التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:12:25 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.09.2011 21:58:06

كلمة بيرام ولد الداه ولد اعبيد خلال منصة "افرونتلين دفاندير" بإيرلندا

أيتها السيدات، أيها السادة، أصدقاء الحرية،
بادئ ذي بدء، أقترح أن نهدي هذه الدورة للرفيق بلخير ولد الشيخ جنك المسجون ظلما في موريتانيا بسبب أنه شجب الرق المتوارث الذي يخضع له منذ قرون مجتمعه: الحراطين.
لقد أنشئت حركتنا (مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية) سنة 2008 لسد الفراغ السياسي ببديل حقيقي لنظام الهيمنة، وهي قادرة بالتزامن على التنظير للقطيعة وترجمة ذلك بأفعال ملموسة في مجال الكفاح داخل المجتمع وفي هرم السلطة.
يتعلق الأمر بمقاربة متضافرة، متقاطعة، من قمتها إلى قاعدتها، تجمع متطلبات الثورة وإشراقة الإصلاح. فالمبادرة الانعتاقية تكشف حقيقة النظام، وتصفها، وتعرّيها، وتقتلع قشورها، وتخويها من كل طلاسمها، بغية فضح أدرانها. وهكذا تجد الجماهير، خائبة الأمل، مصدرا لتفكيكها. إنه ما أجمعنا على تسميته "العمل الطوعي". نعم، إننا متطوعون من أجل القطيعة، تدريجيا طبعا، لكن راديكاليا، نهائيا، مع كل شكل من أشكال الإكراه، واختلاس الضمائر، وتشريع ما لا يطاق. كما لن نقبل الأسلوب المتقادم الساعي إلى جعلنا نتراجع عن خطنا بحد السيف.
لا تشكل حماية المدافعين عن حقوق الانسان موضوعا للدراسة أو التأمل عندنا، بل إنها جزء من حياتنا اليومية المبنية من خيوط الاعتقالات التعسفية والضرب بعصي الشرطة والمحاكمات الوحيدة من نوعها حيث يرميكم القاضي بالتهم المعدة بمقدور جيني على مقاساتنا: "المساس بسمعة البلد، تنظيم غير مرخص، التحريض على الفتنة، تظاهرة غير مأذونة". وهنيهة إذا بكم على عتبة عالم السجون، ممنوعين من الشفقة في أبسط مدلولاتها، وفي ضوء أفق وحيد: "إما أن تتراجع أو تعاني". وهكذا، في أشهر قليلة، مثلت منظمتنا أمام المحكمة مرتين، وصدرت بحقها أحكام قاسية. أما العنف الممارس ضد المناضلين فيظل محنة ملازمة؛ فهم يتعرضون للضرب ويصابون بجروح توصلهم تارة إلى الحالات المستعجلة. وإن عليهم أن يبرروا احتجاجهم ضد تباهي وكلاء الدولة، بمن فيهم القضاة والشرطة، بالتمالئ مع مرتكبي الممارسات الاسترقاقية.


إن خصوصية الحالة الموريتانية تتجاوز حد السخرية؛ فبالرغم من قانون جلي بشأن مكافحة المتاجرة بالأشخاص واستغلالهم، فإن باستطاعة الأسياد، إثر أدنى حادث، أن يتكلوا على منطق الهيمنة. إنها طريقة من التضامن بعـُـصبة سميكة وفعالة بحيث تتحدى أصعب المشرعين مراسا، في بلد يتبع حكمه السياسي والمادي والعسكري والديني للأقلية العربية- البربرية منذ قرون. والقانون هنا لحماية هذا المكسب.

إن التراكم التاريخي للخطأ، والجريمة الآنية، (الأبعد ما يكونان من تغذية الإحساس بالذنب لدى النخبة الحاكمة) لا يعملان إلا على غرس هوس الإنكار السقيم: في مزاج حراس النظام، وفي المحاذير، وفي المطالبة بالإبقاء على النظام "الطبيعي" لعنصرية أصبحت تشكل نوعا من التطرف اللازم أن نعترضه بألف حيلة وحيلة.

وبصبر، وبلمسات بلاغية، وبجرعات من الدعاية ومن ثقافة الذعر (كمبدأ ترابط اجتماعي)، يقدم مرتكبو الأعمال الاسترقاقية أنفسهم كضحايا لمحاولة زعزعة استقرارهم، بطريقة يُحَـبـَّـذ أن يكون التحكم فيها أجنبيا، كثيرا ما يكون عن طريق اليهود أو المسيحيين.

وإن على المدافع عن حقوق الانسان، المهدد بالاستـبـعاد من صفته كمسلم، أن يعيش في أشد الحاجة إلى الغذاء والملبس والدواء، وعليه بالرغم من المحنة أن يواصل الكفاح. وإذا كان المعني أسود، منحدرا من عبيد أو من عرق غير مستعرب، فإن عليه أن يحترس من المقام في مفوضيات الشرطة حيث تزهو المهانة العنصرية.
في هذه الأوساط الظلامية، يعتبر مفهوم الكرامة الانسانية اختراعا غربيا. أما التعذيب المعتاد، الذي لا يزيد على كونه تفاهة مهنية، فيعتبر عطاء قبليا خاصا أو مداراة يجب دفعها للحصول على زيارة أو غداء أو دواء.

سيداتي، سادتي، لا يوجد نص قانوني يحمي المدافعين عن حقوق الإنسان في موريتانيا. والدولة ترفض الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتتهرب من الحوار حول حكم الإعدام، والبرلمان (المجسد تماما لموازين القوة السحيقة) لا يعكس إلا مشاغل الركائز القبلية المتنافسة على الأسبقية بعيدا عن إشكالية المساواة التي تعتبر قضية الساعة ورهان المستقبل في موريتانيا.
ومن أجل توضيح فكرة مفادها أن التسيب (أو اللاعقوبة) قاتل لما تدخره موريتانيا من سلم اجتماعي، فإننا مرغمون على استخدام أساليب غريبة بما تنطوي عليه من جرعات الإثارة والاهتزازات، لكننا نظل سالكين نهج اللاعنف لأنه خيارنا المشكل لقناعتنا والمستيقنين بفعاليته.

وتحاول المبادرة الانعتاقية، وبعض التنظيمات الصديقة، بشيء من الابداع والابتكار، أن تقنع الموريتانيين أن حياة الإنسان (بعيدا عن اختلافات الجنس)، وحريته وحرمة جسده، تستحق تقديسا مطلقا. إن هذه الثقافة المضادة، الغائبة تماما عن جسم القيـّـم المنبثقة عن الهيمنة، هي التي نصر على نشرها وترقيتها بدعم منكم.

أيها الأصدقاء، لقد برهن الربيع العربي أن قوى التجديد الحقيقية تنام تحت الدّوْس. وقد أعطت ليبيا مثالا على ثمن للأمل أقوى من المثالين التونسي والمصري. نعم، عندما يلجأ الظالم إلى العنف ضد الحقوقيين السلميين فإن الكفاح المسلح، للأسف، يجد مبررا له كضرورة، ويصبح واجب التدخل في الشأن الداخلي مجرد إجراء بسيط. هذه المبادئ تجد مسوغا لها في أننا ننتمي لنفس النوع: نوع البشرية التي تسحقها الهمجية. إن بإمكان صمتنا وجمودنا أن يـَــقتلا.

ثمة عقول متصلبة تصرخ متخوفة من الامبريالية بمجرد أن وعيا إنسانيا لامس الحدود باسم مفاهيم عدلية كونية. بيد أنني ورفاقي نساند اقتراحا عكسيا. ففي مجال القانون العام الدولي أصبح العالم، من الآن فصاعدا، يحكم في عدم مساعدة شعب يتعرض للخطر للحيلولة دون إبادته. من هذا المنطق فإن مفهوم "مسؤولية الحماية"، كما تراه الأمم المتحدة، يبدو لنا خجولا في مواجهة الغطرسة القصوى في بورمانيا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا وموريتانيا. إن حق النقض (الفيتو) المتوقع من قبل الصين الشعبية وروسيا، والمدعوم حاليا من طرف دبلوماسية القوى الناشئة كالبرازيل وجنوب إفريقيا والهند، يؤخر التطور الديمقراطي للشعوب ويمنح وقتا إضافيا للدكتاتوريين في بحثهم التاريخي عن منفذ.

سيداتي، سادتي، تحيى الحرية المنتزعة، ويحيى واجب التدخل في الشأن الداخلي.. أشكركم.












Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!