التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:08:32 غرينتش


تاريخ الإضافة : 07.09.2011 13:55:05

أبو المعالي: الشاعر الموريتاني لديه حس يختلف فيه عن الشاعر العربي الآخر

تقدم "الأخبار" في هذه المقابلة حصيلة حوار مع الشاعر الموريتاني البارز أحمد أبو المعالي الذي يقيم بدولة الإمارات منذ سنين في "اغتراب" عن الوطن كما يسمي وجوده هناك معتبرا أن الغربة لا يمكن أن تنتفي ولو بلغت وسائل الاتصال ما بلغت. ويعتبر أبو المعالي إلى جانب أنه شاعر أحد كتاب أعمدة الصحافة في موريتانيا المعروفين، حيث يواكب مستجدات الوطن دائما، الأخبار التقت مع أبو المعالي الذي يقضي عطلته الآن بالوطن فحاورته في كل ذلك متعرضة لجوانب من حياته الشخصية ثم توسع الحديث ليكون شاملا.

كيف يجمع الشخص بين الكتابة الأدبية وبين كتابة المقالات السياسية في الأعمدة الصحفية وأنتم من عرف بذلك؟



أبو المعالي: في البداية أشكر موقع الأخبار على هذه الاستضافة الكريمة وقد عودتمونا على مثل هذه الاستضافات ومواكبتكم للأحداث الثقافية في البلد التي هي جانب مهم متجاوزين للإطار السياسي الذي غالبا ما يطغى الاهتمام به على منشورات الصحافة.
عودة إلى سؤالكم، إني أريد أن أقول إن الجانب الأدبي والسياسي من الصعب الجمع بينهما، فالمقال السياسي له صبغة خاصة، هو علمي بالدرجة الأولى يبتغي تحليل الواقع بالتشخيص والنظر فيه وجديد الأخبار ويعتمد على لغة صحافية معينة، بينما يعتمد الأدب على لغة أخرى مغايرة تعتمد على المشاعر ، وحتى اللغة النقدية باعتبارها لغة أدبية هي بعيدة أحيانا عن المجال الحياتي اليومي. ومع ذلك أنا أكتب في المقالات السياسية كما الأدبية لأني أعتقد أن المثقف أيا كان لا بد أن يكون له رأي سياسي خاصة في مثل الأوضاع التي تشهدها موريتانيا بشكل خاص وبلدان العالم الأخرى.


الأخبار: إذن من وجهة نظركم ليس هناك تنافر بين التخصصين؟

أحمد أبو المعالي: لا ليس هناك تنافر، لأن الشخص في النهاية هو شخص واحد لديه أمور متعددة ومن حقه أن يعبر عن وجهة نظره في القضايا الأدبية كما القضايا السياسية، لكن يتفاوت الناس في السيطرة على اللغة الأدبية حينما يتحدثون عن الأدب، وعلى اللغة السياسية عندما يتحدثون في مجالها. وهو أمر من الصعوبة بمكان.


أنتم كرمز أدبي من رموز الأدب اليوم وقد احتفي بمسيرتكم الشعرية في أمسية تكريمية قبل أيام، كيف تستعيد بعض أخلد القصص التي عشتموها في فترة الصبا، خصوصا أن الكثير من الأدباء يحتفظون في الغالب بقصص ومواقف من هذه الفترة؟

أحمد أبو المعالي: ذكرتني هنا أن أشكر منتدى القصيد الموريتاني على التكريم الذي أتحفني به وبالمناسبة لم يخصني به وحدي، فقد نظم أمسية تكريمية للدكتورة والشاعرة والأديبة المعروفة باته بنت البراء بعد غربتها في المملكة العربية السعودية حيث تعمل، وأعتقد أن هذا المنتدى من المنابر الهامة التي تنير الساحة الثقافية وتعمل لصالح العمل الثقافي هنا، فشكرا له.
بخصوص الذكريات: أنا حقيقة من الناس الذين لديهم ذاكرة ضعيفة، يعني لا يحضرني الكثير، هناك لا شك أمور كثيرة حيث يمر الإنسان بالعديد من اللقطات، لكني لا أتذكر الآن موقفا بعينه.

الأخبار، إذن ما تذكرتم حادثة معينة، وبالنسبة لرحلاتكم في العالم هل تحتفظون الآن بموقف منها طريف واجهكم خلال أحد أسفاركم؟

أحمد أبو المعالي: كنت في مدينة عربية وأنا أسير على الرصيف، فجأة وجدتني بين زجاج مكسر فاستغربت أن المارة لم ينبهوني وصاحب الدكان كذلك، وهممت أن أتوجه إلى أحدهم لأسأله لما ذا لا تنبهونني، قبل أن اكتشفت أن الأمر مجرد مجموعة من الأضواء مسلطة على الرصيف وليست زجاجا. وبعد ذلك مررت بمنطقة مشابهة فكدت أن أتوقف غير أني تذكرت المرة الماضية، إن هذا الموقف حقيقة من الموقف التي أحرجتني.

وجودكم في الطائرة بين الإمارات وموريتانيا، وفي رحلات أخرى، هل يكون عادة لحظة شعرية تستغلونها للكتابة؟

أحمد أبو المعالي: هذه اللحظات بالنسبة لي هي أبعد ما تكون عن الشعر، لأني من الناس الذين يخافون كثيرا من الطائر، بمجرد ما أركب في الطائرة أظل في غربة عقلية إذا جاز التعبير، أو غيبوبة قلبية، فأظل في خوف دائم وفي دعاء لله أن يعيدنا سالمين، من لحظة الإقلاع حتى لحظة الهبوط قد تتخللها ساعات صفاء عقلي ولكن الغالب الأعم هو الخوف، فأنا من الناس الذين يخافون كثيرا من الطائرة، لأن حوادث الطيران عادة لا يوجد فيها جريح ولذلك أنا دائما أخاف منها خصوصا أني أسافر أكثر من 7ساعات أحيانا. وأستطيع أن أقول لك إن لحظة ركوبي للطائرة المرة الأولى ولحظة وصولي الشهر الماضي متقاربتان من حيث الانطباع.

هل هناك شيء معين يستدعي منكم الكتابة الشعرية أكثر من غيره؟

أحمد أبو المعالي: ما يمر به الوطن في بعض المراحل وما تمر به الأمة هو الذي يستدعي مني الكتابة دائما. فالهزات التي تقع في أرضنا هي التي تجعلني أكتب، سواء كانت عربية أو في أرض المسلمين الأخرى.

بما أنكم شاعر موريتاني بارز، هل ترون أن هناك خصوصية محلية تجعل للشاعر الموريتاني خاصية لا توجد لدى شعراء الأوطان الأخرى؟

أحمد أبو المعالي: أنا أعتقد أن الشاعر الموريتاني يتميز بحس يختلف فيه عن الشاعر العربي الآخر، ذلك أنه ينظر بنظرة أوسع فمثلا الشاعر العراقي ينظر إلى العراق بشكل خاص ثم ينظر بعد إلى العالم الآخر، وكذلك الشاعر السوري والفلسطيني، أما الموريتاني فينظر إلى هذه البلدان قبل بلده، ولذلك لديهم حس قومي وإسلامي أكثر مما يحسه الشعراء الآخرون ولذلك تجد لهم مدونات يكاد الوطن يغيب فيها إلا اللمم وهذه حقيقة ليست عيبا حيث إنهم يعايشون أزمات الآخر وينظرون إلى الأخوة العربية والإسلامية والإنسانية بشكل إسلامي ومناسب.

موريتانيا القديمة: شنقيط، هل ترى أن شعراء تلك الفترة أنصفوا فيما بعد الطباعة وفي عصر التلاقي العربي الثقافي الحالي، خصوصا أن أحد النقاد العرب كتب قبل عقود أن في الشناقطة من سبق شوقي وحافظ إبراهيم إلى بعث القصيدة الرصينة؟


أحمد أبو المعالي: هذا السؤال جميل، أنا أعتقد أن شعراء الشناقطة قد تم إنصافهم محليا ولكنهم لم ينصفوا عربيا، ولا على مستوى المحافل الدولية، بالرغم من أننا عندما نأخذ المدونة الموريتانية القديمة ونقارنها بالمدونات في الدول الأخرى نلاحظ تقدما شعريا بينا للمدونة الشنقيطية، ونجد مدونات رائعة وقصائد في منتهى الروعة لا تقل شأنا ولا شأوا عن قصائد أحمد شوقي والرصافي.

الدكتور جمال ولد الحسن قارن بين شعراء عصر النهضة وبين شعراء الشناقطة من حيث تواريخ ميلاد ووفاة الأعلام، فوجد أن بعض شعراء الشناقطة سابقين مرحليا لأدباء النهضة بالعديد من السنين، ثم قال إن هذا الأمر ربما يطرح قضية إعادة النظر في الحكم على عصر النهضة، أيمكننا أبا المعالي أن نعتبر ما وصل إليه ولد الحسن حاسما في هذا الموضع خصوصا أن جمال من كبار علماء الأدب؟

أحمد أبو المعالي: هو بحث في هذا الموضوع بحثا جيدا ولكنني أعتقد أننا مازلنا بحاجة إلى أن أنثري ذلك وأن نزيح الغبار عن هذه المدونة المهمة جدا. وأعتقد أنه لو أنصف التاريخ والنقاد لتغير الوضع كثيرا، ولنظر مؤرخو الأدب إلى تلك الفترة الشنقيطية على أنها فترة ازدهار عربي أحسن وأحسن بكثير من الطفرات العربية الأخرى التي كانت بداية النهضة.

لأنكم أحد أبرز شعراء البلاد وكلمتكم في هذا المجال مهمة،هل يمكن أن تسمي لنا شاعرا موريتانيا من شعراء شنقيط القدامى تعتبره الأفضل والأكثر إعجابا لكم بين شعراء مدونة البلاد؟

أحمد أبو المعالي: نعم، هذا الأمر حقيقة ربما في كثير من الأحيان يحصل نتيجة للبيئة التي يعيش فيها الفرد ونتيجة لما تعود عليه وعلى سماعه وقراءته في الصبا. ولذلك يختلف الناس في هذا، ويختلف الأدباء، أنا شخصيا من أحسن الشعراء الذين أقرأ لهم حسب نظري الشاعر محمد ولد محمدي والشاعر محمد ولد الطلبة ، أعتقد أنهما رمزان لا نشكك فيهما ، رمزان لا يشكك أحد في شاعريتهما وريادتهما في الأدب الموريتاني والشعر بشكل خاص ، ومع ذلك لا أنكر وجود أصوات شعرية أخرى مميزة قديما وحديثا. وأنا أعتقد أنه لا يمكن أن يكون لك أنت أيها المتلقي شاعر واحد ترضى عنه كله، ولا ترضى عن الآخرين. فأعتقد أن لكل شاعر إيجابي: له قصائد مميزه، هناك شعر جميل متفرق لا يمكن حصره عند شاعر واحد. ولا في قصيدة معينة.

مسألة جميلة نبهتم لها، وهي أن الحكم على الأشياء دائما يتأثر بما تعود عليه الفرد داخل منظومته، وهذا يقودنا إلى سؤال متعلق بحديثنا، وهو هل تعتبر أن الموريتانيين تصالحوا مع الأدب الحديث والأشكال الحداثية أم أنهم ما زالوا رهن ما تعودوا عليه في منظومتهم الأدبية القديمة؟


أحمد أبو المعالي: فعلا، الأذن الموريتانية أو طبلة الأذن الموريتانية ما زالت مرغمة على ما تعودت عليه وعلى معرفته، وهذا أمر طبيعي.

طبيعي لما ذا؟

أحمد أبو المعالي: طبيعي لأنها لم تألف سوى القصيدة القديمة فتعودت عليها موسيقيا ومن حيث المواضيع والأغراض.

لكن المجتمع أيضا تعرف على الأشكال الجديدة حيث تنتشر دواوين الشعر الحديث وتسمع أصوات أصحابها في المنابر والمنصات وفي الشاشات التلفزيونية أليس كذلك؟

أحمد أبو المعالي: لكن عندما تقارن متى وصلنا هذا وكيف وصلنا تعرف أن الأمر ليس بذات الفاعلية، فالنشر محدود والدواوين التي وصلتنا محدودة والمؤسسات الثقافية لم تكن موجودة هنا بالشكل الكافي ولذلك نحن تأخرنا كثيرا في استقبال الأنماط الشعرية المعاصرة ولذلك الآن لا تجد ما يسمى بقصيدة النثر لأنهم لم يتعودوا عليها.

بخصوص قصيدة النثر؛ هل يمكن أن نعتبرها شعرا؟

أحمد أبو المعالي: أنا أعتقد أنها فن جميل من الفنون الجميلة ولا نسميها شعرا.

قال أحد كبار الشعراء الموريتانيين في أحد المجالس ليلة الماضية إن قصيدة النثر تقدم نصوصا في غاية الروعة أحيانا، إذن شعراء موريتانيا يرحبون بقصيدة النثر؟



أحمد أبو المعالي: قصيدة النثر فن راقي ورائع، لا خلاف في ذلك، كما أن القصة فن راقي. والرواية فن راقي والمسرح كذلك والمقامات القديمة كانت فنا راقيا لكن فقط فيما يتعلق بقصيدة النثر أنا أتحفظ على تسميتها بالقصيدة. فأنا أعتقد أن هناك قصيدة العمودي وقصيدة التفعيلة التي أثبتت جدوائيتها وجدارتها وأيضا تقبلها الجمهور في نهاية المطاف. كان الموريتاني يتحفظ منها لتعوده على الشكل الإيقاعي القديم ولكني أعتقد أنها تجاوزت تلك المرحلة عند الموريتانيين وأصبحت جزءا من ثقافة المجتمع، وأقنع شعراؤها وخاصة جيل التسعينات جمهور المتلقين بأنها نوع من الشعر جميل. لكن قصيدة النثر لم يتعدد كتابها في البلد، فقد قام ابراهيم ولد عبد الله بكتابة نصوص في هذا الاتجاه لكن لم ينشر لها القبول هنا كثيرا وما زالت غائبة عن الساحة وحتى لو وصلت قصيدة النثر إلى الساحة فعليها أن تصل كنمط أدبي وليس نمطا شعري.

المنظومة الثقافية في موريتانيا من أدب وفن ومختلف أشكال الثقافة، كيف ترونها، هل ترضون عن واقع المنظومة الثقافية في موريتانيا؟

أحمد أبو المعالي: نحن دائما في موريتانيا لدينا تفاؤل ونحب الخير لهذا البلد. لكن لا تستطيع أن نقول إننا راضون عن الوضع الثقافي، فنحن لا توجد لدينا دور النشر، ولا المؤسسات الثقافية المتخصصة ، وهذا من الأشياء التي تجعل الساحة الثقافية ما زالت بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي، بحاجة إلى كثير من النشاطات الثقافية والمنشطات الثقافية التي تساعد الشباب. هناك خيرة من الشباب الذين نعرفهم ولهم مجهود في هذا الإطار كشباب منتدى القصيد ولكن الجانب المادي مازال عائقا دون أن يؤدوا دورهم النبيل بشكل كامل. كما أن انعدام الساحات والفضاءات التي تستقبل الأنشطة يعيق العمل الثقافي، فحقيقة الدولة لا تنظر كثيرا إلى هذا المجال.

قرر أن نواكشوط ستكون خلال العام الماضي عاصمة الثقافة الإسلامية ثم ألغي ذلك من قبل السلطات مؤخرا، كيف ترى ذلك؟

أحمد أبو المعالي: نعم تم تأجيل ذلك، فقد تم اعتبارها مع مدينة تلمسان الجزائرية ثم توقف الملف الموريتاني. في الحقيقة أظن أن هذه المسألة رسمية أكثر منها ثقافية.

لكن كان يمكن أن تنعكس على الساحة الثقافية إذا عمرت بالأنشطة وقدمت الوفود تجاربها الثقافية لأهل البلاد؟


أحمد أبو المعالي: أنا ما أردت قوله هو أن الجانب الرسمي هو الذي يتحمل المسؤولية، وكان عليه أن يبذل جهدا في هذا الإطار، خاصة أنه خصصت لهذه الفعالية مبالغ ضخمة وعينت لجنة. ما زال العمل الرسمي في بلادنا مقلقا، وأزيدك بأن المثقفين تعودوا في هذا البلد على أنه كل ما دخلت الأمور الرسمية كلما خفت الأدب والثقافة.

هناك في الإمارات العربية حيث تقيمون، كيف هو وضع الجالية الموريتانية هناك: تواصليا ، ثقافيا..؟

أحمد أبو المعالي: الجالية الموريتانية في الإمارات شأنها في ذلك شأن الجاليات الأخرى تتواصل، ولكن ثمة ما يميز الخليج بشكل عام والإمارات بشكل خاص: فقد حاولت الجالية أن تؤسس لها ناديا ثقافيا، ولكنها بدأت في وقت متأخر فلم تتمكن من ذلك نتيجة لأن القوانين الرسمية هناك تمنع إنشاء مؤسسات ومنتديات اجتماعية لغير أبناء البلد. وحقيقة هناك مؤسسات تنشط لبعض البلدان الأخرى لكن التشريع لهؤلاء تم قبل إحلال النظام الجديد. ومع ذلك الجالية الموريتانية تلتقي وتنظم ندوات، وحينما كانت هناك مسابقة أمير الشعراء التي تنظمها الإمارات كان ثمة تواصل كبير بين الجالية والمتسابقين وأبلت الجالية في ذلك بلاء حسنا بالتصويت والحضور.

الحضور بالتذاكر؟

أحمد أبو المعالي: لا، الحضور إلى مسرح شاطئ الراحة مجاني، لكن الجالية الموريتانية كانت تقبل بشكل كبير وتعبئ له أكثر من أي جهة أخرى. لكن الجالية أصبحت تقل تم تسريح بعض العاملين.

فعلا، تم مؤخرا تسريح العديد من الموريتانيين من مراكز الشرطة هناك، ما هي خلفيات ذلك؟

أحمد أبو المعالي: أعتقد أن القضية قضية توطين بحت فقد أصبح لدى الإمارات جيل شبابي كبير مستعد للعمل في الأمن والشرطة، لذلك تم تفريغ الأمن من الجاليات بما فيهم الجالية الموريتانية لصالح أبناء البلد وهو أمر طبيعي لحد الآن.

بما أنكم تعيشون هناك خارج الوطن، هل ما يعرف ب"الغربة" والإحساس بالبعد ما زال موجودا ونحن الآن في عصر الاتصالات السريعة وعالم التكنولوجيا الرقمية؟

أحمد أبو المعالي: أود أن أقول لك إن كل لحظة يقضيها الإنسان خارج هذا الوطن هي بالنسبة لي لحظة غربة. في عصر التكنولوجيا أنت لا تستطيع أن تتحدث مع الشخص عن بعد كما لو كان معك وجها لوجه. فتظل الغربة رغم التلفون والفيسبوك هي هي. وأنا أعتقد أن النفس مع الجسم فحيثما كان الجسم تكون، فإذا كان الجسم خارج البلد فالنفس خارج البلد أيضا. مع أن الغربة في الإمارات ليست من أصعب الغربة، لأنه كانت في الإمارات جالية كبيرة جدا، والإمارات بلد صغير المساحة يسهل التواصل فيه ولكن مع ذلك الغربة هي هي أيضا.

من الواضح أن مسابقة أمير الشعراء التي تقام هناك في الإمارات والتي لاقت زخما عربيا، سبقت هي وبعض الحراك الشعري الآخر، حالة الرفض العربي الآن وهذه الثورات التي دكت عروش عدد من الأنظمة، كأن الشعر ألهب الحماس واستخرج العزائم من نفوس الشعوب، ما هي قراءتكم لما حدث؟

أحمد أبو المعالي: أولا هذه الثورات كان لا بد أن تقع. الانسان العربي هو الإنسان الوحيد المغيب عن الكرامة وهو الإنسان الذي يعيش على فتاة الأنظمة. هو الإنسان الذي ما زال النظام في أرضه يرفع شعار "أبدا" القائد أبدا، والغريب أن الأماكن التي قامت فيها الثورات العربية وتتأبط الإيديولوجيا العربية هي التي كانت أكثر دموية ، انظر ما يجري في سوريا الآن وما جرى في ليبيا، هذه الأنظمة التي تحمل شعار الحرية والوحدة العربية تحمل هما كبيرا لهذه الأمة هي التي أطلقت النار على شعوبها حين طالبت بالحرية. تصور معي الآن شابا خريج قسم الهندسة مثلا في سوريا وليبيا عام 2011 لا يستطيع أن يفتح موقع الفيسبوك لا يستطيع أن يتصفح المواقع التي يريد ولا أن ينشئ الحزب الذي يريد ولا المنظمة التي يريد لا يستطيع السفر إلى أي منطقة من العالم يريدها الأمن يحاصره في كل مكان، أعتقد لهذا أن الثورة تأخرت ولكنها جاءت في وقتها، وأعتقد أنها كما دكت عروش طغاة إن شاء الله ستدك باقي الطغاة الآخرين. وهذه الثورات هي في الحقيقة ليست ثورات مثقفين بل ثورات شعوب مظلومة مضطهدة آتت أكلها في كثير من الأحيان. لكن هناك مسألة أريد أن أنبه لها حيث إن هناك من يقولون إن الثورة سالت فيها دماء وأرواح، أقول لهؤلاء إنه لا توجد أولا ثورة بيضاء فأشرف ثورة في العالم وأنبلها هي ثورة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن انظر إلى بدايتها وقع المقاتلون في أخطاء كبيرة قتل الناس في الحرم ومعاهدون وقتل الناس وهم يتشهدون "أفلا شغفت عن قلبه" هذه أخطاء تقع وهي أخطاء بشرية لا تلغي ولا تزيح عظمة هذه الثورة وأهميتها إذا ما قورنت بالإنجازات التي تحققت: كم من المشردين عادوا كم من السجناء أعيدوا كم من الحقوق أعيدت يعني حين تقدر ستجد أن هذه الأخطاء ثقيلة جدا ولكنها أخطاء بشرية طبيعة جدا، وكما قلت لا توجد ثورة بيضاء. ثانيا: لا توجد ثورة بدون ثمن، فمن يتوقع أن يظل جالسا في بيته وتأتيه حقوقه وأحلامه لن يحقق شيئا.وأنا قلت في مقال عن هذه الثورة أنها أثبتت ثلاثة أشياء أن أفضل هذه الأمة هم شبابها، وأن "أسوأ" ما فيها هم مثقفوها وإعلاميوها الرسميون، وأن أقلها نصرة للحق هم علماؤها وفقهاؤها لأنهم كثيرا ما يتأخرون بينما كان يفترض أن يكونوا هم المشعل وأن يكونوا في الصدارة. ولكن الأمة ستكون بخير وهناك فقهاء وهناك علماء طيبون. ولكن أنا أعتقد أن أزمة الحاكم أنه يستعين بمرتزقه فيهم علماء وصحافة وجنود وأقلهم بأسا هم الجنود وأخطرهم بأسا هم العلماء ثم الصحافة. لأن الجند يقتل الشخص، بينما العلماء يقتلون الشعور والإرادة العامة في المجتمع بتدجينهم. وأنا قلت مرة أنه كيف نفهم أن هؤلاء العلماء يتوقعون أن هذا الدين العظيم الذي جاء للبشرية إنما جاء ليدخل قيصر وكسرى الإسلام ثم يواصلون نشاطاتهم القيصرية الظالمة، لا يمكن أن يحدث هذا. ولذلك نحن نبارك هذه الثورات.

انتهيتم أخيرا من المشاركة في عملية التحكيم في برنامج مسابقة شاعر الرسول التي يبثها التلفزيون الموريتاني خلال رمضان، كيف كانت هذه التجربة؟

أبو المعالي: كانت فرصة جميلة جدا، جمعتني بشعر المديح النبوبي لشهر تام، كما كان وجودي ضمن اللجنة المتميزة شيئا جميلا بالنسبة لي، فقد شاركت في التحكيم طيلة ليالي الشهر إلى جانب الشاعرة الكبيرة والأديبة الموريتانية الاستاذة باتته بنت البراء وإلى جانب الناقد المميز الدكتور المعروف في الساحة العلمية الشيخ ولد سيد عبد الله. وقد تميز موسمنا بالإلغاء الكامل للتصويت وهو شيء جميل لم نعهد مثله في مسابقات اليوم التي أصبح التصويت بالتلفون يطغى على التحكيم فيها وهو الذي يتيح الفرصة ويفتح الباب لدخول عوامل غير موضوعية كالجهوية وغيرها. أتمنى أن يتكرر مثل هذا الموسم وأن يتجاوز قضية الموسمية ، فنبتغي ونرجوا أن ينظم التلفزيون وقطاع الثقافة مثل هذه المسابقات على مدار العام فهي ذات قيمة كبيرة على المجتمع وعلى الشباب وتضمن للوطن مستقبلا جميلا.

كلمة تود توجيهها؟

أحمد أبو المعالي: عيد مبارك للجميع، وأتمنى لهذا البلد كل الخير وأتمنى أن تزدهر الساحة الثقافية وأن ينظر الرسميون إلى قطاع الثقافة بنظرة غير مزرية وأن يعتبروها على الأقل جزء من مال هذا البلد الذي حين ما يذكر في العالم لا يذكر إلا بالثقافة والعلم.

نريد الختام بمقطع شعري تتحف به القراء؟

أحمد أبو المعالي:

أتسور المحراب ذات تهجد ** وأغيب عن ذاتي ليرشدني الهدى
لي شمعة وله قواميس الدجى ** ونزيف قربان تأبى الموقدا
ما زال يبحث عن غراب تابه ** يهدي الفضيلة والتراب المرقدا
لله أنت ففيك ألف خرافة ** سجدت وألف خرافة ضاعت سدى
إني لأعرف فيك وجه أميرة ** للشمس في محرابها لن تسجدا
عاهدتها ألا تزف خواتمي ** لرسوله إلا ذبحت الهدهدا



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!