التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:20:13 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.06.2008 19:11:04

مشاركة تواصل في الحكومة بين إيجابيات القبول وسلبيات الرفض

الداهية ولد محمد فال*
لقد قوبلت مشاركة تواصل في حكومة تضم الكثير من رموز الفساد السابقين بكثير من الهرج والمرج واللغط والتضخيم الإعلامي، الذي لا يخلو من البهرجة والجعجة التي لا طحين لها.
فمن مستنكر وممتعض غير متفهم لهذا القرار، بل ومعتبر أنه يمثل انتكاسة ونكوصا وارتدادا وتلكؤا وانزواء عن خط الحركة الذي يعتمد على مجانبة ومفاصلة الفساد والمفسدين.
ومتحفظ دون مزايدة لا يدرك كنه وحقيقة القرار ولا يستوعب دلالته ومدلوله
ومتفهم بل ومتحمس ومبارك للخطوة لأنه يدرك فوائد ها التي ستعود على الحركة على المديين الطويل والقصير.
وعدو وجد فيها فرصة يجب استغلالها وسانحة يجب ابتدارها، للإجهاز على ثروة الإسلاميين الكبيرة والمتمثلة في المصداقية وجاذبية الخطاب ومحاولة التشهير بهم وإظهارهم على أنهم براكماتيون وتجار مواقف ويلبسون كل موقف لبوسه وأحيانا وصفهم بالانتهازية والمرونة والتفريط في أصولهم ومنطلقاتهم والمداهنة.في ثوابتهم ومبادئهم وهي اتهامات ليست لها أساس ولا يساندها الدليل ولا تقوم لها حجة ولا يدعمها البرهان
لكنني في هذه المحاولة المتواضعة لا يهمني الرد على الحاقدين والمرجفين والمتزلفين والمنافقين الذين لا هم لهم إلا تشويه الإصلاحيين والمزايدة عليهم، بقدر ما أنا معني بتوجيه هذه القراءة أو التحليل سميه مما شئت إلى المنصفين الذين يبحثون عن الحق و الحقيقة دون تحيز أو تصلب أو تعصب للأي اتجاه
كما أنني أريد وبشكل أكبر ملامسة ومخاطبة أبناء المشروع الإصلاحي الإسلامي، الذين قد يساورهم الشك والريبة في تصرفات من ائتمنوهم على قيادة العمل الإسلامي بسبب جرأة وشجاعة قرار المشاركة الذي اتخذوه وقد تنتابهم هواجس الخوف من مضاعفات هذه الخطوة على تماسك وتلاحم ووحدة أبناء المشروع الإسلامي خوفا عليهم من التباين والتمايز، الذي لا قدر الله قد يؤدي إلى اتساع الهوة بين المؤيدين للمشاركة والرافضين لها، كما أن خوف أبناء المشروع الإسلامي من تأثيرها على مصداقيتهم وبالتالي محاق وانحباس وانحسار التعاطف .الشعبي مع المنهج والممارسة الإسلامية ينضاف إلى ذلك، الهوس الهستيري الذي قد يتسرب إلى إدراك ووجدان ونزوع البعض خوفا من فشل الأشخاص الذين تم انتدابهم لتدبير وتسيير الوزارات التي منحت للحزب بسبب ثقل التركة وركام الفساد ووحل التسيب والفوضى التي قد تسيخ فيها أقدام الوزيرين لا قدر الله.
أقول لإخواني المنتسبين والمناصرين والمتعاطفين والمنصفين ، اطمأنوا واستعدوا لقطف الثمار اطمأنوا على أن الإصلاحيين لم يصبهم ولن يصبهم ذبول في دوافع الإيمان وضوابطه، ولن يتسرب الخمول إلى فكرهم وعقيدتهم ولن يتزحزحوا عن التشبث بهويتهم ولن يطال الركود خطابهم، ولن ينال الجمود من تعاطيهم مع الناس ولن تتأثر قاعدتهم الشعبية بل ستظل في اتساع وانتشار
المشاركة خطوة على طريق التدرج
فان المشاركة المحدودة لا تخرج عن منهج الوسطية والتدرج الذي اختاره إسلاميو موريتانيا، بالإضافة إلى أهمية المشاركة في تدبير الشأن العام، وما سيكسبه أفراد الحركة من خبرة في التسيير وحكمة في التفاوض والتنازل وترشيد الخطاب والمحافظة على الموجود من كسب الحركة والاجتهاد في طلب المفقود فإنه سيمكنها من تحقيق المقاصد التابعة في الشريعة و إن كان تحقيق المقاصد العامة غير متاح،فإن المشاركة ستتيح تضييق شقة الفساد وعزل أهله ومحاربة الرشوة ، وترسيخ العدالة عن طريق القضاء المستقل والنزيه..وتنقية وتطوير وتحسين وتفعيل برامج التعليم، وسد النواقص باستكمال الجامعة وتوسيعها،و خلق سلك دبلوم الدراسات العليا المعمقة ، حتى يجد الطالب الموريتاني نفسه في غنى عن التسكع في الخارج واستنجاد الجامعات الأجنبية بالإضافة إلى خلق فرص عمل لجيوش العاطلين وتحسين خبرة الموظفين ودمج الكوارد الحائرين والمعطلين كما أن اكتساب الخبرة يجنبهم عنصر المفاجأة ومضاعفات الانتقال المفاجئ إلى السلطة إن شاءت الأقدار أن الشعب الموريتاني اختارهم يوما ما علما بأن الانتقال المفاجئ للسلطة يعتبر مجازفة غير مضمونة العواقب وهو فخ وقعت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ حين اختارها الشعب الجزائري دون سابق إنذار ودون تربية واحتكاك بالسلطة ودون سابق عهد لها بممارسة الحكم فانقلب السحر على الساحر
ونفس الشيء كادت أن تقع فيه الثورة الإيرانية، كما أجبرت حماس علي ذلك
المشاركة بين إيجابيات القبول وسلبيات الرفض
لنا عبرة في المصريين والمغاربة
أولا: حركة الإخوان بمصر
لقد وجدت حركة الإخوان المسلمين بمصر فرصة ثمينة ولن تتكرر للتمكين والازدهار وترسيخ وجودها في الحكم والسلطة ، والتقاء شر الثورة ورجالاتها
الذين كانوا متحمسين للتفاهم مع الإخوان ومقدرين جهودهم في الثورة ، لكن -العقلية الجبرية الأموية والكربلائية. الشعبية- على حد وصف الكاتب الكبير محمد بن المختار الشنقيطي، قد ضيعت على الإخوان اكتساب واستيعاب واحتواء عبد الناصر ونظامه وقد فات على الإخوان بسبب تصلب قيادتهم وعدم مرونة تنظيمهم-لأن القيادة عندهم دائما بقيت حكرا على الذين يتولونها بهيبة المقام وقوة التاريخ –مكاسب كبيرة، وذهبوا ضحية سوء المقاربة والتسديد وعدم الأخذ بمنهج الوسطية والتدرج ومجانية الحلول الوسط والإصرار على تحقيق كل المقاصد ، فضيعوا كل شيء وسهلوا على النظام الناصري تهميشهم والتضييق عليهم.

ثانيا: حزب العدالة والتنمية بالمغرب
عندما اختار الإسلاميون المغاربة المشاركة المتدرجة في الانتخابات تقديرا منهم للواقع الداخلي والخارجي فقد حصلوا على تمثيل برلماني فاق التوقعات سنة 2002-وقد فتح رئيس الوزراء الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي لهم المجال ، وعرض عليهم المشاركة في حكومته ، لكنهم فضلوا المعارضة المساندة ثم المعارضة الناصحة والناقدة إلا أن رفض المشاركة كان ثمنه كبيرا، وذلك عندما وقعت أحدات الدار البيضاء الإرهابية، فاستغلها أعداء الحزب وحاولوا إلصاق تهمة الإرهاب بمناضلي الحزب ومناصريه، حيث جاءت حصيلة الحزب متواضعة في الانتخابات البلدية "13بلدية" ومنعوا من الترشح في بعض الدوائر والذي تابع رسائل المباركة التي انهال بها إسلاميو المغرب علي تواصل بعد مشاركته في الحكومة
والمدرك لدلالتها السياسية ، يلامس أسف هؤلاء على تضييع فرصة المشاركة في الحكومة ، التي أتيحت لهم سنة 2002
لنا إسوة في السودانيين

لقد اختارت الحركة الإسلامية في السودان الجرأة والواقعية والمراجعة والتحليل والمزاوجة بين الإستراتجية والتكتيك في التعاطي مع الدكتاتور جعفر النميري، صاحب المزاج المتقلب ، من تقليد عبد الناصر 1969 إلى تقديس لينين سنة 1970 ومناصبة العداء للحركة الإسلامية وتوجهاتها ، إلا أن الدكتاتور لم تكن علاقته بالشيوعيين سوى علاقة مصلحة ، انتهت البتة حيث حاولوا الانقلاب عليه بعد أن عجزوا عن صيغة لقطف ثمار تحالفهم معه ، وكانت الفرصة سانحة لإخوان الترابي فاستغلوا ما أتيح لهم فقرروا المصالحة مع عدو الأمس حليف اليوم متجاوزين الماضي ومتغاضين عما لحق بهم من معاناة ، ومركزين على ما سيثمره التحالف الجديد ، فأصابت الحركة في اجتهادها ووقفت في تسديدها ومقاربتها حيث امتدت واتسعت وانتشرت ونمت قاعدتها بشكل مذهل، فقد ترسخ وجودها واشتد عودها واتسع أفقها في كل القطاعات وعندما حنت حليمة لممارسة هوايتها القديمة كان ميزان القوى ليس في صالح الدكتاتور المولع بالانقلاب على حلفائه ، والمبالغة في إيذائهم ، حيث زج بالإخوان في السجون في يوم 10مارس1985 لكن ثمار المشاركة والمصالحة التي قطف الإخوان ثمارها ، كانت السد المانع الذي لم يستطيع النميري دكه ، فكان للإخوان ما أرادوا حيث ترسخوا بشكل لا يمكن استئصالهم أو اجتثاثهم من الدولة والمجتمع، فعندما سعى النميري لإنهائهم فكانت نهايته على أيديهم

مشاركة هدفها دعم إدارة الإصلاح
ليس هدف مشاركة تواصل في الحكومة ، تلميع صورة رموز الفساد و الإفساد ، الذين سمموا هوية موريتانيا، وصهينوا ذاتها النقية، لا لا وإنما هدفها عزلهم ومحاصرتهم والتضييق عليهم وتعريتهم وكشف سوءاتهم وذلك بزيادة وتدعيم ومؤازرة القوى التي تريد الإصلاح وتشكيل حلف يهمش قوى الشر ، ويعجل بقطع العلاقة المذلة والمشينة مع الكيان الصهيوني إن مشاركة تواصل إن لم تؤدي إلى قطع العلاقات مع إسرائيل في الحين فإنها ستعجل بقطعها إن شاء الله كما أن تقوية عزيمة وإرادة الإصلاح عند رئيس الجمهورية وتحجيم أباطرة الفساد تبقى واردة
وفي الأخير أرجو من كل المناضلين المؤمنين بخط تواصل ومنطلقاته أن يبذلوا كل جهد من أجل تسويق برنامج الحزب واستقطاب القاعدة الشعبية ،لأن هذا الوقت بالذات يعتبر فرصة قد لا تكرر ،يجب استثمارها من أجل ترسيخ وجود الحزب في الوجدان الموريتاني ، واتساع وانتشار قاعدته ومحبيه.، حتى يكون الكسب الإستراتيجي من هذه المشاركة رافعة لزيادة أسهم الحزب في المشهد السياسي الموريتاني.





*باحث في العلا قات الدولية فاس/المغرب


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!