التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:11:57 غرينتش


تاريخ الإضافة : 19.10.2011 19:37:55

الثورات العربية...وحظوظ موريتانيا منها

المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية
وحدة الدراسات السياسية والأمنية
سلسة (أوراق بحـثـيـة)




دراسة استشرافية حول:


الثورات العربية...وحظوظ موريتانيا منها








المحتوى:
مقدمة:
المحـور الأول: الثورات العربية.. أسبابها وتحدياتها ومستقبلها
أولا. أسباب اندلاع الثورات العربية
ثانيا. التحديات التي تواجه الثورات العربية
ثالثا. مستقبل الثورات العربية
المحور الثاني:موريتانيا والثورة.. السيناريوهات المحتملة
أولا. أوجه الشبه والإختلاف بين الوضع الموريتاني والبلدان العربية:
ثانيا. نقاط قوة وضعف النظام في وجه الثورة
ثالثا. التأثيرات المحتملة للثورة على البنية الاجتماعية للدولة
رابعا. سيناريوهات موقف المؤسسة العسكرية من الثورة في موريتانيا




مقدمة:
حمَلَت نتيجة الثورة التونسية -رائدةِ الثورات الحالية- أملا كبيرا لشعوب الأمة العربية والإسلامية في التحرر من قيود الاستبداد والتخلف والتبعية، وقد تعزز هذا الأمل بالنتيجة التي آلت إليها الثورة المصرية؛ بل كان لهذه الثورة قدرة كبيرة على إلهام الشباب العربي، نظرا لمركزية مصر في الوجدان العربي الإسلامي، ولقوة نظامها المدعوم أمريكيا وإسرائيليا، والمحصَّنِ داخليا بأعداد هائلة من الأمن والبلطجية.
وقد دفع هذان الانتصاران الشعوب العربية في كل مكان إلى التحرك طلبا للحرية ودفعا للاستبداد.. ولا يزال المد الثوري يتوسع ويفاجئ نظاما بعد آخر. والأهم من كل ذلك أن الشعوب اكتشفت أن لها قدرة هائلة على الفعل وتغيير مسار تاريخها متى ما أرادت (الشعب يريد..).
وقد كان من اللافت تقديمُ كل نظام نفسَه كالمتفرد بين إخوانه؛ وهكذا طَرَح النظام المصري مقولة أنه لا يشبه النظام التونسي ولا يمكن أن يَجريَ عليه قدَرٌ مثل الذي جَرَى عليه، وقال النظام الليبي إنه لا يشبه تونس ولا مصر، وقال النظام اليمني مثل ذلك، وذهب النظام السوري مذهب المتفرد في عالم أنظمة العرب، معتقدا أن موقفه القومي المناهض لإسرائيل والداعمَ للمقاومة سيحميه من اندلاع أي ثورة، ونسي أن الثورات العربية لم تَرفع مطالب بإصلاح السياسات الخارجية، بل رفعت شعارات الحرية والديمقراطية وكفِّ يد الأمن عن الشعب.
وفي موريتانيا لم يتردد الكثيرون بالقول باستثنائية موريتانيا، وأن الثورة الموريتانية كانت قد أُنجزت في 3 أغشت 2005، وأننا الآن نعيش مرحلة "ما بعد الثورة"؛ بينما ذهب آخرون للقول بأن موريتانيا لن تُشكِّل استثناء ولا يلبث الدور يأتي عليها هي الأخرى.
وفي هذه الورقة - التي هي خلاصةٌ لآراءِ وأفكارِ مجموعة من الخبراء والمهتمين بالشأن السياسي- محاولةٌ لفهم "أسباب الثورات العربية" ومعرفةِ "العوائق والتحديات" التي تواجهها، و"استشراف مستقبلها"، ومعرفة حظ موريتانيا منها عبر قياسها إلى واقع البلدان الثورية، ومعرفة "عناصر قوة النظام" الموريتاني في النجاة من أي ثورة و"عناصر ضعفه"..



المحـور الأول:
الثورات العربية.. أسبابها وتحدياتها ومستقبلها
أولا. أسباب اندلاع الثورات العربية:
رغم كثرة العوامل الكامنة في الواقع العربي المهيِّأة للثورة وللتذمر الشعبي بكل صُنوفه، إلا أن اندلاع هذه الثورات وحجمَها وما حققته من نتائج كان مفاجئا بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولعل مشيئةَ الله النافذة و"سننَه" في الانتقام من الظالمين والانتصار للمظلومين هي ما يعطي التفسيرَ الحقيقي لما جرى ويجري في العالم العربي؛ أو بتعبير آخر: هي "سبب الأسباب" وراء اندلاع هذه الثورات.
وفي ما يلي خلاصة للأسباب المختلفة التي ذكرها المستَطلَعون، وهي أسباب قد لا تكون مشتركة بين كل البلدان، ولكنها موجودة في عمومها بدرجات متفاوتة:
1) الظلم والطغيان السياسي لأنظمة الحكم وهيمنة مشروع الحكم الفردي والعائلي.
2) غياب العدالة الاجتماعية واحتكار الثروة بيد مجموعة صغيرة دون سائر الشعب.
3) طول أمد الأنظمة في الحكم، مما ولد الملل والإحباط عند سواد الشعب.
4) تغول أجهزة الأمن وتضخم وظائفها وسوء معاملتها للشعب.
5) الفقر وسوء الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد والتلاعب بالمال العام.
6) تزايد معدلات الوعي لدى الطبقة الوسطى من الشعب وخاصة الشباب.
7) أنهيار مشاريع الإصلاح السياسي التي عرفتها المنطقة منذ نهاية التسعينات بسبب تفضيل القوى الغربية - الراعية لها والداعيةَ إليها- لمصالحها الأمنية والاقتصادية، على "مبادئها" الديمقراطية والحقوقية.
8) تراجع النفوذ الغربي في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة والفشل الذي مُنيت به في العراق وأفغانستان، وانتصارات قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
9) صعود القوى الوطنية والإسلامية المناهضة لأنظمة التسلط والفساد والعمالة للغرب.
10) إنتشار وسائل الإعلام الحرة والوسائط والشبكات الإعلامية الاجتماعية المختلفة وتزايد قوة المجتمع المدني العربي.
11) فشل مشروع الدولة الوطنية الحديثة في التنمية والحكم الرشيد.
12) تراجع دور الدولة وتزايد الدور الاقتصادي والاجتماعي للقطاع الخاص.
13) تبعية الأنظمة الحاكمة وخضوعها للدول الغربية، وتخليها عن قضية الأمة الأولى (فلسطين)، وتهافتها علنا وسرا على التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ثانيا. التحديات التي تواجه الثورات العربية:
تنتشر مقولةُ إن "الثورات تُسرق دائما" من الشعوب التي ضحت في سبيلها؛ وهكذا تواجه الثورات العربية الحالية - سواء منها من تجاوزت مرحلة "إسقاط النظام"، أو التي لم تتجاوزها، وحتى التي لم تندلع بعد- عدة مخاطر وتحديات، نذكر منها:
1. كيد المتضررين من الثورة، ومحاولةُ "الثورة المضادة"، التي ستعمل (أو بدأت فعلا) القوى المستفيدة من الأنظمة السابقة على إشعالها.
2. غياب فقه ما بعد الثورة (الرؤية التي تحكم العمل الواجب القيام به لإنجاح الثورة وتحقيق أهدافها وترسيخ قيمها).
3. ضعف قدرة النخب الثورية على تشكيل بدائل للنخب الحاكمة سابقا.
4. الأوضاع المختلة التي ورثتها الثورات بعد سقوط الأنظمة، وضعفُ قدرة الشعب على تحمل تأجيل حل هذه المشاكل، والضغط من أجل حلها دفعة واحدة.
5. تنامي الخوف لدى الغرب (أمريكا وإسرائيل) من هذه الثورات ومن ثمة الكيد لها.
6. ظهور نماذج من الثورات دموية وغير ملهِمة (الثورة الليبية)، مما قد يسبب قلقا لدى الشعوب وخوفا من الفوضى.
7. غياب عامل المفاجأة الذي جعل الأنظمة والقوى الدولية تفقد زمام المبادرة في التجربتين التونسية ولمصرية.
8. عنف الأنظمة وسقوطها الأخلاقي، واستعداد جُلها لإعلان الحرب على شعبه الذي يريد إزاحتَه (منطق: أحكمكم أو أقتلكم).
9. حسابات ما بعد الثورة، والتي قد تسبب خلافات داخل القوى التي أنجزت الثورة، وخاصة مع وجود أجندات ومصالح لا تخدم تماسك القوى المختلفة التي قامت بالثورة في كل بلد.
10. لعب أعداء الثورة على التناقضات الاجتماعية والتركيبات القبيلة والإثنية والمذهبية في بعض البلدان.
11. المنظومة الغربية الأمنية والاقتصادية ولوبيات رأس المال المحلية ذات الارتباطات بالقوي المالية الغربية: قد تسعى جميعها للتأثير على مسار الثورة.
12. تأخر نتائج بعض الثورات أو التراخي في بعضها.

ثالثا. مستقبل الثورات العربية:
مع توقع هبوب رياح الثورة على جل البلاد العربية، ومع افتراض تغلب الثورات على التحديات والمخاطر الآنية التي تواجهها، فإن مستقبل هذه الثورات سيظل رهين احتمالين يصعب التنبؤ بترجيح أحدها، وهما:
- احتمال النجاح الكامل المتمثل في إحداث انقلاب جذري في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل وفي الثقافة والفكر والمفاهيم.. وهو ما يعني باختصار: "ميلاد زمن عربي جديد" بكل تفاصيله وحيثياته.
- احتمال الفشل (الجزئي أو الكلي) في بلوغ هذه الثورات أهدافَها، ومن ثمة نكوصها وتقهقرها إلى أن تعود الأحوال المتردية إلى ما كانت عليه، أو قريب من ذلك.

أ‌. ملامح ما بعد الثورة في حالة نجاحها:
1. نشوء أنظمة ديمقراطية بمواصفات مختلفة (برلماني، رئاسي، ملكيات دستورية..)، وسيادة أعراف الحرية والعدالة وتبدل موازين وسياسات الحكم، ومجمل العلاقات بين الأطراف الداخلية والخارجية، ونهوض الشعب بالرقابة على الأداء العام، وكسر سيطرة العائلات الحاكمة.
2. حصول استقرار سياسي وتنمية اقتصادية وبروز حالة من ارتفاع المعنويات لدى المجتمع الخارج من حالة اليأس والإحباط.
3. صعود قوى سياسية واجتماعية جديدة وظهور أساليب وأنماط تعامل مختلفة عن السابق، وتراجع ألق بعض القوى التي لم تستطع أن تتكيف مع الحالة الثورية ومفرزاتها.
4. تراجع الفساد وزيادة معدلات النمو، وسيادة روح المحاسبة والشفافية في الملفات المالية.
5. عدالة أكثر في توزيع الثروة بين فئات المجتمع وجِهات الوطن.
6. تراجع المشروع الصهيو- غربي في المنطقة.
7. دورٌ أكثر للشباب في الحياة السياسية والاجتماعية.
8. تبدل في المفاهيم والقناعات، وحدوث تحولات اجتماعية كبيرة في صميم "البنية الفوقية" للمجتمع.
9. ثورة في الإعلام الرسمي بما يجعله رهين الإرادة الشعبية لا إرادة النظام الحاكم.
10. بروز أنظمة أكثر قدرة على التعامل المتوازن مع الغرب.
11. عودة العقول والرساميل المهاجرة بما يخدم الوطن ويحقق قدرا من التنمية.
12. تقليص دور أجهزة الأمن وكف يد المؤسسة العسكرية عن التدخل في السلطة السياسية.

ب‌. سمات ما بعد الثورة في حالة سناريو الفشل:
1. سيطرة مجموعة جديدة على الحكم ورفعُها لشعارات الثورة وانخداع الناس بها، وهو ما يعني استبدال طاغية سافر بآخر حصيف، مع المحافظة على جوهر النظام دون تبديل.
2. دخول البلدان الثورية في مشاكل وقلاقل واضطرابات داخلية (حروب، أزمات...) تُعيق تحقيقَ نتائج الثورة وتُدخل البلاد في حالة أسوء مما كانت عليه.
3. بروز التدافع على أساس من الانتماءات العرقية والفئوية والطائفية على حساب الدولة الجامعة وبالتالي انتشار سياسة التوافقات أو الانجرار إلي الحروب، مما قد يولد مملا وإحباطا اجتماعيا.











المحور الثاني:
موريتانيا والثورة.. السيناريوهات المحتملة

لم تكد الثورة التونسية والمصرية تحققان نجاحهما الأول (إسقاط النظام) حتى عم المنطقةَ العربية الترقبُ والتحفز لثورات مشابه.. وهكذا شهدت موريتانيا تحركات "ثورية" في 25 فبراير 2011، أوجدت نقاشا حول إمكانية وعدالة وواقعية الثورة في موريتانيا. وفي العناوين التالية محاولة لسبر غور الثورة في موريتانيا، سواء من حيث الإمكان، أو من حيث المخاطر والتحديات، مع ملاحظة أننا لم نستطلع أراء الخبراء في الحراك الشبابي الذي حصل، لأنه يستحق دراسة خاصة به، وليس هو مجال الإهتمام هنا:

أولا. أوجه الشبه والإختلاف بين الوضع الموريتاني والبلدان العربية:
أ‌. أوجه الشبـه:
 في المجال السياسي والإعلامي:
1. الحكم الفردي والأسري: نفوذ عائلة الرئيس (المحيط العائلي) وتوزيع امتيازات السلطة وعائداتها عليها، وتحكم مجموعاتها السياسية والمالية وثراء رموزها في ظل أزمة مالية يعيشها البلد، وتفرد الرئيس بكل الصلاحيات، واستئثار بطانته بالمناصب والمال، وتهميش مؤسسات الجمهورية وممارسة الاستبداد في تسير الشأن العام، وهو ما يشبه (عائلة مبارك في مصر وعائلة الطرابلسي في تونس).
2. الإقصائية في الإعلام المحلي للقوى المعارضة.
3. غياب العَقد الاجتماعي المبني على المواطنة في الانتماء والمساواة في الحقوق والواجبات، وسيطرة الجيش على الحياة السياسية، وغياب مشروع حقيقي للتنمية.
4. مصادرة الحريات والانسداد السياسي وغياب الحوار مع المعارضة بل وحتى مع الأغلبية.
5. فساد القضاء وتبعيته لأصحاب النفوذ وللسلطة.
6. تزايد معدلات الوعي بين صفوف الشباب بضرورة تحسين حياتهم.

 المجال الاقتصادي و الاجتماعي:
7. استشراء الفساد -رغم أن النظام يرفع شعارات محاربته- عبر تحالف رجال الأعمال والسياسيين والبيروقراطيين، وهو ما سيؤدي إلي انتشار المحسوبية، وانغلاق النظام على دائرة ضيقة تتبادل المصالح وتَحرم منها بقية الشعب، واستمرار التفاوت الصارخ بين الأكثرية والأقلية.
8. عزلة الدولة وأجهزتُها عن هموم المواطن وهو ما يؤدي الى اليأس في عموم الشعب
9. تردي الوضع المعيشي للسكان وتزايد معدلات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطن، وغياب العدالة الاجتماعية، وتعقيد الحياة في وجه الشباب من حملة الشهادات، وهو ما يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية يومية تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وخفض الأسعار، ومحاربة الاحتكار، والتشغيل.
10. وجود تيارات اجتماعية صاعدة، تطرح قضايا الحقوق والحريات، وترفض الغبن السياسي والاجتماعي وسياسات الإقصاء والتهميش.
11. درجة كبيرة من الفردية والتسيير غير المعقلن للثروات، وغياب الظهير السياسي والإيديولوجي للنظام.

ب‌. أوجه الإختلاف:
1. قصر عمر النظام الحالي في الحكم وقلة تراكم أخطائه حتى الآن.
2. مستوى معتبر من الديمقراطية (غياب مساجين رأى عام، وهامش من الحرية السياسية والإعلامية..).
3. الموقف من القضية الفلسطينية، وقطع العلاقات مع إسرائيل، رغم أن الثورات العربية لم تستثن الدول التي تحمل لواء الممانعة في وجه إسرائيل (سوريا، وليبيا إلى حد ما).
4. اختلال البنية الاجتماعية والعرقية، والذي إن كان عامل تثوير إلا أنه في النهاية سيكون الأخطر على الثورات الشعبية، إذا انجرت إلى طرح قضايا عرقية أو فئوية.
5. العامل الديمغرافي (قلة السكان).
6. ضعف الوعي السياسي والمدني (الحقوق والمواطنة...) وضعف الطبقة الوسطي.
7. محدودية التعاطي مع تقنيات الاتصال (المواقع الاجتماعية).
8. الحرية الفردية نسبيا، وغياب سيطرة الدولة -إن لم نقل غياب الدولة- وسهولة المغادرة للبحث في الأرض عن حياة أفضل.
9. طغيان هاجس الخوف من الفتنة والاقتتال.
10. دعاية قريبة من هموم المواطنين الفقراء.
11. عدم انسجام القوى المعارضة.










ثانيا. نقاط قوة وضعف النظام في وجه الثورة
 نقاط القوة:
1. ضعف الطبقة الوسطى ومحدودية تأثيرها، وهي صانعة الثورات في البلدان العربية ومحور الحراك الاجتماعي الاحتجاجي.
2. انجازات النظام وخصوصا في أحياء الصفيح والبنية التحتية وقطع العلاقات مع إسرائيل ورفع لواء الدفاع عن الفقراء والمحرومين ومحاربة الفساد.
3. تماسك المؤسسة العسكرية خلف الرئيس، وولاء القوى الأمنية له، باعتبار أن الرئيس قادم من المؤسسة ويحمل لواء الدفاع عنها وتحديثها. رغم ما يشاع عن بداية تذمر داخل الجيش من سياسة إقصائية تمارس ضد وحداته التي يرى البعض أن الرئيس يفضل عليها كتيبة الأمن الرئاسي.
4. قصر فترة الرئيس في الحكم، مما لا يسمح بتراكم الأخطاء ولا بكشف جميع أوراق النظام، خصوصا إذا تمت مقارنتها بمدد معظم الرؤساء العرب (الذين عصفت بهم الثورة أو الذين ينتظرون).
5. انقسام الطبقة السياسية المعارضة بين اجتهادات متباينة، وضعف التنسيق بينها، وانعدام ثقة الكثيرين في المعارضة التي عانت من تشويه الأنظمة المتلاحقة لها.
6. الشرعية الانتخابية التي استطاع الرئيس تحصيلها في انتخابات 2009، رغم أنه جاء على ظهر دبابة ووأَدَ التجربة الديمقراطية المتمخضة عن الفترة الانتقالية التي تلت انقلاب 2005.
1. انتشار الفهم المسالم للإسلام في ذهنية الشعب الذي تسيطر عليه عقلية الولاء المجاني للمخزن، واستحكام "الفقه السلطاني" المتوجس من الفتنة في المجتمع.
7. الخطاب والدعاية الإعلامية القوية التي تروج لمحاربة الفساد والاهتمام بالفقراء.




 نقاط الضعف:
1. الفساد والازدواجية في التعامل مع المفسدين، فرغم أن الخطاب السياسي للرئيس يركز على محاربة الفساد، فإن شكوكا كثيرة تطرح حول جدية هذه الحرب، فهي وإن كانت من الناحية الإعلامية تصب في مصلحة الرئيس، إلا أنها ترتد بالسلب عليه يوما بعد يوم مع التأكد من وجود فساد في المحيطين به تم غض الطرف عنه.
2. الحكم الأحادي: وتشوب طريقة الرئيس في الحكم الكثير من الأخطاء التي تنم عن نقص الخبرة وسيطرة عقلية التحكم الفردي الأحادي (مقابلة الرئيس مع جون افريك أكد فيها أن عليه العناية بكل التفاصيل)، وعدم قدرته حتى الساعة على ترتيب أوراقه، واستكمال بناء مقومات الحكم الأساسية، وهو الخارج من أزمة سياسية قبل أقل من عامين. والعجز عن احتواء الخصوم وتحييدهم. وغياب الظهير السياسي نظرا لعدم اعتماده على حركة سياسية قوية، واصطفاف أهم القوى الوطنية والاجتماعية في جانب المعارضة. وحصول تململ في الحزب الحاكم من أسلوبه في إدارة الخلافات الداخلية وعدم إشراكهم في القرار.
3. التحكم القبلي: استئثار بطانة الحاكم بالمناصب والمال ومعظم الصفقات، وقصر عائدات السلطة على محيطه العائلي وعدم إشراك أنصاره في مغنم السلطة مما يجعل حالة من التذمر تدفعهم إلى التخلي عنه (معظم الإدارات السياسية والمالية المهمة يتم توكيلها للأقارب الرئيس أو المحيطين به قبليا).
4. الاختلالات في البنية الاجتماعية وموروث الصراع الذي لم ينته لحد الساعة بين مكونات المجتمع وغياب الدولة عن الحل الجاد لمشاكل العبودية وتأثيراتها السلبية على الاستقرار الاجتماعي.
5. تراجع ألق الخطاب التعبوي والديماغوجي للنظام، وفشلُه في تحقيق وعوده الانتخابية.
6. الأزمة الاقتصادية وحركة الاحتجاجات الاجتماعية على الأوضاع المعيشية المزرية والتي ستتطور نحو الأسوأ خلال الأشهر القادمة، إذا لم يستدرك النظام بخطة عاجلة للإنقاذ.
7. الثورات العربية الناجحة، وما قدمته من نماذج وما أحيته في وجدان الشعوب من القدرة على الفعل الثوري المتحضر.
8. هشاشة الدولة وعودة منطق التعامل الأمني مع الأحداث من خلال القمع الذي تعرض له حراك شباب 25 فبراير. واعتماد النظام على الأمن في شقه السياسي والاجتماعي، ويفسر هذا كمُّ الأجهزة التي شكلها النظام، "تجمع أمن الطرق ومكافحة المخدرات والإرهاب والهجرة السرية" وقيادة جهاز الأمن من طرف رجل من جيل "ولد الطايع".
9. هيمنة الإعلام الفضائي وضعف الإعلام المحلي الرسمي وفقدُه للمصداقية الشعبية.
10. العلاقات الإقليمية التي تصل حد الانخراط في أجندات غربية في المجالات الأمنية والاقتصادية، وسقوط الحليف الرئيسي في المنطقة (القذافي).





















ثالثا. التأثيرات المحتملة للثورة على البنية الاجتماعية للدولة
لا شك أن الأحداث الكبرى تترك تأثيرها دائما في البُنى الاجتماعية والسياسية لأي مجتمع، وموريتانيا ليست استثناء، فواقعها الاجتماعي أكثر هشاشة واختلالا، وقد تراكمت فيه أخطاء كبيرة، سواء في قضايا الهوية والوحدة الوطنية، أو في القضية العبودية. ومن هنا تبرز مخاوف من أن يؤثر هذا الواقع على الثورة سلبا في حالة اندلاعها.
فالبنية الاجتماعية الموريتانية على درجة كبيرة من الهشاشة وضعف "الانتماء الوطني" في وجه الانتماءات العرقية والقبلية والجهوية؛ وقد تُمثل أي ثورة محتملة الحل الأمثل لهذه القضايا المزمنة، كما قد تكون وقودَ تأجيجها.
ويَتَوقف نجاح الثورة في المحافظة على الوحدة الوطنية، بنضج الحركات التي كانت تعاني الحيف (الحركة الزنجية والحر) واستعدادِها لتأجيل مطالبها الفئوية حتى تحقيق المطالب المشتركة التي سيكون لها على كل حال مردود حسن على حقوقها.
ولذلك صار من الطبعي أن يُطرح سؤال عن حجم التأثيرات المتوقعة على هذه البنية الاجتماعية في سياق أي ثورة مفترضة، وهو ما نحاول هنا قياسه عبر جمعِ متناثرِ آراء الخبراء المستطلَعين حوله:
1. سيناريو "الصراع": قد تحاول الأطراف الاجتماعية المتخاصمة ركوب أي موجة ثورية قادمة بمطالبها والضغط لتحقيقها، وهو ما سيفجر صراعا اجتماعيا، تتحزب فيه كل مجموعة لنفسها وتسعى لإقصاء المجموعات الأخرى، أو تتحالف مجموعات بعينها ضد أخرى. وقد يؤدي هذا السيناريو في حالة تحققه إلى مخاطر جسيمة على وحدة الدولة ومستقبلِ التعايش بين أبنائها، فضلا عن كونه سيسمح للنظام الحاكم بالاستمرار في الحكم، بحجة أنه الضامن لوحدة البلاد في وجه مطالب غير وطنية تريد تقسيمَها أو تَغيير معادلة الحكم فيها. ونرصد هنا بعض التصورات المتوقعة في هذا السيناريو:
- صعود أطراف وقوى اجتماعية جديدة في المشهد وتراجع القوى التي كانت مسيطرة، سواء قبليا أو جهويا أو عرقيا؛ فمثلا قد ينجح لحراطين أو الزنوج (أو تحالف بينهما) في كسر سيطرة عنصر البيظان على القوة والسلطة والمال، وهو ما يعني زوال ما يعتبره "البيظان" دولتَهم وبدايةَ تغير عميق في البنية الاجتماعية، قد يفتح جبهات من الصراع بين القبائل، ومجالات لتصفية عدد من الثأَرات والحسابات.. ولن تكون هنالك محرمات. وقد تتحول المطالبة بتقاسم الثروة والسلطة بين المجموعات العرقية إلى الدسْتَرَة، وهو ما سيحطم الكثير من الفوارق الاجتماعية والمادية، ويمكن أن يؤدي على المدى البعيد إلى تقسيم البلاد أو تحويلِها إلى مناطق نفوذ اجتماعية وعرقية، والقضاءُ على فكرة الدولة الوطنية.
- إضعاف أو تفكيك المؤسسة العسكرية، عبر إدخالها في أتون صراع من هذا القبيل.
- التأثير على الاستقرار الاجتماعي والسياسي لمدة غير محددة.

2. سيناريو "الثورة الوطنية": ويعني أن تتجنب الثورة المفترضة المطالب العرقية أو الفئوية، ومصالحَ القبائل والحركات السياسية، وتتفق جميعُ الأطراف على "ثورة وطنية" يشارك فيها الجميع وترفع مطالب اجتماعية وسياسية وحقوقية متفقا عليها، وتَطرح فكرة المحافظة على الدولة، وتَرفع شعارات وطنية غير منحازة لطرف ضد آخر، ويلتحم فيها الشعب كلُّه خلف قيم موحدة. وهو ما قد يحقق مكاسب ثورية حقيقية ، منها:
- بدأ حياة سياسية جديدة تحت رقابة الشعب، عبر إقامة نظام سياسي ديمقراطي وعادل، يحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم، وإخراج البلاد من الأزمات السياسية والفساد الإداري والمالي، وإعادة تأسيس وحفظ هوية وطنية جامعة لجميع أبناء الوطن، تعيد اللحمة إلى المجتمع والدولة عبر المحافظة على الوحدة الوطنية ونبذ الخلافات على أساس ضيق، أيا كان.
- تقليل نفوذ الطبقة السياسية التقليدية وتحرر الناس من نفوذ الولاء للمخزن.
- إبعاد الجيش عن المعترك السياسي، وجعله جيشا جمهوريا لا يتمتع بأي نفوذ سياسي.
- تغير المفاهيم السياسية التي كانت سائدة، وهو ما سيتيح بناء مجتمع جديد يحكمه المفهوم العصري للمواطنة. وتبعا لذلك ستقوم بنية اجتماعية تعود فيها الثقة (المفقودة حاليا) بين مكونات الشعب. وكل ذلك سيؤدي إلى بنية سياسية أكثر صلابة تقوم على الأفكار والبرامج، لا على القبيلة والجهة والعنصر.. وغيرِها من المرتكزات البدائية.





رابعا. سيناريوهات موقف المؤسسة العسكرية من الثورة في موريتانيا
ستكون المؤسسة العسكرية محط أنظار جميع الأطراف، لأن موقفَها سيكون فاصلا في نجاح أي ثورة أو فشلِها. وستكون أمام هذه المؤسسة خيارات محدودة، نحاول رسمها فيما يلي:
1. سيناريو الانحياز للشعب (النموذج المصري والتونسي)، ومما قد يدفعها لهذا الخيار:
- إغراء النماذج الناجحة في بعض البلدان (تونس ومصر)، والخوف من نماذج سيئة في بلدان أخرى (ليبيا واليمن وسوريا).
- أخطاء النظام، خصوصا إذا تعلق الأمر بالقمع والتمادي فيه والانزلاق نحو الفوضى، فقد يدفع ذلك الجيش لحسم الأمر والاتجاه لخيار دعم الشعب.
- طبيعة المؤسسة العسكرية وكونها غيرَ إيديولوجية من حيث العلاقة مع السلطة، فهي أقرب في فلسفتها العامة إلى المؤسسة العسكرية في تونس ومصر حتى ولو كانت دونهما تكوينا وتنظيما وتاريخا؛ وعليه يرجح أن لا تكون طرفا في صراع الشعب والسلطة إذا اشتد.
- علاقتها بالرئيس، فهو وإن كان قادما من منها وتُفضِّله بطبيعة الحال على الحكام المدنيين، فإن الكثير من سياساته لا تلق قبولا داخلها. ويرى البعض أنه يسعى إلى تهميشها وتمكين كتيبة الأمن الرئاسي وحدها من أسباب القوة، مفسرين ذلك بالمواجهات الأخيرة مع القاعدة حيث تصدت لها كتيبة الأمن الرئاسي، وهو أمر غير معتاد. يضاف لذلك تذمر عدد من الضباط من سياسات الإبعاد التي طالت عددا منهم.
2. سيناريو الانحياز للنظام: وقد يدفعها لهذا السيناريو أمور، من بينها:
- رفع الثوار لشعارات ضد المؤسسة العسكرية، خصوصا أن الغالبية من الرافضين للواقع يفهمون أنها هي الحاكم الفعلي لموريتانيا، وهو ما قد يدفعها للدفاع عن نفسها باعتبارها مستهدفة.
- المصالح المترتبة لها أو لمعظم قياداتها في السلطة، والخوف من استهدافها مستقبلا.
- غياب الأخطاء الكبيرة للنظام والتي تدفع لمعارضته والتبرؤ منه.
- الخوف من الانشقاق والصدام الداخلي.

3. سيناريو الانقلاب العسكري:
وهو ما عودت المؤسسة العسكرية عليه الساحةَ السياسية الموريتانية؛ فكلما بدأت الأزمة تخنق أي نظام، أقدمت هي على "إنقاذ" الوطن . ومن مسوغات هذا الاحتمال:
- أن باب الانقلابات العسكرية لا يزال مفتوحا، وهنالك استعداد دائم لتقبلها شعبيا.
- الطموح الشبه المؤكد لأكثر من طرف داخل المؤسسة العسكرية للوصول للسلطة والاستفادة من "مغانمها"، وخصوصا أنها تضم متظلمين غير قليلين من النظام.
- خوف المؤسسة العسكرية من التدخل الأجنبي أو إنهيار الدولة.
- الخوف من الانقسام على أساس عرقي أو جهوي أو قبلي

4. سيناريو الانقسام.. (النموذج اليمني):
وقد ينتج هذا عن حالة المؤسسة الراهنة التي توجد بها رؤيتان: رؤية الجيش التقليدية وأدبياتُه العسكرية التي تحافظ عليها قيادة الأركان ووحدات الجيش والحرس والدرك، ورؤية الأمن الرئاسي، وهو شبيه بالحرس الجمهوري في اليمن من حيث الولاء والقدرات القتالية الكبيرة، وهذا ما قد يدفع كل طرف للانحياز لمصالحه، ويحصل انقسام بين مكونات الجيش. أضف لذلك أن بداخل المؤسسة دائما توجد طبقة من ضباط الوسط والقيادات الميدانية التي ليست راضية عن أداء قياداتها، وهو ما قد يسمح هو الآخر بحصول الانقسام.








تعريف بالمركز

المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية: هيئة بحثية مستقلة تُعنى بدراسة قضايا التنمية بأبعادها المختلفة، واستشرافِ المستقبل، ورصدِ ظواهر وتحولات المجتمع وعراقيلِ تطوُّره.. بغية النهوض بالبلد وتقدّمه؛ متخذا من البحث العلمي وسيلته الأولى لذلك، ومن الجدية والموضوعية شعارا، ومن الاستقلالية مبدأ، ومن العلمية منهجا. ومن ما يسعى إليه تفصيلا:
 توفير المعلومات والبيانات الدقيقة حول مجمل الأوضاع والقضايا المتصلة بالتنمية بأبعادها المختلفة.
 الإسهام في صياغة السياسات والخططِ والاستراتيجيات الوطنية، ومساعدة أصحاب القرار في اتخاذ القرارات الصائبة، وتقديم الاستشارات العلمية للجهات العمومية والخصوصية.
 تتبع حركة المجتمع ورصد ظواهره الجديدة، واستشراف تحولاتِه الاجتماعية والأخلاقية والدينية.. واستقراء مآلات ذلك التحول وانعكاساتهِ على المجتمع.
 الإسهام في تصميم وتطوير المناهج الدراسية، وتطوير المنظومة التربوية الوطنية.
 إنعاش روح البحث العلمي في البلد، وتأهيلُ الباحثين والدارسين، والدفعُ بمفكري وعلماء الأمة إلى إصدار مؤلفات مفيدة، وإنشاء مناخ علمي يشجعهم على البحث والإنتاج العلمي.
 نقل المعارف الأجنبية المفيدة وتنشيطُ حركة الترجمة والنشر.

وحدات البحث الرئيسية بالمركز:
 وحدة الدراسات السياسية والأمنية
 وحدة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية
 وحدة الدراسات العلمية والبيئية
 وحدة دراسات التربية والتعليم
 وحدة المسوح والاستطلاعات
 وحدة الاستشارات والدراسات القانونية
 وحدة دراسات التراث والتاريخ
 وحدة التدريب والتطوير.




Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!