التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:09:55 غرينتش


تاريخ الإضافة : 28.12.2011 13:35:24

تقرير نقيب المحامين حول العدالة في ديسمبر 2011

نقيب المحامين الموريتانيين أحمد سالم ولد بوحبيني (الأخبار - أرشيف)

نقيب المحامين الموريتانيين أحمد سالم ولد بوحبيني (الأخبار - أرشيف)

النجدة النجدة هاهم يعيدون الكرة

منذ سنة تم وضع سبعين قاضيا تحت تصرف وزارة العدل وإقالتهم من كل وظيفة قضائية باعتبارهم "غير قادرين على متابعة عملية اصلاح القضاء التي تقوم
بها الحكومة".

وكان هذا القرار قد اتخذه المجلس الأعلى للقضاء بناء على اقتراح من وزير العدل الذي أعلن في وقت لاحق أنه يتحمل مسؤولياته بشأن الموضوع.

وفي دائرة القضاء، قدم أصحاب هذا المسعى ما قاموا به على أنه فعل شجاع يندرج في منطق التطهير الذي لم يعد موجودا معه، كما يقولون، مكان في القضاء للمفسدين أو لأولئك الذين يعوقون ويعرقلون عمل العدالة ضمن تطلعاتها الجديدة.

وأخيرا كان يقال إن الإصلاحات في قطاع العدالة قد انطلقت ولا شيء سيقف أمامها شيء إلا أن أي تحرك في هذا الاتجاه يجب أن يستخرج أولا من سلك القضاء أولئك الذين، لأسباب تتعلق بعدم الكفاءة أو انعدام الأخلاق، لا يستطيعون مسايرة الرغبة في التغيير والطموح لتحقيق العدالة.

لم تخل المسألة في بدايتها من بعض التناقضات بل إنها أثارت بعض التساؤلات حول الأسباب والدوافع التي جعلت القضاة المقالين يستمرون في تلقي رواتبهم بل وكُون بعضهم يُرسل الى دولة قطر إذا كانت فرضية عدم كفاءتهم واتصافهم بالفساد ثابتة؟.

فعلا ينبغي التذكير، منذ البداية، من أنه ليس من المُسلم به أن وضع مجموع هؤلاء القضاة تحت تصرف الوزارة قرار عادل يقوم على أساس موضوعي؛ فلو ربما
،في غمرة تصفية الحسابات الجانبية، نال هذا المصيرً بعضُ القضاة الذين ليسوا بالضرورة من بين الأسوأ، ولربما أيضا تحرك بعض اللوبي ليمنع قضاة كان ينبغي، منطقيا، أن يكونوا ضمن لائحة المقالين من وظائفهم.

الحقيقة هي أن الفعل كان رمزيا وقد أعطاء إشارة الإنطلاق، الانطلاق النظري لورشة "تطهير العدالة".

ولكن ها هو المجلس الأعلى للقضاء، في دورته المنعقدة يوم 26 ديسمبر 2011، وفي الوقت الذي كان يُنتظر منه إدخال إصلاحات أعمق ومزيد من احترام القضاة من خلال تقدمهم ونقابتهم وإعادة النظر في القرار التعسفي الذي تم بموجبه فصل القاضي محمد الامين ولد المختار وغير ذلك من الإجراءات ذات المغزى القوي في مجال العدالة، ها هو إذن هذا المجلس يقوم بإعادة تأهيل عدد من هؤلاء القضاة ويسند إليهم مسؤوليات هامة جدا، وكأن شيئا لم يحدث.

إننا لم نصدق أبدا ولو للحظة واحدة أن السلطات العمومية تحدوها الإرادة في تطهير العدالة في بلدنا أو في تحسينها ومع ذلك يبدوا لنا أن وهم الاجراء المتخذ سنة 2010 كان ضروريا إذ يكفي لوحده لحصر القضاة في منطق من المطالبات للإفلات من هذا المصير.

لماذا، أيها السادة أعضاء المجلس الاعلى للقضاء، عمدتم الى تجريدنا من وهمنا، هذا الوهم العزيز علينا والذي لا نملك سواه في الوقت الراهن مما جعنا نتمسك به ونتشبث حتى لا يتملكنا اليأس؟.

لماذا نزعتم منا وهمنا الذي يبعث فينا روح الأمل والقدرة على الحلم؟.

هلا شرحتم لنا قراركم؟.

بالأمس القريب كان القضاة المعنيون غير قادرين على مسايرة إصلاح قطاع العدالة، بل كانوا عقبة في وجهه (حسب رأيكم أنتم) والآن هاهم يتلقون (من قبلكم) أعلى المسؤوليات في قلب العدالة؟.

ما هي الدروس وما هي العبر التي علينا أن نستنتجها من ذلك؟.

1 / هل بدا لكم، مع سير الزمن، أنه لا يمكن لعدالتنا أن تستغني عن القضاة الفاسدين وغير الأكفاء، وبالتالي كان لا بد من إعادتهم إلى وظائفهم؟.

2 / هل كان الأمر في الأصل إجراء غير عادل في حق القضاة المعنيين؟ وفي هذه الحالة ربما يحسن النظر في التعويض لهم عن ما لحق بهم مدة سنة كاملة من النعوت غير اللائقة والخطيرة التي تنعتهم بانعدام الكفاءة والاتصاف بالفساد؛

3 / هل هو، بالأحرى بالنسبة لكم، تراجع عن المشروع الخجول المتعلق بتطهير قطاع العدالة؟

4 / هل وُجد هذا المشروع بالفعل على أرض الواقع؟

في غياب توضيحات من جانبكم حول الموضوع فإن تحليلنا سيقودنا حتما إلى استنتاج مفاده أن قوى الشر انتصرت في المعركة، وتمكنت من عرقلة المحاولة الخجولة المبذولة في سبيل الاصلاح.

لا مراء من أن القبلية والأذرع الطويلة قد فازت ولكنه عليكم بل ومن واجبكم، سيادة وزير العدل وفخامة رئيس المجلس الأعلى للقضاء أن تفكروا مليا في معاناتنا، نحن الفاعلين في القضاء، ونحن المتقاضين، ونحن المراقبين المتتبعين لإجراءاتكم غير الواردة والمترددة، في الوقت الذي نعيش فيه الانهيار الحتمي لآمالنا (التي وإن كانت وهمية كما أعترف لكم بذلك إلا أنها مع ذلك مطمئنة).

يمكنكم، على سبيل المثال، أن تقولوا لنا إن القاضي محمد عبد الله ولد الطيب لم يكن ذلك القاضي الفاسد وغير الكفء الذي كنتم تظنون و أنتم تضعونه سنة 2010 في قائمة القضاة المعزولين، بل هو نموذج للقاضي الكفء والنزيه الذي تحتاج إليه العدالة اليوم أشد الحاجة حتى جعلته على رأس محكمة الاستئناف.

أم أن القاضي محمد عبد الله ولد الطيب هو في الواقع عائق أمام تطهير العدالة ولكن هذا التطهير لم يعد على جدول الأعمال، وفي هذه الحالة فإننا بحاجة إلي فهم هذا التناقض التام بين الإجراءات المُهينة التي اتخذتم سنة 2010 وتلك المشرفة التي اتخذتم سنة 2011 والتي تربك حقا أي مراقب أو فاعل حريص على تحسين العدالة.

إن عليكم أن تجعلونا على بينة مما جرى وأن توضحوه لنا وأن تشرحوه أمام رأي عام أصبح أكثر فأكثر تطلبا في مجال العدالة. فقرار المجلس الأعلى للقضاء، المؤرخ بـ 26 ديسمبر، قد أنهى سنة 2011 بخيبة أمل مريرة ماثلة للعيان: فلا شفافية ولا إستراتيجية في قطاع العدالة و لا أي منطق .

أدعو رسميا وزير العدل أن يقدم لنا توضيحا عاجلا حول هذا الموضوع لأننا بحاجة، قبل أن نترافع أمام هؤلاء القضاة، إلي معرفة الدوافع والأسس التي على ضوئها تم استبعادهم في عام 2010 وتلك التي على ضوئها تم تجديد الثقة فيهم في عام 2011؟ فما ذا حدث يا ترى في المدة الفاصلة بين هذين التاريخين؟.

نواكشوط: 28 ديسمبر 2011
الأستاذ أحمد سالم ولد بوحوبيني

عميد السلك الوطني للمحامين

الموريتانيين


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!