التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:45 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.07.2011 10:49:03

ولد بلعمش: أنا مهندس بالنهار شاعر بالليل

بعثة الأخبار - نواذيبو (39)

الشاعر الشيخ ولد بلعمش أثناء حديثه للأخبار (الأخبار)

الشاعر الشيخ ولد بلعمش أثناء حديثه للأخبار (الأخبار)

مهندس شاعر أو شاعر مهندس، أو كما اختار هو "مهندس بالنهار شاعر بالليل"، يحدثك فتلمس الصراحة في حديثه والصدق في مشاعره.

يخوض عن الجنود الموريتاني في الشمال المالي معركة الكلمة في المواقع وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وينقل مشاعرهم بأمانة، كما يؤكد أن الإنسانية تقتضي ذلك والمبادئ الأخلاقية توجبه، فالجندي رجل من زمان الضمير.

ولا يمنعه الدخول إلى عوالم الجند ومشاعر المقاتلين من السهر على سلامة وتطوير وتحديث شريان الحياة في الشمال حتى يوصل حمولته بأمان، ويقرأ في ثنايا عرباته الحياة، ويسائل كل عربة عن ذكرياتها، ويتتبع التفاصيل باحثا عن ما يسميه الحياة الحقيقية، مشيرا إلى أن "الإنسان عليه أن لا يتعامل مع الأشياء المجسمة تعاملا لا روح فيه، عليه أن يحاول أن يغوص إلى أبعد من الجسم".

يدافع عن المثقف والشاعر باستماتة فـ"لا يمكن أن تجد مثقفا في الدنيا إلا وهو حصيلة مجتمعه، أو صبغه مجتمعه بصبغته... فالمثقف الموريتاني هو ابن هذه البيئة، وهو ذو انتماءات، وهو متلقي لكثير من التأثيرات، وهو مطروق الرأس بمطرقة الواقع الأليم، وهو ضعيف البنية يمشي أكثر مما يركب السيارة، هو رجل منهك، هو ابن هذه البيئة يعاني ما يعاني منه المجتمع، فلا تتوقع أن ينجز من العمل الثقافي ما لا طاقة له به".

يرى أن الشاعر حين يقول " إنه لا يريد أن يكون أميرا للشعراء، أو لا يريد المشاركة في المسابقة ليصبح أميرا للشعراء، فلا تأخذ قوله على محمل الصدق" لأن الشاعر يحب "أن يسمعه الجميع، أن تسمعه الدنيا، أن يدخل كل بيت"، فمن "الطبيعي أن الشاعر يحب أن يطلع الناس على ما يكتب، ولا شيء أكثر إسعادا من أن يعرفك الناس، أو يحتفظون عنك بذكريات طيبة أو تصور جيد، هذا في النهاية هو معنى الحياة، أن تتواصل مع الآخرين، وأن يحبوك، هذا يمنحك طاقة، يمنحك تجددا، يمنحك سعادة".

يعجبه في فيسبوك "أن لا سلطة لأحد عليه.. أنك تكتب دون رقيب... كما أنه يعوض نأي الجسوم.. وهو أقل جهدا وأقل إنهاكا لك كشاعر، وتمارس حياتك العملية بشكل طبيعي، عندك أوقات راحة وأوقات عمل، فاكتب ما تشاء، فليس لأحد سلطان عليك.

إنه الشاعر الشيخ ولد بلعمش، فإلى نص مقابلته:

الأخبار: لنبدأ من آخر نص كتبتموه، "مشاعر جندي في الغابة" كيف وجدتم تأشرة إلى مشاعر جندي موريتاني في الشمال المالي؟

ولد بلعمش: الحقيقة أن الإنسان يجب أن يشعر بأخيه الإنسان، خاصة حين يكون شاعرا، إخوة جنود يقاتلون في غابة، في بلد كان أجدادنا يتحدثون عنه ذات يوم كما يتحدث عن جزر الواقواق في ألف ليلة وليلة، عندما يذهبون في القوافل يأتون ويحدثون عن أشياء هي أقرب إلى الأساطير.

يقال لك إن هنالك جنود موريتانيون إخوة لك، يقاتلون ناسا مستبسلين في الصحراء، ومنهم من يقتل.

هؤلاء الجنود لديهم عائلات.. ليسو بأبناء أثرياء... ليسو مدللين... لم يجربوا متع الحياة... لم يركبوا السيارات الفارهة... لم يستلموا "الأورو"... أياديهم خشنة من كثرة ملامسة الزناد... منذ شهور في الصحراء... في البيد.. في القفار.. تحت حرارة الشمس... يواجهون ناسا ليس لديهم ما يخسرونه... إذا لم تحس بهؤلاء الإخوة... بأبناء بلدك... وتحمل ولو جزءا بسيطا من معاناتهم، فأنت لست أمينا، أو لست أخا، أو لم تطبق مبدأ أبي البحتري ابن هشام:

لا يسلم ابن حرة زميله *** حتى يموت أو يرى سبيله

عليك كشاعر – ولا أقول عليك إملاء- لكن يحسن بك كشاعر أن تحس بهؤلاء، أن تنقل معاناتهم، أن تخفف عنهم.

أنا مثلا في المعركة الماضية التي حدثت في مالي كتبت "خواطر جندي على الجبهة" أنا قلت ما قلت عن وعي، بعد ذلك بأسابيع صدرت قرارات لتحسين ظرفية الجندي المقاتل في تلك الربوع، من يدري؟ ربما تكون كلمتي لبنة في جدار رفع هذا الإنجاز أو بناه أو أسس له، قد يكون لي أجر حتى من الناحية الدينية.

من واجبنا أن نكون إنسانيين، نحن نتمشى في الشوارع، ونتحدث ونكافح من أجل لقمة العيش، ولكن لا أحد يهددنا بالموت، إذا كانت معاناتنا معاناة شظف عيش فما المشكلة، آباؤنا على أية حال لم يكونوا يسكنون منازل بهذا الشكل.

إذا من الناحية الأخلاقية على الإنسان أن يحس بمعاناة أخيه الإنسان.

الأخبار: تقول القصيدة على لسان الجندي: أنا رجلٌ من زمان الضمير *** جهلتُ القصور وآثامَـــها هل أصبح زمان الضمير جزءا من التاريخ؟

ولد بلعمش: الضمير سيظل موجودا إلى يوم الدين، لكن لا شك أنه في خطر محدق به، وهو في أزمة (الأخبار)

ولد بلعمش: الضمير سيظل موجودا إلى يوم الدين، لكن لا شك أنه في خطر محدق به، وهو في أزمة (الأخبار)

ولد بلعمش: النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما معناه "إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهُم"، وفي رواية "فهو أهلكهَم"، والأمة لا تزال بخير.

لكن لم أر شاعرا عبر التاريخ إلا ويعيب مجتمعه. ولعل المتنبي أكثر الناس تحديدا حين قال:

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا

... نحن كنا على هذه الصحراء، وكنا فعلا شعوبا وقبائل لنتعارف، كان الغني ينفق على الفقير، وكان الفقير لا يحس بعقدة من للغني، لأن التقدير الاجتماعي والتقدير الأخلاقي والعدالة الاجتماعية أو ما كان موجودا منها حينها لم يكن على أساس مادي، حينها كان من العيب أن يتنكر أحد لأخيه. أو أن يعامل أحد آخر باستخفاف. لا لشيء إلا لأنه ليس محظوظا في هذه الحياة الدنيا. الضمير قل، كان حينها الإنسان يجود بما يملك، أما الآن فيتودد له ذوو القربى المحتاجون حقيقة لا زيفا وقد لا يجود عليهم.

الضمير سيظل موجودا إلى يوم الدين، لكن لا شك أنه في خطر محدق به، وهو في أزمة.

الأخبار: هل الشيخ ولد بلعمش، مهندس شاعر؟ أم شاعر مهندس؟

ولد بلعمش: أنا كلاهما.

الأخبار: أي الصفتين تستحق الصدر عند الشيخ؟

ولد بلعمش: أنت تجبرني على أن أكون دبلوماسيا، على أية حال أنا شاعر ومهندس، هندستي بدأت منذ أخذت الشهادة أصبحت مهندسا، أما شعري فيسبق ذلك بكثير، هذا هذا هو الفرق.

أو قل إن شئت إنني مهندس بالنهار شاعر بالليل.

الأخبار: نحن في ربيع الثورات العربية، هل شارك الشعر في صناعة الحياة التي أرادتها الشعوب؟.

ولد بلعمش: الشعر والثقافة والسياسيون والمثقفون، تفوق عليهم جميعا بائع خضرة. هو الذي علمهم معنى ما يكتبون، لأنه تصرف بفطرته، بحسه الإنساني، الرجل أهين، كسرت عربته، صودر ما يبيع، حاول وحاول بكل الطرق، لم يجد منفذا، الحياة تضغط، والمجتمع لا يرحم، والأيام تجري... لا أمجد فعله ولكنني أتفهمه.. كان وخزا حقيقيا لهذه الذات الاجتماعية أو المجتمعية، نحن الذين تعلمنا من البسطاء.

لكن لا يمكن مع ذلك كله ـ حتى نكون أكثر إنصافا ـ أن نلغي دور المثقف، في صناعة الأحداث والثورات، لكنه قد يكون تأثيرا تراكميا، لا تأثيرا مباشرا، فالقنوات الإعلامي،ة وحرية الرأي، والمجتمع التواصلي.. إلى آخره، هذا كله قد يكون ساهم أو شكل روافد.. لكن -بكل صدق- أقول لك إن البسطاء من الناس، أو الناس حقيقة تقدموا على الذين يعتمدون في معاملاتهم وكتاباتهم على الرتوش، تقدموا على المثقفين وعلى السياسيين بكل تأكيد.

الأخبار: أثناء حديثكم عن أزمة الضمير اتضح أن تحديه الأكبر مادي، في عصر المادة هذا، هل الشعر في خطر؟.

ولد بلعمش: أخي الكريم ما دامت هنالك قلوب فالشعر ليس في خطر، لن تعدم الدنيا أن تجد رجلا خاصا يقول للناس ما يريدون قوله، يضحي بكل شيء إلا بقلبه، ستظل هذا النوعية من الناس موجود دائما، هي وجدت قبلنا بكثير من القرون، ولا تزال موجودة، لا أحد كان يتصور أن يستمر الشعر العربي إلى أيامنا هذه.

فالشعر العربي مرتبط باللغة العربية، واللغة العربية مرتبطة بالقرآن، والقرآن محفوظ إلى يوم الدين، فخذ علاقة التعدي في الرياضيات وستنسحب على أشياء كثيرة في حياتنا، الشعر في صدارتها.

الأخبار: كيف يرى الشيخ الأمور التالية؟

- فيسبوك؟

ولد بلعمش: فيسبوك (يضحك) يعجبني أن لا سلطة لأحد عليه، يعجبني أنك تكتب دون رقيب، لا يوجد مقص رقيب، ولا سلطان لأحد عليك، تكتب ما تشاء.

هو يعوض نأي الجسوم، اليوم لم يعد الشاعر مضطرا لأن يزاحم الناس عند باب دار الشباب القديمة. وليس مضطرا لأن يتصل سرا أو جهرا على صحفي ويقول حبذا لو أجريت معي مقابلة أو برنامجا صحفيا، العكس هذا قد يكون أقل جهدا وأقل إنهاكا لك كشاعر، وتمارس حياتك العملية بشكل طبيعي، عندك أوقات راحة وأوقات عمل، فاكتب ما تشاء، فليس لأحد سلطان عليك.

- أمير الشعراء؟

ولد بلعمش: سأكون صريحا إلى أبعد الحدود. من قال لك إنه لا يريد أن يكون أميرا للشعراء، أو لا يريد المشاركة في المسابقة ليصبح أميرا للشعراء، فلا تأخذ قوله على محمل الصدق.

فأهميته ليست نابعة من قيمة اللقب الحقيقية أو أنها تدل على المسمى، أهميته تنبع من أنها تعطيك مساحة للتواصل مع الجميع، أن يسمعك الجميع، أن تسمعك الدنيا، أن تدخل كل بيت، فرصة رائعة، لا تتكرر، ولكن الله هو الذي يمنحها، لا يمنحها أحد من العباد، ثم إن الوصول إلى هذا الحلم بالنسبة للشعراء ليس مضمونا بالموهبة، وليس ميؤوسا منه بتواضع الموهبة، فهو آلاف يترشحون أو هكذا يقولون، في النهاية سيتصدر عشرون، على أية حال مهم جدا، وأعتقد أن يريد أن يكون صريحا إذا لم يوفق فيه فليقل لم يساعدني الحظ.

الأخبار: ألا ترى أنه تحكيم للمادة في تحديد قيمة الشعر SMS"" ؟

ولد بلعمش: آه أنت تتكلم عن جانب آخر، حسنا الأس أم أس لا يعطي قيمة لما لا قيمة له، لكن لا أحد سيتخلى عن ألقه ولو كان بالأس أم أس، لا أحد سيتخلى عن الألق لأن مصدره الأس أم أس، هذه وجهة نظري، ولكل وجهة نظره.

يقول لك البعض إنه لا يحب الأضواء ولا الشهرة، ممكن، لكن أعتقد أن الطبيعي أن الشاعر يحب أن يطلع الناس على ما يكتب، ولا شيء أكثر إسعادا من أن يعرفك الناس، أو يحتفظون عنك بذكريات طيبة أو تصور جيد، هذا في النهاية هو معنى الحياة، أن تتواصل مع الآخرين، وأن يحبوك، هذا يمنحك طاقة، يمنحك تجددا، يمنحك سعادة.

- مهرجان موريتانيا الشعري؟

ولد بلعمش: مهرجان موريتانيا الشعري حدث يجمع الأحباب، عندما ندخل في كل التفاصيل تحدث المشاكل.

الأخبار: يخرج الشيطان.

ولد بلعمش: نعم، عندما ندخل في تفاصيل أمير الشعراء أو تفاصيل مهرجان موريتانيا الشعري، أو تفاصيل أي حدث ثقافي سنجد الكثير وسنتحدث عن الكثير، المهم أنه في المحصلة النهائية هنالك شعراء موريتانيون أيا كان عددهم، وشعراء عرب، الكل يجتمع الكل يلقي، هناك جمهور ينجذب ولو كان جاذبه هذه المرة هو الإعلام، يسمع الشعر يتأثر به، قد يصادف ذلك أن طفلا مراهقا يدخل القاعدة فيعجبه الشعر فيقرر أن يكون شاعرا.

هذا مهم، وأنا أشكر كل من يتخذ مبادرة لإقامة حفل شعري أو حدث ثقافي.

- واقع الساحة الثقافية؟

ولد بلعمش: قطاع الثقافة بشكل مختصر ليس بخير، وعلى القائمين عليه أن يعطو فاضل أمين حقه (الأخبار)

ولد بلعمش: قطاع الثقافة بشكل مختصر ليس بخير، وعلى القائمين عليه أن يعطو فاضل أمين حقه (الأخبار)

ولد بلعمش: واقع الساحة الثقافية، الحقيقة أنني لا أريد أن أكون متشائما، والمثقف يجب أن يكون إنسانا، المثقف عندما يكون منظما ولو لا إراديا، عندما تسيطر الشللية الثقافية، وعندما يصبح متكبرا على الآخرين، وعندما يصبح مصلحيا... وعندما يصبح... وعندما يصبح...

على المثقف أن يكون إنسانا.

ثم إنك لا يمكن أن تجد مثقفا في الدنيا إلا وهو حصيلة مجتمعه، أو صبغه مجتمعه بصبغته، فلا تطلب مني أن يكون المثقف في الموريتاني بانعزالية أو تفرد أو تميز المثقف المصري مثلا، ما أريد قوله إن المثقف الموريتاني هو ابن هذه البيئة، وهو ذو انتماءات، وهو متلقي لكثير من التأثيرات، وهو مطروق الرأس بمطرقة الواقع الأليم، وهو ضعيف البنية يمشي أكثر مما يركب السيارة، هو رجل منهك، هو ابن هذه البيئة يعاني ما يعاني منه المجتمع، فلا تتوقع أن ينجز من العمل الثقافي ما لا طاقة له به.

أما المؤسسات الثقافية فبالله عليك كم مثقفا تسلم قطاع الثقافة منذ استقلال موريتانيا وحتى الآن، قلة قليلة، تعبد من لا تعرف يقول الصوفيون، تخدم ما لا تعرف، عندما لا يكون الراعي يعرف أن عليه أن يكون حريصا على الغنم، وأن ينظر في كل الاتجاهات وأن يذب ويهش بعصاه لا يستطيع أن يرعى، عندما يكون القيمون على الأمر ليسوا من أهله فلا تتوقع منجزات، عندما يكون الحدث الثقافي وسيلة لأن أتقاسم وإياك خمسمائة ألف ستبقى من الرصيد المعد لهذا الحدث لا تتوقع كثيرا، عندما يكون المبرمجون خمسة في حفل ثقافي ويقدم من هو ذو وساطة أكبر أو ذو هيبة أكبر أو من أسرة ذات شوكة أكبر، ويترك الأحق، لا أتوقع أن قطاع الثقافة بخير.

قطاع الثقافة بشكل مختصر ليس بخير.

الأخبار: ما هي علاقة الشيخ بالقطار؟

ولد بلعمش: القطار هو شريان الحياة الوحيد في منطقة الشمال، ولذلك للقطار نكهته، ميزة الشاعر أنه عندما ينظر إلى الأشياء أنه يسعى إلى بث الروح فيها، أن يملأها حياة، القطار عندما تسأل عربة وتحاورها كم ركبك من إنسان، وكم تحدث فيك من حديث، ولكل عربة ذكرياتها.

عندما تركب "ادويرة" وتسمع ستجد الحياة، الحياة حقيقة، متشاجران، مشعوذون، محاضرون، ناس يضعون مساحيق التدين وهم منهم براء، أولياء حقيقيون، أولياء مزيفون، طلبة كادحون، معذبون معذبون، هذا جانب الحياة.

القطار كذلك يريك عظمة الإنسان، وعليك أن تحس بأنه لا يمكنك أن تعبر عن عظمة الله تعالى، عندما ترى هذا المخلوق العظيم الطويل الكبير الذي صنعه الإنسان، والذي يجلب آلاف الأطنان، ويجلب الخير للناس، وهو في أبسط حادثة له لا قدر الله قد يخلف دمارا هائلا.

عليك أن تحس أيضا بعظمة الله تعالى، فالإنسان عليه أن لا يتعامل مع الأشياء المجسمة تعاملا لا روح فيه، عليه أن يحاول أن يغوص إلى أبعد من الجسم.

صحيح أن علاقتي به هي علاقة عمل، بمعنى أنني أحاول أن أحدد ما فيه خير لتطور ما يعنينا منه، كأن نقوم ببعض التحديثات والتحسينات والتطويرات، لكن علينا أن لا ننسى حقيقتنا وذواتنا، أنا مثلا أقول:

أخاطب البحر أولا، فأقول:

أخبر عن السفن الملأ تودعها *** أكف قوم على أقدارهم صبر
خاضوا التحدي فما لانت عزائمهم *** لله كم تعبوا لله كم سهر
المخرجون حديد الأرض قد قبلوا *** بأن يضحوا ولكن يسعد البشر
لما أزاحوا من الأعماق أثمنه *** لم يقلقوا فلهم في الأرض مدخر
وحملوا العربات المشرعات له *** تسعى به زمرا في إثرها زمر
حتى إذا وصل الآتون وانصرفوا *** تواصل الزحف فالقلاب يتنظر
وفرغت كل قعساء حمولتها *** وصدر المعدن المزجى لمن قدو
"اسنيم" مدرسة الأفذاذ كم صنعت *** عقلا دليل على إبداعه الفكر
وكم كريما وكم جلدا وكم بطلا *** ....................................

الأخبار: بعيدا عن موريتانيا، هل يتابع الشيخ ما يجري في سوريا؟

ولد بلعمش: أنا أحس بتشفي لا يعلمه إلا الله في المخابرات السورية، طبيعتي عدم الحقد، وأنا بالطبع لست حاقدا، لكن اسمح لأقول لك إني أحس بلذة عندما أسمع أن المخابرات السورية تحس بالإعياء وأنها منهكة، وأنها لا تستطيع أن توقف المظاهرات، عندما أتصور هتافا يملأ الآفاق في حلب أن "الشعب يريد إسقاط النظام"، أحس بنشوة لا يمكنني أن أعبر عنها، والله ثم والله لم أعبر عن معشار العشر عما يجول في خاطري.

يا أخي أنا عشت هناك، أنا أعرف الواقع، وليس من رأى كمن سمعا، عندي صديق مسكين كردي كان طيبا ودودا، وكان يخاف من ظله، في ذات مرة اعتقل الأتراك رجلا كرديا، فتذمر أكراد سوريا، ونظموا مسيرة ووقفة أمام القنصلية التركية في سوريا، المسكين مات ذعرا، وأصبح مساره بين الجامعة والبيت، ذات مساء اختطف وأمضى ثلاثة وخمسين يوما في السجن، بعدها أطلقوا سراحه واعتذروا له، قالوا له "نحن آسفون"، خلال هذه الثلاثة والخمسين يوما أمضى اثني عشر يوما منها في المرحاض واقفا.

وقد التقيت بمهندس أمضى سبعة عشر عاما في سجن تدمر، كان من الإخوان المسلمين، سقوط الاتحاد السوفيتي لم يسمع به، حرب العراق الأولى والثانية لم يسمع بهما، كان لقائي به في التسعينات، لم يسمع بحرب العراق وإيران، ولم يسمع بحرب العراق الثانية في التسعينات.

ذهبوا به إلى مرآب السيارات في تدمر وأركبوه إلى حلب وأعطوه مائة ليرة ليأخذ بها سيارة أجرة إلى منزله، 17 سنة من حياة شخص، يا أخي قصص كثيرة ومؤلمة.

صحيح أنني لم أكن أجرأ على أن أقول أي شيء عن هذا أيام كنت في سوريا، بالعكس، كنت أخاف من ظلي حينها، لكن أقول لك شيئا، البعض يلوموني ومنهم بعض زملائي، ويقول لي كان عليك أن تكون ممتنا لسوريا، أنا لست ممتنا لنظام الأسد في شيء، فالمنة أولا وأخيرا لله عز وجل، ثم لأسرتي التي حرصت على أن أدرس في ظروف صعبة، وأتفوق في الباكلوريا وأجد منحة لا بشر يستطيع أن يمن علي بها، ثم موريتانيا جمهورية وقعت اتفاقية ثقافية مع سوريا، وسوريا لم تعطني فلسا واحدا، الشكر بعد أسرتي للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وللتعامل الطيب من السوريين، الشعب السوري كان شعبا طيبا معنا، هو الذي آوانا وعاملنا معاملة حسنة، فما لبشار وما لحافظ، الامتنان الحقيقي والعرفان بالجميل هو أن نقف مع هؤلاء الناس، نحن لم نأكل مع حافظ ولم نشرب معه، ولم نلتق.

الأخبار: بمعرفتك للواقع السوري، إلى أين تتجه الأمور؟

ولد بلعمش: أعرف أن السيل بلغ الزبى، وأن الكأس فاضت، ولكن أعرف أن مخالب بشار خطيرة، وأن معركة كسر العظم لم تبدأ بعد، وأعرف حساسية المنطقة، وأعرف تأثير ما سيجري على مستقبل الأمة، وعلى أية حال مهما قال المشككون والمخوفون من الآتي سوريا ديمقراطية خير من سوريا دكتاتورية، سوريا حرة خير من سوريا مظلومة ومضطهدة، ما زال الثمن باهظا، لكن أتمنى –وهكذا أثبتت الأحداث- أن يكون الشعب السوري مستعدا لدفع ثمن حريته، فخير له أن يدفع الثمن مرة واحدة من أن يدفع أكثر وأكثر على مدار السنين.

الأخبار: ما هو أقرب نص شعري للشيخ إلى الشيخ؟

ولد بلعمش: أحسنت، أقرب نص إلي هو:

حداه العذب أشجى الليل والإبلا *** والشعر يسكب من عليائه عسلا
ملثم في صحار التيه يذرعها *** يا خنجر الدهر لا تفتك به رجلا
صبرا عليها فنار الحب في دمه *** من ألف عام تغني لحنها الثملا
ملثم عن دخان العار قامته *** شعاع نور تحدى الغيم والظللا
يرنو إلى القمر الغافي على جبل *** هلا كتبت بحبر الشوق ما حصلا
حدث عن القوم ما أخبار قافلتي *** وهل مضى الركب عني أم ترى قفلا
سيحفر الوجد أخدودا على مقلي *** فشيمتي الموت إخلاصا لمن رحلا
وكلما طلل أفشى مواجده *** سهرت ليلي أناجي ذلك الطللا
هل ذقت يوما هوى شنقيط يا قمرا *** يجتاز كل حدود الغيب مرتحلا
إني أراك أخا شكوى على سفر *** منذ البداية لم تهدأ ولم تصلا
قدما تحكمت في تكوين أوردتي *** وصغتني كلمات تنبت الأملا
بثثت شوقي إلى عينيك أغنية *** وأدمنت شفتاي الخمر والقبلا
أنا أخوك معا جاءت جحافلنا *** من مطلع الشمس يوما واعتلت زحلا
أنا سليل حروف الفجر قد سكرت *** بالشرق روحي ولم تحفل بمن عذلا
غرست في كل شبر نخلة رضعت *** كبر العراق الذي بالنوم ما اكتحلا
بكيت هارون فيء الممطرات له *** يشفي الغرور بدمع منك مبتهلا
بكيت خمر أبي نواس يحضنها *** يحاذر العسس الليلي والدخلا
أبكي عيون المها بين الرصافة والـ *** جسر العتيق فلا أبغي بها بدلا
يا حرقة الدمع والشاشات تحصد لي *** ما أفسدت يد هولاكو وما قتلا
لو كان جرحا وحيدا ما استطعت له *** صبرا فكيف وجرح القدس ما اندملا
يا ربما فرقتنا ألف نائبة *** وأنكرت خيلنا البيداء والسبلا
لكنما قدر الليل الصباح وفي *** بوح البنفسج سلوان لمن خذلا
إن يطفؤوا النور فالآمال ما انطفأت *** أو يغفل الأهل فالزيتون ما غفلا

هذا نصي.

الأخبار: ما هي اللحظة التي يكون فيها شيطان الشعر أقرب إلى الشيخ؟

ولد بلعمش: (يضحك) لماذا تشيطن الشعر يا أخي.

الأخبار: إذا ما هي اللحظة التي يفضل فيها الشيخ زيارة وادي عبقر؟

ولد بلعمش: (يضحك) كل الوديان وديان عبقر، ولعبقر كل الوديان، في الحقيقة لا توجد أشياء محددة، لكن كما يقول المحدثون عندما لا يجدون سندا لحديث يقولون ولكنه جرب، الشوكاني في كتابه تحفة الذاكرين، يتحدث عن حديث قراءة الفاتحة في السجود، ويقول إنه سنده ضعيف ولكنه جرب، ويرد عليه بعضهم بأن التجريب لا يعتد به فقد يكون من الاستدراج.

لكن الوقت المجرب أنك لن تكتب قصيدة رديئة قبيل صلاة الصبح، من المستحيل، أبلد الناس لن يكتب قصيدة رديئة قبيل صلاة الفجر.

الأخبار: يتابع جديد الشعر، ويعرف الشعراء، فمن هو أحسنهم بالنسبة للشيخ؟

ولد بلعمش: يا أخي من أنا، أنا لا أعرف الشعراء الوعدين، أنا أعرف الشعراء، وكل الشعراء الشباب الذين يخطرون ببالك ثق تماما أنني التقيتهم، وثق تماما أنهم شعراء، الشاعر عندما يكون مفتوح القلب وإنسانا ويستمع ويعطي ويأخذ ويقبل النقد وينتقد، ويتفاعل ويحس الشعر كيانه، فسينال المنى تأكد من ذلك.

وأجدها هنا مناسبة لأطلب منكم أن تقولوا لأهل الثقافة وأهل الكتابة عن تاريخ الشعر في موريتانيا أن يعطوا فاضل أمين حقه، واكتبها عني بخط عريض وضعها عنوانا كبيرا، قولوا لأهل الثقافة في موريتانيا وأهل الكتابة عن تاريخ الشعر والثقافة أن يعطوا فاضل أمين حقه.

الأخبار: في النهاية سنعود إلى البداية، هل يتذكر الشيخ أول نص شعري له؟

ولد بلعمش: أخي سأحدثك بسر تباح إذاعته الآن، علينا أن لا نبخس الناس أشياءهم، أيام كنت في الابتدائية، السنة الثالثة أو الرابعة، كان عندي صديق، عهدي به – وأنا على كل حال لا أنسى أصدقائي – عهدي به يدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان له أخ منتسب للجمعية الثقافية الإسلامية، وكان حينها طالبا في الثانوية، أخوه ذاك صديق لسيدي ولد الأمجاد، وكان سيدي يومها إسلاميا، وكان يلمع أيضا في تلك الفترة شاعر اسمه بدر ولد موسى، وكان حينها شاعر اسمه محمد ولد بدي، وكان أكثرهم حراكا أو كثرة إلقاء سيدي ولد الأمجاد، وكان الشاب كلما قال سيدي ولد الأمجاد قصيدة أتاني بها، طبعا ليست هذه هي البادية فوالدي في سلك القضاء ولديه صناديق كبيرة مليئة بالكتب، فيها ديوان الأعشى ولا أعرف ما الذي ربط رجلا مثل والدي يعيش بين جبلين في وادي امحيرث برجل الأعشى، وكان فيها أيضا الوسيط، وكتب لا تفنى، حتى المخطوطات التي نتوارثها أبا عم جد، أتذكر أني رأيت مخطوطا لعمي توفي في الخمسينات، وهو والد الوالي حاليا في ولاية لعصابة كتابة لمعلقة زهير ابن أبي سلمى كأنها بالمطبعة، فهذا شكل رافدا، هذه التركة، أوهذه المكتبة، وفن الحديث الأدبي الذي يتقنه والدي بجدارة، ونوعية الأبيات التي يقولها وإن كان لا يكثر من الخوض في الشعر، والجو العام الذي طبع المدينة، كان حينها أبو بكر ولد أحمد أستاذا في الثانوية وكان كل أسبوع يلقي محاضرة، وكان ابن مايابا المدير السابق للمعهد العالي، على أية حال هذا الجو العام زرع فينا اهتماما في الشعر وأصبحنا نحاوله.

أتذكر أنه من المضحك أنني كنت أقول كيف يكتب هؤلاء الشعر، قلت لعلهم يضعون أحرفا ويعدون نفس العدد في الشطر الآخر، أتذكر أن بولمساك كان قد وصل حينها لبر الأمان وأصبح يتقن تقطيع العروض وبحواراتنا فهمت أن هنالك عروضا، وتعلمته قبل أن يأتينا في المقرر، بإمكانك أن تقول إنه في السنة الثانية إعدادية بدأت أقول الشعر الموزون، أي في العام 1986، وأقصد الشعر الموزون، أما الشعر الذي له روح وله طعم، فقد تأخر حتى العام تسعين تقريبا.

أتذكر من بدايات بداياتي أنني كنت متجها إلى الثانوية وكانت حينها ثمة مطر، وأنت تعرف أطار ما شاء الله الطين وما أدراك ما الطين، وحدث أنني انزلقت في بركة من الماء، وكطبيعتي لم أكن أهتم كثيرا بالبروتوكول، دخلت الفصل فسخر التلاميذ وضحكوا، والأستاذ كان ينهاهم لكن لا أحد يستجيب، وحالتي لم تكن الوحيدة، فالضحايا كثر وتوديعهم حفلات، وقد قلت في ذلك أبياتا، أرجو أن تغضوا الطرف عما فيها من عيب:

عبرت بحار الطين كي أبلغ الذي *** أردت وما زودت نفسي من الصبري
فلما توسطت البحار بزورقي *** تداعت بحور الطين في المد والجزري
فغاصت إلى الأعماق رجلاي بالذي *** رأيت وما قد خضت من لجج البحري
إلى أن أتى الرحمن منه بعونه *** فخلصني مما جرى لي من الأمري
ولما أتيت القسم صرت ضحية *** لسخرية الأقوام من حيث لا أدري
ففوضت أمري للذي أنا عبده *** فذاك معيني في جميع الذي يجري

كان هذا في العام 1989، وهذا ليس شعرا ولكنه نظم.

الأخبار: نريد تعليقا بكلمة أو كلمتين على الشخصيات التي سنذكر أسماءها تباعا؟

- القذافي؟

ولد بلعمش: حسبنا الله ونعم الوكيل.

- الظواهري؟

ولد بلعمش: لا حول ولا قوة إلا بالله.

- باراك أوباما

ولد بلعمش: ما أصعبه من سؤال، أوباما متلون.

- مسعود ولد بلخير؟

ولد بلعمش: وخيرت.

- المتركع، (شخصية كوميدية مشهورة في نواذيبو).

ولد بلعمش: مواطن.

- محمد الحافظ ولد أحمدو

ولد بلعمش: والنعم.

- البوعزيزي.

ولد بلعمش: الله أكبر.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!