التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:13:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 11.08.2011 13:39:49

دعوة إلى "كلمة ديمقراطية سواء"


النائب الأول لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية محمد يحي ولد حرمه

أغسطس2011

بسم الله الرحمن الرحيم

و صلي الله علي النبي الكريم


-السادة والسيدات رؤساء وممثلي الأحزاب السياسية؛
-السيد رئيس المركز الدولي للدراسات و البحوث الإنسانية؛
-السيد نقيب الصحفيين الموريتانيين؛
أيها المدعوون الأفاضل؛
أيها الحضور الكرام.

أشكر شكرا خاصا وخالصا كلا من مركز الدراسات والبحوث الإنسانية (مبدأ) ونقابة الصحفيين الموريتانيين على هذه السانحة كي أوضح وجهة نظري الشخصية حول موضوع هذه الندوة والذي هو "موضوع الوقت الموريتاني بامتياز".

حيث يتطلع الرأي العام الوطني بترقب إلى حوار سياسي بعد عامين كاملين من اقتناع جميع الطيف السياسي بجدوائيته والمطالبة به في كل مناسبة وعدم التوفيق حتى الآن في وضع ضوابطه ومبادئه العامة لأسباب سأضرب عنها صفحا لكي لا نشوش على جهود لازالت تبذل لتوحيد وجهات النظر والمقاربات.

لكن أستسمحكم السيد رئيس الجلسة أن أسجل استدراكين اثنين، أولهما متعلق بالعنوان أو الموضوع العام للندوة "الحوار الوطني: فرص النجاح ومخاطر الفشل" فلا أظن الحوار المنشود والذي تطالب به المعارضة والموالاة حوارا وطنيا ... وإنما هو حوار سياسي، والفرق بين الاثنين جلي، واضح وواسع.

حيث أن الأول شامل لجميع القوى الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية...، ويطال كافة المواضيع، بينما يعني الثاني حوارا أطرافه القوى السياسية فقط، وموضوعه إجمالا تحسين وتحصين الحكامة السياسية للبلد بما يطمئن جميع الفاعلين السياسيين.

أما الاستدراك الثاني فهو متعلق بثنائية فرص النجاح ومخاطر الفشل، حيث لا يبدو من صياغة العنوان استحضار خصوصية "الحالة الديمقراطية الموريتانية" والتي تتميز بوجود مؤسسات دستورية تؤدي دورها كاملا منها ما ترأسه الموالاة ومنها ما تتزعمه المعارضة.

فالحوار السياسي نوعان، أولهما ثابت ديمقراطي كمساءلة مسيري الشأن العام تحت قبة البرلمان واللقاءات الدورية التشاورية بين رئيس الجمهورية ورؤساء المؤسسات الدستورية، وزعيم المعارضة الديمقراطية وعرض السياسات العامة على مصفاة التزكية البرلمانية، حيث تحسم الخلافات بالطرق الديمقراطية النظيفة.

أما ثانيهما، وهو الحوار المنشود الآن، فهو متمم ومحسّن من أجل تقريب وجهات نظر الموالاة والمعارضة حول قضايا جوهرية، أو الاتفاق -علي الأقل- حول طرائق تسيير الخلاف بشأنها.

لذلك لزم التنويه والتنبيه حتى لا يختلط في أذهان الناس الحوار الوطني الذي يكثر الحديث عنه اليوم في بعض الدول العربية حيث تغيب أو تُغيَّبُ الحريات الديمقراطية، كطريق أوحد لحل الأزمات السياسية هناك، والحوار السياسي التوافقي لتحسين وتحصين المسار السياسي أو الحكامة السياسية للبلد كما هو مرغوب ومطلوب عندنا.

وبعد هذين الاستدراكين سأحاول في عجالة تبيان فرص أو عوامل نجاح الحوار أولا، وتوضيح الأخطار أو المعوقات المحدقة به ثانيا، قبل التشديد على بعض التأكيدات الهامة.

أولا: فرص أو عوامل نجاح الحوار:
إن قراءة المشهد السياسي تطمئننا -نعم تطمئننا- رغم الهنات والهزات والارتدادات على أن العوامل المشجعة للحوار السياسي، تفوق بكثير تلك المثبطة له، وأن هذا الحوار قائم بإذن الله وفي القريب العاجل، ومن تلك العوامل:
1- الإرادة السياسية الناصعة للسلطات العليا: حيث يعلم الجميع أن رئيس الجمهورية قد عبر منذ أول يوم عن قناعته بحوار سياسي جامع لجميع القوى السياسية، تُحَدُّدُ توافقيا ضوابطه ومواضيعه بلغة البعض أو خارطة طريقه بلغة البعض الآخر.

وقد توج ذلك بدعوته رسميا وعلنيا وفي يوم ذي رمزية كبيرة في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي المعارضة إلى حوار سياسي جامع من غير شروط ولا محاذير، تاركا لها خلال لقاءات متكررة مع بعض زعمائها المبادرة في اقتراح ضوابطه وآلياته.

وقد أبدى رئيس الجمهورية كذلك العديد من إشارات حسن النية، من ذلك تأخير انتخابات مجلس الشيوخ تلبية لطلب منسقية أحزاب المعارضة وتوضيحه الاستعداد لتأجيل الانتخابات المحلية والنيابية المحددة آجالها دستوريا في حال حوار سياسي يفضي إلى توافق وطني بذلك الخصوص؛
2- إجماع الرأي العام الوطني حول ضرورة الحوار السياسي: من السهل لأي مراقب فطن أن يلاحظ إجماع الرأي العام الوطني عموما بكل أطيافه ومستوياته على ضرورة انعقاد الحوار السياسي.

ولا يستبعد أن يحاسب الرأي العام حسابا عسيرا -وهو بالمناسبة شديد إن لم أقل مفرط الاهتمام بالشأن السياسي- كل سياسي قد يسعى إلى عرقلة الحوار، سواء كان من المعارضة أو الموالاة بحيث يتم تجاوزه فيصبح وما له سامع ولا تابع.

فكثيرا ما يسمع لدى المناصرين للمعارضة مطالبتهم قياداتهم بضرورة الاستجابة للحوار بدون شروط، وأن من يطرح الشروط كمن يضع المتاريس أمام الحوار، تماما كما يسمع لدى المحسوبين على الموالاة الإلحاح علي قياداتهم بالمطالبة بسحب الذرائع من المعارضة بتقديم الممكن من التنازلات؛
3- وجود قطبين سياسيين منتظمين: لا مراء في أن مما يسهل انعقاد الحوار السياسي سهولة التعرف على أطرافه، إلى ذلك فإن انتظام معظم الأحزاب السياسية في قطبين سياسيين كبيرين: ائتلاف أحزاب الأغلبية الذي يضم 41 حزبا سياسيا، ومنسقية أحزاب المعارضة التي ينتمي إليها 12 حزبا سياسيا، هو مما يوضح و يحسم بعض آليات الحوار.

ومن الطبيعي أن يمثل هذان القطبان السياسيان طرفا الحوار السياسي المرتقب، ومن غير الوارد أن يَبْغِيَ أحدهما على الآخر فيبخسه حقه نافيا عنه صفة الندية، خصوصا إن كان من يتجرأ على ذلك هو الأقل عددا والأصغر تمثيلا؛

4- محورية الحوار في البرنامج السياسي للمنسقية: يحتل الحوار السياسي مكانة مركزية في البرنامج السياسي لمنسقية أحزاب المعارضة حيث تكاد تنصب جهود هذا القطب السياسي الكبير على انعقاد هذا اللقاء السياسي، وهذه المحورية مما يطمئن على أن هذا الحوار لا محالة منعقد؛

5- الجاهزية السياسية والفنية للأغلبية: كذلك فإن ائتلاف أحزاب الأغلبية ما فتئ من أول يوم يؤكد استعداده للتجاوب مع مطالبة المعارضة بحوار سياسي.

وحتى أنه في الفترة الأخيرة وعند بداية تبادل الوثائق حول الضوابط والمواضيع أو خارطة الطريق، شرع في تشكيل لجان فنية عالية المستوى لتحديد وجهة نظر الإئتلاف من كل موضوع من مواضيع الحوار سيتم جمعها في جذاذات فنية لتسهيل وتيسير مهام فريق التفاوض؛

6- ضغط الآجال الانتخابية الدستورية: كما تعرفون فإن انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ والجمعية والوطنية والمجالس البلدية محددة بمقتضيات الدستور، وقد جاءت أشراطها واقتربت آجالها...

وهو ما زاد الضغط على الطبقة السياسية من أجل تفادي الشروع في المواسم الانتخابية قبل التنقية التوافقية إن أمكن، أو التشاورية على الأقل للمدونة الانتخابية حتى نصحح الاختلالات المسجلة والتي يبدو أن أغلبها إجماعي التشخيص والعلاج...

7- ضجر كل الفاعلين السياسيين من طول وعسر ولادة الحوار: ليس عسيرا ملاحظة ضجر كل الفاعلين السياسيين بل والرأي العام عموما من طول وعسر ولادة الحوار.

حتى أن بعض منابر الإعلام تتحدث عن مزيد من فقدان المواطن الموريتاني الثقة في السياسيين، كما تدل التسريبات الإعلامية من قطبي الموالاة والمعارضة على مشادات كلامية هنا و هناك ذات صلة بضجر بعض القادة السياسيين من طول التحضير للحوار والاشتغال بالجزئيات والشكليات...

8- تشجيع الشركاء لحوار السياسي موريتاني صرف: منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي أذنت بانتهاء الأزمة الدستورية، فأصدرت مجموعة الاتصال بيانها الشهير بتاريخ 10 سبتمبر 2010 والذي أعلنت فيه انتهاء مهمتها كليا و بنجاح في موريتانيا.

منذ ذلك البيان وشركاء موريتانيا الاقتصاديون والفنيون يشجعون حكومتنا على فضيلة مواصلة الحوار السياسي الموريتاني الصرف: منشأً ومبنىً، ويعتبرونها ذات أهلية كاملة لانجاز هذا الحوار ولا حاجة مطلقا للاستعانة بخبرة، أحرى بتحكيم إقليمي أو دولي؛

9- قناعة الجميع بالفشل المسبق لكل المسارات الأخرى غير الحوار: يضاف إلى مشجعات الحوار الآنفة الذكر ما هو متحصل إجماعا -على ما أعتقد- لدى كافة الطبقة السياسية - ولا أحاشى من الأقوام أحدا- بالفشل المسبق لكل المسارات الأخرى غير الحوار السياسي الجامع البناء.

فمهما قيل استهزاء -ومن يستهزئ منا فإنا منه مستهزؤون- فإن بلدنا عرف تغييرين سياسيين 2005 و2008 ساهما في نزع فتيل مسببات الثورات العربية المشتعلة في العديد من البلدان العربية.

وبالتالي فإن كل محاولة لاستنساخ الثورات العربية، هي قياس مع الفارق الكبير في الحريات العامة وحرية التعبير والمأسسة الدستورية والثقافة الديمقراطية و الحكم الرشيد...

لذلك فإن الحراك الاحتجاجي الذي بدأ بشكل خجول هنا والذي ساهم البعض، وتمنى أن يأخذ حجما كبيرا - كما شهد بذلك شاهد كبير- سرعان ما اصطدم بجدار منيع من الديمقراطية الراسخة، والوحدة الوطنية الراسية والحريات العامة المفتوحة والمضمونة..

وأعتقد جازما كما قلت سلفا أن الجميع اليوم لم يعد يراهن على أي مسار غير الحوار السياسي، بعد أن تبين أنه لا يليق ولا يصلح لهذا البلد إلا "الحوار بالحسنى" و"الاختلاف بإحسان".

وإن كانت بعض البيانات لبعض الأحزاب السياسية تحاول أن تخيب ظني ولا تصدق حدسي... ومع ذلك فلا زلت ثابتا على رأيي مؤسسا ذلك على حسن الظن بطبقتنا السياسية؛

10- ضغط الإعلام عموما والمستقل منه خصوصا: ربما أخرت ما كان يجب أن أقدمه استحقاقا لدوره في تحريض الحوار أولا و لكوننا ثانيا في ضيافة نقابة الصحفيين الموريتانيين حيث أنه حق علي الضيف رد جميل المضيف.

و لا أظن الإخوة في الأحزاب السياسية الحاضرين هنا و لا أنتم معاشر المدعوين تخالفونني الرأي في الدور الإيجابي للإعلام عموما وخصوصا الإعلام المستقل الورقي والمسموع و كذا الإعلام الألكتروني والاجتماعي (الفيسبوك، اتويتر...) في تشجيع مناخ ديمقراطي تعددي عندنا.
فكم من قائل بأن الإعلام بكل صنوفه وما تتطلبه تغذيته من سجال سياسي نظيف، هو الذي يفرض و ينتزع من السياسيين حيوية المشهد السياسي.

وغير خاف أيضا دور الإعلام عموما والمستقل منه خصوصا، في دفع الطبقة السياسية إلى الحوار السياسي المنشود و تتنزل في هذا المقام الندوة الحالية و ندوات أخري سبقتها، فمرة أخري لهؤلاء و أولائك جزيل الشكر و العرفان.
---
تلك المشجعات العشرة تطمئن على أن الحوار السياسي المنشود قائم إن شاء الله في عاجل الآجال لكن مع ذلك فإن بعض الأخطار ينبغي توضيحها لتفاديها، لأنها لا زالت تنغص مشجعات الحوار، ومنها:
أ. الحملات الإعلامية الحدية من الطرفين : من المعلوم أنه من أبجديات تهيئة البيئة المواتية للحوار وقف الحملات - لا أقول العدائية فكلمة العدائية قوية ولكن أقول المتطرفة والحدية من الطرفين.
وللأسف فإنه من الملاحظ أن بعض الأحزاب السياسية المعارضة تلجأ من حين لآخر وربما في مواقيت محسوبة إلى بيانات وتصريحات أقل ما يقال عنها أنها مما لا يساهم في التهدئة اللازمة لتحضير مناخ ملائم لانطلاقة الحوار.

واستدعت كذلك تلك البيانات ردات فعل من بعض أحزاب الأغلبية بنفس القوة والحدة.

ومن المستعجل في هذا المقام -السادة و السيدات رؤساء و ممثلي الأحزاب السياسية أن نتفق من الآن = و يكون ذلك من بركات هذا الشهر و هذه الندوة = على وقف فوري للحملات الإعلامية الحدية بين الطرفين؛

ب- خطر تشرذم أو تفكيك الأقطاب السياسية: كما أسلفت من قبل فإن من مشجعات قيام الحوار السياسي وجود إطارين سياسيين ناظمين لأكثر القوى السياسية الوطنية.
وتشي بعض التسريبات الإعلامية المتوفرة إلى " شبه خلل" -ولو على تفاوت- في تماسك هذه الأقطاب السياسية.

وأحسب أنه يلزم على جميع القادة السياسيين سواء من قطب الأغلبية أو قطب المعارضة أن يسعوا جهدهم إلى ضمان تماسك هذه الأقطاب السياسية، ذلك أن تفكيكها يزيد من تشرذم المشهد السياسي,

ومن المعلوم أنه كلما زاد عدد المتدخلين تعذر جمعهم على مائدة حوار واحدة وفي الآجال العاجلة كما تتطلب ذلك الأجندة الانتخابية والمصلحة الوطنية.

ج- عدم التدرج في مواضيع الحوار حسب الاستعجال والأهمية: إن القراءة المتأنية للوثائق المتبادلة حتى الآن بين الأغلبية والمعارضة توضح أن مواضيع الحوار كثيرة تتراوح من ترسيخ الديمقراطية إلى الحكم الرشيد وإصلاح القضاء وسداد الإدارة ومحاربة الفساد...

لذا يلزم التنبيه إلى خطر إغراق الحوار بالعديد من المواضيع، وهو ما يتطلب على الأقل التدرج، في المواضيع حسب الأهمية والاستعجال.

وربما التفكير في تسجيل الشواهد المرجعية لبعض المواضيع وتأجيلها لما تتطلبه من وقت كثير وجهد علمي غير قليل من التشخيص والمقارنة والاستنتاج...

د- العجز في إحكام تأطير الحوار: وكما تعلمون فإنه حتى الآن تهتم الوثائق المتبادلة بين المولاة والمعارضة بممهدات ومواضيع الحوار فقط ويندر الحديث عن تأطير الحوار خصوصا وأن نجاح هذا الأخير رهين بما سيكتسب من تحضير وتأطير متقن.

لذلكم فإني أدعو هنا من منبركم هذا بالمركز الدولي للدراسات والبحوث الإنسانية ونقابة الصحفيين الموريتانيين للإعداد الجيد لتأطير الحوار حتى يمكننا الإطمئنان إلى أن ظروف تسييره ستكون محفزة لميلاد توافق وطني يوطد المكتسبات الديمقراطية الوطنية.

هـ- تمدد (مطاطية) الإطار الزمني للحوار: لعل من أوكد ما يجب تفاديه هو تمدد أو مطاطية الإطار الزمني للحوار، فكم من حوارات ببلدان إفريقية استغرقت أشهرا بل سنينا من دون جدوى.

ومن المسلم به أنه كلما طال أمد الحوار كلما هوى إلى قاع سحيق من الجزئيات المسكونة بالشيطانيات مما يفضي إلى فشل مطلق و محقق.

وهنا يجب أن ننبه كافة الشركاء السياسيين و بعضهم حاضر هنا الليلة معنا إلى ضرورة الانتباه إلي تحديد سقف زمني معقول لسير الحوار واختتامه.

و- غياب التسلح بثقافة التنازلات: الحقيقة أن كلمة "غياب" حكم قاس في حق الطبقة السياسية، وربما من الأنسب أن نقول العجز في رسوخ ثقافة الحوار والتنازلات.
لذلكم يجب أن يوصي بعضنا بعضا بأن الحوار يعني بالضرورة التنازل -و التنازل المؤلم أحيانا- مع أني أكاد أجزم بأنه لن يكون هناك خلاف كبير إذا ما التزمنا بالمواضيع التي تتطلب تحسينات وتحصينات، وتجنبنا التعسير وإرادة إسقاط كل التجارب العالمية- المتناقضة أحيانا- على بيئة وطنية مغايرة تاريخيا واجتماعيا وسياسيا...

أيها الإخوة والأخوات
بعد أن تعرضت لمشجعات الحوار السياسي، وبينت المخاطر أو العراقيل التي لازالت تنغص تلك المشجعات لا يمكنني أن أختم مداخلتي هذه قبل تقديم بعض التوضيحات والتأكيدات.


ثالثا : توضيحات وتأكيدات
1- أوكد لكم حسب معرفتي واطلاعي علي الصدق والجدية والاقتناع التام للأغلبية بالدخول في حوار جامع من غير سقف ولا شروط ولا محاذير مع منسقية أحزاب المعارضة، واستعدادها لتقديم كل التضحيات والتنازلات لضمان نجاحه في عاجل الآجال.

كما أتمنى أن تتسلح المعارضة -كل المعارضة، كل المعارضة- بنفس الفهم والقيم، بذلك وحده نضمن جميعا ثقة المواطنين الذين ترصد بعض أجهزة قياسات الرأي هبوط مؤشر ثقتهم في متعاطي الحقل السياسي.

وبذلكم أيضا لا تفوتنا الفرصة التاريخية لتنقية ترسانتنا الديمقراطية من كل الشوائب، وإن كانت في شكلها الحالي تمثل سبقا ديمقراطيا وحقوقيا على العديد من دول المنطقة.

2- أعتقد أننا يجب أن نتجاوز الفهم القائم على ما يشبه "العدائية" بين الموالاة والمعارضة، إلى فهم آخر قائم على "التنافسية والتكاملية" وكما قال رئيس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية بمناسبة انعقاد إحدى الندوات المنظمة من طرف الحزب الأسبوع الماضي "..إن الطبقة السياسية يجب أن تتطلع إلى ترسيخ قواعد ديمقراطية هادئة ومسؤولة، يضطلع فيها الغالب والمغلوب، الموالاة والمعارضة بأدوارهما في الشأن العام وتحقيق التنمية العادلة وفق فهم متجدد...".

فهم متجدد قائل بأن النظام تلك الكلمة التي دأبت المنابر الإعلامية على إطلاقها على الجهة الحاكمة إنما تعني في مناخ ديمقراطي سليم وسلمي - كما هو الحال أو أمل الحال عندنا- تكاملية الموالاة المسؤولة والمعارضة المنافسة.

لكل دوره وأسلوبه تحت سقف ترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية والاستقرار وتحسم الترتيبات الديمقراطية اختلافهما عن طريق الاقتراع الحر والنزيه الذي يقبل به الجميع -غالبا كان أو مغلوبا- بل "يقدس" نتائجه.

3- كما أسلفت مرارا في ثنايا هذه المداخلة فإن الحوار المنشود بين الموالاة والمعارضة هو "فضيلة ديمقراطية" ويختلف جذريا عن" الحوار الوطني" أو "الطاولة المستديرة" اللذين عرفتهما بعض الدول.

كما يختلف عن الحوار المطلوب الآن ببعض الدول العربية الذي هو "واجب ديمقراطي" نظرا لغياب الديمقراطية والمأسسة الدستورية والحريات العامة" بتلك الدول و لا يفوت عليكم السادة و السيدات رؤساء الأحزاب السياسية و السادة و السيدات الحضور الكريم أن الفارق محسوس و ملموس بين الواجب والفضيلة.

4-إن ما يتم الحديث عنه هنا و هناك من شروط خمسة أو إجراءات ينبغي الالتزام بها قبل الشروع في الحوار تستدعي مني الملاحظات الأولية العجلي التالية متجنبا أي تفصيل قد يؤدي إلي جدال لا يساعد علي تسهيل الحوار المنشود:
1.أساسيات الحوار كلها تم الاتفاق عليها و هي مواضيع الحوار و أطرافه و شكله؛
2. هذه الشروط بلغة البعض أو الإجراءات المسبقة بلغة البعض الآخر تنقسم إلي قسمين: القسم الأول يضم أربعة منها وهي (فتح و سائل الإعلام؛عدم قمع التظاهر السلمي،وقف التمييز في الإدارة و الصفقات، تعليق المسار الانتخابي)
و هذه الإجراءات هي نفسها مدرجة بنفس التسمية في مواضيع الحوار فلماذا الاستعجال وإرادة وضع العربة أمام الحصان.. فإن كان لا بد من استعجال فليكن حول انطلاق الحوار و تسريع آجاله.

أما القسم الثاني فهو متعلق بإشارة ما إلي مرجعية اتفاق دكار و هنا ينبغي توضيح ما يلي:
" تقادم اتفاق دكار الذي مضي علية عامان كاملان؛
" تنصل مجموعة الاتصال الدولية منه ببيانها بتاريخ 10 سبتمبر2010؛
" تنصل بعض الأطراف الموقعة منه بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية؛
" إعادة تشكيل الخارطة السياسية للأقطاب الموقعة علي اتفاق دكار بحيث تتشرف الأغلبية بانتساب بعض الأحزاب الفاعلة في أحد الأقطاب السياسية المناوئة.
" الأساسيات التي تم الاتفاق عليها حتى الآن (المواضيع، الأطراف،الشكل،..) تختلف مطلقا عن المواضيع والأطراف والشكل المنصوص عليه في اتفاق دكار .

ومن الواضح أن الحوار الذي قطعنا أشواطا كبيرة علي طريقه هو أوسع و أشمل وأضمن من الإشارة إلي اتفاق أسس أصلا وعلي عجل للخروج التوافقي من أزمة و قد خرجنا منها إلي غير رجعة إن شاء الله.

5- من منبركم هذا وفي مكانكم هذا مقر نقابة الصحفيين الموريتانيين الذي كان ولا يزال "قلعة حوار بامتياز" في شهر رمضان المبارك هذا، أدعو كافة الشركاء السياسيين إلي المزيد من التضحيات سبيلا إلي إرساء حوار وطني جامع في عاجل الآجال، جدي صادق وأمين يفضي إلى " كلمة ديمقراطية سواء".

كلمة ديمقراطية سواء قوامها تحسين وتحصين نموذج الحكامة السياسية ببلادنا على قاعدة تثمين الايجابيات وتصحيح الاختلالات.

حتى نؤسس نموذجا ديمقراطيا تشاوريا سلميا وسليما يكون مثلا يحتذى في المنطقة العربية والإفريقية، وحتى تكون موريتانيا البلد العربي القصي والصغير، مركز إشعاع ديمقراطي وحقوقي بعد أن كانت شنقيط ذات يوم مركز إشعاع علمي ناصع.

تقبل الله صيامنا وصيامكم
وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!