التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:23 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.06.2008 19:27:06

بلا رتوش:أطراف الصراع في البلد المنكوب

سيدأعمر ولد شيخنا*

سيدأعمر ولد شيخنا*

بقلم: سيدأعمر ولد شيخنا*
[email protected]
لقد أشرت في مقال سابق (20 إبريل الماضي) إلى إحتمال توجه الرئيس ولد الشيخ عبدا لله إلى خيار الإنفراد بالمجد على حد تعبيرابن خلدون بمعنى السعي إلى إقصاء أوتقليم أظافر الجنرالين وبناء نظامه الخاص وهو ماينسجم مع منطق التاريخ الحافل بالكثير من الأمثلة الشاهدة وينسجم أيضا مع ما يعرف عن عائلة أهل الشيخ عبدالله من طموح مجنح كان وراء صعود نجم والد الرئيس "الشيخ عبدالله " الذي انتقل من تلميذ ينتظر أن "يصدر" في حضرة اهل الشيخ القاضي القادرية البكائية إلى تيجانية الشيخ إبراهيم إنياس التي لم تبطأ عليه "فصدر" منها "مقدما تيجانيا " سرعان ما قلب الموازين على المستوين السياسي والديني في وسطه العشائري والقبلي في البراكنة.
الشعارات المزيفة
بعد سقوط شعار الإصلاح ومحاربة الفساد بفعل توزيرالرئيس للزمرة الأكثر فسادا في تاريخ البلد عمد أنصار جبهة الرئيس إلى رفع شعار التعلق بالنظام المدني والشرعية الدستورية في مواجهة الجنرالات وهو الشعارالأكذوبة الذي يخفي وراءه التمهيد لتمدد أطراف بعينها مدنية وعسكرية؛ مدنيين كانوا السبب في كل الفواجع التي شهدتها موريتانيا وعسكريين لم يحركوا ساكنا عندما كانت البلاد تحترق من الداخل، وفي المقابل يرفع أنصار الجنرالات شعار رفض الفساد والخوف من العودة إلى الماضي وهي بدورها ليست سوى شعارات للاستهلاك السياسي والإعلامي تخفي وراءها ولعا غريزيا في إستمرار اختطاف قيادة الدولة والمجتمع لصالح جهات بعينها ليس في أجندتها الإصلاح ولاهم يحزنون.
لقد كان بودي لو كان ما يجري من صراع حراكا ديمقراطيا يؤطره الحرص على الصالح العام وتقوده الأحزاب والقوى السياسية ذات المشاريع المجتمعية، ولكن للأسف الشديد ما يجري هو كارثة بكل المقاييس "لوبيات فساد مالي وسياسي" ذات تخندقات قبلية مكشوفة تتصارع وتعبث بالمؤسسات الجمهورية جيشا وبرلمانا في بلد هش يواجه تحديات مصيرية.
إن ما يجري اليوم في البلد هو واحد من أقبح وأخطر مخلفات حكم الرئيس معاوية ولدالطايع لموريتانيا يوم أسس فيها حكما عشائريا يقوم على الفساد والنهب المنظم وبناء قاعدة من الحلفاء على أساس شراء الذمم لاحساب لديهم لمصالح الوطن ولاقيم الشعب حينما قضى على فكرة الدولة في الذهنية الشعبية العامة لدى المواطنين.
بداية الخيط
لقد أدخل إنقلاب الثامن من يونيو 2003م نظام الرئيس ولد الطايع في أزمة وجودية جعلت بقاءه على النحو الذي كان سائدا من المستحيل فلم يكن أمام النواة الصلبة للنظام إلا التفكيرفي حلول جدية للواقع المتأزم فأتجهت عشيرة الرئيس بزعامة أحمد ولد سيدي باب إلى التحرك بمبادرة حوارللبحث عن مخرج للأزمة -كان بالمناسبة لأتحاد قوى التقدم حضور قوى في تلك المبادرة –بينما كان الشق الثاني من النواة الصلبة (اعلي +عزيز) يخططون لقلب الطاولة على ولدالطايع وجماعته قبل أن تغرق السفينة بالجميع وأستعان ولد عبدالعزيزقائد العملية برفيق دربه ولدالغزواني ومايمثل من عمق قبلي وطرقي يحظي بنفوذ مالي صاعد.
وتفجرت التصفيات

لقد أبانت الحكومة الثانية لولد الشيخ عبدالله والأطراف السياسية العلنية والخفية التي مثلت فيها عن إرادة الرئيس تهشيم القفص الذي دخل فيه بمحض إرادته عندما قبل أن يكون واجهة لحكم الجنرالين والجهات التي يمثلونها فتم نقله من مستشارمالي ضائع الأخبار في دولة النيجرالبائسة إلى ملك متوج على رؤوس الملايين من الموريتانيين والراجح أن مايقوم به الرئيس الآن من تهشيم للقفص - المدان بالمناسبة- لم يجئ رغبة منه أو تشوقا للحرية نهوضا بالدور وممارسة للصلاحيات الدستورية بقدر ما هو تمهيد للدخول في قفص آخر تبدوا عملية نسج أضلاعه آخذة في التقدم بفعل دخول أكثر من فاعل على الخط.
لقد ضمت خارطة الحلفاء الجدد للنظام أطرافا عدة منها حركة الحر والأطر الناصرية وهي أطراف مهمة بالنسبة للنظام ولايثيروجودهم أي مشكل وإلى جانب أولئك يوجد الإسلاميون وهم أيضا محل أتفاق بين طرفي النظام رئيسا وجنرالات وإن بشكل تكتيكي مؤقت، بينما يثور النزاع والإختلاف حول بقية الحلفاء الجدد وهم في الحقيقة الأطراف الأقوى والأكثر تأثيرا كما يدرك ذلك الرئيس المتحالف معهم والجنرالات الرافضين لذلك على خلفية الإنقسامات التي شهدتها النواة الصلبة لنظام الرئيس ولدالطايع بعد إنقلاب الثالث من أغسطس 2005م وهذه الأطراف هي أولا جماعة أطار المتشبثة بإرث ولد الطايع والتي يظهر أن الرئيس ولدالشيخ عبدالله قام بالتحالف معهم في محاولة للإستفادة من نفوذهم المالي الكبيروخبرتهم السياسية والأمنية المتراكمة وشبكة حلفاءهم الممتدة من" كوش" إلى" كرمسين" وهكذا تم تعيين يحي ولدأحمدولدالواقف وزيرا أولا و الذي رغم قربه من الرئيس وخلفيته اليسارية ليس إلا واجهة لبعض النافذين ماليا من هذه المجموعة وفي نفس السياق تمت عملية الإنزال المظلي لكباررموزحقبة معاوية في مواقع حساسة في الرئاسة والداخلية والخارجية ،لتقوم بسد المنافذ الموصلة للرئيس وتعمل على رسم السياسات الداخلية والخارجية للنظام الجديد بعيدا عن أي تأثير للجنرالين ومن يقف خلفهم.
أما الحليف الثاني الجديد المزعج للجنرالات فهوالحضور الكبيرلجماعة تجكجة الممثلة بخمسة وزراء وعدد كبيرمن مستشاري الرئيس و المصنفون بأنهم الأكثر تحمسا للدفع باتجاه إحداث القطيعة بين الرئيس وجنرالاته ولايخفى هنا دور العامل الطائفي "التجاني" في عملية تقريب الرئيس لهذه الجماعة بالإضافة طبعا للقدرات النوعية الموجودة بينهم.
أما الجماعة الثالثة التي تثيرحفيظة "الجنرالين" فهي جماعة اليسار ممثلة في حزب اتحاد قوى التقدم ذي التجربة السياسية الثرية والقدرات التنظيمية والإستراتيجية الخلاقة ومما يزيد من حماس هذه المجموعة في تخندقها الحالي ضد "الجنرالين" هي الصلة الطيبة التي تربط قيادة الحزب مع الشق الآخرمن النواة الصلبة لنظام ولدالطايع والتشابك الحاصل بينها وبين جماعة تجكجة بفعل الخلفية الإجتماعية لرئيس الحزب وعدد من قياديه بالإضافة طبعا للوجود المعتبر للحزب في الضفة حيث تنتشرالطريقة التيجانية بين قواعد الرفاق الزنوج.
في الخندق المواجه يقف الجنرالان ومعهم مجموعات نافذة من "انشيري" و"بومديد" و"أوجفت" وتسعى هذه المجموعات لإبقاء هيمنتها على السلطة وإبقاء الرئيس ولدالشيخ عبدا لله واجهة يمارسون من خلالها نفوذهم السياسي والمالي وينظرون إلى دخول مجموعتي " تجكجة " و "أطار"وحليفهم القوى إتحاد قوى التقدم إلى السلطة بهذا الحجم وبهذا النفس بمثابة الخطرالحقيقيي الذي تجب مواجهته قبل فوات الأوان حسب وجهة نظر هذا المعسكر.
هذه هي الصورة الحقيقية للصراع الحالي وهذه هي الأطراف المتصارعة بلا رتوش أمابقية الأطراف من نواب وأحزاب وشخصيات فهي مجرد بيادق كبيرة يتم تحريكها للعب بعض الأدوار هنا وهناك، جوهر الصراع إذن صراع قبلي وإن شئت قلت صراع لوبيات قبيلية لاتريد أكثرمن مصالحها الخاصة على حساب إستقرار ووحدة البلاد.

عزاء:
وبغض النظر عن لمن تكون العاقبة في هذا الصراع فإن مايجري هو بداية تحولات كبرى في بنية السلطة السياسية في موريتانيا ومراكز الثقل في تلك السلطة ،وهو في وجهه الآخر بداية النهاية للنخبة "البيظانية" الحاكمة الفاسدة والمترهلة والتي أعماها الجشع والغباء عن التأمل الواعي للتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي يمربها البلد.
المؤسف أن جهود القوى الحية في البلد ومابذلته من تضحيات جسام في سبيل انتشال موريتانيا من الواقع البائس الذي آلت إليه في السنوات الماضية ،قدضاعت مع أدراج الرياح وربما تكون قد خلفت مفعولا عكسيا فقد ضعفت قوى الإصلاح وأستأسدت قوى الفساد، حتى صاريصد ق فيها قول شاعر اليمن الكبير"الباردوني" الذي وصف أحوال اليمن بعد ثورة 48م الفاشلة.
والأباة الذين بالأمس ثاروا ...أيقظوا حولنا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب ... قعدو قبل أن يرو كيف قامو
ربما أحسن البدايات لكن ... هل يحسون كيف ساء الختام
------------------------------
*كاتب صحفي من موريتانيا


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!