التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:13:43 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.08.2011 19:05:20

إضاءات على طريق تفعيل المشاركة السياسية للشباب في موريتانيا

المختار ولد داهي  الأمين التنفيذي المكلف بالتنظيم والعلاقات مع الأحزاب السياسية  بالاتحاد من أجل الجمهورية

المختار ولد داهي الأمين التنفيذي المكلف بالتنظيم والعلاقات مع الأحزاب السياسية بالاتحاد من أجل الجمهورية

ندوة بمناسبة تخليد اليوم العالمي للشباب

مداخلة تحت عنوان :

"إضاءات على طريق تفعيل المشاركة السياسية للشباب في موريتانيا"


المختار ولد داهي

الأمين التنفيذي المكلف بالتنظيم والعلاقات مع الأحزاب السياسية

بالاتحاد من أجل الجمهورية




أغسطس2011

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم

- السيدة رئيسة اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم
- السيد رئيس نادي اليونسكو الثقافي
- السادة والسيدات المدعوون الكرام
- أيها الجمع الكرام

طلب مني الإخوة في نادي اليونسكو الثقافي أن أقدم "رأيا" في شكل تعقيب حول المشاركة السياسية للشباب الموريتاني بمناسبة تخليدهم اليوم العالمية للشباب.

وبالمناسبة أزف صادق التهاني إلى جميع الشباب بالعالم بمناسبة يومهم هذا، وإلى الشباب العربي والموريتاني خصوصا في هذا الظرف الاجتماعي والسياسي الذي يعتبر الشباب أحد عناوينه الكبرى، حاضرا ومستقبلا...

وسأحاول في هذا العرض الوجيز- إيجازا مخلا بقدر ومقدار الموضوع- والذي هو أشبه "بتسطير الأحرف الأولى" حول هذا الموضوع، سأحاول إذن أن أقدم تعريفا لمفهوم المشاركة السياسية أولا، وأوضح بعض أسباب عزوف الشباب الموريتاني عن المشاركة في الشأن السياسي ثانيا، قبل أن أتحدث - ولو لماما- عن بعض الإجراءات التي من شأنها تفعيل المشاركة السياسية للشباب الموريتاني.

أولا: تعريف المشاركة السياسية
تُعرَّف المشاركة السياسية بأنها: مجموعة الممارسات التي تفضي إلى اضطلاع المواطنين في المساهمة بوضع وتنفيذ ومتابعة وتقييم القرار السياسي، وهي تتراوح من:
- التعبير عن رأي في قضية عامة؛
- الانتماء لحزب سياسي؛
- الانخراط في مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني؛
- الترشح للانتخابات؛
- وتولي المأموريات السياسية...

وتتفاوت طبقات المشاركة السياسية من الناشطين الفاعلين إلى المناصرين والمتعاطفين، وصولا إلى المراقبين والمهتمين، ولا تمثل نسبة النشطاء إلى مجموع فئتي المناصرين والمراقبين، إلا أقل من الخمس "20%" في المتوسط.

وتأسيسا على تسطير هذه الهوامش على عجل؛ ونظرا لندرة دراسات وتقارير حول الشباب عموما في بلادنا؛ وغياب دراسات حول المشاركة الشبابية في الشأن السياسي خصوصا: تقدم ولو أرقاما ونسبا تقريبية حول مؤشرات قياسية من مثيل:

- نسبة تصويت الشباب في المنافسات الانتخابية؛
- عدد المنتخبين المحليين والبرلمانيين الشباب؛
- نسبة تواجد الشباب في قيادات وعضوية الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية؛
- مستوى التكوين السياسي ورسوخ الثقافة الحزبية لدى الشباب...

مع غياب كل تلك المؤشرات القياسية إذن، سألجأ إلي أن أحاول معكم تقاسم ملاحظة مفادها: تراجع الاهتمام والالتزام السياسي لدى الشباب، مقارنة مع فترات العشريات الأولى للاستقلال (الستينيات، السبعينيات، بداية الثمانينيات).

فإن كنتم تشاطرونني هذه الملاحظة وهذا الاستنتاج، فبعجالة بعيدة وقصية عن الإحاطة والاستقصاء، سأوضح بعض أسباب تراجع المشاركة السياسية للشباب.

ثانيا: أسباب تراجع المشاركة السياسية للشباب

يمكن إعادة أسباب تراجع المشاركة السياسية للشباب، إلى عوامل كثيرة منها ما يلي:

1- انهيار المستويات التعليمية: لا أظن أحدا ببلدنا ومن كل المستويات العلمية والمهنية وحتى من بسطاء الناس وعامتهم إلا ويتحسر على الانهيار الكبير للمستويات التعليمية، خصوصا ابتداء مما سمي إصلاح التعليم 1979، وما هو بإصلاح.

وبالمناسبة فهو لم يتطلب من الهيئة الحاكمة وقتها غير سويعات قليلة لتفريخه وإقراره، في حين أن الإصلاحات الكبرى لدي الدول التي تحسن صنعا، وخصوصا إصلاح التعليم -الذي هو المضغة التي إذا صلحت صلح الوطن كله- تتطلب شهورا بل سنينا من التفكير في مخابر مراكز الدراسات وأدمغة علية القوم فهما وعلما، ودراسة ودراية.

وللأسف فلن أستطيع أن أُبرئ بعض الحركات السياسية آنذاك من مسؤولية تقصيرية على الأقل ، متمثلة في عدم الوقوف ضد ذلك "الإصلاح- الإفساد الكبير".

ومن البداهي أنه كلما تقهقر المستوى الدراسي والعلمي، كلما تراجع مستوى الاهتمام بالشأن العام والسياسي خصوصا، والالتزام والنضال من أجله؛

2- غياب التربية المدنية من مناهج التعليم: تميزت مناهجنا التعليمية المنبثقة عن إصلاح 1979، بثلاثية "الاستلاب -عجز الطموح- فقدان الانسجام".

وبالخصوص فإن التربية المدنية التي تغرس قيم وفضائل المواطنة: واجبات وحقوقا وفعلا وتفاعلا مع الغير، كانت في مثابة "القريب المحتاج" للمناهج التعليمية حسب المصطلح الفرنسي.

فكانت في كثير من الأحيان غائبة أو مغيبة، حيث يعهد بتدريسها إلى مكونين يبرهنون بقيافتهم ومسلكياتهم وحركاتهم وسكناتهم على نقيض وضد الثقافة المدنية!!.

ولعلي هنا أيها الإخوة والأخوات الشباب، أيها الحضور الكريم، أجد ضالتي في استثناء من هذه الصورة القاتمة، وأنزع عمامتي و أنحني أمام تجربة ما يعرف "بالسكن الداخلي" بالمدارس والثانويات التي مثلت بحق تربية مدنية و"مواطنية" بكل ما تحمله الكلمة من قيم المساواة والإخاء والوحدة الوطنية والعدل والانسجام، فكانت "مصنع قيم الجمهورية" بجدارة وامتياز.

3- شيطنة السياسة من قبل الأنظمة الاستثنائية: عرفت موريتانيا ما يمكن تسميته "ربيعا سياسيا شبابيا" أواخر الستينات والسبعينات ومفتتح الثمانينات، كان الشباب ساعتها وقود الحراك السياسي والاجتماعي، وكان الشاب الملتزم والمنتظم سياسيا قدوة ومثلا يحتذى.

لكن الأحكام الاستثنائية (إن صح أن نجمل فترة الحزب الواحد- لضرورة منهجية- مع الأحكام الاستثنائية العسكرية مع وجوب ملاحظة الفارق)، تلك الأحكام الاستثنائية لمست في الطموح الشبابي العارم، خطرا على "أمنها السياسي" فضربت بأياد من حديد، وسلقت بألسنة حداد من أجل شيطنة الالتزام السياسي في أذهان الشباب وأسرهم، وذلك بتوصيف التسيس "بولتيك" على أنه معول هدم المشوار الدراسي تارة، بل وخروج عن الملة تارة أخرى، وعقوق للسلف ونواميس المجتمع أحايين أخرى.

وهكذا كان للجهد الدعائي الحاد للأحكام الاستثنائية مفعوله في تراجع المشاركة السياسية للشباب الموريتاني.

4- تمييع السياسة في العشرية الأولى من العهد الديمقراطي: كما تذكرون فإن موريتانيا ولجت العهد الديمقراطي من باب "وصفة قمة لابول" الشهيرة، والتي أمرت الدول الناطقة بالفرنسية بالانخراط في مسلسلات ديمقراطية، ومع ذلك لا يستطيع أي مراقب منصف أن يغمط نضالات الحركات السياسية السرية جميعا، وبعض الشخصيات المستقلة حقها في تعجيل الانفتاح الديمقراطي.

وقد بدأت موريتانيا مسلسلها (لاحظ مصطلح المسلسل الذي يحيل إلى التمثيل المسرحي) الديمقراطي 1986، وبلغ ذروته بالانتخابات الرئاسية 1992، وما واكبها من استقطاب حاد بين الموالاة والمعارضة مما أدى مرة أخرى إلى توظيف الآلة الدعائية لفائدة نفير عام لصالح كل من الموالاة والمعارضة، على أساسات منها ما هو إثني وجهوي وقبلي ومنفعي...

مما أفقد السياسة نبلها وطهارتها ونخبويتها، فأضحت مهنة شيخ القبيلة والعامل والعاطل والمزارع والمنمي والشاذ اجتماعيا والمشاء بالنميمة...، وفي كثير من الأحيان ملجأ -أو قل متجرا مربحا للفاشلين والطفيليين- ومهنة من لا مهنة له!!!.

وهو ما أدى على ما أعتقد إلى قدر كبير من المساهمة في عزوف الشباب الموريتاني وخصوصا الشباب الصالح و المتميز دراسيا عن السياسة.

5- غياب سياسة عمومية لترقية المشاركة السياسية للشباب: لا غرابة أن تغيب خلال هذه الفترة - أواخر الثمانينات والتسعينيات وبداية العقد الأول من القرن الحالي- السياسات والبرامج العامة لترقية الشباب عموما ومشاركته السياسية خصوصا.

ذلك أن الأنظمة الاستثنائية أو شبه الاستثنائية كما بينت سالفا إنما تسعى إلى تدجين الشباب وتنويم حراساته، وتخدير عوامل فطنته.
وما ذاك إلا لأن الشباب يعني الحيوية والحركة، والأنظمة الاستثنائية غير الديمقراطية ديدنها السكون والجمود وادعاء الاستقرار الوهمي.

السيدة الرئيسة، السيد الرئيس، السادة والسيدات الحضور الكرام، تلكم بتبسيط كبير معالم بعض أسباب عزوف الشباب الموريتاني عن المشاركة السياسية، و بعد هذا التشخيص سأحاول تسليط إضاءات غير كاشفة على مقترحات إجراءات قد تساعد على تنشيط المشاركة السياسية للشباب.


ثالثا: مقترحات لتفعيل المشاركة السياسية للشباب

في عجالة سأقترح بعض الإجراءات التي من شأنها استعادة وهج المشاركة السياسية للشباب، ومنها:

1- المسارعة إلي إصلاح التعليم: لعمري إنه لمن العاجل المستعجل أن يلتئم الجمع الوطني لتشخيص وضعية قطاع التعليم، والتوافق على إصلاح شامل عاجل وعادل.
وهنا أستحضر بإعجاب أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قد استدعى صفوة الخبرات الفنية المنتمية أو الصديقة له في ميدان التربية والتعليم، فأعدت وصفة واستيراتيجية كاملة لا زال يحتفظ بها وهو في كامل الجاهزية لأي حوار وطني في هذا الخصوص، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي مثل هذا فليتنافس السياسيون.

2- أوبة امتلاك زمام المبادرة السياسية من طرف الشباب: ولعل مما يساعد على ذلك ابتداء، استيعاب التوضيحات التالية:

1.2- أن المشاركة السياسية لا تتم وإن تمت فلا تدوم ولا تجدي نفعا بقرار فوقي ، وإنما ينبغي أن تكون مبنية على قناعة وتضحية من الشباب، فهي استحقاق قبل كل شيء ولا يمكن أن تكون منحة.

2.2- أن الطبقة السياسية "لا تُجدد" وإنما "تتجَدَّدُ" بفعل سنة الحياة والوعي المشترك للخلف والسلف بأن الشأن السياسي دُولَة بين مختلف الفئات العمرية؛

3.2- أننا أحوج إلى تجديد السياسة أولا قبل تجديد السياسيين، فما لم نعمل على صقل السياسة من أدران الشيطنة والتمييع اللذين بينتهما سالفا، فلن نستعيد ثقة الشباب في السياسة و ربيع العلاقة بينهما؛

وهنا أدعو إلى أبغض الحلال، إلى طلاق بائن بين السياسة وشيوخ القبائل، وبين السياسة والطفيليين، وبين السياسة ومن يمكن أن نسميهم "أطر انتظار التعيين"، كما أدعو إلى زواج "كاثوليكي" لا رجعة فيه بين السياسة وأولي المعرفة الذين يلاحظ عزوفهم عن السياسية لأسباب تستحق دراسة منفصلة و خطة متكاملة ؛

4.2إنني أفهم تجديد الطبقة السياسية علي أنه " تكامل التنوع العمري للطبقة السياسية" و لا يعني بأي حال "الاستبدال الميكانيكي" للشيوخ بالشباب، ولا القطيعة مع الجيل السياسي المؤسس كما يفهم من كتابات بعض الشباب المتحمسين و المستعجلين.

فلا بد إذن من تكامل بين الفئات العمرية في الطبقة السياسية، تكاملا يؤسس على برور ووفاء الساسة الشباب للجيل المؤسس، ورفق هذا الأخير بالساسة الشباب، بتحضيره وإفساح الباب واسعا و مشرعا أمامه في المشهد السياسي.

و كاقتراح عملي ربما تجدر دراسة إمكانية فرض "كوتا" خاص بالشباب بمجلس الشيوخ بالإضافة إلى خفض سن أهلية الترشح إلي 25 سنة حتي لا تكون هناك مؤسسة دستورية لا تجسد التكامل المطلوب بين الفئات العمرية و الطاقات الحية بالبلد.

4- إعداد "ميثاق أحزاب سياسية" لتفعيل المشاركة السياسية للشباب: وفي هذا المجال أقترح تأسيسا على ما بينا من النقص في المشاركة السياسية للشباب، على الأحزاب السياسية، وهم مشاريع المجتمع والموقعون باسم المواطنين، أقترح عليهم جميعا، موالاة ومعارضة، تحرير "ميثاق سياسي جامع"، يلزم بجملة من الإجراءات لضمان تأمين المشاركة السياسية للشباب: رأيا وتزكية وانتخابا، وحتى تحديد كوتا في الهيئات القيادية.

وأسجل هنا بكل ارتياح أن الاتحاد من أجل الجمهورية يفرض كوتا لا تقل عن 23% من هيئاته القاعدية والقيادية للشباب.

5- مطالبة السلطات العمومية بإعداد خطة عامة لترقية المشاركة السياسية للشباب عموما، والنساء الشباب خصوصا: لعل من الإجراءات الأكثر حسما وإسهاما في تسريع استعادة ريادة الشباب للمشهد السياسي، مطالبة السلطات العليا بإعداد برنامج خاص، بالتعاون مع شركاء التنمية، الذين أعلم فيهم استعدادا واهتماما بالغا بهذا الموضوع.

إن إعداد برنامج خاص لترقية المشاركة السياسية للشباب عموما والنساء الشباب خصوصا، يتأتى أكثر إذا ما علمنا الاهتمام الكبير الذي توليه السلطات العمومية الآن لشريحة الشباب، والذي من تجلياته رصد اعتمادات مالية معتبرة للقطاع الوزاري المكلف بالشباب.

لذلك ينبغي أن يدرج هذا البرنامج الخاص الذي نقترحه ضمن مقاربة عامة تشاورية وتشاركية مع جميع المعنيين، ومع أصدقائنا من جهات التمويل والمنظمات الدولية العاملة في الميدان.

السيدة الرئيسة، السيد الرئيس، أيها الحضور الكريم، بالمحصلة فإن العجز الملاحظ في المشاركة السياسية للشباب، يعود لأسباب منها ما هو بنيوي هيكلي، وما هو ذاتي وما هو إجرائي...

ويتطلب ردم الهوة وسد العجز "وثبة سياسية" ركائزها ثلاثة: استلهام إيجابيات نضالات السلف من غير إعراض عن السلبيات أولا، وتحمّل المسؤولية من طرف الأحزاب السياسية لتصحيح الخطإ وسد الخلل ثانيا، والتزام السلطات العمومية بمراجعة السياسات العامة.

هذه الوثبة السياسية ستضمن أن يكون الشأن الشبابي عموما: تربية وتكوينا وتشغيلا ومشاركة سياسية...، قطب رحى كل السياسات العمومية.

مرة أخرى أشكرك السيدة الرئيسة، أشرك السيد الرئيس، وأعتذر لمقام الحاضرين عما كان من نقص في هذا العرض الوجيز، الذي أردت منه فقط تقديم إضاءات على طريق تفعيل المشاركة السياسية للشباب الموريتاني.

تقبل الله صيامكم وقيامكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!