التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:17:20 غرينتش


أحمد بن الوديعة
[email protected]

لم تعرف موريتانيا تغيرا عميقا في نظام الحكم خلال السنوات الماضية رغم كثرة وتنوع شعارات الإصلاح والتغيير المرفوعة، وليس في ذلك فى الواقع ما يدفع لاستغراب كبير فالذين أطاحوا بولد الطايع فى نهاية المطاف هم رجاله المقربون، ومنهم من تبين أنه كان الخلفية الفكرية لكل مواقف الرجل السيئة، وأكثر من ذلك فقد كشفت الانتخابات الماضية المشهود بشفافيتها الفنية أن قطاعات مهمة من الموريتانيين تفضل رموز الفساد والمافيا على حملة لواء الإصلاح والتغيير. لكن موريتانيا عرفت فى المقابل - وتعرف - تحولا مذهلا في نمط العلاقة بالحكم؛ بله علاقة الحكم نفسه بنفسه ، وهو التحول هو الذي أنتج حالة الضبابية والالتباس التي يخوض فيها البلد حاليا منذ تشكيل " الحكومة السياسية" المزاوجة بين رموز الفساد، ومن يفترض أنهم رموز الإصلاح والمبدئية.
هو مشهد ملتبس فى كل مراحله ومستوياته ؛ ملتبس في خلفيات تحرك " أبطاله" وملتبس عند محاولة تبين نقاط قوتهم وضعفهم واتجاه سيرهم، وهو بكل تأكيد أكثر التباسا إن تعلق الأمر بمحاولة قراءة مستقبل الأزمة وآفاق تطورها .
حالة الالتباس منسحبة انسحابا أوليا كذلك على " رجال المرحلة" فمن كنا نعرفهم حتى عهد قريب رموز فساد واستبداد أصبحوا بين عشية وضحاها " دعاة" إصلاح ومناضلين ألداء من أجل " الاستقامة" والحرية، وآخرين عهدناهم " متورطين" في إعادة الحياة لهياكل الحزب الجمهوري بطبعاته المختلفة، رافضين منطق تقسيم النخبة السياسية إلى رموز فساد ورموز إصلاح نشهدهم اليوم يشددون النكير على ذات الفعل الذي لم يغسلوا منهم أيديهم بعد ؛ أعنى فعل " تبييض رموز الفساد" وتمكينهم من العودة بطرقة ديمقراطية إلى مراكز القيادة، وفريق ثالث حسبناه يسير على طريق التغيير الهادئ، ويريد تخليص البلد " خطوة خطوة" من قبضة المفسدين فإذا به يعيدها لهم جذعة ويمكنهم من مفاصل الأمر والنهي ويضفي عليهم صبغة " السياسية" ويمنحهم من بركات الحكومة الموسعة، وفريق رابع كنا نعده حصن الممانعة الأخير ضد الفساد ومشتقاته فإذا به يدلف سريعا إلى الحظيرة، راضيا من الغنيمة بالإياب.. آه ما اغرب أهل هذه البلاد وأقدرهم على التحول والتلون.
1

يقول النواب" المنتفضون" ضد الحكومة إنهم يتحركون لإسقاط رموز الفساد وللتعبير عن رفض " عودة" النظام السابق بيد أن تلك الحجة واهية كبيت العنكبوت فهؤلاء " المحترمون" لاتحركهم إرادة ذاتية بل هم – أو غالبيتهم الكبيرة على الأقل – محركون ممن أوجدهم أول مرة في المشهد السياسي ؛ من العسكر وبالذات من الجنرالين عزيز وغزواني، وما يزال الكل يتذكر كيف دخل هؤلاء الحياة السياسية من بوابة " الثورة" على الأحزاب قبل أن يعودوا لاحقا للتنظير لضرورة وجود حزب سياسي داعم لبرنامج الرئيس ومدافع عن توجهاته، وهاهم اليوم يحزمون حقائبهم من جديد بحجة جديدة وربما لعنوان جديد كذلك.. و فيما يتعلق بقصة رموز الفساد، وعودة رجال ولد الطايع فمعروف أن " أغلبية مريحة" من هؤلاء تدخل بالأصالة في المجموعتين؛فهي رموز فساد و كانت فى دائرة الرجال الخلص لنظام ولد الطايع، وأرجو بالمناسبة أن يحترم هؤلاء قليلا ذاكرة الشعب الموريتاني فلايمكن لضعفها أن يصل حد تصديق أن هؤلاء " دعاة اصلاح وتغيير" اللهم إلا إذا أمكن أن يكون للثعلب دين.
إن الدافع الحقيقي " لثورة نواب الأغلبية" هو شعور، أو خوف أو توجس الجنرالين من أن يكون ولد الشيخ عبدالله في طريقه "لتقرير مصيره وأخذ استقلاله – ولو بصفة متدرجة - عن الرجلين الذين حملاه إلى القصر في نهاية مرحلة انتقالية نجحا فيها ببراعة في الجمع بين المحافظة على ثقة الفاعلين السياسيين، والتحكم فى اللعبة حتى النهاية.. تلك هي خلفية تحرك النواب وما سوى ذلك فهو أقنعة وشعارات هدفها محاولة استقطاب بعض قطاعات الرأي العام لا أقل ولا أكثر..
وخوف الجنرالين من " أخذ الرئيس لصلاحياته" تحركه أسباب اقتصادية وسياسية وأمنية، وعموما فقد كان واضحا منذ بعض الوقت أن الجنرالين ليشعران بالارتياح لبعض توجهات الرئيس وخاصة منها تلك المتعلقة بمواقفه الشجاعة والمنصفة من القضايا المرتبطة بالوحدة الوطنية.
2

وعلى الجانب الآخر يقول المقربون من ولد الشيخ عبدالله إنهم يرفضون رهن مؤسسة الرئاسة للعسكر وأن المعركة الحالية هي بين من يريد التقدم بموريتانيا على طريق الديمقراطية والتعددية والتصالح مع الذات، وبين من يريدها أن تستمر على نهج النظام الأحادي المخلوع، ورغم أن في هذه الشعارات بعض من الحقيقة لكنها تواجه معطيات على أرض الواقع تجعل الشك فيها واردا والتخوف من أن تكون هي الأخرى مجرد غطاء لقضايا أخرى أمرا مشروعا.
فالحقيقة أن سيدى الواصل للسلطة بدعم الجنرالين لايملك المركز الأخلاقي والسياسي الذي يجعله قادرا على قيادة ثورة ضد تدخل العسكر في الحياة السياسية، كما أن نوايا ه الحسنة تجاه الإصلاح باتت تواجه أسئلة متزايدة بعد تشكلة الحكومية الحالية التي أعادت الثقة لرهط من أفظع رموز الفساد في الحقب الماضية وسلمتهم حقائب حيوية يرتبط بها أمن البلاد وعلاقاتها الخارجية ونفطها ونقلهاو... هذا إضافة إلى " المشهور" عن محيط الرئيس القريب ، ومدى استغلال البعض فيه للسلطة والنفوذ، وتورطه في مسلكيات لا تدخل في باب الإصلاح الذي يتفق كثيرون على أن الرئيس يملك رؤية له وإرادة لتحقيقه.

وحتى تلك المكتسبات التي حققها الرئيس خلال السنة الماضية ونال عليها تحية مستحقة من القوى الوطنية الجادة – أعني ملف توطيد الوحدة الوطنية – تواجه هي الأخرى "وضعا ملتبسا" فبعض الممسكين بالملف في الفريق الحكومي – الوزير الأمين العام للرئاسة، ووزير الداخلية - معروفون بمواقفهم " الطائعية" من قضايا المبعدين وماضي حقوق الإنسان وممارسة الرق ومجمل القضية الوطنية.
إن وراء الشعارات التى يرفعها طرفا المواجهة حاليا " مضامين" وحقائق ليست مطابقة للعنوان دائما، وهو عامل إضافي من شأنه أن يعقد عملية الحسم، فالتمايز بين " الكفتين" ليس واضحا بالشكل الذى يعين أيا منهما على استقطاب كلي للكتل المؤثرة وخاصة تلك المحكومة منها برؤوى مبدئية تحاول أن تجد لها موطأ قدم في مساحة ملتبسة ضمن مشروع "تغيير" عنوانه الأدق كمال قال أحد المتابعين للشأن الوطني عشية الثالث من أغسطس أنه التغيير الذي جاء لكي لايكون هناك تغيير.



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!