التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:19:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 22.06.2008 15:44:32

دور المرأة في التنمية الزراعية المستدامة

سيدي ول سيد أحمد البكاي باحث مختص في شؤون المرأة*

سيدي ول سيد أحمد البكاي باحث مختص في شؤون المرأة*

لعل من أبسط وأحدث التعريفات المتداولة لعملية التنمية هو وصفها بكونها ، الانتقال من وضع سيء إلى آخر أحسن منه ، وبعبارة أخرى الوصول إلى حد الرضي عن مستوى الخدمات المتحصل عليها خاصة فيما يتعلق بمستوى المعيشة وخدمات التعليم والصحة ،إلا أن عملية الانتقال هذه تتحكم فيها مجموعة من العوامل يقسم المهتمون بأدبيات التنمية إثرها التنمية إلى مجموعة من الأقسام أهمها :
التنمية الصناعية ، التنمية الزراعية ، التنمية الثقافية....الخ
وسنحاول من خلال هذه المعالجة أن نقف على مفاهيم التنمية الزراعية وأهم وأنجع المقاربات المعتمدة في سبيل الوصول إلى أهدافها، والدور الذي يمكن للمرأة ان تلعبه فيها ، فماذا نقصد بالتنمية الزراعية ؟
إذا كانت النظريات الاقتصادية التقليدية تقسم الاقتصاد القومي إلى ثلاثة قطاعات هي :
القطاع الأولى :الزراعة القطاع الثاني :الصناعة القطاع الثالث :ألخدماتي ، فإن التنمية الزراعية هي التي تركز على تنمية القطاع الأولي من خلال تنويع المنتجات و العمل على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة من أراضي صالحة للزراعة و أيدي عاملة والثروة الحيوانية المتوفرة .......الخ
وفي هذا الإطار ظهرت مبادرة التنمية الزراعية و الريفية المستدامة بعد الدورة الثامنة للجنة التنمية المستدامة بشأن الأراضي والزراعة وما تلا ذلك من منتدى التنمية الزراعية و الريفية المستدامة خلال اجتماع لجنة الزراعة في منظمة الأغذية و الزراعة (2001).
تنطلق هذه المبادرة من كون التنمية الزراعية والريفية تحصل و تستدام عندما تكون سليمة من الناحية الايكولوجية وقابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية وعادلة من الناحية الاجتماعية و مناسبة من الناحية الثقافية.
ولعل هذا ما حدا بالمنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى اعتماد ثلاثة أهداف رئيسية عند وضعها لخطة عملها (2002-2007) وهي:
• حصول جميع الناس في جميع الأوقات على الأغذية الكافية و المغذية
• مواصلة مساهمة التنمية الزراعية و الريفية المستدامة في التقدم الاقتصادي و الاجتماعي ورفع مستوى معيشة الجميع
• المحافظة على الموارد الطبيعية للأغذية و الزراعة وتحسينها و استخدامها المستدام.
لقد شهدت التنمية بصيفه عامة العديد من المقاربات بدءا بمقاربة التنمية الاقتصادية التي تسعى إلى تعظيم الجانب الكمي ،ثم مقاربة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية حيث تمت ملاحظة أهمية أخذ البعد الاجتماعي للتنمية بعين الاعتبار الأمر الذي تعزز بعد ظهور مقاربة التنمية البشرية التي رأت أن الإنسان هو المقصود بالتنمية وهو حجر الزاوية فيها و أي تنمية لا تنعكس ايجابيا عليه تعتبر تنمية مظهرية غير قابلة للبقاء مرورا بمقاربة التنمية المستدامة التي تأخذ من التوازن البيئي عنوانا لها مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة في الموارد الحالية .
وهذا ما طرح ضرورة إشراك الإنسان ذاته في عملية تحقيق هذه التنمية حيث أثبتت التجارب فشل النماذج التنموية المعلبة و محاولة تطبيقها بشكل فوقي مما جعل الحديث في السنوات الماضية يتركز حول اعتماد المقاربة التشاركية التي تنطلق من ضرورة مشاركة الفئات المستهدفة بالتنمية في اختيار نوعية المشاريع انطلاقا من احتياجاتهم و أولوياتهم و كذا مشاركتهم في طريقة التنفيذ و المتابعة.
إلا أن الفئات المستهدفة ذاتها تختلف أولوياتها و احتياجاتها حسب نوعها فاحتياجات النساء ليست هي بالضرورة احتياجات الرجال و احتياجات الفئات العمرية تختلف أيضا .
ومن هذا المنطلق جاءت مقاربة النوع و التي تفرعت عنها مقاربة التحليل السوسيو اقتصادي حسب النوع حيث يتم التركيز على الأدوار و المشاكل المطروحة حسب النوع ولكن داخل النسق الاجتماعي بصفة عامة ، ولأننا هنا لسنا بصدد دراسة هذه المقاربات و آليات عملها – إذ أن ذلك عمل من نوع آخر – فسنضرب صفحة عنه محاولين التركيز على الدور الذي يمكن للمرأة أن تلعبه في سبيل إنجاح مخططات التنمية الزراعية خاصة و أن البلد هذه الأيام يعيش أجواء حملة زراعية أخذت شعار " 2008 عام زراعي بامتياز".
وقبل أن نتناول ذلك الدور أجدني مجبرا على الإشارة إلى موضوعين أساسين قد يبرران إلى حد بعيد تناول هذه الإشكالية:
1- أنني حضرت في شهر فبراير من العام المنصرم ورشة و وطنية تناولت مناقشة تقرير مفصل حول حالة و آفاق القطاع الزراعي...في موريتانيا وما لفت انتباهي ساعتها هو غياب أي إشارة لبعد النوع في هذا التقرير، وفي نفس السياق دائما تابعت في الشهر الماضي (مايو 2008) أعمال ندوة نظمها مركز الأرقم للدراسات الإستراتيجية حول موضوع:"الزراعة في موريتانيا ...العوائق و المحفزات" هذه الندوة و التي أطرها مجموعة من خيرة و صفوة مثقفي البلد لم يتطرق أي محور من محاورها الخمسة الرئيسية إلى اخذ بعد النوع بعين الاعتبار عند تحليله لموضوع الزراعة في موريتانيا.
2- أما ثاني هذه الأسباب التي جعلتني أهتم بالموضوع فهو اعتماد موريتانيا لدمج بعد النوع في مختلف السياسات و الإستراتيجيات الحكومية حيث تم تنظيم العديد من الو رشات و ملتقيات المناصرة بهذا الخصوص.
وكذلك الاهتمام الذي يوليه القطاع المكلف بالترقية النسوية و الطفولة والأسرة للمرأة الريفية حيث يعكف هذه الأيام على وضع اللمسات الأخيرة على إستراتيجية و وطنية لترقية المرأة الريفية .

يرى العديد من الباحثين أنه على الرغم من أن النساء و الرجال لديهم ادوار مختلفة و متكاملة في بعض الأحيان لتوفير و ضمان الأمن الغذائي على مستوى أسرهم ومجتمعاتهم المحلية إلا أن النساء وخاصة الريفيات يضطلعن غالبا بدور أكثر في استمرارية التغذية وسلامتها وضمان جودتها ، ويتحملن المسئولية عن تجهيز و تحضير هذه الأغذية لأسرهن ، إلا أن تقسيم العمل في الإنتاج الزراعي بين الرجال و النساء يتباين بشكل كبير من إقليم إلى آخر ومن بلد إلى بلد آخر .

غير أن السمة الغالبة أن يتحمل الرجال المسئولية عن المحاصيل الكبيرة وخاصة عندما نكون بصدد الحديث عن استخدام ( المكننة في الإنتاج الزراعي) ، على الرغم من أن استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة يسهل المهمة أمام المرأة ، إلا أنها عادة ما تعتني بإنتاج الأغذية الموجهة إلى الاستهلاك الأسري من خلال زراعة المحاصيل الصغيرة و السريعة النضوج.

ويرى العديد من القائمين على الدراسات المهتمة بالأمن الغذائي أنه لابد لراسمي الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي المستدام أن تأخذ بعين الاعتبار الدور الحاسم للمرأة في أنتاج الأغذية و توفيرها و تجهيزها و أن تعمل على معالجة مسألة محدودية حصولها على الموارد الإنتاجية.

وتساهم المرأة الموريتانية في ضمان الأمن الغذائي لأسرتها من خلال العديد من الأنشطة : كزراعة الخضروات المنتشرة في ربوع الوطن ( وخاصة المروية منها ) وكذلك من خلال تربية الماشية في إطارها الضيق ( التومزه) التي توفر مادة اللبن وكذلك من خلال النشاطات التعاونية لتوفير اللحوم (الذبحة) هذا الدور المحوري للمرأة الموريتانية في ضمان الأمن الغذائي الأهلي يؤهلها دون شك إلى لعب دور محوري في الحملة الزراعية التي تشهدها البلاد و سيتعزز هذا الدور إذا ما حصلت التجمعات النسوية على دعم وتوجيه نحو استخدام أساليب المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية وتطبيق تقنيات بسيطة و صحية و سليمة بيئيا و التقليل من استخدام المواد الكيماوية في الزراعة وتثمين بالمقابل المعارف المحلية ( التجربة الأردنية).
ويمكن للمرأة عموما و القطاع المكلف بالترقية النسوية خصوصا لعب دور لا يستهان به في سبيل إنجاح الحملة الزراعية الراهنة و إضفاء عليها طابع الاستدامة وذلك من خلال التعبئة و التحسيس عبر شبكات التجمعات النسوية المنتشرة في جميع أنحاء الوطن والخبرة المتراكمة لدى هذا القطاع في مجال التعبئة و التحسيس.

*باحث متخصص في شؤون المرأة


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!