التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:23:23 غرينتش


تاريخ الإضافة : 2007-11-10 16:51:08

لماذا ثار سكان الحوضين؟ وماذا يريدون؟

سيد أحمد ولد باب

سيد أحمد ولد باب

سيد أحمد ولد باب*

[email protected]

فجأة وبدون مقدمات انطلقت "ثورة الجياع" من الولايات الشرقية مشعلة حريقا تجاوز كل الخطوط الحمراء ومذكرة بأن مركزة الأمور وعجرفة السلطة وضعف المعارضين وتجاهل الإداريين لقساوة الظروف لاتمنع بحال من الأحوال جياع الشرق أو الغرب من التظاهر والتعبير عن آرائهم وان أرادت السلطات إخراج تلك المظاهرات عن طابعها السلمي في الغالب الأعم من خلال استفزاز المتظاهرين.

صبية صغار حملوا هموم مجتمعهم ونزلوا إلى الشارع تعبيرا عن رفضهم للحالة الاجتماعية القائمة والخلل الذي تعيشه الدولة الموريتانية منذ الاستقلال مطالبين بالإنصاف والعمل على تقديم ولو خبزة جافة لفقير معدم بسعر يتناسب وقدرته الشرائية أما الحاجيات الأساسية من صحة وتعليم وإشراك في القرار السياسي فتلك أمور لاتهم الصغار على الإطلاق.

كانت المظاهرات سليمة في الغالب –كما يقول القادمون من هناك- غير أن المنطق الأمني الذي يحكم الدولة الموريتانية منذ الاستقلال بفعل ضعف المستوى السياسي حول مظاهرات الصغار إلى تمرد كاد يشعل الأخضر واليابس وأربك من انتخبوا لصناعة القرار في البلاد كما شكل عامل ضغط جديد على حكومة التحالفات الانتخابية المثقلة بالهموم.

لكن لماذا تحرك هؤلاء الصغار؟ ولماذا التحرك الآن؟ ولماذا تلك المناطق دون غيرها من موريتانيا الحبيبة
حينما تطلب من صغار عاشوا فى ظل الإضطرابات السياسية طيلة العقدين الماضين واكتشفوا أنفسهم فجأة مسحوقين مهمشين محرومين من العلاج والتعليم والغذاء وفرص التوظيف أن يتعقلوا وينتظروا مشاريع "دولة الرئيس" ووزيره الأول ويتمتعوا بوفرة عيش لاوجود لها إلا فى أذهان أو بيوت حالميها تكون قد بالغت فى الطلب وأعجزت نفسك ومهدت لمثل هذه الأحداث!!

حينما تلتفت إلى حرسى "بائس" منهك القوى خائر العزيمة يعيش على مرتب هزيل لايغطى مجرد اتصالاته الهاتفية لمعرفة أحوال أسرته التى هجرها بفعل صعوبة المواصلات وتطلب منه أن يضبط أعاصبه فى وجه طلاب عزل يرددون شعارات بدائية، يطالبون بخز حافى وماء آسن وطبيب غشاش تكون قد أتعبت نفسك، وحينما تعطيه سلاحا وتطلب منه ضبط الأمن فى ظل حالته النفسية الصعبة بالفعل تكون مشاركا فى الجريمة ومشجعا على اغتيال السكان. حينما تلتلف الى أم باتت ليلها الشتوى الطويل وهى تبكى بعدما عجزت عن توفير لقمة عيش زهيدة لأبنائها الثلاثة وتطلب منها ضبطهم عن المشاركة فى المظاهرات أو الإحتجاجات تكون قد أتعبت نفسك وكلفت أما مكلومة مالاتطيق ومهدت لفلتان قد يطال الجميع.

حينما تلتلف الى شيخ غرر به فى الإنتخابات من قبل أباطرة الفساد واقنع بالتوصيت لمرشح (...) بعد وعود زائفة وأحلام جميلة بتوفير وظيفة سامية لنجله البكر وعلاج لابنته المريضة وضغوط قبلية دفعته الى هجران أقرب المقربين اليه وتطلب منه أن يضبط أعصابه بعد شهور ستة من الخداع وأن يظل وفيا للرئيس المؤتمن وبرنامجه الطموح تكون قد اتعبت نفسك،وأزعجت مواطنيك وطلبت المستحيل!!.

حينما تلتفت الى مدينة حدودية تعيش على "الارز" القادم من جمهورية مالى و"السكر" القادم من جمهورية مالى "والشراب" القادم من جمهورية مالى و"البقر" المتواجد فى جمهورية مالى و"القمح" المزروع فى جمهورية مالى وتطلب من سكانها الجياع الوفاء للدولة ورموزها والحفاظ على هيبة السلطة وحكامها والانصات لخطب الرئيس ومعاونيه تكون قد أتعبت نفسك ومزقت وحدتك وحضرت نفسك وبلادك لمصير مجهول(رغم إدانتا اللامحدودية لأى فعل يمس سيادة البلاد)...

ليست هذه مبالاغات كاتب بل حقائق عشناها وشهدناها وأخترنا أن نسطرها بلغة بسطية ليفهم القائمون عن الأمر لماذا تحرك الطلاب ؟ ومن يحرك الطلاب؟ >br>
لقد كنت قبل شهرين فى الحوضين حيث البؤس والشقاء والجهل والتهميش .. عشت مع الناس أحلامهم واستمعت لمشاكلهم وعرفت كيف يفكرون؟

لقد ابصرت حقائق يندى لها الجبين وتستك لها المسامع لكنها حقائق ماثلة للعيان وشهواد واقيعة تدل على بؤس الحياة في تلك المناطق المنتفضة حاليا من أجل لقمة العيش؟.
1- لقد رأيت بعينى أسرا بأكملها تمضى الشهور تلو الشهور وهى تعيش على صدقات الجيران وتدرس ابنائها من صدقات الجيران وتحمل أمتاعها على "جمال" الجيران ..
2- لقد رأيت بعينى أسرا تأكل ليلا ونهارا ماجمعته ربات الأسر من ثمر الحشيش المعروف محليا ب "أز" (لاطعم له ولارائحة) لكنه مع ذلك يبقى العون الوحيد بعد الله عز وجل لاسر كثيرة صوتت لدولة الرئيس ووزيره الأول ورئيس البرلمان فى الإنتخابات طمعا فى تحسين الظروف وتصديقا لوعود الانتخابات الزائفة.
3- لقد رأيت بعينى المجردة أسرا بأكملها تعيش دون منازل إلا أغصان الشجر(أتهاله) ولافراش لديها على الإطلاق،يأكلون الخبز الحافى ويشربون الماء الملوث (الظايات) ويركبون "الحمير" و "الخيل" فى تنقلاتهم اليومية من هنا وهناك ويجتمعون عليك لو رأوك تحمل مذياعا أو لديك هاتف محمول..
4- لقد رأيت بعينى شبابا حرص على التعليم فانقطعت به السبل فى منتصف الطريق بعدما عجز عن مواصلة التعليم خارج القرى الأصلية وبات حائرا بين علم يحتاجه وعجز أسكن اسلافه عن العلم والتدريس وكل تلك المصطلحات الجميلة..



5- لقد رأيت بعينى نساء القرى الريفية وهم يجلسون عشرات السنين لاعمل ..لاعلم.. لا انتاج فى انتظار فارس أحلام أقعده الجوع وأجهده التعب وبات عازفا عن الزواج بفعل ضيق ذات اليد وغياب الرعاية الإجتماعية للسكان وجهل المسؤولين بأوضاع العامة..
6- لقد رأيت بعينى شبابا يتمنون سيولا جارفة كسيول "الطينطان" أو فيضانات قاتلة علهم يحظون بخيام كخيام سكان "الطينطان" أو مساعدات كمساعدات "الطينطان" أو زيارة كزيارات المسؤولين للطينطان .
7- لقد رأيت اسرا فككها الفقر وباعد بينها الجوع وتقاسم الأهل أطفالها وذهب الأباء طلبا للرزق و"تبكرت" الأمهات وخلت المنازل إلا من أغنام الجيران الباحثة عن دفئ فقده الأطفال..
8- لقد رأيت وعانيت من غياب الأطباء وضعف الرعاية الصحية وعجزت عن العثور فى مستشفيات المدن المجاورة على علاج للرمد وأضطريت تحت ضغط الواقع وواكراهات البعد عن المدينة الى الرضوخ لواقع الريف وعالجت عينى صغيرى الغالى ب"الحناء" و"لبن الغنم" رغم مايحمله ذلك من مخاطر ...
لقد رأيت وعاينت وسمعت الكثير والكثير..
وحين اعود الى العاصمة وسكانها وحكامها أسمع وأرى بعينى غير ما رأيت وسمعت
أرى قصورا بنيت من عرق الشعب وأموال الشعب وسمعة الشعب مغلقة الأبواب مهجورة بعدما فضل ساكنوها المصيف فى فرنسا أو مدريد أو المغرب .
أرى سيارات فارهة تجوب ازقة العاصمة وهى تحمل شبانا تعرف فى وجوههم نضرة النعيم همهم البحث عن المتعة ولو بالحرام والبطش دون خوف من رقيب أو حسيب!!
أرى الشخصيات الرسمية وهى تمارس نشاطها بانتظام فى مكاتبها المكيفية واسمع حديثها الناعم عن الأسعار والنقط والنقل والغذاء والإنتاج ورضى الشركاء الدوليين!!
أرى المدارس الخاصة وقد عمت كل ارجاء المدينة وأرى الشبان وهم يعزفون عن دخولها لاعجزا –كما رأيت سابقا- وانما يقينا بأنهم لن يحتاجوا الى وظائف بعدما تولى آبائهم جمع ماتيسر من حطام الدنيا لضمان مستقبل الأولاد والأخوال والأعمام أما الأجداد فقد قتلهم الجوع فى الريف قبل التوظيف كحال كل أجدادنا السابقين..
أرى سلطة جائرة مركزت كل أمور البلد فى يديها وجادت منه على الأطراف بالنزر القليل.
أرى سلطة سرقت احلام الشعب فى التغيير وباتت تحضر لجولة جديدة من القمع والتزوير
أرى سلطة تهاجم المعارضة لضعفها وتكذب على الشعب لبعده وتنهب خيرات البلد لتعويض خسائر الانتخابات الرئاسية والنيابية وللتحضير للانتخابات البلدية القادمة وربما بعد قليل.

تلك كانت صورة مختصرة للأوضاع الإقتصادية التى يعيشها سكان المناطق الشرقية المنتفضين حاليا تحت ضغط الأسعار حاولنا توضيحها للجميع بغية معرفة الاسباب الحقيقة لا الأسباب المزيفة التى يعرضها صناع الفتن وتجار المواقف على موائد الحكام فى ظل خوف ينتاب المعارضة من المجاهرة بنصرة الضعيف وحقه فى التعبير عن مطالبه وفق الأجندة العادية وضمن اطار الدستور.

لكن هل ستسمع رسالة السكان أم أن وجهاء القبائل ونواب البرلمان سيتوجهون الى الداخل لحمل الاسر على فصل أبنائها من التعليم خوفا من مشاركتهم فى الاحتجاجات بدلا من الدفاع عن مصالح القواعد الشعبية التى أنتخبتهم للدفاع عنها والتعبير باسمها وخذلوها تحت قبة البرلمان؟

وهل ستحاول الحكومة اصلاح ما أفسده السابقون من خلال سياسة حكيمة تأخذ مخاوف الدولة من انهيار أمنى فى الداخل وتراعى مشاعر ضعفاء أخرجهم الجوع لا الرغبة فى الموت على أيدى رجال الأمن فى الشوارع؟!.

قبل الختام لابد من الإشارة الى أن أحزاب المعارضة السياسية تتحمل قسطا من الواقع حينما تهافتت على أبواب السلطة وأشرأبت أعناقها ألى الكراسى واغلقت مقارها وأطرها القانونية أمام السكان مما دفع بالجموع الغاضبة الى التعبير عن مطالبها خارج أطر الشرعية القانوينة التى باتت مزارع خاصة لاتستغل إلا أوقات الحصاد.

________________________________
*كاتب صحفى يعمل مراسلا لشبكة "إسلام أون لاين" نت فى موريتانيا


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!