التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:11:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 16.12.2011 22:35:43

التقرير الأدبي للرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز أمام مؤتمر البوليساريو 13

الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز خلال تقديمه التقرير الأدبي أمام المشاركين في المؤتمر الثالث عشر للبوليزاريو ظهر اليوم (الأخبار)

الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز خلال تقديمه التقرير الأدبي أمام المشاركين في المؤتمر الثالث عشر للبوليزاريو ظهر اليوم (الأخبار)

بسم الله الرحمن الرحيم
ضيوف شعبنا الكرام،
مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي،
أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
في بلدة التفاريتي، فوق هذه الربوع المحررة من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ينعقد اليوم المؤتمر الثالث عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، مؤتمر الشهيد المحفوظ اعلي بيبا، تحت شعار الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل.

وبهذه المناسبة، نقف وقفة إجلال على روح فقيد الشعب الصحراوي، المحفوظ اعلي بيبا، عضو الأمانة الوطنية للجبهة ورئيس المجلس الوطني الصحراوي السابق، ومن خلاله نقف وقفة ترحم على كل شهداء القضية الوطنية، وفي مقدمتهم رفيق دربه، شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، مستحضرين تلك المناقب والخصال والأخلاق الحميدة التي طالما عرف بها المحفوظ وما تميز به من إخلاص ووطنية ووفاء وتفاني في خدمة الشعب والوطن، ومن التزام وحكمة واتزان، وتلك الأعمال النضالية الجليلة والمجهودات الوطنية الجبارة، في كل المهام والمناصب التي تقلدها في الحركة والدولة، دفاعاً مستميتاً عن قضية شعبه العادلة، سواء في الداخل أو في الخارج، بكل صدق وجدية، حتى آخر يوم من حياته.

اسمحوا لي بداية أن أتوجه بأحر الترحيب إلى كل الأشقاء والأصدقاء الذين قرروا مشاركتنا هذا الحدث التاريخي، حاملين رسائل التضامن مع كفاح الشعب الصحراوي العادل، من حكومات وبرلمانات وأحزاب ومنظمات وجمعيات وشخصيات، آملين لهم طيب المقام بين ظهران شعبنا.

أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
إن الظروف التي ينعقد فيها المؤتمر الثالث عشر للجبهة هي نتاج تحول مستمر لم يتوقف على مدار السنوات الأربع الماضية،إلا أن حدة الحراك والتغير ازدادت بشكل ملحوظ ومؤثر خلال السنتين الأخيرتين.

على الصعيد الدولي، ازدادت الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم تتوقف بؤر التوتر عن الظهور في مختلف قارات العالم، بما تخلفه من حروب ودمار، وانتشار للجريمة المنظمة ، مع تزايد الفقر والبطالة والهجرة غير الشرعية.

وقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية، وأصبحت اليوم تهدد الاقتصادات الكبرى، وعصفت بالعديد من الحكومات ولا تزال تهدد دولاً أخرى بازمات حادة.

هذه الأزمة، المرشحة للتفاقم، سيكون لها كبير الأثر على الإنفاق الموجه للتنمية بصفة عامة، وللمساعدات الإنسانية بصفة خاصة، مثل برنامج الغذاء العالمي، في ظل استمرار النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، من أعاصير وزلازل وفيضانات، وما رافق ذلك من أزمات إنسانية، كالمجاعات والأوبئة، لعل من أبرز تجلياتها ما يجري في القرن الإفريقي.

وفي ظل انشغال دولي بما سمي بالإرهاب، استمر تنافس القوى العظمى للسيطرة على مصادر الطاقة ومناطق النفوذ، خاصة في آسيا و إفريقيا. وفي أجواء سيطرت عليها العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مؤشرات صراع جديد، أبرز أطرافه شعوب تثور على الظلم والاستبداد والتسلط، وقوى مسيطرة لا تدخر جهداً للإبقاء على هيمنتها أو توسيع مجالها.

إن ما عرف باسم " الربيع العربي"، والذي لا تزال تداعياته متواصلة، ولم تـتضح معالم المسار الذي سيتخذه، كان من أبرز التطورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال المرحلة الماضية، ليس فقط من منطلق ما أدى إليه من تغييرات على مستوى الأنظمة، ولكن بما طرحه من تساؤلات حول الدور الذي لعبته القوى العظمى، وبما حمله من تناقضات وملابسات وازدواجية في المعايير في المواقف الدولية.

ومن أبرز ما شهدته الفترة الماضية أيضاً تنطيم استفتاء جنوب السودان، والذي أفضى إلى استقلاله، كما سبق أن حصل في ناميـبـيا وتيمور الشرقية، وهو ما يؤكد صوابية هذا الحل الديمقراطي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، رغم أنها لم تفرض تطبيقه بعد في حالة الصحراء الغربية.

وخلال السنوات الأربع الماضية، جرت استحقاقات انتخابية في العديد من الدول الأكثر علاقة بالمنطقة، وأدت إلى صعود زعامات جديدة، مثل أوباما في الولايات المتحدة الأمريكية وساركوزي في فرنسا وأخيراً راخوي في إسبانيا. وإذا كان الموقف الفرنسي قد أظهر انحيازاً كاملاً إلى الأطروحة التوسعية المغربية، والموقف الأمريكي ملتزم بدعم جهود الأمم المتحدة، فالمأمول أن تعود الحكومة الإسبانية الجديدة إلى سابق موقفها المتزن المنسجم مع مسؤوليتها التاريخية والقانونية تجاه الصحراء الغربية، لحل النزاع عبر استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي.

على الصعيد الإقليمي، شكل المغرب العربي و شمال أفريقيا مركز الهزة التي عصفت بالعديد من الأنظمة العربية، بدءاً من تونس مروراً بمصر وصولاً إلى ليبيا، والتي لا تزال ارتداداتها متواصلة في بلدان عربية أخرى.

يحدث كل ذلك مع استمرار التهديد الذي يشكله انتشار الأسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، المتشابكة مع أنشطة الجماعات الإرهابية في منطقة الصحراء الكبرى، واستمرار التنسيق بين دول المنطقة لمواجهتها والحيلولة دون التدخل الأجنبي.

وفي المغرب، برزت حركة 20 فبراير، ليس فقط بتأثير ما جرى في المنطقة من حراك، ولكن كنتيجة طبيعية لقرون من الظلم والاستبداد والفساد التي عاشها الشعب المغربي، رافعة مطالب واضحة وصريحة بضرورة التغيير والرفض الكامل لذلك الواقع المرير ولكل السياسات والحلول الترقيعية التي يحاول المخزن المغربي تمريرها، بدعم وتواطؤ وتغاضي من أطراف دولية معروفة.

ورغم محاولة استباق الأحداث من طرف ملك المغرب وإخراجه لدستور ممنوح، قديم في جلباب جديد، وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، بمشاركة محدودة، إلا أن الأمر لم يتغير في المملكة المغربية، وليس هناك ما ينبئ بحصول تغيير في الواقع السياسي والاجتماعي المتردي، كما تبين التقارير والمؤشرات الدولية التي تثبت تراجع المغرب المتزايد في العديد من المجالات كالاقتصاد والتنمية البشرية وحرية التعبير والإعلام، واستمرار انتشار الأمية والفقر والفساد.

إن تلك الحقيقة لا تجد دليلها في استمرار الحراك الاحتجاجي الشعبي فحسب، ولكن في لجوء السلطة المغربية، كما هو ديدنها، إلى استغلال قضية الصحراء الغربية، التي تحتلها عسكرياً خارج أي إطار قانوني، لتجعلها شماعة تعلق عليها كل أزماتها، لصرف أنظار الشعب المغربي عن مشاكله الحقيقية.

وأمام ما تشكله انتفاضة الاستقلال في الأراضي الصحراوية المحتلة وجنوب المغرب من ضغط سياسي وإعلامي، فإن السلطة المغربية لجأت إلى حملة مسعورة وحرب استخباراتية ونفسية شعواء ترمي إلى تشويه سمعة ومكانة كفاح الشعب الصحراوي واستهداف وحدته وأمنه، ومحاولة إلصاق تهم الإرهاب والجريمة المنظمة به، وتفريخ المسميات الموازية والترويج للدعايات المغرضة، والسعي المحموم لضرب استقرارنا الداخلي، بل والمحاولات الفاشلة والمتجاوزة للمساس من المكانة القانونية الدولية للجبهة، كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي.

على الصعيد الوطنـــي، برهن الشعب الصحراوي على تمسكه بوحدته وخياراته الوطنية وقدرته اللامحدودة على الصمود وإبداع وتنويع أساليب المقاومة والكفاح، في مواجهة آلة احتلال عسكرية توسعية مغربية، تحظى بحماية ودعم قوى ظالمة، وفي مقدمتها الحكومة الفرنسية، التي لا يبدو أنها تخلت عن الفكر الاستعماري.

قد شكل حدث رحيل أحد القادة البارزين للجبهة والدولة الصحراوية، في شخص الشهيد المحفوظ اعلي بيبا، معلماً بارزاً ومناسبة ذات دلالات عميقة. فبقدر ما خلف من أجواء الحزن والأسى لدى عموم الصحراويين، في الداخل والخارج، بالأرض المحتلة وجنوب المغرب، بقدر ما كان بمثابة امتحان أبان فيه الشعب الصحراوي عن قوة وصلابة الوحدة الوطنية وتشبثه بأهداف الجبهة الشعبية، وثباته على المبادئ والقيم التي سقط من أجلها الشهداء البررة، وتثمينه لتضحيات مناضليه وتقديره لمآثر قياداته المثالية التي عاهدت فوفت بوعدها. كما برهن على أن معدن الوطنية الصادقة راسخ في النفوس، لا تشوبه شائبة، وهو المحك الذي تحمل عليه سير الرجال، فبقدر العطاء والوفاء والقدوة يكون التكريم والاحتفاء والتخليد.

وسجلت انتفاضة الاستقلال حضورها البارز من خلال ملاحمها النضالية البطولية مثل مخيم اقديم إيزيك في العيون ومظاهرات الداخلة وموقعة أمنتو حيدار وزيارات وفود التحدي إلى الأراضي المحررة ومخيمات اللاجئين الصحراويين، والإضرابات البطولية عن الطعام للمعتقلين السياسيين الصحراويين وغيرها.

وسارت البرامج الوطنية بشكل منتظم، وتعززت التجربة الوطنية في التسيير وبناء مؤسسات الدولة. ورغم الصعوبات الموضوعية الناجمة عن حالة اللجوء والتشريد، وآثار الأزمة الاقتصادية العالمية، لم تقع أية أزمة غذائية أو وبائية، مع استمرار انتظام الخدمات العامة، دون انقطاع يذكر.

وشهدت الفترة بين المؤتمرين تنامي مقلق للمخاطر الناجمة عن انتشار الجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى، وبعد أن كان الشعب الصحراوي ضحية لإرهاب الدولة الذي تمارسه المملكة المغربية منذ 31 أكتوبر 1975، أصبح اليوم أيضاً ضحية للإرهاب العالمي، حيث تعرضت مخيمات اللاجئين الصحراويين لعملية اختطاف إرهابية غادرة بحق ثلاثة متعاونين أوروبين، عاملين في المجال الإنساني، هم الإسبانيـيـْين إينوا فيرناندث وإينريك غونيالونس، والإيطاليةروسيلا أورُّو.

وبهذه المناسبة، نعبر عن شديد إدانتنا لهذا العمل الإرهابي الجبان وتضامننا الكامل مع الضحايا وعائلاتهم، وإصرارنا على بذل كل الجهود والتعاون والتنسيق مع دول المنطقة لإطلاق سراح المخطوفين في أسرع الآجال.

ورغم العراقيل التي تضعها الحكومة المغربية أمام الحل، حافظت القضية الوطنية على حضورها في أجندة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، كقضية تصفية استعمار، تشرف الأمم المتحدة على مفاوضات مباشرة بين طرفيها، جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، على أساس تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال.

أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
لقد انعقد المؤتمر الثاني عشر للجبهة في ظروف شهدت تحولات كبرى على الساحة الدولية، اجتمعت فيها تأثيرات نهاية الحرب الباردة والتطور المضطرد في ثورة المعلومات والاتصالات، وما شهده العالم من حروب وأزمات.

وعلى مستوى القضية الوطنية، اتسمت ظروف المؤتمر بسعي أطراف دولية فاعلة إلى تغليب المقاربة الاستعمارية المغربية، بما في ذلك عبر الضغوطات السياسية والاقتصادية، والتي مست بحدة ميدان المساعدات الإنسانية، وانضافت إلى العراقيل والصعوبات الموضوعية القائمة، مما فرض اللجوء، غير ما مرة، إلى برامج وخطط إضافية لمواجهتها.

كما أن الحكومة المغربية لجأت في آونة انعقاد المؤتمر الثاني عشر إلى تكثيف الضغوطات والاستفزازات والحرب الدعائية، إلى درجة التهديد بمنع انقعاد المؤتمر في التفاريتي واحتلال الأراضي المحررة.

وانطلاقاً من الألويات التي أقرها المؤتمر الثاني عشر للجبهة، والتي مثلت العمود الفقري لبرنامج العمل الوطني، من تقوية للتنظيم السياسي ومؤسسة جيش التحرير الشعبي وتأجيج ومرافقة لانتفاضة الاستقلال وإعطاء محتوى عملي لإعمار الأراضي الصحراوية المحررة، والرفع من مستوى الخدمات بكافة الميادين، فقد شكلت هذه المهام التحدي الأول الذي كان على الجبهة، بمختلف مؤسساتها، أن تخوضه بنجاح، لضمان تصاعد وتيرة الكفاح وتعزيز مقومات الصمود، لربح المعركة وتحقيق الأهداف الوطنية السامية المتمثلة في الإستقلال والسيادة الوطنية.

ويشار هنا إلى أن الأمانة الوطنية، في تجربة أولى من نوعها، خصصت عدة دورات لقضايا محددة، وفي مقدمتها قطاعات حيوية مثل الشباب والرياضة والتعليم والثقافة والميدان الدبلوماسي، من أجل تحقيق تطور إيجابي في النوعية والكثافة والمردودية.

فعلي المستوى السياسي التنظيمي،ظل الفعل في هذا المجال يكبر مع حجم الأهداف الوطنية التي يبقى محورها حق تقرير المصير والاستقلال الوطني، ومع تنامي متطلبات المجتمع على مستوى التأطير والخدمات المختلفة، ومراجعة ملفات فروع التنظيم المحلية ووضع خطط للتحفيز المعنوي والمادي رغم شح المصادر، بينما كان الفصل بين السلطات السياسية والإدارية محليا خطوة هامة من أجل التكامل البناء.

كما شكل تنظيم مؤتمرات المنظمات الجماهيرية وبرامج الشباب والطلبة والأسابيع التضامنية والجامعات الصيفية محطات هامة للتواصل وتعزيز التجربة الوطنية. وفيما استمر الإصدار المنتظم لمجلة 20 ماي لسان حال الجبهة الشعبية، فإن الملتقيات الفكرية واجتماعات الأطر وكل الحلقات التخصصية والفعاليات الوطنية أوالتضامنية المرافقة لانتفاضة الاستقلال، حملت دائماً رسالة التعبئة والتحريض، مع تكريس السيادة على الأراضي المحررة، بجعلها ساحة لتنظيم للكثير من تلك الفعاليات والأنشطة.

وتماشيا مع الجهد السياسي التنظيمي، بقيت المقاومة السلمية الباسلة بالأرض المحتلة وجنوب المغرب معطاة أساسية سواء من باب التضامن والمؤازرة أو من باب التحريك والتواصل والالتفاف حول الجبهة الشعبية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الصحراوي.

وقد سجلت المنظمات الجماهيرية، كروافد للتنظيم الوطني، قفزات لا يستهان بها من أجل تجنيد وتوعية الشرائح الاجتماعية والمساهمة في توسيع قاعدة التحالف مع قضيتنا العادلة دوليا.

وعليه، فقد سعى الإتحاد العام لعمال الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى فتح العديد من ورشات الإكتفاء الذاتي بالولايات والشهيد الحافظ، والبحث عن فرص التأهيل للعمال في مجالات عدة، بينما سجل تقدما معتبرا على طريق تحصيل الحقوق المترتبة للعمال الصحراويين على الشركات الاسبانية إبان الفترة الإستعمارية، مع الحضور الدائم في المنابر الإقليمية والدولية.

كما كرس الإتحاد الوطني للمرأة الصحراوية مكانته في الساحة الدولية وعلى مستوى منظمات وازنة ، بينما جسدت دُور المرأة بالولايات مواقع تكوين وتوجيه، كما ساعدت التعاونيات الإنتاجية نسبيا في بث روح الإنتاج والاستقلال الاقتصادي، إضافة إلى الدور التعبوي في صفوف النساء من أجل مكانة مرموقة على مستوى مواقع صنع القرار.

في حين نظم إتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب عديد الندوات والملتقيات لتطوير تجارب الشباب والعمل على انجاح مشاريع تعلم اللغات والإعلام الآلي وتأسيس المجموعات التطوعية والشبانية وتفعيل الفروع والروابط الطلابية، مع حضور فاعل دوليا.

وعموما، فقد شكلت المنظمات الجماهيرية والإتحادات والمنظمات الحقوقية قوة رائدة لإغناء التجربة الديمقراطية وخلق شبكة فعل ديناميكية في مجالات التوجيه والتكوين والتنشيط بل وحتى التشغيل للشرائح المعنية، وإعطاء الصورة اللائقة للمجتمع الصحراوي عالميا، إنطلاقا من قيمه وتقاليده الايجابية القائمة على الدين الإسلامي السمح، واحترام الآخر، وعدم العنف ضد المرأة والإيمان بقدرات الشباب ودوره اليوم وغدا.

إن التحولات المحسوسة، والديناميكية غير المسبوقة التي شهدتها إنتفاضة الإستقلال المباركة، خاصة مع الهبة النضالية إبان ملحمة اقديم ازيك التاريخية، قد أعطت للاحتلال المغربي رسالة واضحة تؤكد قطيعة كل الصحراويين، بدون استثناء والى الأبد، مع مخططاته وسياساته الدنيئة، كما أعطت نفسا للحركة الحقوقية في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، في معركتها المحتدمة لمواجهة تجاوزات المحتل ومخططاته العقابية التي لم تزدها إلا تحديا واستمرارا، وهو ما يؤكده صمود معتقلينا السياسيين في سجون الإحتلال المغربي، وزيارات النشطاء الحقوقيين لمخيمات العزة والكرامة.

كما أن هذه الفترة قد شهدت مساهمة كبيرة للجاليات الصحراوية في كل مواقع تواجدها، عبر تنظيم محكم لفروعها وجمعياتها، وتنظيم الإتحادات المتخصصة والمشاركة في العديد من الفعاليات والتظاهرات والمناسبات الوطنية. كما سـُجلت مشاركة قطاعات الريف الوطني في كل الفعاليات الوطنية، ولعبت دورها في الحفاظ على الارتباط بالقضية الوطنية في ساحات تواجدها.

أما بخصوص المجالس التشريعية والدستورية والإستشارية، فقد حافظت جميعها على انتظام عملها خلال الفترة محل التقييم. فقد صادق المجلس الوطني الصحراوي على جملة من القوانين وتفعيل العلاقة التشاورية مع الجهاز التنفيذي وتقييم البرامج السنوية والمصادقة عليها وتفعيل الرقابة محليا ووطنيا، والمساهمة في العمل الخارجي من خلال الدبلوماسية البرلمانية، في حين لعب المجلس الدستوري الدور المنوط به، خاصة فيما يتعلق بمراجعة القوانين ومطابقتها للدستور ومراجعة هذا الأخير، وتقديم إستشارات قانونية واردة من جهات الإخطار المحددة دستوريا.

وفي نفس السياق، حافظ المجلس الاستشاري على دوره الدائم في صيانة شكل وقيم المجتمع الصحراوي الأصيل، كما نسجل إنتظام دوراته ومساهمته السياسية والإعلامية في كل الأحداث الوطنية.

أما على مستوى البرلمان الإفريقي، فإن المجموعة الصحراوية بهذه الهيئة الموقرة قد لعبت دورا هاما في ترسيخ مكانة الدولة الصحراوية إفريقيا ودفع البرلمان الإفريقي إلى إصدار العديد من التوصيات والقرارات لصالح القضية الوطنية.

وخلال السنوات الأربع الماضية، تزايدت الأنشطة والندوات والملتقيات التي تؤطر التضامن الدولي، والتي شهدت مشاركة نوعية وكمية معتبرة، بما في ذلك داخل الأراضي المحررة، مثل الندوات الدولية لحق الشعوب في المقاومة، بمشاركة واسعة من الأرض المحتلة وجنوب المغرب، وحول كفاح المرأة الصحراوية ومقاومتها وتظاهرات سنوية، من قبيل ندوة التنسيقية الأوروبية للتضامن مع الشعب الصحراوي وسلسلة الألف أمام الجدار العسكري وصحراء ماراطون وسباق الدراجات الهوائية والمهرجان العالمي للسينما في الصحراء الغربية وآرتفاريتي وملتقى الأديان السماوية وغيرها.

وإنه لمن الجدير بالتنويه ذلك العمل الجبار الذي قامت به الحركة التضامنية العالمية في هذا الخصوص، على مستويات مختلفة، وفي كل القارات، على غرار اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي وعديد الجمعيات والمنظمات في إسبانيا وأوروبا وغيرها.

وفي ميدان الدفاع الوطني، ظل بناء المؤسسة العسكرية وتقوية جيش التحرير الشعبي الصحراوي أولوية ثابتة، بما ينسجم مع تبني رؤية التحرير الوطني والحرب الشعبية الطويلة الأمد، مهما كانت وسائطها الآنية، والظلال التي تخلفها مرحلة وقف إطلاق النار.

إن أي جهد تجاه جيش التحرير الشعبي، سواء تعلق بالجاهيزية أو الأفراد أو الخطط والبرامج، يبقى خاضعاً لمقتضيات واقع استثنائي محفوف بالإكراهات وبآفاق تنبئ بالتصعيد بكل صيغ المقاومة، بما فيها الخيار العسكري الذي لم يغب يوما عن سياسة أو تصور الجبهة الشعبية.

هكذا كان العمل دائما على رفع مستوى الإستعداد القتالي للجيش من خلال الدعم بالقدرات الشابة، وتكثيف دورات التكوين للأطر وفترات التدريب والتمارين للوحدات واستكمال التأطير واستمرار فترات الرسكلة للأجهزة الأمنية وإعادة تنظيم وتفعيل الناحية السادسة والاهتمام بميادين الاستطلاع والقضاء والثقافة والإعلام في الجيش.

يضاف إلى ذلك بذل جهود معتبرة لتحسين ظروف المقاتل وسد ما أمكن من الإحتياجات بالمؤسسة. كما انتظمت المشاركة الصحراوية في فعاليات الاتحاد الإفريقي والوفاء بالالتزامات المتعلقة ببناء لواء قدرة شمال افريقيا، واستمرار التنسيق مع الدول المكونة له، بالإضافة إلى المكونة العسكرية لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، المنورصو.

ويحق للشعب الصحراوي اليوم أن يفخر بجيشه العتيد الذي شهد تطوراً واضحاً في ميادين الجاهزية والإعداد، فيما تميزت السنوات الأربع الماضية بالتحاق أعداد كبيرة من القوة الشابة بصفوفه، مما عزز التوجه الاستراتيجي بضمان التجديد والتواصل والاستمرارية والاستعداد الدائم لكل الاحتمالات.

في الميدان الإداري، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الإدارة هي سر النجاح لبناء التنظيمات والدول، فقد تحققت إنجازات لا بأس بها في هذا المجال، كالاهتمام بالإدارة المحلية، ذات الصلة المباشرة بالمواطن، وعصرنة الإدارة وتحديثها، من خلال إدخال وتطوير الإعلام الآلي، كما تم التركيز على التكوين وتخريج دفعات من المدرسة الوطنية وتنظيم الدورات والملتقيات التخصصية.

وقد تم إعداد والشروع في تسليم البطاقة الوطنية الصحراوية الجديدة، بمواصفات عالمية تستجيب للمقاييس المعاصرة، إدارياً وأمنياً، كما تم الانتهاء من خطة إعداد جواز السفر الصحراوي الجديد.

وفي نفس الفترة، تم تنظيم جهاز السلطة القضائية ومراجعة النيابة ومد المنظومة القانونية الوطنية بالعديد من القوانين، إضافة إلى الجهد الموجه لمجالات الإحصاء والحرس البلدي والأرشيف والمحاماة وكتابة الضبط.

بينما تم على مستوى الشؤون الدينية، تنظيم التربصات وعقد الملتقيات والحلقات الدراسية ذات الصلة بالميدان، وتنشيط التوجيه الديني وتدريس القرآن الكريم، إضافة إلى بناء عدة مساجد والتسيير الجيد لملف الحجاج الصحراويين.

وفي الميدان الاجتماعي، شكل التعليم أحد الرهانات الكبرى أمام الجبهة الشعبية منذ البدايات الأولى، وكان من أهم عناوين مرحلة مابعد المؤتمر الثاني عشر. وهكذا تواصلت سياسة التمدرس بشكل شامل وبدون تمييز بين الجنسين لكل البالغين سن الدراسة على كل المستويات واعتماد التكوين المتواصل للأداة التعليمية وتكثيف فرص التكوين المهني وإدماج الأسر والفروع الأساسية في شراكة تضمن المتابعة، وتقريب المدرسة المتوسطة من التلاميذ، مع فتح نواة للثانوية.

إن العناية بالأمومة والطفولة وتحسين مراكز الخدمات الصحية واعتماد البحث والدراسة في المجال الصحي ومتابعة الأمراض المزمنة، أمور ساهمت في توضيح أولويات القطاع، حيث حظيت بالعناية الكبيرة مع مجهودات البعثات الطبية الأجنبية، إضافة إلى رفع مستوى الطب البيطري.

إن الرعاية الاجتماعية، كعمق إنساني وأخلاقي يقوم على أسس التكاتف الإجتماعي، قد تم تأطيرها فكريا وسياسيا بما ينسجم مع فلسفة الجبهة الشعبية. وعليه، فإن هياكل الرعاية الإجتماعية شهدت خلال هذه الفترة مراجعات للتأطير واحتواء ما أمكن من المحتاجين وفقا للمقاييس المطلوبة. كما أن الفعل المعتبر الذي قامت به مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، ودورات التربص للمؤطرين في الميدان، وتنظيم الحلقات التخصصية، قد أثمرت حصائل جد إيجابية على مستوى العناية والإدماج.

وعلى غرار التعليم، حظي موضوع الشباب والرياضة بعناية خاصة في البرامج الوطنية، وشكلت الندوة الوطنية لسياسات الشباب وقفة جادة لتقييم ومراجعة السياسة المتبعة تجاه هذه الشريحة، من شأنها تشكيل الأرضية الكفيلة بتمكين الشباب من المشاركة والمساهمة بفعالية في كل جبهات الكفاح، في سبيل تعزيز التواصل الكفيل بتحقيق الأهداف الوطنية السامية.

أما في الميدان الاقتصادي، فإن التحليل لأي معالجة للوضع الاقتصادي أو تقييم له في الفترة المنصرمة لابد أن يضع في الحسبان وضع الإحتلال المسيطر على موارد الاقتصاد الوطني، وأن أي مجهود في هذا الباب لا يعتمد إلا على الدعم الإنساني أساسا، الذي تحاول الجبهة من خلاله سد الاحتياجات الأساسية، لتمكين شعبنا من العيش بكرامة، من خلال خلق الآليات الكفيلة بالضبط والتوزيع وتأمين البرامج الحياتية.

وعليه، فان المتابعة المحكمة لمصادر الدعم، واعداد برنامج مستعجل مع المنظمات والهيئات الممولة كان ضروريا لسد النقص في قطاعات السكن والتجهيزات المنزلية والاحتياجات الضرورية لتسيير المؤسسات.

كما أن توقيع عشرات التوأات مع بلدان أجنبية، واستقبال العديد من قوافل الدعم من اسبانيا، ايطاليا، الجزائر، السويد وبريطانيا، وعقد اتفاقيات للتعاون المشترك مع حكومات ومنظمات عديدة، ساهم في تغطية جل الاحتياجات المالية طيلة السنوات الأربع الماضية، والتغلب على العجز الذي كان متوقعا في الموازنات السنوية.

كما أنه لابد من الإشارة إلى دور القروض المصغرة في تحسين المجال الاقتصادي، إضافة إلى تأطير التجار وإنشاء مركز للتجارب والتكوين الزراعي وإجراء دورات تكوينية في الفلاحة.

وفي إطار سياسة إعمار الأرضي المحررة، كإحدى أولويات المؤتمر الثاني عشر للجبهة، فإننا نسجل الحضور المتزايد للإدارة ورموز السيادة الوطنية، الأمر الذي تجلى في تأسيس بلديات ودوائر جديدة في التفاريتي وامهيريز وبئر لحلو وبير تيغيسيت، وضمان الخدمات الضرورية للمواطنين، مثل الصحة والتعليم. هذا في وقت استمرت فيه عمليات التقيب عن المياه وتحليتها، والشروع في عمليات استكشاف الثروات الطبيعية. كما تم تنظيم ميدان المقاولات وتأسيس مكتب تقني متخصص.

وقد شهدت الفترة انتظام برامج النقل القارة والطارئة، وتوفير تجهيزات الطاقة الشمسية لعدة مقرات عمومية، كما أنشئت شبكات المياه بالولايات، إضافة إلى القيام بعديد العمليات في مجال المسح الجيولوجي بالمناطق المحررة، والتركيز على سياسة حفظ ونظافة البيئة.

في الميدان الإعلامي الثقافي، كان إطلاق البث الأرضي والفضائي للتلفزيون الوطني الصحراوي بتاريخ 20 ماي 2009، حدثاً وطنياً تاريخياً بامتياز، مكن الشعب الصحراوي من وسيلة إعلامية متطورة، تفتح أفقاً جديداً، من خلال نقل واقعه وكفاحه البطولي إلى كل أصقاع العالم، وتضمن حضوراً يومياً، بالصوت والصورة، لانتفاضة الاستقلال وغيرها من أشكال الفعل النضالي الوطني.

وإضافة إلى ذلك الإنجاز، تم ترقية أداء الإذاعة الوطنية وتوسيع البث الإذاعي ليصل إلى 13 ساعة يوميا، ليكون كل ذلك بمثابة الطفرة الإعلامية، ليس فقط لتحدي الحصار المضروب حول قضيتنا العادلة، ولكن أيضاً في مسار بناء إعلام وطني بكل المقاييس، يعتمد على خبرات وطاقات صحراوية 100%، متخصصة في كل قطاعات الصحافة وتقنياتها، مما ساعد في ترقية موقع وكالة الأنباء الصحراوية، وتشجيع الإعلام الجواري بالولايات، وتوسيع دائرة الفعل الإعلامي من حيث البرمجة والتغطية لكل الأحداث الوطنية.
في نفس الفترة، شهد القطاع الثقافي حراكا معتبرا ساهمت فيه كل فئات المجتمع من أجل حفظ التراث الثقافي بشقيه المادي واللامادي، مما إنعكس على المفاهيم واعتبار الهوية الوطنية رأس حربة في الكفاح الوطني. كما أن الفترة شهدت تأسيس المرصد العالمي لحماية التراث الثقافي والبدء في حفظ التراث الشفهي وتدوينه وإصدار مجموعة من المطبوعات خاصة حول واقع السجون، وتنظيم العديد من الفعاليات الثقافية كالملتقيات والندوات والمهرجانات والأسابيع الثقافية، وتعزيز علاقات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وخلق فضاءات التكوين في قطاعات الثقافة.

كما تجدر الإشارة إلى أن تنظيم الندوة الوطنية للصناعة التقليدية كانت محطة هامة لتدارس هذا الملف الهام، وخلق أرضيات عمل للنهوض به كعمق وواجهة للتراث الثقافي الصحراوي.

وفي ميدان العمل الخارجي تم الحفاظ على الحضور الفعال في مختلف هياكل الإتحاد الإفريقي، مع التزام الدولة الصحراوية بتسديد كل مستحقاتها المالية، وتكثيف الجهد الدبلوماسي عامة بفتح حوالي 20 سفارة ومكتب جديد في العديد من دول أوروبا و أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، بإشراك الكفاءات الشابة وتعزيز حضور المرأة في الميدان الخارجي.

في إفريقيا، تجدر الإشارة إلى تعزيز العلاقات مع دول إفريقية، تكللت بزيارات رئاسية ووفود رسمية على أعلى مستوى إلى كل من نيجيريا وأنغولا، والمشاركة في احتفالات استقلال جمهورية جنوب السودان وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة معها، وفتح سفارتين جديدتين في كل من غانا وزمبابوي، واعتماد سفير في رواندا.

وفي أمريكا اللاتينية، اعترفت جمهورية الأوروغواي بالجمهورية الصحراوية وتم فتح سفارة فيها، كما تم استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السلفادور والباراغواي واعتماد سفيرين فيهما، إضافة إلى نشاط مكثف على مستوى العديد من برلمانات وحكومات المنطقة.

وفي وآسيا وأوقيانوسيا، تواصل مجهود الاتصال في العديد من الدول، وتم فتح سفارة جديدة في جمهورية تيمور الشرقية.

كما استمر العمل على مستوى الاتحاد الأوروبي، بإيلاء عناية خاصة لملف نهب الثروات الطبيعية، والتركيز الدائم على ملف انتفاضة الاستقلال وانتهاكات حقوق الإنسان، حيث استدعى البرلمان الأوروبي طرفي النزاع، على مستوى وزير الخارجية الصحراوي والمغربي، في جلسة استماع، وأصدر قراراً تاريخياً حول الهجوم العسكري على اقديم إيزيك ومدينة العيون المحتلة.

كما قام العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية الأوروبية بزيارة الأراضي المحتلة، حيث منعت الحكومة المغربية الكثير من الوفود من دخول التراب الصحراوي، وكان من أشنع سلوكات الاحتلال المغربي بهذا الخصوص، ما تعرض له البرلماني الأوروبي ويلي ميير في مطار مدينة العيون المحتلة.

وبعد انضمامها رسمياً إلى الأممية الاشتراكية، أصبحت جبهة البوليساريو تحضر بانتظام إلى كل اجتماعات هذه المنظمة العالمية.

وبخصوص التشريفات تمت استضافة زهاء 30 ألفاً من والزوار من الوفود الرسمية والصحفية والجمعيات والعائلات وغيرها، وتأمين كافة مستلزمات إقامتهم، بالإضافة إلى إنجاز قطاعين إضافيين لسكن الأجانب وتدعيم القافلة الخاصة بنقلهم.

وفيما يخص التعاطي مع جهود الأمم المتحدة، يجدر التذكير هنا بأن الضغوط على الطرف الصحراوي وحلفائه بلغت ذروتها سنة 2007، سنة انعقاد المؤتمر الثاني عشر، في محاولة لفرض الأمر الواقع علينا، وبالتالي قبولنا بالحلول الاستعمارية المغربية. وكان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، الهولندي بيتر فان فالسوم، هو الحلقة الأساسية في المؤامرة.
فبعد أربع جولات من المفاوضات المباشرة، بمنهاست، قرب نيو يورك، بالولايات المتحدة الأمريكية، حاول فالسوم أن يمرر، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، خلاصته السخيفة والجائرة، والتي مفادها أن استقلال الصحراء الغربية غير واقعي، وبالتالي فإن على البوليساريو أن تتفاوض وتقبل بكل ما هو دون ذلك.

وقد تمكنا من خلال جهودنا والتعاون مع أصدقائنا من إسقاط هذه المؤامرة، والحيلولة دون إدراج هذه الخلاصات في تقرير الأمين العام لسنة 2008. كما أن مجلس الأمن تجاهلها تماماً واكتفى بمطالبة الطرفين بمواصلة المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي متفق عليه، يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.

وعلى إثر تلك التطورات، رفضت الجبهة التعامل مع فالسوم، وأكدت للأمين العام ومجلس الأمن أنه مبعوث شخصي غير مرغوب فيه، لأنه انحاز بشكل مفضوخ لموقف أحد الطرفين، بالتالي فقد مصداقيته كوسيط.

ومع مطلع سنة 2009، تمت إقالة فان فالسوم من منصب المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء الغربية، وتعيين السفير الأمريكي كرستوفر روس خلفاً له.

وقد قرر روس غداة تعيينه أنه سيبدأ سلسلة من المفاوضات غير الرسمية، مع تقليص وفدي الطرفين إلا ثلاثة أعضاء لكل طرف. وإذا كانت الجولة الأولى من هذه المفاوضات، التي جرت في أغسطس 2009 في دورنشتاين، في النمسا، اقتصرت على التعارف وتقديم كل طرف لتصوره حول الحل، فإنه خلال الجولة الثانية، التي تمت في فبراير 2011 بضواحي نيو يورك، أراد روس دفع الطرفين إلى نقاش مقترحيهما للحل، الشيء الذي رفضه الطرف المغربي، وهو ما أنهى الجولة قبل وقتها المحدد.

وعلى إثر ذلك، ورغم الجولات التي قام بها روس إلى المنطقة، توقفت المفاوضات من فبراير إلى نوفمبر 2010، بسبب رفض المغرب التجاوب مع مطلب المبعوث الشخصي بنقاش المقترح الصحراوي.

إلا أن زخم واستمرار انتفاضة الاستقلال، وتحديداً ملحمة اقديم إيزيك، التي صادفت زيارة المبعوث الشخصي للمنطقة وانطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات، كان لها الوقع الحاسم في مجريات الأمور. وهكذا خصص مجلس الأمن اجتماعاً استثنائياً لدراسة التطورات في الصحراء الغربية في أعقاب ما جرى في اقديم إيزيك ومدينة العيون المحتلة، وتكثفت اللقاءات غير الرسمية بين الطرفين منذ ذلك الوقت.

في نفس الوقت أضحى موضوع انتهاكات حقوق الإنسان من طرف المغرب في الأراضي الصحراوية المحتلة يفرض نفسه في جلسات مجلس الأمن وقراراته، رغم معارضة فرنسا، التي حالت دون إدراجه في مأمورية بعثة المينورسو.

وفي سياق متصل، وفي تقريره الأخير إلى مجلس الأمن الدولي، في أبريل 2011، أكد الأمين العام للأمم المتحدة بأن ما يجري في منطقة شمال إفريقيا والعالم العربي يؤكد، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة حل قضية الصحراء الغربية على أساس احترام رأي سكان الإقليم، وبأن أي حل لا يأخذ هذه المعطاة بعين الاعتبار، سيؤزم الأوضاع في الصحراء الغربية وفي المنطقة كلها.

لقد شكل تقرير بان كي مون الأخير، والقرار 1979، الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي في أعقاب تلك التطورات، نوعاً من إرجاع المياه إلى مجاريها، ودعوة الطرفين والمبعوث الشخصي إلى التركيز على الجوهر، وهو رأي السكان. وبالفعل، وفي الجولتين اللتين أعقبتا هذا القرار وذلك التقرير، في شهري ماي ويوليوز 2011، تم التركيز على نقاش مقترحي الطرفين وآليات تقرير المصير والجسم الناخب في عملية الاستفتاء، فيما احتلت قضايا أخرى اهتماماً ثانوياً، مثل المقاربات المتجددة والثروات الطبيعية وغيرها.

إن هذا التطور في منهجية التفاوض، المتركز حول معرفة رأي الشعب الصحراوي كمفتاح الحل، أتى بفعل استماتة الشعب الصحراوي في مقاومته الباسلة في مواقع تواجده عامة، وفي الأراضي المحتلة وجنوب المغرب خاصة، وبفعل حجم التضامن العالمي الذي تحظى به قضيته العادلة، ونتيجة التطورات الجهوية والدولية التي بعثت برسالة واضحة إلى الأنظمة الاستبدادية، مثل النظام المغربي، بضرورة ترك الشعوب تقرر مصيرها، واحترام الخيارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

فالمغرب، المقتنع بأن اقتراحه للحل متجاوز ولا يوفـر أدنى شروط تقرير المصير، لكونه يغيب الخيارات المتعددة، وبعد أن تكرست، خلال اثنتي عشرة جولة تفاوضية، حقيقة أن طرفي النزاع هما فقط جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، لم يبق له سوى المراهنة على الوقت، معتبراً أن انضمامه لمجلس الأمن كعضو غير دائم للفترة 2012 ـ 2013 سيساعده في هذا السبيل. وهنا يكمن تفسير رفض الحكومة المغربية قبول مقترح المبعوث الشخصي إجراء جولة من المفاوضات خلال شهر أكتوبر الماضي، وأيضاً عدم قبولها بزيارة المبعوث الشخصي للمنطقة.

أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
وقد تواصل برنامج تبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية على جانبي الجدار العسكري المغربي المقسم للصحراء الغربية، بعد تجاوز العديد من ال
أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
وقد تواصل برنامج تبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية على جانبي الجدار العسكري المغربي المقسم للصحراء الغربية، بعد تجاوز العديد من العراقيل المغربية، حيث استفاد منه حتى الآن ما يزيد على 12 ألف مواطن صحراوي. كما أشرفت الأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي بجزيرة ماديرا البرتعالية على لقاء حول الثقافة الصحراوية، جمع 35 مثقفاً وشاعراً صحراوياً من الأراضي المحتلة ومخيمات اللاجئين.

و في مجال حقوق الإنسان إرتسمت معركة حقيقية ولأول مرة على مستوى مجلس الأمن الدولي، خاصة بعد التطورات المتلاحقة في الأرض المحتلة، على غرار ملحمة أقديم إزيك التاريخية. ورغم وقوف فرنسا في وجه اتخاذ مجلس الأمن الدولي لقرار في مجال متابعة وضع حقوق الإنسان وإدانة الإنتهاكات المغربية، فقد صدرت مواقف مهمة من طرف المجلس. كما أن هذا الموضوع سيظل مطروحا بحدة، كما أشار إلى ذلك المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، خلال تدخله أمام مجلس الأمن في أكتوبر 2011، والذي طالب فيه بأن تقوم المينورسو بدورها في الاتصال بالمواطنين الصحراويين أينما تواجدوا في الإقليم، كما هو الشأن في عمليات حفظ السلام الأخرى، مطالباً بأن يكون للمجتمع الدولي إمكانية القيام بتقدير مستقل لما يقع على الأرض من انتهاكات لحقوق الإنسان.

وفي موضوع الثروات الطبيعية، فقد استمرينا في مجهوداتنا من أجل توقيف نهب ثرواتنا، من أسماك وفوسفاط ومنتجات فلاحية وغيرها. وبالتعاون مع المرصد الدولي لحماية الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية، استمرت الحملة العالمية ضد الشركات والدول التي تشارك المغرب سرقة خيراتنا. وقد سـُـجل تقدم ملحوظ في هذا الميدان، خاصة على مستوى الاتحاد الأوروبي. وكان إعلان الجمهورية الصحراوية عن منطقة اقتصادية خاصة في يناير 2011 بمثابة انطلاقة حملة شاملة لمنع تجديد اتفاقية الصيد البحري ببن المغرب والاتحاد الأوروبي، التي تم إبرامهما سنة 2007، وتشمل المياه الإقليمية لأراضينا المحتلة. وقد تمكنا من تأخير التوقيع على هذه الاتفاقية التي ستناقش مجدداً مطلع السنة القادمة. ومن المهم التذكير بأن بلداناً مثل بريطانيا العظمى والسويد وفنلندا والنمسا وقبرص قد رفضت أو تحفظت على تجديد الاتفاقية المذكورة.



ومن جهة أخرى، استمرت الجمهورية الصحراوية في إبرام اتفاقيات مع شركات في ميدان البترول والغاز، يتم البدء في تنفيذها بعد دخول الدولة الصحراوية في الأمم المتحدة. كما بدأ استكشاف المعادن في الأراضي المحررة. وقد خلصت شركة هانون ريسورسز، التي تربطها اتفاقية معنا منذ سنة 2007، بعد زيارات ميدانية لخبرائها، وعلى أساس مسح الأقمار الصناعية، والتحاليل في المخابر الأسترالية، إلى وجود احتياط من الحديد يقدر بـ ما بين 4 إلى 5 مليار طن بمنطقة تويزرفات والفرفارات واقليبات البركة. كما وجدت مؤشرات لوجود الذهب في منطقة لمطارق وأزرقرق لبيض، وكذلك النحاس واليورانيوم ومعادن أخرى.

وفي موضوع الألغام، استمر تعاوننا مع الأمم المتحدة ومع منظمة نداء جنيف، فيما واصلت منظمة لاند ماين آكشن البريطانية عملها في الأراضي المحررة من أجل تطهير الأرض من هذا الخطر الداهم. وقد تم تطهير المنطقة المحررة الشمالية، والجهود متواصلة بالنسبة للقطاع الجنوبي. كما أننا سندخل في شراكة مع المنظمة النرويجية NPA، من أجل مواصلة المجهود في هذا الميدان.

ومع الأسف الشديد، فإن المغرب، الذي زرع ملايين الألغام المضادة للأفراد ونشر القنابل الانشطارية على طول الصحراء الغربية، يبقى من البلدان القليلة التي لم يوقع اتفاقيتي أتاوا وأوسلو لتحريم هذا النوع من أسلحة الدمار التي لا تزال تزرع الموت والخراب للإنسان والحيوان والبيئة على طول جدار العار العسكري المغربي، الجريمة ضد الإنسانية.

أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
لقد شكلت المقاومة السلمية خياراً استراتيجياً ثابتاً في مسيرة الكفاح على مر تاريخ شعبنا المعاصر، ولا أدل على ذلك من أن بدايات الحراك الوطني ضد الوجود الاستعماري الإسباني شهدت انتفاضة الزملة السلمية التاريخية، في 17 يونيو 1970، بقيادة الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري.

ومنذ 21 ماي 2005، صعدت الجبهة الشعبية من المقاومة السلمية، كأسلوب إضافي للكفاح المسلح، وقد حققت بالفعل مكاسب جوهرية خلال السنوات الأربع الماضية، تنسجم مع ما أقره المؤتمر الثاني عشر من ضرورة توفير دعم استثنائي لتأجيج الانتفاضة وحمايتها.

وفي هذا السياق، ومع مطلع سنة 2008، احتدمت جبهة الانتفاضة، وزادت من تنوع الأساليب النضالية والتصعيد والشمولية، مما خلق العوامل الذاتية والموضوعية، محلياً ووطنياً و دولياً، التي مكنتها من رفع مستوى المجابهة العلنية مع العدو.

وبرز خلال هذه الفترة المستوى التنظيمي العالي للانتفاضة في المدن المحتلة و جنوب المغرب و المواقع الجامعية، وقدرتها على التصدي لكل أنواع القمع والترهيب ومخططات التشرذم والتشتيت، وفرض التعاطي مع مطالبها المشروعة.

إن الزيارات المتتالية لمناضلات ومناضلي الأرض المحتلة وجنوب المغرب إلى الأراضي المحررة ومخيمات العزة والكرامة، كانت بمثابة فعل ميداني رائع للتواصل الشجاع بين كل مكونات الجسم الصحراوي.

كما أن مضاعفة أعداد هذه الوفود، ومن مختلف الأعمار ونقاط التواجد، كسر الحواجز النفسية والأمنية وكل سياسات العزلة والخوف التي خطط لها الاحتلال، وهو ما أوقعه في ارتباك واضح وفاضح، جعله يرد بطرق هيستيرية باعتقال النشطاء الحقوقيين، في ظل حملات دعائية مشحونة بالشوفينية والعنصرية، وصولاً إلى التهديد بتقديمهم إلى المحاكم العسكرية.

إن تنامي الفعل النضالي وانتشار روح التحدي في الجسم الصحراوي، أسس لمحطات تاريخية في سجل الانتفاضة، مثل وقفة المناضلة أمنتو حيدار في جزيرة لانثاروتي الإسبانية سنة 2009، وعودتها معززة منتصرة، رغم القرارات المغربية التعسفية المتخذة على أعلى المستويات.

وشكلت ملحمة اقديم إيزيك، التي دامت قرابة شهر كامل، واحدة من أنصع صفحات المقاومة السلمية، ليس فقط في تاريخ الشعب الصحراوي، بل في تاريخ كل الشعوب التواقة للحرية والكرامة والانعتاق.

اكديم إيزيك معركة فاصلة بامتياز، أسقطت كل توقعات وحسابات الاحتلال المغربي، فكان هجومه العسكري فجر الثامن من نوفمبر 2010 القشة التي قصمت ظهر البعير، مؤكدة القطيعة النهائية ما بين الصحراويين والاحتلال. وبقدر ما كرست هذه المعركة وحدة شعبنا، بقدر ما زادت من حدة الغليان وشحذت العزائم ودفعت إلى مزيد من الإصرار والجرأة التي وجدت واحداً من أنصع أمثلتها في المواجهات البطولية التي شهدتها مدينة الداخلة المحتلة، في أكثر من مناسبة.

كل ذلك فرض على الاحتلال المغربي الاستعانة بترسانته القمعية وإقحام قواته المرابطة في جدار الذل والعار، ليمارس الحصار والتنكيل، في وقت يجدد فيه الصحراويون عزمهم الدائم على جعل كل شبر من أرضهم كديم إيزيك جديد.

وبهذه المناسبة، نترحم على أرواح شهداء انتفاضة الاستقلال المباركة، ونعبر عن كامل التضامن مع عائلة الشهيد سعيد دنبر، والتي لم تكتف فلذة كبدها فحسب، بل إنها فقدت والده أيضاً، الذي توفي مصراً على ضرورة كشف ملابسات الجريمة الغادرة التي تعرض لها ابنه، الذي لا زال ما يوارَ الثرى بسبب تعنت سلطات الاحتلال المغربي، التي ترفض إحالته إلى الكشف الطبي، بل وتمارس أبشع أنواع الضغوط على أفراد هذه العائلة البطلة، بما في ذلك حرمان أبنائها من حق العمل، لحملها على التنازل عن مطلبها المشروع.

كما نقف وقفة تضامن وتآزر وتقدير أمام كل البطلات والأبطال ضحايا القمع الهمجي الوحشي الذي تعرضت له انتفاضة الاستقلال على يد قوات الاحتلال المغربي، من أمثال الولي القاديمي والسالك السعيدي ولالة بوصولة وغيرهم.

إن الحديث عن انتفاضة الاستقلال والمقاومة السلمية عموماً، هو اليوم حديث عن حراك ثوري وطني صحراوي عارم وشامل، عن معركة بطولية حقيقية متواصلة، أبطالها كل أطفال ونساء ورجال وشيوخ الشعب الصحراوي، وسلاحها بسيط ومتواضع وفتاك، هو العلم والنشيد والشعار الوطني، والمطالبة السلمية الحضارية بتطبيق مقتضيات الشرعية الدولية، واحترام حقوق الشعب الصحراوي في الحرية وتقرير المصير والاستقلال.

إننا نتحدث عن اختيار كفاحي شعبي واعي لا حدود لقوته ولا نهاية لمداه إلا يتحقيق أهدافه المشروعة. نتحدث عن فعل نضالي جبار، وحد الصحراويين، كل الصحراويين، في كل مواقع تواجدهم، في الأراضي المحتلة وجنوب المغرب، في الأراضي المحررة ومخيمات العزة والكرامة في الجاليات وفي كل مكان، وجعلهم يقفون وقفة لم يسبق لها مثيل عبر تاريخهم الطويل، قوامها الوحدة والشعور بالانتماء إلى جسم واحد ووطن واحد، والالتفاف حول طليعة كفاحية واحدة، هي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، لبلوغ هدف أسمى واحد، هو الاستقلال الوطني واستكمال سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على كامل ترابها الوطني.


أيتها المؤتمرات، أيها المؤتمرون
بالموازاة مع كل هذا و حتى نكون في مستوى مواجهة التحديات و الرهانات التي تمليها شراسة المعركة المحتدمة مع العدو، علينا الإقرار بالأنقاص القائمة، والتي لا تأتي في معظمها من غياب الخطط و التشريعات، كما لا تأتي من عوز في الإمكانيات، لكنها محصلة لتظافر العديد من العوامل الموضوعية والذاتية التي ألقت بظلالها على التسيير وأثرت على النفسية العامة، لتنتج حالة من عدم الرضى، مبعثها الغيرة على المشروع الوطني، والحرص على جعله على ال


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!