الجوق " الحكومي اللقاءات والتصريحات المتتالية واصفا هذا العبث بأنه حلول بنيوية وتاريخية ، وأن موريتانيا أصبحت في مصاف العظام .

وللعبقرية بقية ، فحين يتظاهر الشباب – قل أو كثر – للمطالبة بحقوق دنيا، في ظل دولة تسم نفسها بالحق والقانون ومكافحة الفساد، تتفتق الملكة الحكومية في استخدام العنف المادي فتقذف بقوة الشرطة للضرب والإذلال ، والعنف الرمزي بحملات التشويه والتخوين والاستخفاف ، ولكن مع حلول ووعود عبقرية أخرى باكتتاب الشباب في مستودع فقر الدخل وحرمان الفرص، والحكم بالفقر المؤبد ( الوظيفة العمومية)250 مقابل أكثر من 30 ألف عاطل عن العمل من حملة الشهادات ؛ فأية حلول تلك ولأية مشاكل ، طبعا الأدهى والأمر هو ما أبانت عنه الاتفاقية الأخيرة بين الحكومة الموريتانية والشركة الصينية، من افتقار الحكومة للتصورات والخبرة اللازمة حول الفرص الاقتصادية والاستثمارية التي تمثلها موريتانيا ، والتي تعطي للحكومة مقدرة تفاوضية أفضل من التي أبان عنها أداءها الهزيل، وهو ما يحتم إلغاء هذه الاتفاقية وإعادة التفاوض من جديد ،فضلا عن تمالئ القطاعات الحكومية وإعطاءها الأولوية للقطاع الخصوصي المورد، الطفيلي والزبونى الفاسد ، ومع مستثمرين خارجيين في مجالات خدمية، يمكن للقطاع الوطني الخاص مع قليل من الضبط والإشراف القيام بها، على حساب جهات أكثر نظافة وربما لأسباب سياسية ؛هذه مجرد أمثلة ونماذج من المعالجات البدائية التي تواجه بها مشاكل جوهرية تمس حياة الناس وتقدم البلاد .

لذا أظن أننا نمر بلحظة خاصة على الدولة – بعد تغيير حكومتها – أن تتكيف وفق منطق جديد من سماته الأساسية الاعتراف بالمشاكل وبحجمها الحقيقي وعدم الانفراد بالحلول والتصورات ، وهو تكيف يستدعي أن تكون السياسة الحكومية أكثر تشاركية وأقل تسييسا- فما أن يقول أحدهم أن كيلو الأرز أغلى من ذي قبل إلا قيل معارض وانقلابي ...إلخ- يجب التحلي بالتواضع، وأن ترسم إستراتيجية جديدة، تخدم التطلع المشروع والملح عند المواطنين ومختلف الفاعلين والشباب في المشاركة والحرية والتنمية، وأن نتبنى قيمة "الإنصات " من خلال إيجاد قنوات وآليات غير تقليدية للاستماع والمناقشة والتشاور ، على القابضين على الشأن العام – كما يقال- أن يغيروا زاوية نظرهم للأشياء، وأن يتم النظر إلى وجهات النظر المخالفة كعامل إثراء وإلى الحراك السياسي والاجتماعي باعتباره دينامية وحيوية تخدم السياسات العامة للدولة وليس العكس ، فعهد اللامبالاة وهضم الحقوق أو الالتفاف عليها يجب أن يطوى .

ومن الواضح أن المشكلة اليوم هي بالدرجة الأولى تنموية، وفتح الباب أمام صيغ جديدة من العمل، تشرك الجميع في تصور المشاكل والحلول، هو ما سينتج سياسات ذات فعالية ونجاعة تخدم الاستقرار والعدالة في البلد وليس العكس ،إذا في تقديري الخاص لا بد من يكون التوافق هو شعار المرحلة، ولكنه توافق مبني على حلول للمعضلات، وليس على تفاهمات خاصة تجعل من الدولة غنيمة ،ولذا فالنخب الوطنية مدعوة اليوم لمراجعة ليس مواقفها فحسب، وإنما وجهات النظر والتمثلات الخاصة لكل فريق سياسي ، ورغم عدم اهتمامي بنوع التشكيلة الحكومية المقترحة بناءا على التوافق والتعاون بين مختلف الذوات السياسية ، إلا أن المشكل ليس هنا ! المشكل هو سؤال ماذا بعد؟ ما ذا بعد التوافق والشراكة الحكومية ومنافع الحكم ؟ أين الناس أين البرامج والمشاريع والسياسات والخطط التي تنقذ الوضع؟ليس سرا أن المشاريع والخطط الوحيدة لكثير من النخب هي فقط الوصول للمنصب ! وهو مدعاة ليس تجديد النخب فحسب (مادة السياسية) وإنما فكرية النخب (سؤال السياسة )لماذا السياسة؟!. مصدر القلق أن كثير من النخب لا يمتلك – بشكل حقيقي- رؤية للتغيير ، المسألة تجعل من اللعبة السياسية صراع غرائز من أجل التملك والسلطة وليس صراع برامج وأفكار ورؤى .

تبقي الأسئلة الملحة أمام أية حكومة قادمة – تنمويا على الأقل – هي البحث عن منظور جديد للتنمية أكثر ملائمة للمشاكل الآنفة الذكر، يوازن ويولف بين استغلال الخيرات المادية والعوامل المعنوية للمجتمع ،ويكون بمثابة برنامج تتبناه وتنفذه حكومة إنقاذ تنموي وسياسي ، في ظل غياب رؤية عامة وشاملة محكمة تجيب على أسئلة الهم التنموي الوطني الحقيقي انطلاقا من العلم والخبرة والتفتح .

_ثم ما هي المقاربة الحكومية الناجعة فيما يتعلق بحل مشكلات البطالة وغيرها من خلال عدة أطر تجب مراجعتها واستغلالها بشكل أمثل ،يمثلها :- الجهاز البيروقراطي للدولة كونه غير مكتمل (بحاجة للتوسع) وفاقته إلى المورد البشري الكفء كبيرة. كذلك التوسع في مشاريع البنية التحتية من سدود ، وموانئ ، ومطارات ،ومدن للإسكان .... وهي طريقة ناجعة كما يرى المختصون لامتصاص اليد العاملة وخلق مصادر للدخل ، فضلا عن حاجة الدولة للبناء وجلب الاستثمار ....، كذلك يتعلق الأمر بمعضلة أساسية هي كيف نضع القطاع الخاص الموريتاني أمام مسؤولياته ، من خلال التحريض والتشجيع والإلزام .

حضه أن يلعب دورا طلائعيا في التنمية الوطنية ،بما يناسب ليس قدراته وإنما تطلعاته للربح، وتطلعات البناء الوطني، وتشجيعه قانونيا (إعطاءه الأفضلية)، وكذلك إلزامه بالاضطلاع ببعض أعباء التنمية الاجتماعية ، طبعا بالإغراء والإقناع والمحاسبة المشروعة، وهو مسعى قد يشجع هذا القطاع المرتجل إلى ارتياد مجالات جديدة، من خلال تنويع وتوسيع أوعية استثماره ، فيتمكن من مضاعفة رقم الأعمال الوطني ويساهم في التوظيف، والخواص الذين يتمكنون من استيعاب هذا التوجه ودعمه ، تقدم لهم كافة أنواع الرعاية والمساندة ، وهو ما سيساهم في تعاون وثيق ومعقلن بين الخواص والدولة ، ويقطع الطريق على الزبونية و الإثراء غير المشروع على حساب الدولة والمجتمع.

وطبعا الطرق العملية كثيرة، ومن بينها خلق بنية حكومية ( وزارة أو غيرها لتنسيق هذا المجهود ) وفي الوقت الحاضر لجنة مختلطة من الخواص والرسميين، تحدد إطارا للتعاون وتدرس المعيقات والفرص بكل شفافية وتحمل للمسؤولية ، وكذلك دراسة احتياجات سوق العمل ،ومن مهام اللجنة كذلك تصور وسائل الدعم المتبادل وخاصة دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وإعطائها الأولوية في بعض الحالات ومناحي الاستثمار ، وكذا كسر الاحتكار. والحكومة مطالبة بدمج هذا التصور في الإطار التنموي العام وربطه بمختلف السياسات القطاعية ؛بهذا قد نحقق جزءا من نداء " برنار شو" (اقتلوا الفقراء) يعني بالتدريس والعمل . بالطبع هي مجرد اقتراحات تحتاج إلى حزمة من الإصلاحات القانونية والتربوية والتعليمية والإعلامية ،كمنظومات تتضافر لتغيير العقليات، وتشجيع قيم العمل والاجتهاد والمثابرة والمشاركة ، وبناء قناعات بأننا قادرون على إحداث التغيير ، ولكن في ظل سياسات متوازنة ومدروسة ، ولا يكون كل ذلك إلا ببناء منهجية جديدة للتعاطي مع الشأن العام تتجنب الارتجالية والبدائية والتقليدية في الحلول، قائمة على الحوار والتشارك والدراسة والنزاهة في التنفيذ، عندها أيضا سنتفادى أن يكون " الفقر اختيارا" كما حذرت تاتشر مرة.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!