التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:15 غرينتش


تاريخ الإضافة : 25.06.2008 16:12:14

" التواصل" .. بين المحافظة والتجديد .. وملاحظات الأخرى


سيدى عبد الله بن بابه

قبل أن نلج إلى الموضوع الذى سنتحدث عنه فى إطلالتنا هذه ، لابد أن نراجع التاريخ ونستلهم منه العبر ، ونقارن بين الحاضر والماضي لنتجنب الأخطاء والمزالق ونستثمر ميادين الإصلاح ونكون بذلك قد استفدنا من العبر والعظات "إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب" ، ومن باب قول الحقيقة نؤكد أن ما وصل إليه التيار الإسلامي فى موريتانيا - ولله الحمد - ، لم يكن طفرة نوعية ، ولا بفضل عصا سحرية، وإنما كان نتيجة لتضحيات جسام وءالام صعاب ، تستدعى منه أن يعترف بالجميل لأصحابها وبالأخص الجماعات الإسلامية الأخرى
فقد شهدت الحركات الإسلامية الموريتانية فى زمن الثمانيات صعودا متميزا فى مواجهة التيارات الجارفة الهدمة التى صنعها الاستعمار الغربي آنذاك وكان بفضل الله أن الحركة الإسلامية - وبحكم طبيعة مجتمعها المسلم متسلحة بأصولها الشرعية وعقيدتها الإيمانية - قد نجحت في تحذير الناس من خطورة تلك التيارات الهدامة ، رغم كل ما بذله أصحابها من جهد وتفان فى ترسيخ مذهبهم الإلحادي ، وهي التيارات التي كانت وما زالت فى معظمها تعتبر الدين مجرد فكر رجعي لا يتماشى مع العصر ومتطلباته ، حتى إن بعضهم - كما يروون لنا - كان لا يصلى ويسخر ممن يؤدى هذه الشعيرة الإسلامية.
فى ظل هذا الجو المملوء بالضبابية ظهرت الحركة الإسلامية الوسطية - وقد ظهر معها بعض الحركات الإسلامية الأخرى لكنها قليلة التأثير - فأخذت بيد الشباب إلى جادة الطريق ودلتهم على نهج الشرع المتمثل فى الكتاب والسنة ، مبتعدة بهم عن ميدان الانحراف والانزلاق والضلال ، وبقيت ما شاء الله لها أن تبقى - ومازالت منها بقية ظاهرين على الحق إلى يومنا هذا متمثلة فى بعض مشائخنا الأجلاء وطلابهم المحيطين بهم ممن يعشقون التمسك بنصوص الشرع بعيدا عن تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين – وفتحت بذلك العقول والأسماع على منابع الوحي
حتى ظهر مذهب التجديد الذى يحمل فكرا رشيدا للإصلاح بنظرته الشمولية للإسلام ، ووجد أرضية أمامه صالحة لبذر أفكاره المفيدة التى تخدم العباد والبلاد ، فكان طليعة حملة هذا الفكر هم الطلاب - بصنفيهم المحظرى والمدرسى - وأطياف المجتمع الأخرى ، وما زالت جهودهم إلى يومنا هذا تؤتى أكلها ولله الحمد .
لكن ما أود أن أركز عليه هنا - وبعد أن حصل الإخوة على ترخيص حزبهم - أن الحصول على الترخيص ليس هدفا فى حد ذاته - وكما تعلمنا منهم - وإنما هو وسيلة لتحقيق غرض رفيع ومشروع ضخم ألا وهو قيام دين الله على أرض الله ما أمكن ذلك
ولن يتأتى ذلك ما لم يقم التيار الإسلامي بإصلاح واسع داخل بنيته الهيكلية والحزبية، و حتى لا يؤسس على أصل ضعيف فتنهار بنيته فجأة وذلك ما لا نرجوه ولا نأمله .
هذا ما جعلني أمتشق القلم وأصيح بأعلى صوتي محذرا من مغبة ذلك : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم "
لقد لاحظت نذر أمراض بدأت تدب منذ فترة فى جسم التيار الإسلامي وخصوصا فى هذه الفترة التى أصبح ما يسمى "اليسار الإسلامي" تعلو نبرته شيئا فشيئا فى جسم تيار التجديد و الإصلاح ، وأخاف - كما يخاف بعض الإخوة الذين هم مثلي يعملون فى الميدان الحركي - أن يجد هذا اليسار صدى داخل جناح الحركة الإسلامية السياسي
ورأيت أنه من الواجب على أن أنبه الأخوة وأسلط الضوء على ذلك وخصوصا أن فى الوقت سعة للمراجعة والإقلاع عن الخطأ وقبل أن ندخل مرحلة عض الأصابع والمراشقات بين اليمين المتطرف و اليسار المتغرب والعلماني، بعد ما كانا يجتمعان تحت سقف ومظلة "الوسطية والإصلاح" ،
ومن باب أن المسلم أخو المسلم ومرءاته، خصوصا إذا كان الهدف الذى نصبو إليه جميعا هدفا عظيما إذا صدقته النيات ، فمن الواجب علينا أن نتناصح ويرشد بعضنا بعضا إن رأى داعيا لذلك ليميز الله الحق من الباطل .
الملاحظات التى أود أن أتطرق إليها في هذا المقال هي على النحو التالي :
1- أرى أنه من المسائل التي انشغل عنها التيار الإسلامي مسألة عدم تعلم الشباب المنخرطين فيه وعدم اكتراث الكثيرين منهم بتلقى العلم عن أهله بالطرق التى ينال بها العلم الشرعي الصحيح، فنحن اليوم أصبحنا فى عالم الفضائيات و الإنترنت وأصبح أغلب هؤلاء الشباب يستقى معلوماته من بعض المفكرين المحسوبين على الدين و لا صلة لهم أصلا بالشرع ولا درايته أو روايته ، حتى أن بعض هؤلاء الشباب صار يلتوي عن جادة الطريق وصريح الشرع لأنه لا يوافق مشربه "المستغرب" ولا يبدو جليا على هيأته الخارجية
وأحسنهم حالا هو ذلك الذى إذا أرشدته إلى الخير رد عليك بالقول " أنت متطرف " فهو يركب الإسلام كمطية إلى منصب سياسي بمشرب علماني إسلامى لا غير. !!
وبالمناسبة فإن هذا الجواب أول من لاكه هم المتأمركون وأذنابهم ، وأصبح منتشرا لدى بعض التيارات الإسلامية أو أنصارهم بشكل أدق استخدام اتهامات من قبيل " القاعدة " و" السلفية الجهادية " ، والغرض منها أساسا أن تكون عصا زجرية تنفر كل من سولت له نفسه أن يتريث لمراجعة ما يصدر عن قادة التيار حتى يعلم حكم الله فيه ، ومع ذلك - ولو أنى لا أوافق " القاعدة " و "السلفية الجهادية " فى الكثير من أفكارهم الطائشة - إلا أن التعامل مع الشرع بهذه الطريقة المنفرة سيقتل روح الإيمان لدى عامة شباب المسلمين وخصوصا داخل التيار الإصلاحي وهو ما لا أعتقد أن التيار الحركي ولا جميع المسلمين يقبلونه .
كما أنه مطلوب من قادة الحزب أن يولوا إهتماماتهم للجانب الروحي يشمل كافة ممثليه ومنتسبيه، موازيا تماما للجانب السياسي حتى تكون السياسة نابعة عن معتقد إيماني صحيح ، وتكون استيفاءا لبعض الشمولية .
2- مسألة ما أسميها : "عقيدة الولاء والبراء السياسي"، وهى "عقيدة" متفشية للأسف بعض شباب التيار ؛ حيث يعتبرون أن الشخص بمجرد تفانيه وخدمته للحزب يكون من المخلصين الأبرار- وأنا معهم فى ذلك إن طهرت النية – ولكن بمجرد إبداء وجهة نظر مخالفة لما قاله أحد رواد الحركة فقد ضل سواء السبيل ، وأحسن أحواله ،جعل استفهامات عليه ، تارة بأنه مخابر وعميل للسلطة ، أو أنه لا يفهم العصر ومتطلباته ، أو أن قوله لا يلتفت إليه ، ولو كان موقفه له حظ من النظر فهو مرمي فى الزبالة لأنه لا يتماشى مع الواقعية ، وتنفر منه القلوب الخيرة.
حتى ابتعدنا من المنهج الذى ربتنا عليه الحركة الإسلامية ، من خلال منبع قرءاني صافٍ " فبشر عباد اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " ، والغرض من كل هذا هو صم آذان أتباعهم عن غير رؤى قادة الحزب ، ولن يتأتى ذلك إلا بالولاء المطلق المحفوف بالتقديس .
والأخطر من ذلك أن صدور هؤلاء القوم تنشرح لآراء وأفكار الأيدلوجيات الأخرى التى تشوبها شائبة الزيغ والإلحاد لأن ذلك فى نظر المذهب تدعو له الديمقراطية المتقدمة المنبثقة من عموم قوله تعلى ( لا إكراه فى الدين ) ( لست عليهم بمسيطر ) والسياسة المنفتحة على كل شيء حتى ولو كان أصحابها يستهزءون بالشعارات الإسلامية " كالحجاب " و" المساجد " وغيرها !!
فالنصوص متوفرة لفتح الصدور واتساعها لأعداء الأمس أصدقاء اليوم !!
ومن الغريب أننا مع إخوتنا الذين تجمعنا معهم فكرة واحدة مستقاة من مشكاة النبوة وإن اختلفت درايتها - من اجتهد فأصاب فله أجران ومن جتهد فأخطأ فله أجر- لا يمكن أن نتفهم موقفهم - النابع فى الغالب عن الورع والابتعاد عن الشبهات - ونعيش معهم فى بوتقة واحدة متفهمين لحالهم ، ومع ذلك يمكن لنا أن نتأقلم مع الطوائف الملحدة الأخرى ، إن هذا لشيء عجاب
وظلم ذوى القربى أشد مضاضة ** على المرء من وقع الحسام المهند
3- على الإسلاميين والإصلاحيين أن يعلموا أن حمل لواء الإسلام واجب ومشرف إن أخذ بحقه ، بعيدا عن العجب والاستعلاء والإفساد فى الأرض الذى حذر منه شرعنا الحنيف ،وبعيدا عن المصالح الشخصية الآنية والفانية .
ولن يتأتى ذلك ما لم يبتعد الأخوة عن الرؤى الضيقة كالقبلية والجهة والمحسوبية والمحاباة، الخطير في الأمر أن ترى الإسلاميين وما إن وضعت الحرب أوزارها بزوال حكم ولد الطايع البائد واستبشرنا خيرا بخروجهم ومساهمتهم فى الحقل السياسي بتفعيل الساحة والأخذ بيدها من خلال منهاج قويم مرجعيته الكتاب والسنة ومحاربة الفساد المستشري منذ ثلاثين سنة حتى فوجئ البعض منا بإدماج بعض الأفراد المحسوبين على الحزب الجمهوري فى طليعة حزب الإصلاحيين وكأن شيئا لم يكن ، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل زاد حتى صاروا يمثلونهم فى اتخاذ قرارات مصير البلد داخل قبة البرلمان مع عصبة اللصوص المتغلبة !!
وقد وصلوا لهذه المرتبة بحجة أو تزكية واهية ، تارة تفيد بكونهم كانوا يكتمون إيمانهم فى زمن المحن داخل الحزب - الله أعلم بإيمانهم - وتارة بالقول أن الجمهوريين ليسوا كلهم فى درجة واحدة من السوء ؛ فأحوالهم متباعدة ، وعلينا أن نكون واقعيين فى ضم أعوان الظلمة إلينا ،وعلى الذى برر ذلك ودعي إليه أن يتذكر قوله تعالى : ( ولا تكن للخائنين خصيما )
ومما يندى له الجبين أن هذا التصرف يعطي الانطباع بأن رحِم الحركة الإسلامية لم تستطع أن تنجب من من الكفاءات والطاقات ذات الأيدي النظيفة ما يجعلها تنأى بنفسها عن المفسدين وأذيالهم ، ولا داعي لذكر الأمثلة فاللبيب تكفيه الإشارة ،
ولا أود أن يفهم من كلامي أنى أود أن يقصى الجمهوريون من الحزب ، أو أن يتصور أنهم رجس لا يمكن التعامل معهم ، لا ورب الكعبة ، لكن على الأقل يجب أن لا يكونوا فى الأماكن الحساسة فى اتخاذ القرار، ولأن برنامج الحزب الإصلاحي الذى يتبناه يجعل من أولويته محاربة الفساد والمفسدين .
خلاصة الأمر أقول أن هذه الملاحظات لا تمس من مكانة الحزب ولا التيار وإنما هي من باب المثل العربي القائل : " ما حك جلدك مثل ظفرك " وإيمانا منى بأن مذهب الإصلاحيين من أنصف المذاهب وأقدرها على البقاء لأنه مشروع أمة ،
ولولا ما أؤمله في التيار الإسلامي الحركي من خدمة الإسلام والمسلمين وخوفي عليه وعلى أصحابه من أن تتلاشى أحلامنا فيهم كما جرى مع آخرين من قبل ، لما استحق عندي أن أفكر فيه ولو ساعةً ، أحرى أن أرعف فيه قلما أو أقتل فيه وقتا .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!